المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شــاعر الإنســانية



بنت الشهباء
19/08/2007, 07:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

شــاعر الإنســانية

عمـر بـهاء الديـن الأميـري
بقلم الأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين

حلب الشهباء مسقط رأس الأميري

قد تكون حلب الشهباء ، على قول كثير من المؤرخين ، أقدم بلد في العالم ، ولكن من المؤكد أن قلعة حلب
http://7odi.com/up/uploads1/c25a527e56.jpg
هي اقدم قلعة في الشرق منذ العصر الروماني إلى اليوم . ويعجب السياح كثيراً حين يزورونها ، وينتقلون منها إلى قلب المدينة القديمة ، ويندهشون من الأزقة ، والحارات ، والأسواق المغطاة التي تشق المدينة من أقصاها إلى أقصاها .
وحين يمر السائحون بمنطقة " السويقة " يقفون ملياً عند جامع يسمى يـ " جامع الخير ، أو جامع الحاج موسى الأميري " وتأخذ عقولهم زخرفته ، وروعة هندسته ، وشكل بنائه ، وكثير منهم يسأل : من صاحب هذا الجامع الجميل ، ومن هو الحاج موسى الأميري الذي حمل الجامع اسمه على مدى الزمان ؟ بل لماذا سمي كذلك بجامع الخير ؟

الحاج موسى جد الأسرة الأميرية

وتتساءل عن الحاج موسى الأميري ، فيحدثك شيخ مؤرخي حلب وأستاذنا الجليل الشيخ محمد راغب الطباخ ، رضي الله عنه ، فيقول : الحاج موسى آغا الأميري هو ابن حسن ين أحمد بن محمد بن علي بن ظفر البصري الشهير نسبه بأمير زاده ، ولا يعرف على التحقيق أول من قطن من
أجداده في حلب . وتفخر أسرة الأميري بأنها من دوحة النبوة ، ويعدون أنفسهم من الأشراف والسادة .
وسبب تسمية أسرته بأمير زاده أن جده الأعلى الحاج موسى الآغا الأميري المتوفى سنة 1177هـ كان أميراً كبيراً من سكان حلب ، وبنى فيها جامعاً ضخماً بجوار المدرسة النارنجية ، والتي كانت من قبل " محكمة الشافعية" وسماه "جامع الخير " ، كما سماه الناس بجامع الحاج موسى أمير زاده . وكان الشيخ سعيد الصوراني متولي أوقافه ، وبهاء بك الأميري ناظرها
بهاء الدين الأميري ممثل حلب في المجلس النيابي في إستانبول
كان بهاء الدين بك الأميري ـ ناظر وقف الجامع ـ رجلاً معروفاً بين الناس ، ومحبوباُ كل الحب ، وقد انتخبوه ممثلهم الشرعي في المجلس النيابي العثماني ، المعروف يومذاك بمجلس " المبعوثان " ، وكان مقره إستانبول .
ولما انتهت مدة المجلس ، وعزم بهاء الدين بك على العودة إلى وطنه ، صدرت الإرادة السنية أن يعين له وقت للمثول بين يدي حضرة السلطان
" محمد رشاد " . وفي الوقت المعين توجه بهاء الدين بك إلى سراي " بشكيك طاش " ، وهناك استقبل من رجال البلاط الملوكي أحسن استقبال ، ثم أدخل على حضرة السلطان ، فلقي منه كمال الحفاوة وأحسن الاستقبال ، وبعد أن أعرب السلطان عن حبه الجم للأمة العربية والبلاد العربية دار بينهما بعض الشؤون المتعلقة بعمران حلب ، ومن جملتها سكة حديد بغداد ، ومرورها بجانب حلب . ثم أهداه ـ على عادة السلاطين والملوك ـ كثيراً من الهدايا ، ومن جملتها شعرة من أثر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأقمشة مزخرفة عليها كتابات دينية لتهدى إلى ضريح سيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام .
وظل بهاء الدين بك رجل حلب الأول ، وزعيمها المفدى ، ورجل الخيرات والمبرات ، وقاضي حاجات الناس ، وصاحب الخلق الرفيع ، والرجل الذي يضرب به المثل بورعه وزهده وتواضعه وتقواه إلى أن لقي وجه ربه ، وقد خلف عدداً من الأولاد ، كان منهم " عمر " والذي يوقع دائماً باسم
" عمر بهاء الدين الأميري " .

طفولة عمر ودراساته

نشأ عمر في مدينة حلب ، وفيها تلقى دروسه الأولى في " المدرسة الفاروقية " ، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ، ومن مدارسها الأخرى تلقى علوم الأدب ، والعلوم ، والفلسفة ، وعلم الاجتماع ، والنفس ، والأخلاق ، والتاريخ ، والحضارة ، وأولع أكثر ما أولع بالشعر العربي ، وكانت له هواية ـ بعد حفظ القرآن الكريم ـ حفظ روائع الشعر العربي في مختلف عصوره .
وفي الجامعة السورية تلقى العلوم القانونية ، وحمل " شهادة الحقوق " التي تخوله أن يكون محامياً ، وفعلاً عمل عمر في مهنة المحاماة حيناً من الزمن ، ثم سافر إلى باريس رغبة في استكمال تحصيله العلمي ، فدرس الأدب العربي والعالمي ، وفقه اللغة ، وحمل الشهادة العليا من " جامعة السوربون " .
وعاد الشاب إلى مدينته الحبيبة ، ومسقط رأسه، وكله حماس للعطاء ، فدرّس في حلب حيناً من الزمن ، ولا سيما مادة " حاضر العالم الإسلامي " في الكلية الشرعية ، ثم انتقل إلى العاصمة وتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي ، وكانت هوايته الأولى نظم الشعر ، والترنم به .
الأميري في السلك الدبلوماسي
وشاء الله أن ينتقل الأميري الشاب إلى عالم الدبلوماسية ، فعين وزيراً مفوضاً ، ثم سفيراً ، وقضى شطراً من حياته سفيراً لبلده في المملكة العربية السعودية ، وشطراً آخر في باكستان . ويبدو أنه اغتنم فرصة عمله في الباكستان فتعلم اللغة الأوردية حتى أتقنها ، واستطاع
أن يتحدث بها ، ويحاضر ، ويخطب ، ثم هجر الدبلوماسية ، أو هجرته ، وتفرغ لخدمة العمل الإسلامي بقية حياته .

الأميري في خدمة الإسلام والمسلمين

ورغب الملك المغربي الراحل الحسن الثاني ـ رحمه الله ـ أن يستفيد المغرب من علوم هذا الرجل العملاق الذي ملأ صيته الآفاق ، وتحدثت به الدنيا ، فاستدعاه إلى المغرب ، وعينه أستاذاً لكرسي " الإسلام والتيارات المعاصرة " في " دار الحديث الحسنية " بالرباط ، واستمر أستاذاً في الدراسات العليا والدكتوراه خمسة عشر عاماً ، كما درّس مادة " الحضارة الإسلامية " في جامعة محمد الخامس .
كان عمر يتقن إلى جانب لغته العربية : اللغة التركية التي تعلمها من أبيه وأمه وبيته ، والفرنسية ، والأوردية ، وهذا ما سهل عليه التنقل في شتى بلاد العالم ، يخطب أو يحاضر ، ويلتقي بكثير من رجال العالم من شتى الأجناس واللغات ، ويتفاهم معهم ، من هنا نستطيع فهم سبب تعرفه على معظم حكام العالم الإسلامي ، وعلمائه ، وقادته ، وتكوين وشائج دائمة ،
ومحبة بينه وبينهم .

لو قدر لك أن تزوره في منزله بشارع لافوازييهlavoisier يوماً بمدينة الرباط ، أو في منتجعه الساحلي في الهرهورة بقرب الرباط ، أو بمقره بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية ، أو في أي مكان يحل فيه ، لرأيت شيئاً عجباً . فالهواتف ترن في مقره حيث كان ليل نهار ، هذا هاتف من جنوب إفريقية ، وهذا من تونس الخضراء ، وذاك من باكستان ، وهذا من أندنوسيا ، وهذا من الصومال ، وذاك من مصر ، وهكذا ، فكأن الدنيا كلها تعرفه ، وتسال عنه ، ولا تستغني عن سماع صوته ، وما أشبهه بعظماء العالم الذين يملكون قلوب الملايين من البشر ، لذلك فهم دائماً مع الناس ، جسداً أو روحاً .



الأميري ينزف بالشعر

العجيب في أمر هذا الإنسان أنه ينزف دائماً بالشعر ، تراه يسبك كلامه أو سلامه ، ومعظم محاضراته ، وأكثر حديثه بالكلام الموزون المقفى ، ولو قدر لك أن تجمع هذا الدر الذي يلقيه على مسامعك لتكوّن بين يديك ديوان كامل .
لم أر في حياتي رجلاً ينزف شعراً سوى اثنين لا ثالث لهما ، هما محمد حسن فقي الشاعر السعودي العملاق ، وابن مكة المكرمة ، وعمر بهاء الأميري ابن حلب الشهباء . كل من الرجلين له عشرات الدواوين ، وشعره في شتى الأغراض المتعارف عليها . وإذا كان هناك فرق بين الرجلين فالفقي دائم التأمل والتفكر في المقام الأول في الحياة والموت ، والماضي والحاضر والغد المجهول ، ثم تأتي الموضوعات الأخرى التي يشترك فيها مع الشعراء الآخرين . أما الأميري فمعظم شعره في التبتل ، والتضرع ، والتذلل
إلى الله تعالى ، وكل ما يتصل بالتسبيح والتقديس ، ومؤاخاة الإنسان لأخيه الإنسان . ويبقى الشاعران العملاقان من الأتقياء ، الأنقياء ، والشعراء الذين تباهي بهم الدنيا .

من دواوينه الشعرية

مع الله ـ ملحمة الجهاد ـ ألوان طيف ـ الهزيمة .. والفجر ـ الأقصى .. وفتح .. والقمة ـ من وحي فلسطين ـ أشواق .. وإشراق ـ أمــي ـ نجاوى محمدية ـ رماد الفؤاد ـ أصداء الطفولة ـ بواكير ـ نبوة .. وبنوة ـ إشـراق ـ قلب .. ورب ـ غربة .. وغرب ـ جمال ..وهوى ـ روح مباح ـ زورق ـ أفانين ـ خماسيات ـ عواطف .. وعواصف ـ حبات عنب ـ ثنائيات ـ في بلادي ـ شموع ..ودموع ـ في معارج الأجل ـ رجال ..وأشباه ـ أنفاس من فاس ـ بنات المغرب ـ ألحان العزلة ـ صراع ـ أب .

كتبه العلمية ومحاضراته

نستطيع بكل سهولة وتأكيد أن نقول : كل جامعات الوطن العربي من شرقه إلى غربه ، ومن شماله إلى جنوبه ، شهدت عمر يحاضر فيها ،
أو يدرس . ومن حسن الحظ أن معظم محاضراته سجلت على أشرطة ، وكثير منها طبع في كتب مستقلة ، لذلك فهي ميسرة للمراجعين ، والدارسين ، والمتعمقين .
من مؤلفاته النثرية
في الفقه الحضاري ـ الخصائص الحضارية في الإسلام ـ الحوار في منهجية البحث المقارن ـ الدين في الإسلام ..دستور لا طقوس ـ الشخصية المستقلة للحضارة الإسلامية ـ قضية العروبة بين القومية والإسلام ـ في رياض إقبال ـ أثر الرسالة المحمدية في الحضارة الإنسانية ـ صفحات مبعثرة .. من المذكرات .. والذاكرة ـ الإسلام في المعترك الحضاري ـ المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة ـ
في رحاب القرآن ـ ألوان من وحي المهرجان ـ صفحات ..ونفحات ـ لقاءان في طنجة ـ قصتي مع الشعر ـ وسطية الإسلام وأميته
في ضوء الفقه الحضاري ـ أم الكتاب ـ الإسلام وأزمة الحضارة
الإنسانية المعاصرة .

شخصية الأميري وأخلاقه

ولد عمر في بيت عز وجاه وفخار ، فأبوه صديق السلطان وحبيبه ، وممثل الشعب والناطق باسمه ، والمدافع عن قضاياه في كل ميدان ، وجده زعيم الناس ، وقاضي الحاجات ، ومحب الصغير والكبير . وأم عمر كذلك من أسرة آل الأميري ، تنحدر من منابت العز والعنفوان .
تربى عمر في بيت يقصده الناس من كل حدب وصوب ، فالقاصدون هم قصاد خير وعون ، أو ضيوف وأصدقاء ، أو علماء وزعماء ، أو رجال دين وتقوى .. وكأن الأسرة ينطبق عليها بيت جرير الشاعر في عبد
الملك بن مروان :
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

ومن خلال المقدمة التاريخية لأسرة الأميري التي سردناها باختصار في مقدمة المقال أدركنا أن عمر عاش في جو فيه الرفاهية ، والسعة ، والخير العميم ، لم يعرف الفقر ، ولا الحاجة ، ولا الشح ، ولا الأنانية الشنعاء .
سألت معظم الذين عرفوا عمر بهاء الأميري العالم الشاعر ، فوصفوه بصفات ، أظن أنها تشبه صفات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفسهم ، أو تقرب من صفاتهم .
وصفوه بالتدين الصادق ، وبالتقوى ، وبالخشوع الدائم لله تعالى ، وبالإيمان العميق ، وبالرجل الذي يمثل عزة الإسلام ، وكرمه ، وكرامته ، ومروءته ، وكرروا وصفه بكلمة " قاضي الحاجات " ، وقال أحدهم : لو قصده أحد بحاجة ، ولو كانت عند الملك ، لتوجه إلى الملك ، وسأله قضاء حاجة المستغيث .
ومن صفاته المتميزة أنه كان يطبق الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان يقبل الهدية ويثيب عليها " . لقد كان الأميري يقبل هدية أصحابه ، ولكنه سرعان ما يهديهم مثلها ، أو خيـراً منها . وأكثر من هذا فقد كانت له صفات المتحضرين في أرقى الأمم .
من ذلك مثلاً : يقدم للبيت الذي يستضيفـه عند دخوله باقة من زهر ، أو زجاجة من عطر ، أو كتاباً قيماً ، أو نادراً ، أو ثوباً فاخراً ندر مثيله .. ولا يدري أحد أن معظم أموال الأسرة وأملاكها قد نفدت مع الزمن ، ولم يبق عنده منها إلا الشيء النادر والقليل .
وتميز الأميري بالعزة والأنفة ، ويحكون مرة أنه عرَّف المرحومَ الشيخ محمد سرور الصبان ، وكان وقتها رئيس " رابطة العالم الإسلامي " ومن كبار الأثرياء والكرماء .. بالبشير الإبراهيمي الجزائري ، وهو والد الأخضر الإبراهيمي ـ الرجل الدبلوماسي العالمي المشهور ـ فأهدى الصبانُ لإبراهيميَّ في القاهرة ، وفي شارع العروبة بالتحديد ، دارة فخمة ، مؤثثة بأفخر الأثاث ، ورتب له دخلاً يليق بكبار الأمراء . وأراد الصبان أن يهدي الأميري دارة مثل ما أهدى الإبراهيمي ، فشكره الأميري ، واعتذر منه أشد اعتذار . وكأن الأميري شعر بأنه غبر قادر على أن يثيب الشيخ الصبان على هديته بمثلها ، فكان ذلك الاعتذار الكبير .

الأميري مع الشيخ عبد المقصود خوجة

ويعرف الجميع أن الأستاذ الأميري كثيراً ما يزور المملكة العربية السعودية ، وله فيها آلاف الأصدقاء ، من مختلف الطبقات والجنسيات . وحين يصل المملكة ، ويصل إلى مدينة جدة ، يستقبله الشيخ عبد المقصود خوجة ، ويرحب به أكرم الترحيب ، ويلح عليه أن ينزل ضيفاً في إحدى عماراته الرافهة الكثيرة المفروشة ، فيقبل الأميري الاستضافة ، وغالباً ما يختار الشقة الواقعة بجانب فندق هيلتون بجدة المحروسة .
ويعرف الأميري الشيخ عبد المقصود بأنه رجل ، غمره الله ،
سبحانه وتعالى ، بكرمه وفضله ، وأفاض عليه من النعم والثروة فوق حساب الحاسبين ، وعد العادين .
ويعرف الأميري أن هذا الرجل يتلذذ بالكرم والعطاء والإنفاق ، ويبسط يديه في الليل والنهار لكل صديق وحبيب ، وذي حاجة ،
والقاصي ، والداني .
ويعرف أن للشيخ عبد المقصود سهرة أسبوعية ، في منزله العامر ، مساء كل يوم اثنين ، يحضرها العلماء ، والأدباء ، والشعراء ، والصحفيون ، والكتاب ، وضيوف لا يعدون ولا يحصون ، يسمرون ، ويتناشدون الأشعار ، ويتناقشون في أمور كثيرة ، منها الأمور العلمية ، ومنها الفنية ، ومنها غير ذلك ، وفي كل أسبوع يحتفل الشيخ عبد المقصود بأديب من الأدباء ، أو شاعر من الشعراء ، أو عالم من العلماء ، أو شخصية من الشخصيات المرموقة في هذه الحياة ، ولا فرق في أن يكون هذا المحتفى به سعودياً ، أو غير
سعودي ، فالكل عنده سواسية كأسنان المشط ، وكلهم إخوة وأحبة ، ، وفي نهاية الاحتفال يقدم الشيخ عبد المقصود لهذا الرجل المكرم لوحة مخملية ، كأنها تشبه كسوة الكعبة المشرفة طرز عليها اسم المحتفى به ، ولقبه ، وتاريخ هذه الليلة المباركة . ثم ينتقل الحاضرون جميعاً إلى مائدة من أفخر الموائد ، وأكثرها تنويعاً في الطعام ، وبذخاً ، فيأكلون ويشربون ، وصاحب البيت يملأ المجلس ترحيباً وتكريماً وبشاشة .
أجل ! يعرف الأميري كل هذا ، وأكثر من هذا ، إنه يعرف هذا الرجل النادر المثال ، ولكنه في الوقت ذاته يريد أن يأخذ ويعطي ، لا أن يأخذ دائماً ، دون أن يعطي ، ولو قليلاً ، أو رمزاً ، أو هدية ..
لكن الشيخ عبد المقصود يعرف عادته ، ويعرف الضائقة المالية التي يعيش فيها ، فيرفض هديته ، لا تعالياً ، ولا كبرياء ، ولا استصغاراً ، وإنما هي رحمة ، ومحبة ، وحنان ، واحترام لهذا الرجل العظيم الذي قلبت له الحياة ظهر المجن ، وحقها أن تتوِّجه ، وتجعله سيد السادات ، كما يؤمن بأن هذا الإنسان هو التقي ، والنقي ، وهو المكرم عند الله ، والمؤمنين ، والعارفين . ويبقى الجدال بينهما على طول المدى ، ولا يصلان إلى حل . وجاء الموت فسكت الأميري إلى الأبد .

من روائع شعر الأميري قصيدة " أب "

اصطاف الشاعر مع أسرته في أحد المصايف اللبنانية " قُرْنايِل" ، ولما اقترب موعد افتتاح المدارس تركت الأسرة المصيف ، وعادت إلى حلب ، وبقي الشاعر بعدها أياماً وحده ، ينظر إلى آثارهم ، وتأبى عليه نفسه أن يمسحها أو يزيلها من مكانها ، بل على العكس ، إنه راح يتقرّاها بيديه ، ويمسح عليها بعينيه ، ويضعها على قلبه ، ويمزجها بدموعه الفياضة . ولقد أوحى إليه ذلك بهذه القصيدة الرائعة الخالدة :

أين الضجيجُ العذْبُ والشَّغَبُ ** أين التدارسُ شابَهُ اللعبُ
أين الطفولةُ في توقدِها ** أين الدُّمى في الأرض والكتب
أين التّشاكُسُ دونما غرضٍ ** أين التباكي ، ما له سبب
أين التّباكي والتضاحك في ** وقتٍ معاً ، والحزن والطرب
أين التسابقُ في مجاورتي ** شغفاً ، إذا أكلوا ، وإن شربوا
يتزاحمون على مجالستي ** والقربِ مني حيثما انقلبوا
يتوجهون بسَوْقِ فطرتهم ** نحوي ، إذا رغبوا وإن رهبوا
فنشيدهم "بابا " إذا فرحوا ** ووعيدهم "بابا " إذا غضبوا
وهتافهم " بابا " إذا ابتعدوا ** ونَجِيُّهم "بابا " إذا اقتربوا
بالأمسِ كانوا ملءَ منزلنا ** واليوم ، ويح اليوم ، قد ذهبوا
وكأنما الصمتُ الذي هبطتْ ** أثقاله في الدار إذْ ذهبوا
إغفاءةُ المحموم ، هدْأتها ** فيها يشيع الهم والتعب
ذهبوا ، أجل ذهبوا ومسكنهم ** في القلب ، ما شطوا ، وما قربوا
إني أراهم حيثما التفتت ** نفسي ، وقد سكنوا ، وقد وثبوا
وأحسُّ في خلَدي تلاعبهم ** في الدار ، ليس ينالهم نصب
وبَريقَ أعينهم إذا ظفروا ** ودموعَ حرقتهم إذا غُلبوا
في كل ركنٍ منهمُ أثرٌ ** وبكل زاوية لهم صخب
في النافذاتِ ، زجاجُها حطَموا ** في الحائط المدهون قد ثقبوا
في البابِ ، قد كسَروا مَزالجه ** وعليه قد رسموا ، وقد كتبوا
في الصحن، فيه بعضُ ما أكلوا ** في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشطْر من تفاحة قضموا ** في فضلة الماء التي سكبوا
إني أراهم حيثما اتجهت ** عيني كأسراب القطا ، سربوا
بالأمس في قُرْنايِلٍ نزلوا ** واليوم قد ضمتهم حلب
دمعي الذي كتَّمته جَلَداً ** لما تباكوا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا ** من أضلعي قلباً بهم يجب
ألفيتُني كالطفل عاطفةً ** فإذا به كالغيث ينسكب
قد يعجب العذال من رجل ** يبكي ، ولو لم أبك فالعجب
هيهات . ما كل البكا خَوَرٌ ** إني ، وبي عزم الرجال أبُ

رحم الله عمر بهاء الدين الأميري ، فلقد أحب الناس جميعاً ، وقضى حياته كلها يسعى في مصالحهم ، ولم يسترح إلا حين أراح رأسه المتعب على ثرى البقيع ، في جوار المحبوب الكبير ، جده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في العقد الأخير من القرن العشرين .

حلب المحروسة
أ.د. بكري شيخ أمين
7 جمادى الثانية 1423 هـ
15 آب ( أغسطس )2002
العنوان :
هاتف الجوال 00963944664752
هاتف المكتب 00963212224266
ص .ب 13003 حلب ـ سورية
e-mail : sheikha@scs-net.org (sheikha@scs-net.org)

حكاية منسية
19/08/2007, 08:28 PM
http://www.21za.com/pic/decoration001_files/1.gif

/
\

الفاضلة
بنت الشهباء

::

معلومات قيمة
عن شاعر أكثر من رائع
بارك الله فيكِ

دمتِ بكل الخير

http://www.21za.com/pic/decoration001_files/1.gif

بنت الشهباء
21/08/2007, 09:18 PM
http://www.21za.com/pic/decoration001_files/1.gif



/
\


الفاضلة
بنت الشهباء


::


معلومات قيمة
عن شاعر أكثر من رائع
بارك الله فيكِ


دمتِ بكل الخير


http://www.21za.com/pic/decoration001_files/1.gif




وأهلا وسهلا بك أختنا الغالية
حكاية منسية
في أسواق مربد الأدبية

ومرورك الكريم أضاء لنا الصفحة وأنارها

ولي رجاء خاص منك أن نناديك باسمك الحقيقي
لأنك لن تكونين حكاية منسية بمشاركاتك وردودك
بل ستبقى كلماتك تنشر عبق طيبها لمن هم حولها

ثروت سليم
24/08/2007, 07:49 PM
الأخت الغالية : بنت الشهباء
موضوع تراثيٌ شيق
وقصيدة بها من المشاعر الإنسانية
ومحاكاة النفس في الغربة
والبعد عن فلذات الأكباد
مايجعل الحرف أصدق وأرق
تحياتي

كريم محسن
25/08/2007, 08:25 PM
ألأخت العزيزة بنت الشهباء

شكراً على هذا الإسهام الغني الرائع الذي أسعدني حقا ً,
فبقدر ما هو شيق أراه مفيداً جداً
أكرر شكري

بنت الشهباء
25/08/2007, 09:07 PM
الأخت الغالية : بنت الشهباء

موضوع تراثيٌ شيق
وقصيدة بها من المشاعر الإنسانية
ومحاكاة النفس في الغربة
والبعد عن فلذات الأكباد
مايجعل الحرف أصدق وأرق

تحياتي



أخي الكريم
وشاعرنا المتألق أينما وجد
ثروت سليم
إن لمثل هذا الشاعر والعالم والأديب عمر بهاء الدين الأميري
لا يمكن إلا أن تبقى كلماته نورا تقتبس منها الأجيال معنى الوفاء والصدق , والمحبة والوفاء
لأمة العرب والاسلام ....
وقد أحسن تسمية العنوان الأستاذ الدكتور بكري حين سماه
شاعر الإنسانية

لك مني خالص الود والتقدير أخي الكريم ثروت

بنت الشهباء
25/08/2007, 09:40 PM
وهذه من مقتطفات من روائع شعره
بعنوان
سنون
( مرت مناسبة ولادة الشاعر وهو في باريس خلال رحلته الأخيرة في الجزائر والمغرب فكان التذكار ... وكانت هذه القصيدة )



أَتُرى ازداد أم تقاصر عمري
ذهب العام بين سرّ وضرّ

فشهور طويتها وطوتني
وليالٍ تجرّني وهي تجري

ومقادير سائحاتٌ بجسمي
في برايا مثل السراب الأغرّ

قيل : حرّ , فقلت : عزمة حرّ
وإباءٌ يجيش في نفس حرّ

الخطى في الوثاق , والدرب ناءٍ
وحياتي في ألف أسرٍ وأسر

وأشقّ الطريق صخرًا وبحرًا
بفؤادٍ كالصخر في لجّ بحر

وأجرُّ القيد الرّزاح وأمضي
ثابت القصد رغم مدّ وجزر

صامدٌ صامدٌ , جهادي جهادي
وجهتي وجهتي وسرّي جهري

كم تقلّبت في البلاد وقلبي
هو قلبي وما تقلّب أمري

عالم الله عالمي , وهنائي
في مضائي ورحمة الله ذخري

وصغاري الزغب الحواصل وجدٌ
في دمائي والأهل والصخب ذكري

وتمرّ السنون وهي شيوخ
من همومي , وقْرًا ينوء بصدري

صابرٌ والحنين يملأ حلي
وارتحالي , والصبر بالصبر يغري

أدفع الجبهة الشموخ وأجري
كشراع في ثورة البحر يجري

وألبّي إهابة المجد ثبْتًا
في مُلماته , وذلك نذري