المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة : الحنطة



د.مصطفى عطية جمعة
17/09/2007, 08:29 PM
الحــنطـة

الأب بكار :
حتى الحيات ، خرجت تتلظى و تلتمع جلودها المزركشة تحت نيران القرص المتعامد في السماء ، كأنه يتعقبنا .
أيتها الأفاعي ، كفي عن اللهث ، فلن تنالي من جسـدي و لا جسـد زوجتي " برية " التي ضَمُر ثديها ، و رضيعنا معلق فيه ، و ابناي ، و ابنتي يجرون أقدامهم كأنها العصي . هل تطمعين - أيتها الأفعى - في الحنطة التي أحكمت ربطها على بطني ، و قد حفظت أعداد حبيباتها ؟
تقعرت بطني ، لا يزال النفس يتردد ، فلا تتطلع عيونكم - أبنائي - إلى الحنطة و إن كان القلب يهُن لكن دقاته تُعالي صوت القذائف التي صَمّت إحداها أذنيّ . . . هناك في بقايا بلدتنا " بربرة " .
تقوست ساقاي ، ليس بعد ، أمامنا ليالي حتى نصل إلى السلك الشائك للحدود . تتحسس أناملي الحنطة ، كأن ملمسها نغم . تلسعني عيونهم ، و بريق الروح يتسلل من شفاههم التي أخرست ضنًا بالرذاذ المتطاير مع الكلمات . لن أقرب حبيبة واحدة ، سأقاوم أيها الرضيع ، ألا تترك قطعة الجلد المعلقة في فيك . افتح عينيك حتى أشم الروح منها ، أو حرك أصابعك المتجمدة كالعقارب المتناثرة موتا حولنا .
هل تشبع من سكونك . . ؟ لا . . . إنه يُذكّرني بسكون أبي في قبره تحت الأنقاض ، بينما النيران تتصاعد للنجوم .
السكون في خلاياي . تقترب طاقة النور ، من قلبي . الآن . . . ربما الحنطة . . . تعزف الموت لي . . . . . و الحياة لكم .
الأم برية :
تصلبت الرمال أمام أظفارنا . أنترك عظامك تنبت الأشواك . الأرض هنا لن تجود بقبرك . أحكم ربط الحنطة حول بطني . رضيعي " فرح " فارقني مقتلعًا ثديي . ساكن بجوار من ألقى بذرته في رحمي التصق ولداي و ابنتاي ببطني . . يفكون القماش ، لا تزيدوا - فلذات كبدي - على كف من الحبات . . ثم أسرعوا بأقدامكم .



الظلام مطبق ، و أجسادنا المتساندة في نومها ترتجف . تلك النجمة ، واهنة حركتها من المشرق إلى حيث يبتلعها المغرب . هل تتأسين - أيتها النجمة - لوحدتك في السماء أم لوحدتنا ؟ ها هو القرص يتسارع بخيوط أشعته المحرقة . تفتحت أبصارنا تتخطى تماس الأفق من بعيد .
شدوا يدي - أبنائي - ليلة واحدة ، منذ فارقتنا يا " بكار " و يا " فرح " . الحنطة تتناقص و أنفاسكما تلاحقني . دعوا يدي . . فالصمت يملأ جسدي .
عيونكم ستواصل المسير نحو سلك الحدود الشائك ، حيث هناك يهطل الماء ، و يلمع رذاذه من السماء . الصمت الآن . . .
. . . . . . له رنين مع طاقة النور التي تدنو مني .
الولدان و البنت :
عند رأس " برية " تقول البنت : " لا تنهوا الحنطة حتى نستطيع أن نصل " . توقفت أسنان الولدين ، كان الأفق ملتفًا بالاحمرار . تلفتت عيونهم ، تصرخ في الجسد المسجي . . . .
" أين السلك الشائك يا أمنا ؟ ، أفيقي ، و أشيري لنا . . سنعدوا نحوه ، قد شبعنا . . أشيري . . أشيري . . ".
تقول البنت : " أمنا " برية " مع " فرح " و أبي " بكار" لا تقلقوها " .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النجمة تسرع من المشرق للمغرب ، مرات ، و مرات . . عيونهم . . الآن . . معلقة بالجسد الذي بدأ في الانتفاخ و قد ازدادت بطونهم تقعرًا ، يصطرخون جوعًا . .

مريم احمد
18/09/2007, 11:48 PM
السلام عليكم : مبارك هذا الشهر الكريم،
"الحنطة" تتبعت حبات هذه المتوالية السردية التي تشي بقلم متمرس أمتعنا نحته في عوالم انسانية تعزف لحظات الموت والحياة والصراع من أجل البقاء وإشهار أخر حبة حنطة في وجه الجوع / الموت.

د.مصطفى عطية جمعة
21/09/2007, 12:05 PM
السلام عليكم : مبارك هذا الشهر الكريم،
"الحنطة" تتبعت حبات هذه المتوالية السردية التي تشي بقلم متمرس أمتعنا نحته في عوالم انسانية تعزف لحظات الموت والحياة والصراع من أجل البقاء وإشهار أخر حبة حنطة في وجه الجوع / الموت.

الأخت المبدعة / مريم أحمد
كل عام وانت بخير
أشكر لك قراءتك المعمقة
وتعقيبك دال على قدرتك على النفاذ إلى أعماق القصة .
شكرا لك

طارق شفيق حقي
21/09/2007, 09:16 PM
سلام الله عليك

أعتقد قد قرأت قصة إنسانية بمعنى الحرف

القفلة مأساوية , و الجو تراجيدي

لكني رأيت توحد أصوات الشخصيات , فالمستوى التعبيري واحد لو صح التعبير

رغم ذلك قصة رائعة


نشير لها في ضمن الترشيحات لقاص شهر أيلول

مريم احمد
22/09/2007, 09:43 PM
سلام الله عليك
قصة الحنطة مرشحة للتباري ضمن قصص شهر أيلول .
بالتوفيق إن شاء الله