المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحياة بايجابية



رضا محافظي
14/07/2007, 12:08 PM
حين يكون المرء صادقا مع نفسه، مؤمنا بأهمية أن يكون له دور يلعبه في هذه الحياة، ليس أصعب عليه من أن يحس في يوم من الأيام بأنه يعيش بغير فائدة يقدمها لمن حوله من بشر أو من غير البشر أو أنه يعيش عالة على غيره. كما انه ليس هناك ما يسعده أكثر من أن يحس أنه يفيد غيره أو يقدم شيئا يخلد ذكره من علم أو إبداع أو عمل.


أتذكر هنا الحكاية التي تدور حول شخص حل بقرية و زار مقبرتها و إذا به يجد مدونا على القبور عبارات استغربها. فقد قرأ عل قبر أن فلانا مات و عمره عام و أن من مآثره أنه ألف كذا كتاب و سافر إلى كذا بلد و قام بكذا و كذا. و قرأ أشياء عديدة مماثلة في مختلف القبور، الشيء المشترك فيها، أن العمر المذكور لكل شخص ميت قصير جدا بالمقارنة مع المآثر المدونة إلى جانبه.


استغرب الرجل الأمر و استفسر لدى أهل القرية عن هذا الذي لم يستطع عقله أن يدركه فشرحوا له سر ذلك. قالوا له أنهم يدونون فقط المدة التي كان فيها الميت ايجابيا في الدنيا عن طريق فعل يستحق الاحترام كتأليف كتاب أو القيام بسفر هام أو ما شابه ذلك، و لا يضعون العمر الزمني الذي يبدأ مع الولادة و ينتهي مع الوفاة. نظر الرجل إلى هذا المنطق الغريب عليه و راح يتفقـد ماضيـه و حـاضره و يبحث عن شيء ايجابي قام به يستحق التخليد فلم يجد شيئا ذا بال فقال لأهل القرية: حين أموت أكتبوا على قبري : مات و لم يولد بعد.


ما جعلني أتذكر تلك القصة هو ما قاله “عميد البشرية”، الياباني توموجي تانابي البالغ من العمر 111 سنة حين بلغه الخبر من كتاب غينيس خلال شهر يونيو الماضي. فقد قدم الرجل اعتذاره للناس من حوله فور تبليغه بالخبر لأنه “عاش كل هذه المدة”. لا بد أن الرجل، في نظري، أحس أنه بقي مدة أكبر من المدة التي كان يجب أن يبقى فيها و يكون مفيدا بالعلم أو العمل و أنه، و قد وصل إلى تلك السن المتقدمة، صار عالة على البشرية، و هو ما جعله يحس بواجب الاعتذار للناس من حوله يوم تكريمه عميدا للبشرية.


إذا ما نظرنا إلى حالنا، نحن ورثة حضارة عريقة دامت قرونا من الزمن و زينت البشرية بصفحات من ذهب إن في مجال العلم أو الأدب أو العمران، و قد صرنا في آخر الركب لا نقوى حتى على فهم ما يدور حولنا (ناهيك عن مسايرته أو التفاعل معه) ، فربما نكون أولى بأن نعتذر للبشرية التي حولنا و لتاريخنا الطويل و نخجل من وجودنا على أرض تحملتنا طويلا دون إن نقدم لها شيئا جديرا بالاحترام.


حيـاتـنا عـالـة علـى الغـرب فـي مأكـلـنا و ملبسـنا، في كلامنا و تفكيرنا، في الاقتصـــاد و السياسة و الفكر و الاجتماع و الرياضة و غير ذلك، شيء يخجل له كل ذي ضمير حي تتراءى له تلك الصفحات النيرة من تاريخ أمته و هو مدعــاة لأن نـراجـع فيـه أحـوالـنـا بصـدق و مسؤوليــــة و نعتذر للبشرية من حولنا عل وضعنا و نهب صادقين من أجل تصحيحه.