المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هكذا تكلم زاردشت



عشتار
02/05/2005, 06:14 PM
يجب علينا أن ننظر نظرة التسامح إلى الآراء التي تخالف آراءنا، وإذا كنا لا نرغب في أن نعيرها اقتناعنا وتأييدنا، ينبغي ألا نبخل عليها قطّ بالإنصات الجيد والاهتمام اللائق.

[align=left:6be78f124d]مونتيني[/align:6be78f124d]



معلومة شائعة خاطئة: لا بد وأن الجميع قد سمع بكتاب يسمى "هكذا تكلم زاردشت" .. ولا شك أن من يسمع باسم هذا الكتاب سيعتقد أنه يتكلم عن فلسفة زاردشت وتعاليمه...

لكن الحقيقة والتي لا يعرفها معظم القراء هي أن هذا الكتاب يخلو تماماً من أية فكرة تمت إلى زاردشت الحقيقي بصلة.. وأن هذا الكتاب هو للفيلسوف الألماني نيتشه الذي دفعه إعجابه بتعاليم زارادشت إلى استعارة هذا الاسم ليجري على لسانه فلسفته الوجودية... ومن المعروف أن فلسفة نيتشه تعلن موت الإله وتدعو للإنسان الأعلى إضافة إلى تهجمه على المرأة بطريقة غير حضارية وأمور أخرى تتعارض مع موروثنا الأخلاقي والحضاري.

بينما تعاليم زرادشت تختلف تماماً.. حيث للإله مكانة مقدسة وحيث المرأة والرجل يتمتعان بنفس الحرية والمكانة الاجتماعية كما تدعو الإنسان إلى تحقيق الكمال عن طريق إتباع وصايا الإيمان التي تقول:

باسم أهورا مزدا وصداقته كن مشرقاً دوماً.. تكاثر! كن ظافراً ! تعلم الطهر والعفة! كن جديراً بطيب الثناء! فقد يثمر العقل أفكاراً جيدة معطاء. تحدث بكلمات طيبة ! أتقن إنجاز عملك! وكن مزدياً تنفذ الأعمال بما يمليه عليك عقلك.. قل الحقيقة، وكن مطيعاً. كن متواضعاً مع الأصدقاء، وكن ذكياً، وتمن الخير للآخرين. لا تكن قاسياً، ولا تكن نزقاً، ولا تقترف إثماً يورثك العار، لا تشته ما ليس لك، ولا تمارس التعذيب. لا تمتدح مشاعر الحسد الضارة، لا تكن متكبراً، متعجرفاً. لا تعامل أحداً بلؤم، لا تتبع الشهوة. لا تسطوّن على ممتلكات الآخرين. قم بأعمال الخير بهمة عالية.. لا تدخلنّ في عراك مع إنسان ناقم. ولا تحالف سيء السمعة.. واجه الأعداء بالحق.. ولا تدخلّن في صراع مع امرئ معروف بالشر. ولا تنطق بالمجلس بغير الكلمات النقية. وتكلم باعتدال أمام الملوك. وليس من الحكمة أن تزعج والدتك. ثم احفظ جسدك طاهراً باعتدال."


زاردشت هو رسول البارثيين الذين استوطنوا البلاد التي تعرف الآن بـ إيران أو بلاد فارس.
أحد الملوك الذين حكموا هذه البلاد كان جمشيد.. الذي تم اكتشاف الخمر أثناء حكمه..
حيث كان الملك شديد الولع بالعنب وكانت تحفظ مقادير كبيرة منه في جرار خاصة لاستهلاكه مستقبلاً.. ومع مرور الوقت كان العنب يبدأ بالتخمر.. فيغدو غير صالح للأكل لمرارته.. لذا كان يسجل على تلك الجرار كلمة (سم) وتُخزّن في زاوية بعيدة من حجرات القصر.
وقد رغبت سيدة من حاشية الملك أن تنتحر لسبب ما.. فتجرعت كميات كبيرة من محتوى تلك الجرار المعروفة على أنها سم.. فبدل أن تموت غطت في سبات عميق.. وعندما استفاقت أعادت التجربة وشعرت بتلك النشوة مرة ثانية.. وهكذا كُشف أمرها وأُجبرت على الاعتراف.. ومنذ ذلك الحين أمر جمشيد بإحضار كميات كبيرة من ذلك السم وشعر بغبطة وسعادة وهو يعمد إلى تسميم نفسه.. ويعرف هذا السم إلى يومنا بالسم اللذيذ..

استحوذ حب السلطة على الملك جمشيد، ونسي أنه هالك أو عرضة للموت، فاعتبر نفسه المعبود الأعظم بين الآلهة التي كانت تعبدها رعيته.. وهكذا بقيت إيران تحت نفوذ الوثنية حتى مجيء زاردشت..

يروى أن زاردشت وُلد من أبويين تقيين قضيا حياتهما في قدسية واستقامة.. وأن زاردشت ولد مبتسماً وأشارت الدلائل إلى مستقبله الزاهر.

عندما كبر بدأ بنشر رسالته الدينية عن طريق المحاجة والإقناع فأعلن عن تفويض أهورا "الرب" له، وذلك ليبعث الروح في معتقدات الآريين القديمة. وإعادتها إلى نقائها الذهني النبيل المتعلق بمفهوم التوحيد. وعمل على العودة بالإيمان إلى صفائه الأصيل بعبادة أهورا التي كانت غايته العظمى.

ازدهرت الزاردشتية عبر أجيال وأجيال بتعاليمها النبيلة، رافعة من شأن الإنسانية، ولكنها تراجعت وانكفأت أمام العرب في خلافة عمر في معركة نهاوند سنة 642 للميلاد.


[align=center:6be78f124d]فلسفة تعاليم زاردشت[/align:6be78f124d]


من الشائع أن المعتقدات الدينية لزاردشت قد اكتملت صورتها مدة ثلاثين عاماً من التأمل العميق أمضاها بين الجبال النائية المنعزلة، والمغاور المهجورة في القفار.

دعا زاردشت إلى الإيمان بإله متعال واحد وهو الخالق، وهذا معناه الفكر والضمير الساميان.
وكان (زند – أفستا) هو كتابه المقدس.

كان يهتم كثيراً بالصحة العامة ويرى أن الحياة النقية والصحية هي العيش وفق قوانين الطبيعة.
يجب ألا يكون المرء ضعيف العقل أو الجسد وذلك ليقوم بدور ناجح وليسهم في الخطة الكبرى للكون كوحدة متكاملة. كما أن الطبيعة تمقت ولا ترحم أولئك الذين لا يحاولون مساعدة أنفسهم. فهي بحاجة إلى المتوفزين الأقوياء، ولا ترتجي فائدة من الضعفاء عقلياً وجسدياً.

وأحد الأشياء الخمسة التي تسر الرب كثيراً، أنه ينبغي على الإنسان التقي أن يبني لنفسه مسكناً، وأن يتخذ زوجةً، وينجب أولاداً، وتكون له نار وقطيع من الماشية. ويجب على الزوج أن يكون مطيعاً للقوانين الصحية، وأن يكون شهماً ليؤمن الحماية ولأسرته ضد كل خطر داهم، وأن تكون له مهنة تؤمن لأسرته ضرورات الحياة اليومية، وأن يكون متسامحاً، صادقاً، عفيفاً. وأن يعمل على توفير أسباب السعادة المنزلية لأفراد أسرته.

والزاردشتية، على النقيض من الديانات الأخرى، تشجب الصوم وترى أنه يضر بالجسد ويوهنه.

" أما نحن، معشر البشر، فإننا نظل صائمين بإمتناعنا عن اقتراف الذنوب بأبصارنا، وألسنتنا، وأسماعنا، وأيدينا، وأقدامنا.."

إن أهورا مزدا هو الاسم الذي أطلقه زاردشت على الله، أو الضمير الأسمى ، أو المثال عن النقاء والاستقامة.
كما أن أهريمن يرمز إلى نقيض الطهارة، أي إلى النجاسة والفساد.
فالصراع يحتدم دوماً بين أهورا مزدا وبين أهريمن، بين الطهارة والنجاسة، بين الصواب والخطأ.
وقد حذر أتباعه ومريديه من تأثير روح الشر. وإن أكبر الشرور في زمانه قد تمثل في ميل العامة إلى عبادة مظاهر الإله وتجلياته والعناصر التي ابتدعها.

ولا ينبغي لفلسفة الخير وروح الشر ، الخالقة للعالم أن تمتزج بفكرة الثنوية. لقد اتفق الكثير من مثقفي الكتاب المعروفين في أوربا، على أن زاردشت لا يقول بالثنوية. لأن روح الشر لا تتف بأي من صفات الله تعالى. ولا يوضع في معارضته، ولا يكون نداً منافساً لله.


حققت التعاليم الزاردشتية لأسر البارثيين السلام والسعادة. وجعلت منهم رعايا مخلصين، ومسالمين وجماعة متسامحة مع شعوب العالم . كما عملت على التخفيف من وطأة الفقر والجريمة والأعمال المشينة والفساد.



[align=center:6be78f124d]يقول زاردشت[/align:6be78f124d]


" لا تنأين بنفسك عن أمور ثلاثة فاضلة: / الفكر الخير/ ، / والكلمة الطيبة/ ، / والعمل الصالح/".

" إني لأمجد العواطف المفعمة بالفكر، والكلام الذي أُحسِِنَ قوله، والعمل الذي أُجيد إنجازه".

"إن قانون مزدا يدعو إلى تطهير المؤمن من كل فكرة، وكلمة، وفعل شرير، كما تكنس الريح العاصفة السهل وتنقيه."



[align=center:6be78f124d]وصايا من أجل الجسد والروح[/align:6be78f124d]


سأل الحكيم روح الحكمة قائلاً:

"كيف يمكننا أن نحمي الجسد ونحافظ على نمائه دون إلحاق الأذى بالروح، ونحمي الروح دون أن نسبب الضرر للجسد؟"

فأجابت روح الحكمة قائلة:

"اجعل ذاك الذي تفوقه مرتبة مساوياً لك، ومن يساويك أعلى منك، والأعظم منه رئيساً، والرئيس حاكماً. وليكن من بين الحكام مَنْ يذعن للحق، مطيعاً له، قائلاً به، وأن يكون من بين الرعية مَنْ يخضع، ويطيع، ويعامل باعتدال."

" لا تفترِ، كي لا يلحق بك العار والشر، فقد قيل: إن الإفتراء أشد فحشاً وأذى من السحر والشعوذة".

" لا ترغبنّ فيما ليس لك، فلا تغرر بك الروح الشريرة، ولن تفقد كنوز الدنيا قيمتها في نظرك."

" لا تدع الغضب يتملكك، لأنه عندما يطلق المرء لغضبه العنان، ينسى واجباته وأعماله الخيرة... وبذا يقع في الخطيئة والجريمة على شتى أنواعها، وما تكاد تخف وطأة غيظه حتى يكون مثل أهريمن (روح الشر) تماماً."

" لا تجعل للقلق سبيلاً إلى نفسك، لأنه من يقلق ينصرف عن مباهج الدنيا ومسراتها، كما تنكمش روحه وينقبض جسده، وتتملكها روح الشر."

"لا تكن شهوانياً لئلا ينالك الأذى ويلحق بك الندم، جراء تصرفاتك".

"لا تكن حسوداً لئلا تفقد طعم الحياة"

" لا تستسلم إلى الكسل، لأن الواجبات والأعمال الخيرة التي ينبغي إنجازها، تبقى غير منجزة."

"اختر زوجة قوية الشخصية، لأنها جيدة وخيرة، وهي في نهاية المطاف أكثر احتراماً."

" ينبغي عليك أن تكون مجتهداً ومعتدلاً، وكل من عمل يومك، وامنح الكائنات المقدسة والخيرة نصيبهم منه. فقيامك بهذا أثناء عملك يعد من أعظم الفضائل."

"حارب الأعداء بشهامة. وامش مع الصديق واكسب وده. ولا تبدأنّ صراعاً مع الحقود الماكر، ولا تضايقه، ولا تتحرش به مهما كانت الأسباب. ولا ترافقن الشره الأكول، ولا تكن شريكاً له. ولا تثق به في الزعامة. ولا ترافق سيء السمعة ولا تتصل به. وأما الجاهل فلا تحالفه ولا تشاركه. ولا تجادلنّ الأحمق. ولا تسر في الطريق مع السكير. ولا تقترض المال من رجل مريض النفس."

"واجتهد في السعي إلى الخيرات، فتسعى الرواح الخيرة إلى نجدتك. ولا تكن دنيئاً في اقتناص ملذات الحياة، لأن بهجة الحياة الدنيا تشبه غيمة هائمة في سماء يوم ممطر، لا يمكن للمرء أن يحتمي منها بأي هضبة".

" لا يملكنّك الكِبْر إذا حصلت على الكنوز الطائلة، لأنك تاركها في النهاية مهما طال الزمان.

"لا يملكنّك الكِبْر إذا اتسعت صِلاتُك وعلا شأنك، لأنه لا اعتماد لك في النهاية، إلا على نفسك.

"لا يملكنّك الكِبْر في حياتك، لأن الموت قادم إليك لا محالة، وجسدك الفاني مصيره التراب".


[align=center:6be78f124d]التربية الدينية[/align:6be78f124d]


"ليتعلم المرء في الشطر الأول من النهار، والشطر الأول من الليل، وفي الهزيع الأخير من الليل. فيزداد فكره معرفةً، وتتوسع مداركه، ويثبت إيمانه وتقوى قداسته.


" لا صديق لك يعينك سوى الرب. ولكنك لكي تكسب صداقته فلا بد لك من أن تسير في سبله، وتجعل عليه اتكالك. وليكن زادك الإيمان والرجاء وصالح الأعمال. إنما مَثَلُ الجسد كمَثَل الفرس، والروح فارسها. وزادهما معاً الأعمال الصالحة. فإذا كان الفارس غِرّاً لم يقدر على التحكم في فرسه، وإذا كان الفرس ضعيفاً هوى بصاحبه. فاحرص على أخذهما بالنظام معاً. حتى في الحياة الدنيا تجد الناس يهزؤون بمن يعتني بفرسه أكثر من عنايته بنفسه. ولذلك ينبغي للمرء أن يصرف اهتمامه إلى روحه أكثر من جسده. فالرب يطالب أبناء الإنسان بأمرين لا ثالث لهما: الأول ألا يقترفوا الذنوب، والثاني أن يكونوا شاكرين لنعمه الوفيرة التي يفيضها عليهم على الدوام."


" الزهور تذبل، وتلقن بلك الإنسان درساً لا يريد أن يتعلمه، أجل. الدنيا نفسها فانية، ولا شيء يبقى سوى الرب. لذلك وجّه أفكارك تجاه الرب. فلا فرحة إلا ويخالطها الألم، فللورد أشواكه، والمنزلة الرفيعة تتلوها النكبات. شرب الخمر يجلب النشوة، ولكن الإدمان عليه يجلب الأذى، والمصائب. وإذا أفرطت في الطعام أصابك الضر واحتجت إلى طبيب. حتى لو أنك أفرطت في شرب الماء القراح لأصابك داء الاستسقاء. لذا تجنب الإفراط في كل شيء، وخاصة الخمر والنساء، والطعام والشراب: فإنك تلقى جزاء ذلك في هذه الدنيا، بما تولده من الأمراض، وبما تحث على ارتكابه من آثام، وإذا انغمست الروح فيها انقطعت صلتها بالسماء. فالخضوع لنزواتنا لا يجلب السرور الدائم، ولا يخلف في قلوبنا الأحاسيس الطيبة.





المصدر:
سلسلة حكمة الشرق (1)
تعاليم زاردشت
وفلسفة الديانة البارثية

ترجمة وتعليق خالد جعفر

هيئة التحرير
03/05/2005, 11:26 PM
[align=center:edbcf3ad9b]سلام الله عليك

جميل جدا

هكذا تكلم زردشت قدم لكتابه غوتيه على ما أظن اليس كذلك


موضوع قيم جدا
تحياتي[/align:edbcf3ad9b]

عشتار
04/05/2005, 09:49 AM
[align=center:2963ea266e]وعليك سلام الله وبركاته


أشكرك جزيلاً على هذا الحضور الجميل

أكرمك الله


ربما تكون مقدمة ذلك الكتاب لغوته

لكن المهم أن لا علاقة له بزاردشت الحقيقي

لأنه يحمل أفكار وفلسفة نيتشه الملحد .. بينما زاردشت كان مؤمناً بوجود الله...

شكراً جزيلاً لك

تحياتي[/align:2963ea266e]