يوسف الباز بلغيث
28/08/2007, 10:27 AM
الإستشراقْ
بداياته – دوافعه و نزعاته – أهدافه – مراحله
الإستشراق :
" هو الدراسات الغربية للشرق الإسلامي".. و بمـــعنى أقرب هــو محاولة بعض المفكرين اختصاره في دراسة الإسلام و حضارته ..و بما أنه تيار فكري .. يقوم بدراسات مختلفة عن الشرق الإسلامي ، فهو أداة ناجعة للدراسة أو للتعرف على العـــقلية الغربية من حيث صورتها الإيديولوجية التي تظهر التوجهات العامة للتأليف الإسلامي عن الإستشراق وتبيين حقيقة واحدة لهذا الحقل باعتباره وجها للمسيحية و التبشير و الإستعمار.
لعل من الصعب تحديد البدايات الأولى الإستشراق ، بحكم اعتباره منبعثا من دوافع دينية أو علمية بحتة، والأرجح أن الإستشراق تعود بداياته إلى قضية الصراع بين المسلمين و المسيحيين ، حيث يرى البعض أنه ظهر مع بزوغ الإسلام و تجسّد ذلك في أول لقاء بين الرسول – ص – و نصارى نجران أو قبل ذلك عندما بعث الرسول – ص – رسله إلى الملوك و الأمراء خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها للإسلام ، كما يؤكد ذلك المستشرق " سذرن " في كتابـه " نظرة الغرب إلى الاسلام " – ترجمة علي فهمي خشيم بقوله :
".. إن البدايات الأولى للاستشراق بدأت منذ أن أرسل الرسول " محمد " بأول كتاب إلى القيصر ، يدعوه فيه إلى الاسلام "..مما جعل رد فعل رجال اللاهوت و قادة الكنائس يتمثل في الدراسات الماكرة عن الإسلام و التي أخذت في خلق الافتراءات على العقيدة الإسلامية ، لكي تضعف الروح الإسلامية عند المسلمين.. بتجنيد رجال و مفكرين يواجهون بكتاباتهم الموجهة ضد المسلمين من أجل حماية العالم المسيحي من التأثيرات الإسلامية خاصة أيام الفتوحات.
وثمة رأي ثان ٍله عدد من المؤيـدين يقول باحتكاك النصارى بالمسلمين في الأندلس.. و هو بمثابة الانطلاقة الحقيـقية لمعرفة المسيحيين بالمسلمين.. و الاهتمام بالعلوم الإسلامية، فنشب عنه ما يسمى بالحروب الصليبية و يتبع هذا الرأي أمثال الدكتور مصطفى السباعي و محمود حمدي زقزوق.
و رأي ثالث يقول ببزوغ الظاهرة مع " يوحنا الدمشقي" في القرن "2هـ" / الدولة الأموية-حينما حاول أن يوضح للنصارى كيف يجادلون المسلمين.. وبالتالي تطور الصراع العقائدي إلى جدل و مناظرات أجّجت الروح الدينيـة برد فعل الكنيسة ، إزاء الحروب الصليبية.
ورأي رابع يؤكد النشوء الأكاديمي لحركة الإستشراق "عملية التنظير" بصدور قرار " مجمع فيينا الكنسي " سنة 1312م القاضي بإنشاء عدد من الكراسي لدراسة اللغات العربية و العبرية و السريانية و اليونانية في عدد من الجامعات الأوروبية....و تقوية أثر البعثات العلمية المتخصصة كحملة " نابوليون بونابرت " ..حين قدومه لمصر – 1797/1801- بهدف دراسة بلاد و أهل مصر خدمة ًلأهداف ٍاستعمارية.
أهم نشاطات الإستشراق :
.. يعتبر القرن- 19م/20م- عصر النهضة الحقيقي للاستشراق و ذلك بإنشاء جامعات متخصصة كجامعة أكسفورد-كامبردج – السربون-إلخ .. مع التأكيد على الفائدة العلمية للاستشراق كـ" الجامعة الأمريكية " التي أنشئتْ على يد المستشرق الهولندي " فانديك كرنيليوس" مع المعلم اللبنـاني " بطرس البستاني "..كمدرسة في "عبية " سنـة 1847م.. ثم نقلها المستشرق " دانيال بلس " إلى بيروت عام 1866 بنفس الاسم..أو كـ" الجامعة الأمريكية" في القاهرة التي أسسها المستشرق الأمريكي " تشارلز واطسون " المولود بحي الفجالة بالقاهرة ، سنة 1919م ، ثم خلفه بعد ذلك في رئاستها " بادو جون " سنة 1947م.
- و لقد تم إنشاء عدة مكتبات مثل مكتبة باريس الوطنية – مكتبة اللأسكوريال بإسبانيا و التي تضم 1900 مخطوط عربي..
- كما تم إنشاء المطابع الشرقية كالتي أسسها الكاردينال الإيطالي " دي ميتشي " في القرن 16م باللغة العربية .
- ترجمة القرآن الكريم لأول مرة إلى اللاتينية سنة 1143م على يد المستشرقيْن " روبرت أوف تشستر" و"هرمان الألماطي " وتلتها ترجمة في سويسرا سنة 1534م على يد الأب " جرمانوس الفرنسيسكاني "التي عُدّت من أدق الترجمات لغة ً و أوفاها معنى سنة 1668م. وجاءت أول ترجمة من العربية إلى اللاتينية على يد " قسطنطين الأفريقي " تونسي مسيحي " الذي نقل مؤلفات الأطباء اليونان و المسلمين إلى اللاتينية..و يعتبر " القديس المبجّل" أول من ترجم القرآن الكريم إلى اللاتينية .أما خير المصنفات عن النبي – ص- و إليه يرجع علماء الإسلاميات في الشرق و الغرب – 1929/ 1950 م- فتعود للمستشرق الفرنسي " دير منجم " باسم " حياة محمد "... وبدأت بعض الدراسات الموضوعية لتصحـيح الآراء الخاطئة الغربيـة عن الاسلام و بعرض الوجه المشرق له على يـد " هادريان ريلاند " في كتابه " الديانة المحمدية ".
- إنجاز عدة معاجم و كشافات عربية لخدمة التبشير، وكان أول هذه المعاجم " المعجم العربي اللاتيني" في القرن / 12م.
- تعد أعظم المؤلفات كتاب" المكتبة الشرقية " التي طُبعت عام 1697م على يد " اللورد فارديناند الثاني " و كتاب " تاريخ العرب " للمستشرق الأنجليزي " سيمون أوكلي " سنة 1708م.
- عقد 30 مؤتمرا دوليا حول الإستشراق بداية بباريس سنة 1873م. أما الجزائر فكانت الدورة الــ14 حاضنا لها سنة 1905 م.
الذي يمكن تأكيده بهذا الشأن أن القرن 19/20م انتقل فيه الإستشراق- بعيدا عن الروح الكنسية - إلى علم منفرد بذاته " الإستشراق العلماني "..
المبعث الحقيقي لمفهوم الإستشراق :
يعود المبعث الحقيقي لهذه الظاهرة إلى نقطتين أساسيتين هما :
دأب الغرب في التشكيك دوما بعرقية الآخر و افتقاره للعبقرية مع التأكيد على " فوقية الغرب و ارتقاؤه جنسا و فكرًا "..و لكنّ المستهدف في ذلك هما " الشرقي الدّونيّ " الساذج و " الغربيّ " الذي يود أن يتعرف على تاريخ الشرق و علومه لا عن طريق الدراسات الشرقية الأصلية..بل عن طريق الدراسات الإستشراقية للتصويب و التحقيق ، وذلك من خلال مسرحيات و قصائد تُرسم شخصياتُها حسب تصوّر المستشرق و نظرته للشرق و بناءً على نتاج معرفيّ عام للشرق كله موجّه و محقق.
فكرة تأصيل المفهوم الاستعماري الفرنسي البريطاني للبلدان الإسلامية مما يسهل الدخول إليها ، ومن ثمّ إلى عقول أهلها ..دون التعرض إلى السخط أو النقد أو المقاومة.
المراحل الثلاث المهمة في حركة الإستشراق :
تجدر الإشارة بأن الإستشراق منذ بدايته وصولا إلى هذه النقطة انقسم إلى قسمين :
قسم جمع في تعريفه بين ربط الإستشراق بالإسلام و قضية الصراع الديني.
وقسم أراد أن تكون لتعريفاته صفة العمومية و البحث عن الكليات واستخراج أقصى ما يمكن من الدراسات الشرقية باعتبارها إنتاجا فكريا يهتم بالشرق عامة.
وأهم هذه المراحل:
1/ المرحلة الأولى " الدفاع عن الذات " : عن طريق الطعن في الإسلام من قبل رجال الكنيسة باستخدام السلاح الديني وتشمل هذه المرحلة طيلة القرون الوسطى .
2/ المرحلة الثانية " بناء الذات " : عن طريق دعم حركة التأليف و الترجمة في كل الموضوعات الخادمة للمصالح الغربية باستخدام السلاح الثقافي وتشمل هذه المرحلة " القرن 14م--- نهاية 17م ".
3 / المرحلة الثالثة " الهجوم ومركزة الذات ": عن طريق الإستعمار و التحكم في التوجه الثقافي و الاقتصادي و السياسي باستخدام سلاح الغزو الأوروبي العسكري و تشمل القرن " 19م--- 20م ".
بعض مقولات رجالاته في الإسلام :
يقول القديس " بطرس المبجّـل " وهو رئيس لــ" دير كولوني " :
" إن القرآن منبع الزندقات و سبب الحركات الهدّامة التي تهدد كيان المسيحيين ، فإذا أريد القضاء عليه، فلابد من دراسته.. " أي محاربته بالكلمة و السلاح.
يقول المستشرق الفرنسي " كولي " في كتابه " البحث عن الدين الحق " :
" برز في الشرق عدوّ جديد هو الإسلام ، الذي أُسّس على القوّة وقام على أشدّ أنواع التعصّب "
يقول المستشرق الفرنسي " كيمون " في كتابه " ميثولوجيا الإسلام ":
" إن الديانة المحمدية جذامٌ تفشّى بين الناس ،بل مرض مريع..وجنون ذهولي يبعث على الخمول والكسل ".
خلاصة
إن بعض المستشرقين لم يتقيدوا بالأمانة العلمية في عرضهم للتراث التاريخي و الأدبي و الاجتماعي و السياسي للحضارة الشرقية، شوّهوا المعالم ..بافتراءاتهم و زيفوا تاريخها و شجبوا الحقيقة عنها ، و دكّوا الفراغ الفكريَّ في مرحلة معينة .. بالأفكار الإيديولوجية الهدّامة .. التي حرمت الشعوب الشرقية وخاصة الإسلامية من حرية التعبير و التفكير عن مكنوناتها في ظل الإستعمار الذي زاد من آلامها ومعاناتها ..حيث صدق المفكر الجزائري " مالك بن نبي " حينما قال :" إن كلَّ فراغ ٍ إيديولوجي، لا تشغله أفكارُنا ، ينتظر أفكارًا منافية ً معادية ً لنا ".. ويقول الدكتور " محمود حمدي زقزوق : " منذ 150 سنة إلى يومنا هذا أنتج المستشرقون 60.000 كتاب عن الإسلام و المسلمين ."ويبدو أن " إدوار السعيد " في كتابه " الإستشراق " بقوله :
" كل المحاولات التي سعت إلى التفريق بين الإستشراق كجهد بريء ٍ و كحالة اتفاق مع الإمبراطورية الاستعمارية ..إلا انه أمر مستحيل "..قد حصر الظاهرة في ركن واحد لا ثانيَ له..و هو الإستعمار و لا غير..هذا مرتبط بقول الدكتورة " عفاف سيد صبره " من كتابها " المستشرقون و مشكلات الحضارة " :
".. في الوقت الذي كانت أوربا تنفض عنها غبار القرون الوسطى ، كانت الدولة الإسلامية تمـرّ بظروف مختلفة ، نتيجة تعاقب حكومات مختلفة عليها ، هذا ما أدى إلى جهودها و إعادتها إلى الوراء ، لتبدأ أوربا في النهل من مصادر الحضارة الإسلامية و تدرس منجزاتها و تتعمق فيها و تبتكر منها ، لتصل إلى مرحلة الاكتمال و النضج ".
ولكي لا يكون الحكم عاما على كل المستشرقين فهناك مَن ذهب به إخلاصه إلى اعتناق الإسلام في دراسته من أمثال "بوركهارت – كرنكوف – دينه – ميشو- بيللر – مارمادروك – فيلبي – جرمانوس".. ونجد المستشرق الألماني " فلوجيل " الذي درس لمدة 25 سنة كتاب " الفهرست " لابن النديم – جمع مخطوطات نص الكتاب من" فيينا و باريس و لندن "ومات قبل تحقيقها.
.. ولكن وفي الأخير يجب الإشـادة بأهمية الإستشراق في بحثه في أمّهات الكتب الإسلامية عن العلـم الخالص وهذا الوجه المنير البعيد عن خلفيات الصراع الديني ، وبين ذلـك الوجه المعتم المخيف من خلال الأهداف المسمومة وتلك الإدعاءات الموضوعية العلمية الخاطئة ، اللاهثة وراء السيطرة و الهيمنة و التسلط .
بداياته – دوافعه و نزعاته – أهدافه – مراحله
الإستشراق :
" هو الدراسات الغربية للشرق الإسلامي".. و بمـــعنى أقرب هــو محاولة بعض المفكرين اختصاره في دراسة الإسلام و حضارته ..و بما أنه تيار فكري .. يقوم بدراسات مختلفة عن الشرق الإسلامي ، فهو أداة ناجعة للدراسة أو للتعرف على العـــقلية الغربية من حيث صورتها الإيديولوجية التي تظهر التوجهات العامة للتأليف الإسلامي عن الإستشراق وتبيين حقيقة واحدة لهذا الحقل باعتباره وجها للمسيحية و التبشير و الإستعمار.
لعل من الصعب تحديد البدايات الأولى الإستشراق ، بحكم اعتباره منبعثا من دوافع دينية أو علمية بحتة، والأرجح أن الإستشراق تعود بداياته إلى قضية الصراع بين المسلمين و المسيحيين ، حيث يرى البعض أنه ظهر مع بزوغ الإسلام و تجسّد ذلك في أول لقاء بين الرسول – ص – و نصارى نجران أو قبل ذلك عندما بعث الرسول – ص – رسله إلى الملوك و الأمراء خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها للإسلام ، كما يؤكد ذلك المستشرق " سذرن " في كتابـه " نظرة الغرب إلى الاسلام " – ترجمة علي فهمي خشيم بقوله :
".. إن البدايات الأولى للاستشراق بدأت منذ أن أرسل الرسول " محمد " بأول كتاب إلى القيصر ، يدعوه فيه إلى الاسلام "..مما جعل رد فعل رجال اللاهوت و قادة الكنائس يتمثل في الدراسات الماكرة عن الإسلام و التي أخذت في خلق الافتراءات على العقيدة الإسلامية ، لكي تضعف الروح الإسلامية عند المسلمين.. بتجنيد رجال و مفكرين يواجهون بكتاباتهم الموجهة ضد المسلمين من أجل حماية العالم المسيحي من التأثيرات الإسلامية خاصة أيام الفتوحات.
وثمة رأي ثان ٍله عدد من المؤيـدين يقول باحتكاك النصارى بالمسلمين في الأندلس.. و هو بمثابة الانطلاقة الحقيـقية لمعرفة المسيحيين بالمسلمين.. و الاهتمام بالعلوم الإسلامية، فنشب عنه ما يسمى بالحروب الصليبية و يتبع هذا الرأي أمثال الدكتور مصطفى السباعي و محمود حمدي زقزوق.
و رأي ثالث يقول ببزوغ الظاهرة مع " يوحنا الدمشقي" في القرن "2هـ" / الدولة الأموية-حينما حاول أن يوضح للنصارى كيف يجادلون المسلمين.. وبالتالي تطور الصراع العقائدي إلى جدل و مناظرات أجّجت الروح الدينيـة برد فعل الكنيسة ، إزاء الحروب الصليبية.
ورأي رابع يؤكد النشوء الأكاديمي لحركة الإستشراق "عملية التنظير" بصدور قرار " مجمع فيينا الكنسي " سنة 1312م القاضي بإنشاء عدد من الكراسي لدراسة اللغات العربية و العبرية و السريانية و اليونانية في عدد من الجامعات الأوروبية....و تقوية أثر البعثات العلمية المتخصصة كحملة " نابوليون بونابرت " ..حين قدومه لمصر – 1797/1801- بهدف دراسة بلاد و أهل مصر خدمة ًلأهداف ٍاستعمارية.
أهم نشاطات الإستشراق :
.. يعتبر القرن- 19م/20م- عصر النهضة الحقيقي للاستشراق و ذلك بإنشاء جامعات متخصصة كجامعة أكسفورد-كامبردج – السربون-إلخ .. مع التأكيد على الفائدة العلمية للاستشراق كـ" الجامعة الأمريكية " التي أنشئتْ على يد المستشرق الهولندي " فانديك كرنيليوس" مع المعلم اللبنـاني " بطرس البستاني "..كمدرسة في "عبية " سنـة 1847م.. ثم نقلها المستشرق " دانيال بلس " إلى بيروت عام 1866 بنفس الاسم..أو كـ" الجامعة الأمريكية" في القاهرة التي أسسها المستشرق الأمريكي " تشارلز واطسون " المولود بحي الفجالة بالقاهرة ، سنة 1919م ، ثم خلفه بعد ذلك في رئاستها " بادو جون " سنة 1947م.
- و لقد تم إنشاء عدة مكتبات مثل مكتبة باريس الوطنية – مكتبة اللأسكوريال بإسبانيا و التي تضم 1900 مخطوط عربي..
- كما تم إنشاء المطابع الشرقية كالتي أسسها الكاردينال الإيطالي " دي ميتشي " في القرن 16م باللغة العربية .
- ترجمة القرآن الكريم لأول مرة إلى اللاتينية سنة 1143م على يد المستشرقيْن " روبرت أوف تشستر" و"هرمان الألماطي " وتلتها ترجمة في سويسرا سنة 1534م على يد الأب " جرمانوس الفرنسيسكاني "التي عُدّت من أدق الترجمات لغة ً و أوفاها معنى سنة 1668م. وجاءت أول ترجمة من العربية إلى اللاتينية على يد " قسطنطين الأفريقي " تونسي مسيحي " الذي نقل مؤلفات الأطباء اليونان و المسلمين إلى اللاتينية..و يعتبر " القديس المبجّل" أول من ترجم القرآن الكريم إلى اللاتينية .أما خير المصنفات عن النبي – ص- و إليه يرجع علماء الإسلاميات في الشرق و الغرب – 1929/ 1950 م- فتعود للمستشرق الفرنسي " دير منجم " باسم " حياة محمد "... وبدأت بعض الدراسات الموضوعية لتصحـيح الآراء الخاطئة الغربيـة عن الاسلام و بعرض الوجه المشرق له على يـد " هادريان ريلاند " في كتابه " الديانة المحمدية ".
- إنجاز عدة معاجم و كشافات عربية لخدمة التبشير، وكان أول هذه المعاجم " المعجم العربي اللاتيني" في القرن / 12م.
- تعد أعظم المؤلفات كتاب" المكتبة الشرقية " التي طُبعت عام 1697م على يد " اللورد فارديناند الثاني " و كتاب " تاريخ العرب " للمستشرق الأنجليزي " سيمون أوكلي " سنة 1708م.
- عقد 30 مؤتمرا دوليا حول الإستشراق بداية بباريس سنة 1873م. أما الجزائر فكانت الدورة الــ14 حاضنا لها سنة 1905 م.
الذي يمكن تأكيده بهذا الشأن أن القرن 19/20م انتقل فيه الإستشراق- بعيدا عن الروح الكنسية - إلى علم منفرد بذاته " الإستشراق العلماني "..
المبعث الحقيقي لمفهوم الإستشراق :
يعود المبعث الحقيقي لهذه الظاهرة إلى نقطتين أساسيتين هما :
دأب الغرب في التشكيك دوما بعرقية الآخر و افتقاره للعبقرية مع التأكيد على " فوقية الغرب و ارتقاؤه جنسا و فكرًا "..و لكنّ المستهدف في ذلك هما " الشرقي الدّونيّ " الساذج و " الغربيّ " الذي يود أن يتعرف على تاريخ الشرق و علومه لا عن طريق الدراسات الشرقية الأصلية..بل عن طريق الدراسات الإستشراقية للتصويب و التحقيق ، وذلك من خلال مسرحيات و قصائد تُرسم شخصياتُها حسب تصوّر المستشرق و نظرته للشرق و بناءً على نتاج معرفيّ عام للشرق كله موجّه و محقق.
فكرة تأصيل المفهوم الاستعماري الفرنسي البريطاني للبلدان الإسلامية مما يسهل الدخول إليها ، ومن ثمّ إلى عقول أهلها ..دون التعرض إلى السخط أو النقد أو المقاومة.
المراحل الثلاث المهمة في حركة الإستشراق :
تجدر الإشارة بأن الإستشراق منذ بدايته وصولا إلى هذه النقطة انقسم إلى قسمين :
قسم جمع في تعريفه بين ربط الإستشراق بالإسلام و قضية الصراع الديني.
وقسم أراد أن تكون لتعريفاته صفة العمومية و البحث عن الكليات واستخراج أقصى ما يمكن من الدراسات الشرقية باعتبارها إنتاجا فكريا يهتم بالشرق عامة.
وأهم هذه المراحل:
1/ المرحلة الأولى " الدفاع عن الذات " : عن طريق الطعن في الإسلام من قبل رجال الكنيسة باستخدام السلاح الديني وتشمل هذه المرحلة طيلة القرون الوسطى .
2/ المرحلة الثانية " بناء الذات " : عن طريق دعم حركة التأليف و الترجمة في كل الموضوعات الخادمة للمصالح الغربية باستخدام السلاح الثقافي وتشمل هذه المرحلة " القرن 14م--- نهاية 17م ".
3 / المرحلة الثالثة " الهجوم ومركزة الذات ": عن طريق الإستعمار و التحكم في التوجه الثقافي و الاقتصادي و السياسي باستخدام سلاح الغزو الأوروبي العسكري و تشمل القرن " 19م--- 20م ".
بعض مقولات رجالاته في الإسلام :
يقول القديس " بطرس المبجّـل " وهو رئيس لــ" دير كولوني " :
" إن القرآن منبع الزندقات و سبب الحركات الهدّامة التي تهدد كيان المسيحيين ، فإذا أريد القضاء عليه، فلابد من دراسته.. " أي محاربته بالكلمة و السلاح.
يقول المستشرق الفرنسي " كولي " في كتابه " البحث عن الدين الحق " :
" برز في الشرق عدوّ جديد هو الإسلام ، الذي أُسّس على القوّة وقام على أشدّ أنواع التعصّب "
يقول المستشرق الفرنسي " كيمون " في كتابه " ميثولوجيا الإسلام ":
" إن الديانة المحمدية جذامٌ تفشّى بين الناس ،بل مرض مريع..وجنون ذهولي يبعث على الخمول والكسل ".
خلاصة
إن بعض المستشرقين لم يتقيدوا بالأمانة العلمية في عرضهم للتراث التاريخي و الأدبي و الاجتماعي و السياسي للحضارة الشرقية، شوّهوا المعالم ..بافتراءاتهم و زيفوا تاريخها و شجبوا الحقيقة عنها ، و دكّوا الفراغ الفكريَّ في مرحلة معينة .. بالأفكار الإيديولوجية الهدّامة .. التي حرمت الشعوب الشرقية وخاصة الإسلامية من حرية التعبير و التفكير عن مكنوناتها في ظل الإستعمار الذي زاد من آلامها ومعاناتها ..حيث صدق المفكر الجزائري " مالك بن نبي " حينما قال :" إن كلَّ فراغ ٍ إيديولوجي، لا تشغله أفكارُنا ، ينتظر أفكارًا منافية ً معادية ً لنا ".. ويقول الدكتور " محمود حمدي زقزوق : " منذ 150 سنة إلى يومنا هذا أنتج المستشرقون 60.000 كتاب عن الإسلام و المسلمين ."ويبدو أن " إدوار السعيد " في كتابه " الإستشراق " بقوله :
" كل المحاولات التي سعت إلى التفريق بين الإستشراق كجهد بريء ٍ و كحالة اتفاق مع الإمبراطورية الاستعمارية ..إلا انه أمر مستحيل "..قد حصر الظاهرة في ركن واحد لا ثانيَ له..و هو الإستعمار و لا غير..هذا مرتبط بقول الدكتورة " عفاف سيد صبره " من كتابها " المستشرقون و مشكلات الحضارة " :
".. في الوقت الذي كانت أوربا تنفض عنها غبار القرون الوسطى ، كانت الدولة الإسلامية تمـرّ بظروف مختلفة ، نتيجة تعاقب حكومات مختلفة عليها ، هذا ما أدى إلى جهودها و إعادتها إلى الوراء ، لتبدأ أوربا في النهل من مصادر الحضارة الإسلامية و تدرس منجزاتها و تتعمق فيها و تبتكر منها ، لتصل إلى مرحلة الاكتمال و النضج ".
ولكي لا يكون الحكم عاما على كل المستشرقين فهناك مَن ذهب به إخلاصه إلى اعتناق الإسلام في دراسته من أمثال "بوركهارت – كرنكوف – دينه – ميشو- بيللر – مارمادروك – فيلبي – جرمانوس".. ونجد المستشرق الألماني " فلوجيل " الذي درس لمدة 25 سنة كتاب " الفهرست " لابن النديم – جمع مخطوطات نص الكتاب من" فيينا و باريس و لندن "ومات قبل تحقيقها.
.. ولكن وفي الأخير يجب الإشـادة بأهمية الإستشراق في بحثه في أمّهات الكتب الإسلامية عن العلـم الخالص وهذا الوجه المنير البعيد عن خلفيات الصراع الديني ، وبين ذلـك الوجه المعتم المخيف من خلال الأهداف المسمومة وتلك الإدعاءات الموضوعية العلمية الخاطئة ، اللاهثة وراء السيطرة و الهيمنة و التسلط .