المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في القصة الظليلة : نفايات ...



محمد محمد البقاش
03/07/2007, 02:25 PM
قراءة في القصة الظليلة: نفايات...
=================

إن قصة : نفايات قصة ظليلة من الأدب المَمْدَري . والأدب الممدري أدب جديد على ساحة الآداب عربية وعجمية , ولقد تم تحديده في دراسة : الممدرية ( في النظرية والتقنية ) . كما وردت نماذج له في رواية : نساء مستعملات , وقصص منشورة هنا وهناك .
وأنا هنا، وبالمناسبـة بصدد ضغط ساقني إلى التعريـف بالأدب الممدري والقصة الظليلة أولا، ثم بعد ذلك أسبـح فـي قراءتي .
فالقصة الظليلة في كثير أو قليل منها مقتبسة من الشعر الخاضع لعلم العروض, من الشعر الذي يسمى شعرا ولا خلاف عليه, وهي بمكونات خاصة:
أولا: أن تكون القطعة والقصيدة, أو البيت الشعري والبيتين؛ يتضمنان سردا.
ثانيا: أن يلتزم القاص, والروائي بشيء مما جاء في الشعر قل أو كثر.
ثالثا: أن يتم توقيعها من طرف مؤلفين اثنين هما: الشاعر والقاص, أو الشاعر والروائي.
والأدب الممدري يقوم على مكونات هي :
أولا: التثقيف الفني.
ثانيا: الرياضة الذهنية.
ويستهدف غاية مزدوجة هي:
أولا: المتعة العاطفية ويشترك فيها مع غيره من الآداب الأخرى.
ثانيا: المتعة الذهنية وتستقل بها عن غيره.
كما له رؤية خاصة للجمال تقوم على فلسفة انْصزالية تصهر وتعزل الأجرام الأدبية في كونها الصغير , تقسم الجمال الذي تعتبره صناعة القلب والعقل إلى ثلاثة أقسام هي :
أولا : جمال للخالق المبدع , وهو جمال يظل في أعلى عليين لا يطاوله عقل ؛ أو يدركه خيال , وكيف يطاوله العقل والنظر وهو إن تجلى للأعين والعقول خرت صريعة من شدة الانبهار وضعف التحمل ؟ ويكفيه جمالا أن ليس كمثله شيء .
ثانيا: جمال كلي يتجسد في الكون كإطار لحياة الإنسان وعيشه لا يمكنه إلا أن ينبهر به وبروعة بنائه ككل..
ثالثا: جمال جزئي يأخذ محتويات الكون والطبيعة بما فيهما من إنسان وحياة..
وأحب أن أدلي بقراءتي هذه , وهي ربما غير مسبوقة , إذ كيف يقرأ كاتب عمله ويقدمه إلى القراء ؟
أقول عن قصة : نفايات:
تبدأ القصة الظليلة : نفايات بالحديث عن الماضي غير الأندلسي وغير المغاربي , تبدأ بالماضي المصري في حديثها عمن قست أكفهم وخشنت أيديهم وهي لصبيان وأطفال وشباب رقيق كانوا يساقون سوقا لبناء هرم الملك خوفو . كان الفراعنة يسوقون العبيد لأعمال الحفر والبناء والجر وصقل الحجارة.. يختارون منهم ذوي العضلات القوية؛ حتى إذا قضوا في أعمالهم بضع سنين ضمرت عضلاتهم ويبست جلودهم وتورمت أيديهم وأرجلهم ؛ رموا بهم , ومنهم من مات أثناء عمله الشاق , ويشهد على ذلك الحفريات في محيط الأهرام خصوصا هرم الملك خوفو , استمر الأمر مدة بناء قصر الحمراء في غرناطة وتاج محل في الهند وكانت مدة بناء كل من هرم الملك خوفو وقصر الحمراء وتاج محل عشرين سنة .
ثم يضيف السرد في نفايات صورا تجريدية مفتوحة لا يمكن التوافق عليها لغويا ؛ الأمر يتعلق بانسياب صعلوك الصحراء في جنته , ولكن اللافت للنظر هو عنصر التحديد في مدة تعميره , وهذا يجعل القارئ بذهن كما لو كان خيزرانا سامقا يميل تحت ضغط رياح ناعمة , وكيف لا يكون كذلك وقد برز في القصة أول مكون للأدب الممدري وهو الرياضة الذهنية يتلوه التثقيف الفني وذلك في عبارة : (( ويمضي معمرا كما عمر ولي عهد البرتغال في خلافة والده )) وقد كانت خلافة ولي عهد البرتغال بعد مقتل والده مدة عشرين دقيقة في سنة 1908 ميلادية ليغتال هو أيضا .
وتمضي القصة بعد بداية هادئة تسير كسفينة تمخر صامتة ثم تغوص في الأدب الممدري كما تغوص السفينة في رهبة المحيط الخالي ، يظهر ذلك في عبارة : (( من اليمين إلى اليسار رقم ثمانية، واحد، وواحد، ولكنها لا تقرئ، تأبى ذلك، تلح في القراءة من اليسار إلى اليمين، هي الزمن المنحدر من سقوط غرناطة، هي الموت خنقا عند نهايتها )) وفي هذا تجميع لذهن المتلقي وحصاره بغية السير به إلى صور رسمها القاص وجملها بلون ربما يبدو غير لافت , ولكنه في النهاية أشد لفتا وأزا , وعليه تكون قراءة الأرقام هي قراءتنا , هي القراءة العادية وهي مائة وثمانية عشر, بهذه القراءة يكاد ينفلت الحس من سياقه المحبوس فيه, ولكنه في كل الأحوال محصور في ركن شديد , هذا الرقم هو الزمن المنحدر من سقوط غرناطة , والمنحدر في العين قد تتسمر الباصرة لرؤيته حتى نهاية انحداره واستقراره , إنه زمن يبتدئ من سقوط غرناطة ، وسقوط غرناطة في تاريخ العرب والمسلمين لافت جدا بحيث بسقوطها انتهى أمرهم في سقوط شبه الجزيرة الأيبيرية , وقد كان ذلك في سنة 1492 م , والرقم الذي يشكل الزمن المنحدر, والجرم الأدبي المنحدر هو 118 وبالترتيب الأفقي ينسلخ الزمن من الكبر إلى الصغر , وبالترتيب العمودي يتناقص من الأعلى إلى الأدنى وكلاهما محشور في الإبداع سواء قصد أو لم يقصد , وهذه هي القراءات للإبداع , وعند رسم الأرقام عموديا نضع :
1492
118
وبما أننا أمام أرقام موجودة في أرقام, وأرقام مفرغة من أرقام لم يكن بد من الإنقاص ونحن نركب الرياضة الذهنية والتثقيف الفني مستسلمين وكأنها لنا طرموستا ستوقظنا عندما يلزم , وستنبهنا عند الحاجة , ثم في النهاية نقف على رقم منقوص من رقم , نقف على عملية حسابية بها رقم 1492 ــ 118 = 1473 وهو السنة التي توفي فيها لسان الدين ابن الخطيب مخنوقا بسجنه في مدينة فاس , وأما ما تلا ذلك فهو تجريد في تجريد مفتوح ..
ومن الفقرات التي تلي السابقة ظهر الاقتباس، ظهر مكون من مكونات القصة الظليلة فكشف صورا لحوادث تاريخية جرت مع لسان الدين ابن الخطيب وهي مأخوذة من شعره السردي , وهذا مكون ثان من مكونات القصة الظليلة، والمكون الثالث مذكور أعلاه .
وتنتقل القصة من الماضي إلى الحاضر المعاش, تسوق مذبحة قانا الشمعونية في سنة 1996 بلبنان , تذكر؛ حتى لا ننسى، بقول الجيش الإسرائيلي في وصفه للمدنيين الذين قتلوا بالقصف : (( أنهم نفايات بشرية ))، ونفايات عنوان لافت في قصتي، والطريف المدمي المحزن , والمغضب هو ظهور مجزرة قانا الثانية الألمرتية وبمعية نائبه بطل قانا الأولى الإرهابييْن ألمرت وشمعون بيريز , سوق هذا مقصود حتى لا ينسى العرب والمسلمون وأحرار العالم .
ولا تتوقف القصة عند هذا الحد , بل تلفت النظر إلى الوحدة العربية وتهز الذهن والخلد بشأنها حتى لا يتوهم واهم إمكانية تحقيقها في ظل المثبطين والمخذلين والمتشبثين بالوطنيات والقوميات , ويستمر في إيقاع اللفت حتى يصل به إلى القمة فيبدأ في طلب مطابقة الفكر للواقع , يعرض ابتلاع ألمانيا الغربية لألمانيا الشرقية دون قضم ومضغ , ويسخر من العرب وما بهم رغم وجود مقومات الوحدة الحقيقية بينهم وفي وجدانهم وتراثهم وثقافتهم وحضارتهم ..
ثم يظهر لابن الخطيب معي بطول متر ونصف يجره صاحبه وفي ذلك ما فيه من استدعاء للصور , غير أنما أود لفت النظر إليه هو حقيقة طول المعي الغليظ وهو متر ونصف, وهذا تثقيف فني ورياضة ذهنية على بساطتهما , وينتقل إلى العضلات الراقصة ويحددها في 17 عضلة وهي عضلات الابتسام , ونقيضها عضلات العبوس وعددها 43 عضلة وهذه رياضة ذهنية وتثقيف فني أيضا .
ويلفت النظر في الفقرات الأخيرة للقصة الظليلة نفايات إلى المثقفين الذين لا يخدمون أمتهم , أولئك الذين يحاربونها بما ينشرون من زبالة أدبية وفكرية مثل المثقفين الرماديين , يروجون لثقافة ليست من تراث الأمة , وليتها تكون ثقافة بديلة تتوخى الارتقاء , بل هي ثقافة ساقطة مرذولة لا تقنع العقل ولا توافق الفطرة ولا تملأ القلب بالطمأنينة , يسلط عليهم لسان الدين بن الخطيب لسانه نيابة عن القاص بغية تقريعهم وتوبيخهم من أجل تصنيفهم ولفت نظر الناس إليهم حتى لا يخدعوا فيهم . , وحين ضجروا من ابن الخطيب وقد تحول إلى رمز في هذه القصة شأنه شأن عبد الله بن عمر العرجي في قصة ظليلة أخرى هي : أضاعوني وأي فتى أضاعوا , أقول حين يئسوا من تدجينه وانبطاحه كديدن المثقفين الوصوليين والمبدعين التافهين ؛ وشبهوا طاقته بالبطارية, نفر منهم ليس خوفا، لأنه مجرد رمز, بل لوضع نبتة العز في مكان اختاره بعدما تغيرت القيم والمثل, ولكنها عنده لم تتغير, ويؤمل أن يوجد من يرعاها حتى تنضج , فهي حية تحتاج إلى عناية ورعاية , تحتاج إلى تشذيب وسقاية وضوء كنبتة غضة طرية , تركها في مكان آمن في حراسة الممادرة تنضج بين عرب ليسوا عربا , ولكنهم سيكونون كما كان أسلافهم عربا قادة الوحدة و الرحمة, وليس عربا قادة التفرقة والعنصرية .

==========
محمد محمد البقاش