المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المطاردة ( قصة قصيرة )



أسامة جودة
02/09/2007, 03:08 PM
المطــاردة
هزئ مني بعد أن اطلع علي سطوراً من كلمات قصتي التي نشرت أخيراً وقال بتهكم: (سأكتب أنا الآخر قصة وسأنشرها لأشتهر مثلك، وما المشكلة..الأمر ليس بصعب)
وقتها بسر وجهي قليلاً ورحلت مستنكراً كلامه مقتنعاً بأنه جاهل معتوه، لا يدري، أغمضت عيني عندما أصبحت وحيداً وذهبت بروحي بعيداً أريد أن أكتب...
أتلفت حولي يميناً ويساراً في إضجار وقلق، أفكاري تزيغ مني تأبي أن تظل في حوزتي ولن أسمح لها بالفرار، لكني أخشي نظرات التحديق المتعجبة من تلك العيون البشرية والكونية المحيطة بي، أتمني أن أزيغ أنا الآخر.
ثمة قرار اتخذته، أن أهرب لحاقاً لأفكاري الطائشة، سأهرب من الجميع ومني أنا المفكر الأبله، أنا الشقي الهزيل، وسأحطم ذلك العقل اليقظ دائماً، وبدأت المطاردة حين انفلت من الزحام إلي الوحدة ومن الضوء للظلمة ومن الصخب إلي الصمت، أصعد الجبل القريب وأتسلق أحجارة، أعتلي القمة وأنظر حولي إلي ذلك الفراغ الكوني المتسع، أشعر أنني أصبحت الأعلى، أعلى من كل شيء حولي.
ها أنت أصبحت وحيداً... أخرج إذن أيها المنطيق الأريب من فاه الزجاجة الضيق، ماذا تنتظر؟
لقد تحطم القمقم الخانق... أخرج وأفسح الطريق لشعورك وإحساسك ليقودك للهدف.
فتحت صدري للهواء النظيف وملأته، شعرت بنشوة وحيوية وطزاجة، التحفت بالسماء، رفعت ذراعيّ وحركتهما في الهواء، ضحكت وقهقهت بصوت عالي، ثم تذكرت أني لا أريد أن أزعج النجوم ولا الكواكب ولا الملائكة، لا أريد أن أوقظ الشمس من نومها.
تباً لي!!.... ما هذا؟!!.... لست وحدي؟! ظلي يقلدني ولا يفارقني،سأتخلص منه بأي طريقة، فلقد أغضبني ذلك الظل وأصابني بنوبة عصبية هستيرية، الآن سأقذفه بأحجار الجبل... إنه يبادلني هو الآخر!!
يزداد غضبي ويبلغ قمته ثم يزداد....ويزداد حتى فرغ صبري وقوتي، أنهار أجهش بالبكاء حتى تجيش نفسي حزناً،تمر بعدها لحظات يختفي معها الظل تدريجياً،يزيغ بين ثنايا الأحجار، يفر خائفاً، أتأكد من فرارة فتهدئ نفسي ويذهب الروع عني، لكني لم أكد أستعيد ثقتي بنفسي حتى رأيت البدر يتكبد السماء.
لن تزعجني أيها البدر، سأقهرك كما قهرت ظلي... حدثت بها نفسي مطمئناً إياها، ابتعد عني وانسحب أيها البدر،و إلا... و إلا أطفئت أنوارك أو ألقيت بك إلي النهر يغرقك... أو سجنتك خلف قضبان القبر.
لا... أيها البدر لا تختبئ مني خلف تلك الغمامة الرمادية، أفصح عن وجهك وحاورني، ماذا تريد مني؟...ماذا؟!
لا أجد عندي متسع كي اعزف لك علي القيثارة والناي الحزين كي ترقص وتبكي، إليك عني، أتركني وأرحل و إلا... و إلا...
أعلم أن أفعالي تبطره ة أنا النديم القديم، أنا الخليل، فكم من مرة رقصنا فيها سوياً سكارى علي أنغام شيطاني... لكنه رحل مكسوراً... لكني لا أبالي.
أراك وحيداً الآن، فهيا انطلقي أيها الحروف والكلمات، أيها الأفكار الخبيثة، العبي لعبتك السحرية القديمة، هيا تعارفي وتآلفي وتحابي، أخرجي كل ما في جعبتك القديمة المليئة، ماذا تنتظرين؟
يمضى الوقت مسرعاً الخطي وأنا عاجز عن التدوين وكأني مبتور اليدين، لكني مازلت أحاول، مازلت أقلب في جيوبي لعلي أجد كلماتي فلم أجد إلا ثقباً واسعاً وكأنها تبعثرت خلفي وتاهت بين ظلمة الشقوق فماذا سأفعل؟
أضرب علي الأرض بقدمي صارخاً مزلزلاً إياها كراقص إفريقي، أأمرها أن تخرج ما فيها، أجابت مسرعة مزلزلة وأفرجت عن بركانها اللغوي وانفجر معه بركان صدري،وعدت حمم التعبيرات المتوهجة مسرعة تشق لها طريقاً في الصخر، والصخور صلبة وملمسها خشن وحاد فحادت الحمم دانية إلي النهر، ربما تريد أن تستحم لتهدأ من صهد نارها التي أرجت ولا غضاضة.وسأدنو أنا الآخر لنهر كلماتي الذي لا أجده عندما أقصده فأكره بنفسي من جديد لأجلس علي ضفافه، قدماي في الماء الناري تتحرك مسنداً ظهري إلي الآس والأثاب، متدثراً بالأب الأخضر، آخذاً من مياهه قطرات أدونها في كتاب تاريخي في حياتي الدنيوية القصيرة. استيقظت الآن من حلمي منبلج الوجه بعد أن عثرت علي فكرة القصة التي زاغت مني طويلاً والتي سأكتبها في الصباح.

بنور عائشة
02/09/2007, 06:12 PM
تحياتي ..
كانت المطاردة أشبه بالخلوة والضياع في نفس الوقت .. الثقة بالنفس هي التي تدفع في نهاية المطاف الى كتابة جديدة .. الثقة التي يمكن أن تتزعزع لمجرد أن الآخر يدمرها بنظرة أو كلمة ..
على أية حال ما كتبته أخي ماهو إلا نوازع داخلية أفضت بك الى كتابة هذه القصة التي تحتاج منا الى القراءة المتأنية في السرد القصصي ..بالتوفيق والتألق الدائم ..
أخويا / بنور عائشة ( عائشة بنت المعمورة )

مريم احمد
18/10/2007, 08:49 PM
قليلة هي النصوص الإبداعية التي تطرقت لمخاض الكتابة ، أرقها،ممانعتها،لحظات إشراقها.
هذا النص استطاع القبض على حالة من هذه الحالات المستعصية على القبض .

أسامة جودة
19/10/2007, 04:28 PM
شكرا لكم اخوانى على مروركم الكريم وعلى كلماتكم الرقيقة

نهي رجب محمد
22/10/2007, 07:23 AM
جميل أن نجرب ولكن كثيراما تجرفنا الأشكال علي حساب الفكرة أعترف أن الخيط السردي ضاع مني أثناء القراءة
شكرا جزيلا مزيد من التوفيق
سهيلة22/10/2007

أسامة جودة
23/11/2007, 04:16 PM
شكرا لكى اختى سهيلة على مرورك الكريم