المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسطورة الهلال ويوم العيد



hasaleem
09/10/2007, 05:15 PM
أسطورة الهلال ويوم العيد

بقلم
حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس
hasaleem

ذات يوم خريفي مضى, لسنوات عجاف خلت, إمرأة قروية بقاعية, من الريف العربي اللبناني, الإيمان بالله تعالى رأسمالها الأول والأخير, شاء لها القدر أن تقترن ليكتمل دينها تيمنا بقول الرسول (ص), فاختارت من جعل الله بينها وبينه مودة ورحمة, وحلت لهما السكنى بجوار مقام نبوي طاهر أثري قديم, لنبي من أنبياء الله عبر الحقب الزمنية الغابرة يكنى " النبي رشادي ", تيمما وتبريكا بزيارته اليومية وتقديم النذور لمقامه قربة لله تعالى...

" النبي رشادي " قرية لها تاريخ عتيد, موغل في الزمن البعيد, تتشرف بإحتوائها رفات نبي قديم, وتفخر بالإنتساب له وحمل إسمه الطاهر, فيها كان أمر الله بالحمل فحملت الأمة, وفيها كان أمر الله فوضعت الأمة, وكان ذكرا كما لله بسملت واسترجعت وكبرت وتشهدت وتنسكت وتضرعت وتهجدت وركعت وسجدت وكبرت وحمدت واستغفرت, ووسمته بإسم مشتق من أسماء الله الحسنى, إحتفت به كثيرا, وأرضعته الإيمان الفطري والحب الشفيف الخالص والعنفوان الإنساني والإباء العربي, ونذرته للمعرفة والعلم والفكر والتفكر, وكان حلمها أن يتقبل ربها النذر قبولا حسنا...

الوليد البكر كان محط الإهتمام المنقطع النظير من الأب, منذ ولادته رفع الأذان في أذنه اليمنى, والإقامة في أذنه اليسرى, وبسمل وقرأ الفاتحة بين أكفه ومسح بها وجه وليده, وكبر وركع وسجد وحمد واستغفر وتوكل وتشهد وسلم, وغفا والوليد بين يديه, وراح يتخاطر برؤيا مستقبلية بعيدة, يخفق قلبه في صدره بها آملا ضارعا أن تتحقق في وليده البكر, وكان يدعو الله في كل صلاة كي يحقق حلمه بوليده البكر...

مصطبة البيت القروي, المكشوفة لقبة السماء, كما هي مشرفة على إمتدادات السهل المتموج بالخضار, إنعكاسات سنابل القمح المكسو بها, المصطبة الترابية سرير وميدان الوليد منذ البدء, يحلو للأم أن تمدد طفلها على ظهره, وعيناه تلتمعان تتجولان في الأفق الممتد, سيما في فصلي الربيع والصيف وبعض أيام فصل الخريف, حيث السماء صافية تماما, وتتألق فيها النجوم ليلا وكأنها قناديل معلقة في قبتها, والقمر بمراحل أشكاله الظاهرية أمير يتلألأ بين النجوم, والطفل يجول بعينيه يلتفت لأضواء النجوم دون أن يعي ما هي...

كل مساء الأبوان يحلو لهما السهر فوق المصطبة المكشوفة, يجتمع إليهم الأجداد والأعمام والأخوال وصلات الرحم, وهم الجميع تحريض الطفل للإبحار بعيدا بناظريه في عمق السماء, ويلاعبونه بتعريفه إلى النجوم عرائس النور, وأطوار القمر المنير, هلال, تربيع أول, بدر, تربيع ثاني, محاق, وكأنهما يريدان لطفلهما أن يكون راصدا للنجوم والأجرام والشموس وفلكي المستقبل...

نما الطفل من طفولة إلى طفولة, وترعرع في كنف عائلة ريفية فقيرة, تقتات مما تزرع في السهول, لكنها غنية الإيمان والمعرفة والوعي الباطني, وكان الطفل يركن مساءا جانب جده, مشنفا أذنيه مستمعا له يروي ألف ليلة وليلة, قبل أن يرسل ناظريه إلى عمق السماء, مستطلعا متابعا حركة النجوم والقمر, راسما بإصبعه مؤشر ساعته النجومية ليحدد الوقت, منهيا سهرته بكلمات ومصطلحات فلكية لم تكن مفهومة لديه, كان الجد يتمتم بها وهو يلملم أردانه لينسل في فراشه, يتبعه الهر الأسود لينام عند رأسه, ويتبادلان الشخير حتى الفجر...

منذ نشأته, تأثر الطفل بجده الراوي, وإنتبه للحلم الذي كان وما زال يراود كل من أبويه, وكان يتخاطر به دائما ليغدو ضالته المنشودة, فأبحر في يم المعارف منذ نشأته, يستقي الوعي من بطون الكتب التراثية, ممضيا طيلة النهار وجزءا كبيرا من الليل ينهل من الثقافة ولا يشبع, وكلما أوغل في مطاويها إزداد شوقا للتوغل أكثر, فإتقن الكثير من الفنون الأدبية والفنون التشكيلية والتجريبية, وتعلم بالمحاكاة ما لم يتعلمه في المدارس, وتناهى له بوعيه الباطني أن الله يعرف ويوحد بعلم الفلك, فإنتبه لطفولته الأولى وكيف كان يستلقي على ظهره فوق مصطبة البيت القروي, يجول بعينيه في أعماق السماء مترقبا النجوم اللامعة, مفتتنا بأشكال القمر وأطواره على إمتداد الشهر العربي الهجري, فأبحر في الأبعاد الفلكية يروم العلم الفلكي, وصار فلكيا يجيد مراقبة حركة النجوم والكوكبات ويحلل علاقاتها ببعضها البعض, ليتوصل إلى قدرة الخالق التي لا كفو لها, فرسخ إيمانه في عقله قبل قلبه, وفي روحه قبل نفسه, وفي كينونته الأثيرية قبل جسده المادي...

وصار كاتبا, كتب للسماء ما كتب, وغدا رساما, رسم للنجوم أشكالا وللكوكبات مخطاطات, ووتخصص في المعلوماتية فوثق للشمس والأجرام , ودون مصطلحات الفلك, وراح يحاكي الزمان فوضع جداول الوقت ومواقيت الصلوات, وأجاد في لغة الضاد التي لم ولن يتعلم غيرها, فقرض ونظم الشعر للبدر والهلال, ونثر الخواطر للمظاهر الكونية, ونسق الدراسات المختلفة, وإفتتن بالقمر أيما إفتتان, فدرس مظاهره وحركته وأطواره ومساره وعلاقته بالأرض وعلاقته بالشمس, وإشتغل بظاهرتي الكسوف والخسوف, ولمع نجمه في الكثير من الإبداعات, محققا القربة لله تعالى ومرضاته من خلال مرضاة أبويه عليه وله, وصية الله تعالى في القرآن وكتب السماء وبقية الأديان المنزلة من لدن الحكيم العزيز...

مذ وعى التكليف الشرعي, يعتكف كل عام في ظلال أيام وليالي شهر الله المبارك, يراقب السماء, يتابع حركة القمر, يطيل النظر بمرقابه الموجه إلى السماء, يرصد مظاهر وأشكال وأطوار القمر, منذ الولادة حتى الولادة مرورا به هلالا فتربيعا أولا فبدرا فتربيعا ثانيا فمحاق, يدرس, يحسب, يحقق, يرسم, ينظم, يجدول, يدون, فالعلم هو العلم ولا جدال في العلم, فالقمر سمت المواقيت ومقياسها للعرب, به إرتبطت هجرة النبي العربي محمد (ص), وكان التأريخ الهجري مقياسا لتعاقب السنين في الجزيرة العربية, وكانت الأشهر القمرية مقياس لطول الزمن السنوي, وإمتد التأريخ الهجري يشق الدرب في صدر الحقب الزمنية, ليغدو خشبة الخلاص التوقيتي للكثير من الشعوب, ويصبح الرمز والشعار لكثير من الأقطار, وبقي القمر ملهما للكتاب والشعراء والفلكيين رغم اختراق حرمته من رواد العلم, وبقي القمر قبلة تتطلع إليها عيون العشاق وتحاكي ضوؤه الفضي قلوب المغرمين, ويبقى على مر الأجيال والأزمان هديا زمنيا للناس في عالم الأرض...

ويقف العلم الفلكي خاشعا ساجدا من خشية الله تعالى, يبحر في ماورائيات " القاعدة الذهبية " رغم التقدم والتطور وجنون الإختراعات وسيطرة الإبتكارات, ورغم كل الدقة العلمية والفلكية في ضبط منظومة الزمن, المرتبطة بمسارات القمر وأجزاء وأضعاف المواقيت, ورغم كل الإعتبارات والإجتهادات والإختلافات واللقاءات والمقاربات والنقاشات والحوارات والفتاوى, تبقى الحقيقة الدامغة التي لا بد منها حتى ولو كره الكارهون, تتناقلها الأجيال من جيل إلى جيل, وتحفظها العقول المفكرة التي تخشى الله, وتعزف لحنها القلوب النابضة بعشق الله...

تتألق على صدر السنين القاعدة الذهبية, وتسطع في جبين التاريخ, لتوشي الجغرافيا بوشاح من الإيمان, ويترصع التقويم الهجري بنور من نور السماوات والأرض, تعرج فيه الملائكة بالضوء الفضي بين أديم الأرض وأبواب السماء, كارزة بوحي السماء للصادق الأمين المصطفى المختار...

" صوموا لرؤيته وإفطروا لرؤيته "
حتى وإن تراءت لكم نجمة الصبح هلالا
إفطارا سعيدا وعيدا مجيدا
وكل عام وأنتم بخير...

أحمد سالم
20/10/2007, 08:39 AM
وانت بخير

واعاده الله على امتنا الاسلامية بالخير