المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيء ما في نفسي....(قصص قصيرة)



هيثم سعد زيان
21/10/2007, 03:15 PM
شيءٌ ما في نفسي...!




مجموعة محطات قصيرة على عهدة الراوي لها ما لها و عليها ما على الراوي من التزام بشيء مما في نفس يعقوب...


المحطة الأولى:



لحظات من قصدير


من عادته إقتسام شذرات النشوة مع أترابه في الحي العتيق.حي توزعت فيه إستمارات البؤس بطريقة شفافة و مقنعة :"الكل يـلـُوكُ متعة الترقب و الحيرة في انتظار الرغيف المزعوم".
و في أوج حاجته إلى روتينه المطلوب ، لم يعدْ يـُحسـِنُ القسمة المعهودة...و لم تعد لافتة الحي تتذكر مـَنْ خـط َّ أبجديتها الأولى..
لقد خبت أنفاس الطامحين تحت هدير من طين، فالزلزال لم يكن ليمنحهم مزيدا من الترقب و آثر أن يـُهديهـم لحظات من قصدير...


المحطة الثانية:



اللحم المغشوش


تمتطي سيارة أجرة كحصان طائر ، تود المثول أمام وجهتها على جناحي السرعة و العجلة.
لقد تلقت مكالمة هاتفية ، تـُحفـّزها على التحرك و فقط...الوجهة مربض عملها و الغاية محسومة آنفا: لـَمـَّا فكـَّتْ شفرة آخر رسالة إلكترونية تلقتها، كان الحدس يدفعها إلى التصديق بأنها مرغوبة أو مطلوبة من جهة ما ، قصد فسخ الارتباط مع وحدتها الصدئة".
وفي غمرة الشوق و التشويق يتمدد الوقت جزافا و يشيخ و تتحول سيارة الأجرة إلى قطار بخاري لا يحسن سوى نفث سعاله الديكي المزعج.و حين بلوغ ساعة الذروة و احتدام القيظ على طول مسار الطريق السريع ، ينتهي الكلام المباح ...
قيلَ إن صهريجا مفخخا أطعم نوايا السيارة نارا و دخانا و شظايا لحم مغشوش.


المحطة الثالثة:



هكذا باح ساعي البريد...!


مضى على تخرجه ألف ميل و ميل و مازال مثابرا على العد الجميل.هو الأول في الدفعة و آخر المسجلين على قائمة انتظار التوظيف .ربما سيغيـِّرُ الاستدعاء الذي تلقاه اليوم من منحى حظوظه شيئا(...) مسابقة لتوظيف أخصائيين في "السوسيولوجيا ".
ميدان العمل " دار حضانة للأطفال" ...و لم لا؟! عرض مُغـرٍ جدا ، جدا بالنسبة لحامل شهادة على شفى الاضمحلال...
وفي صبيحة اليوم الموالي و بعد هنيهة نوم لم يقترفـْهُ قط، يستعد للولوج خارج البيت ، قاصدا ما ابتسم له من قدر ، لكن الطـَرَقـات الظريفة على الباب ستضِيفُ درجات أسمى إلى شهادة صبره النموذجي...
"أنا آسف ، سيدي! لم تكن أنت المقصود بالاستدعاء. هو شخص يحمل نفس جـِنـَاتِ اسمك غير أن العنوان تتقلده مدينة أخرى" ...هكذا باح ساعي البريد ...


المحطة الرابعة:


موعد مع الصمت




...هو ليس بالقرين المزيـَّف و ليس مثيلا مُـقحَـمًا ضمن ترسانة العائلة المعوزة.ببساطة ، هو، أخ توأم لأخ له ، لكنه لم يستنسخْ من سلوك أخيه السوي شيئا، يتعاطى كل شيء عدا محبته لنفسه.
و لأن موعده مع الشبهة الثابتة ( تسليم أقراص النشوة المفترض لمروجيها) تزامن مع جلب الأقراص المهدئة لأم أشبه ما تكون بالمومياء المحنـّطة ، طريحة البؤس منذ أمد بعيد ، فضل تفويض أخيه ليحل مكانه و يشتري لأمه الأمل المنتظر، بينما ركن ،هو، إلى لعبة " الدومينو" مع أخ له غير توأم.
يشتري المُـفــَوَّضُ الدواء من صيدلية في المدينة المجاورة غير أنه لن يعود أبدا.
حين تعدى عتبة الصيدلية ، سكن جسمـَهُ وابلٌ من الرصاص ...؟!
و بعد استنطاق إحدى الرصاصات الموقوفة ، تبين أنها لم تكن لتتجرأ و تستقرَ في ما لا يعنيها لولا فداحة الشبه بين المطلوب لتسديد دين قدره(200مليون سنتيم) و بين من قاده القدر إلى بهو الصمت الرهيب...


المحطة الخامسة:


سلطة الظل


من عادتي أن أتصفح جدران البيت صفحة، صفحة

ولا أجد للجدران بيتا...

من عادتي أن أقف مطولا أمام بقايا مرآتي...

ليس لتأمل وجه طاعن في الرتابة، إنما لتأمل وجه لا تراه المرآة...



المحطة السادسة:




الدهشة


أنتعل جرأة أمي...

أتقدم نصف خطوة نحو الأسفل...

أستل ما تبقى من حليب أمي الخاثر من صدرها المستتر وراء الفاقة

أسكب زخات من جينات وحمها المتمرد على حيرة آدم...

و أدعك مرة ومرة ...ثم مرتين...

وحين تبلغ التسلية منتهى النعومة،لا أجد للدهشة رائحة...



البيرين/ الجزائر في:21/10/2007

مريم احمد
21/10/2007, 07:49 PM
هي بحق محطات مدهشة تقول الكثير عبر ومضاتها وحكيها المضغوط وبنائها الفني وتشكيلها المميز.

هيثم سعد زيان
22/10/2007, 09:51 AM
و انت بحق أختي"مريم"، لك من النبرات النقدية ما يجعلك مختلفة بامتياز عن غيرك ...
شكرا لمرورك المضيء..

طارق شفيق حقي
01/11/2007, 09:17 PM
سلام الله عليك

لا اعرف كيف تمر بعض النصوص الجميلة من يدي

ربما لازدحام المربد أحياناً بالمنقولات التي تشغل في متابعتها


والله النصوص جميلة وتستحق الوقوف عندها

هيثم سعد زيان
03/11/2007, 11:38 AM
الأستاذ "طارق"...
طاب مقامك و كل عام وأنت بخير...

شكرا لمرورك السلس و لما حواه من نفح قرمزي...

ابو يونس الطيب
27/01/2008, 04:12 PM
مجرد كلمات تناثرت لاانتساب بينها هكذا تراءى لي وانا اطلع لاول على هذه الومضات ...بمجرد التأمل ايقنت ان القاص مبدع الى حد لم تدركه مخيلتي . وان كل كلمة بمثابة ينبوع تفرع في مجار لا نهاية لها وانه لا يمكن لامثالي الا الاضطغاغ من مائها كلما سنحت الفرصة ...معذرة اخي سعد ان كان ادراكي قاصرا.... وشكرا

هيثم سعد زيان
28/01/2008, 08:42 AM
أبو يونس الطيب ***

شكرا لصراحتك المثالية...و أنا أعتبر نصوصي ككل النصوص قابلة للنقد و يمكن أن تكون قاصرة عن بلوغ المرام ..لأنها وببساطة ، ليست كلاما منزلا ...

شكرا أخي ...

الباشق محمد بلغيث
16/12/2008, 01:18 PM
... إن كانت الكلمات تفي حق من وضعها لنا - للقراءة فقط دون النفع منها - في كثير من محطـــــات الأدب ... فأظن يا هيثم تشاطرني الرأي حينما أقول : والله لن تفيك كلماتنا حقك ... وأنت تزاحمها الخروج في فوضى كتاباتنا ... وقد أضفت جانب التسلية و التشويق و المحاكاة بأسلوب راق و نقي ينم عن مدى مقدرتك على الإبداع في التعبير دون تشويش ...فلا تحرمنا مثل هذه النسمات ونحن أحق بانتعاشها .
***********
أخوك الباشق

بنور عائشة
16/12/2008, 04:01 PM
تحية طيبة ...

دهشــــــــة هي النصوص القصصية القصيرة التي قرأتها ..لعب بالكلمات وتفنن في المدلـــــــــول وروعة في الايحاء وتقنية قوية وبعـــد ملفت للانتباه في الخيال الابداعي للكاتــــب ..
قصـــص موحية وجميلة جدا حد التشويق و اللامـلل ،، هي قصص الإيقاع ...
قصص ايقاع الأذى بالنفس أو سلوك التدمير وهو اضطراب سلوكي يأخذ أشكالا مختلفة في الأحداث وفي نفس الوقت تكويـــن رابطة وجدانية وتطوير علاقة ايجـــابية بين النص والقارئ من خلال مشاهد سلوكية تعمد الكاتب اثارتها بروح ابداعية مؤلمة تؤثر في الآخر الذي يترصــد كل حركة لشخصياته المؤثرة جدا ......

قصص رائعة أتمنى قــراءات أخرى متجددة لكاتب أبدع بحق .

بالتوفيق .............

يوسف أبوسالم
17/12/2008, 05:59 PM
شيءٌ ما في نفسي...!





مجموعة محطات قصيرة على عهدة الراوي لها ما لها و عليها ما على الراوي من التزام بشيء مما في نفس يعقوب...


المحطة الأولى:



لحظات من قصدير


من عادته إقتسام شذرات النشوة مع أترابه في الحي العتيق.حي توزعت فيه إستمارات البؤس بطريقة شفافة و مقنعة :"الكل يـلـُوكُ متعة الترقب و الحيرة في انتظار الرغيف المزعوم".
و في أوج حاجته إلى روتينه المطلوب ، لم يعدْ يـُحسـِنُ القسمة المعهودة...و لم تعد لافتة الحي تتذكر مـَنْ خـط َّ أبجديتها الأولى..
لقد خبت أنفاس الطامحين تحت هدير من طين، فالزلزال لم يكن ليمنحهم مزيدا من الترقب و آثر أن يـُهديهـم لحظات من قصدير...


المحطة الثانية:



اللحم المغشوش


تمتطي سيارة أجرة كحصان طائر ، تود المثول أمام وجهتها على جناحي السرعة و العجلة.
لقد تلقت مكالمة هاتفية ، تـُحفـّزها على التحرك و فقط...الوجهة مربض عملها و الغاية محسومة آنفا: لـَمـَّا فكـَّتْ شفرة آخر رسالة إلكترونية تلقتها، كان الحدس يدفعها إلى التصديق بأنها مرغوبة أو مطلوبة من جهة ما ، قصد فسخ الارتباط مع وحدتها الصدئة".
وفي غمرة الشوق و التشويق يتمدد الوقت جزافا و يشيخ و تتحول سيارة الأجرة إلى قطار بخاري لا يحسن سوى نفث سعاله الديكي المزعج.و حين بلوغ ساعة الذروة و احتدام القيظ على طول مسار الطريق السريع ، ينتهي الكلام المباح ...
قيلَ إن صهريجا مفخخا أطعم نوايا السيارة نارا و دخانا و شظايا لحم مغشوش.


المحطة الثالثة:



هكذا باح ساعي البريد...!


مضى على تخرجه ألف ميل و ميل و مازال مثابرا على العد الجميل.هو الأول في الدفعة و آخر المسجلين على قائمة انتظار التوظيف .ربما سيغيـِّرُ الاستدعاء الذي تلقاه اليوم من منحى حظوظه شيئا(...) مسابقة لتوظيف أخصائيين في "السوسيولوجيا ".
ميدان العمل " دار حضانة للأطفال" ...و لم لا؟! عرض مُغـرٍ جدا ، جدا بالنسبة لحامل شهادة على شفى الاضمحلال...
وفي صبيحة اليوم الموالي و بعد هنيهة نوم لم يقترفـْهُ قط، يستعد للولوج خارج البيت ، قاصدا ما ابتسم له من قدر ، لكن الطـَرَقـات الظريفة على الباب ستضِيفُ درجات أسمى إلى شهادة صبره النموذجي...
"أنا آسف ، سيدي! لم تكن أنت المقصود بالاستدعاء. هو شخص يحمل نفس جـِنـَاتِ اسمك غير أن العنوان تتقلده مدينة أخرى" ...هكذا باح ساعي البريد ...


المحطة الرابعة:


موعد مع الصمت




...هو ليس بالقرين المزيـَّف و ليس مثيلا مُـقحَـمًا ضمن ترسانة العائلة المعوزة.ببساطة ، هو، أخ توأم لأخ له ، لكنه لم يستنسخْ من سلوك أخيه السوي شيئا، يتعاطى كل شيء عدا محبته لنفسه.
و لأن موعده مع الشبهة الثابتة ( تسليم أقراص النشوة المفترض لمروجيها) تزامن مع جلب الأقراص المهدئة لأم أشبه ما تكون بالمومياء المحنـّطة ، طريحة البؤس منذ أمد بعيد ، فضل تفويض أخيه ليحل مكانه و يشتري لأمه الأمل المنتظر، بينما ركن ،هو، إلى لعبة " الدومينو" مع أخ له غير توأم.
يشتري المُـفــَوَّضُ الدواء من صيدلية في المدينة المجاورة غير أنه لن يعود أبدا.
حين تعدى عتبة الصيدلية ، سكن جسمـَهُ وابلٌ من الرصاص ...؟!
و بعد استنطاق إحدى الرصاصات الموقوفة ، تبين أنها لم تكن لتتجرأ و تستقرَ في ما لا يعنيها لولا فداحة الشبه بين المطلوب لتسديد دين قدره(200مليون سنتيم) و بين من قاده القدر إلى بهو الصمت الرهيب...


المحطة الخامسة:


سلطة الظل


من عادتي أن أتصفح جدران البيت صفحة، صفحة

ولا أجد للجدران بيتا...

من عادتي أن أقف مطولا أمام بقايا مرآتي...

ليس لتأمل وجه طاعن في الرتابة، إنما لتأمل وجه لا تراه المرآة...



المحطة السادسة:




الدهشة


أنتعل جرأة أمي...

أتقدم نصف خطوة نحو الأسفل...

أستل ما تبقى من حليب أمي الخاثر من صدرها المستتر وراء الفاقة

أسكب زخات من جينات وحمها المتمرد على حيرة آدم...

و أدعك مرة ومرة ...ثم مرتين...

وحين تبلغ التسلية منتهى النعومة،لا أجد للدهشة رائحة...




البيرين/ الجزائر في:21/10/2007



أخي هيثم
مساء الورد


محطاتك يضيؤها الإبداع

وتتخللها لغة قوية جزلة التراكيب

ولا تنقصها الحبكة الفنية المحمكة

على أن السرد أضاءها أكثر

تلك الشرائح الإجتماعية التي تصف

مجتمعات يطحنها التخلف والفقر والإستبداد

فتلجأ إلى تغريب أنفسها عن واقعها

فتضيع في زحمة أسئلة قلقها الوجودي

تحياتي