المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رؤية فى شعر /أيمن صادق بقلم أ.د/محمد زكى العشماوى



أيمن صادق
24/06/2007, 12:47 PM
رؤية في شعر ( أيمن صادق )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ


**** بقلم أ . د " محمد زكي العشماوي .....


إن أي دراسة لشاعر قديم أو حديث بدون تحديد عناصر التكوين والإحياء لعمله الفني , والوصول إلى الدواخل النفسية والفنية له تصبح دراستنا لشعره ناقصة أو مفتقرة للأساس الثابت الذي يقوم عليه البناء , بل إننا لنعتقد أن أي دراسة لشاعر لا تنهض على أساس من تصور سليم تظل غامضة وعاجزة عن إعطاء نتائج مقنعة لعالم الشاعر النفسي والإبداعي على السواء .
ومن ثم فإن أول خطوة نخطوها في دراستنا لشعر " أيمن صادق " هي أن نخلص إلى جملة من الحقائق التي نراها ملامح رئيسية تلخص فكر الشاعر وموقفه النفسي والإبداعي , وما ينهض عليه هذا الموقف من أساس يحدد الإطار العام الذي ينطلق منه عالم " أيمن صادق " الخاص كما نتصوره .


الظاهرة الأولي :
والتى تعتبر سمة عامة في طبيعة شاعرنا أنه يصدر عن حس متوقد في معظم ما يكتب ... والحس المتوقد عندنا هو وقود الحياة والإبداع معا فإذا لم تتقد حواس الشاعر أصاب خياله الجمود ، فإذا ما عشق شاعرنا أو حزن أو فرح فإنه يصب من زهنه وقودا يزيد من فورة قصائده وأجيجها وجمالها ....
ومن هنا كانت حرارة العاطفة ودفيء الإحساس عند الشاعر هي التيار الخفي المنتشر في كل أعماله فعاطفته لا تلوح كاذبة في أعماله

الظاهرة الثانية :
هي أزمة الشاعر الذي يجب أن يبقي في قلب المعاناة حتى يظل خلاقا . هذه الأزمة عند شاعرنا هي جزء من حسه المأسوي الحزين .
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة كانت جزءا من حس الشاعر المأسوي , فإنها في ذات الوقت جزء من نشوته المتكررة التي لا يري في الحياة نشوة تضاهيها وهذه هي التي تجعل حياة الشاعر أغنى وأحفل من حياة بقية الناس
وهو حين يجعل نفسه في قلب المعاناة يظل في عبور مستمر أو قل في خلاص مستمر من التوتر , والإنتصار علي القلق ، ويصبح هذا في حد ذاته غاية مقنعة للشاعر لا يسعى في الحياة إلى أبعد منها , ففيها وحدها الحل للتناقض القائم أو الماثل , والذي يجسده الصراع بين الداخل والخارج , ونقصد بذلك الصراع بين عالم الشاعر وعالم الناس .
معنى ذلك أن شاعرنا لم يكن يصدر في شعره كما يصدر الشاعر التقليدي الذي يكتفي بتسجيل ما يقع تحت حسه من الأشياء أو الصور يرصدها ويصفها عن طريق التأمل الذهني أو العقلي , بل هو يرفض كل موقف أو تجربة أو حتى معرفة لا تتبع عنده من معاناته الذاتية .
فمعظم ما يصوره شاعرنا أو يتناوله من موضوعات لا تبقى موضوعات خارجية بل تتحول عند الشاعر إلى تجربة ذاتية شخصية أو إلى رؤية وجدانية حتى يخلع على الأشياء صورته الخاصة لها .
أو بمعنى آخر أن الأشياء الخارجية لن تتحول عنده إلى شعر إلا إذا تحولت من مجرد شكل خارجي إلى ارتعاشات عاطفية , فتصبح الأشياء عندئذ جزءا من حركة النفس الداخلية , ويصبح إيقاع الأشياء وإيقاع الحياة من حوله جزءا من ايقاعه الداخلي .
إن هذا التألف بين الداخل والخارج أو قل التعانق بينهما هو الشرط الأساسي عند شاعرنا للخلق والإبداع .

أما ظاهرة الحزن :
فهي أيضا من الظواهر البارزة والتي لا تخطئها عين القاريء في كثير من نصوص شعره , وهي ظاهرة مرتبطة برهافة حس الشاعر وتوقده وسخطه الذي يدفعه إلى الحنين إلى عالم من النقاء والتواؤم النفسي حيث الصدق والطهر , فكثيرا ما نري شاعرنا يبدو من كلماته كأن الحياة غادرت الظهيرة واقتربت من كآبة المساء . على أن هذه النظرة المأساوية كثيرا ما ترسم أكثر الآثار الفنية الرائعة .فجحيم دانتي في الكوميديا الإلهية أعظم من فردوسه . وقد يكون من العسير تعليل المتعة التي تستشعرها في مثل هذه الآثار , ولعل ذلك يرجع إلى أن النظرة الحزينة الرافضة والغاضبة أقرب إلى حقيقة الحياة , أو أدنى إلى التعبير عن حاجة الإنسان إلى عالم البراءة والصدق , وذلك حين يرى حقيقة الشر وتفشيه , وإدراك هذه الحقيقة هو أول الخيط في السعي نحو الخير .
وتأتى بعد ذلك ظاهرة الشعور بالوحدة والغربة .....
وهذا الشعور غالبا ما يتصل بالموضوع الكبير الذي يشتمل عليه الديوان وهو البحث عن الحب والسعي إليه . فالشاعر حين يعاني من الوحدة والشعور بالغربة إنما يعبر عن شتات النفس الذي عبثا يريد أن يستقيم , ذلك الشتات الناشيء عن حاسة جريحة تنشد الإلتئام والشفاء , والنزوع الطبيعي نحو الخير والحب , إنه الحنين المتصل إلي تكامل النفس , وغريزة الصدق .
تظهر لنا هذه الظاهرة واضحة من خلال عاطفة الحب التي تمثل العاطفة الطاغية على الديوان , وليس ذلك غريبا على شاعر, وليس ذلك غريبا كذلك على الحب الذي هو أهم عاطفة في حياة الناس , فهو الوقود الذي يجعل الاستمرار ممكنا فالحب عند شاعرنا عملية صراع من أجل البقاء والتوازن النفسي وكلنا نعلم والشعراء على الأخص أنه إذا انتهى الحب أو اختفي فقد إنتهت حياة الإنسان الحقيقية وأصبح كسيارة وقفت على قارعة الطريق لنفاذ وقودها .
ولكن الحب في مجتمعنا مخنوق , مع أنه هو قوة التحرر في الإنسان والقوة التي تدفع حركته من الداخل إلي الخارج , أي التي تخرج مكنونه وتطلقه من إساره , فتعين إلى دفع طاقته إلى الإيجاب . والذين لا يتحقق عندهم الحب علي هذا النحو , فهم لا شك يكابدون من العذاب الكثير لأنهم يعجزون عن إقامة ذلك الجسر بين الداخل والخارج وهذا هو بعض السر في قلق شاعرنا وحيرته بل وحدته وغربته وعذابه في حبه , ويظل كذلك حتى يظفر بحبيبته .
ورحلة المعاناة عند الشاعر طويلة تستغرق صفحات الديوان ومعظم قصائده . فإذا تأملنا القصيدة الأولى " امرأتي وأنثاه " نجد تيار الأسى , والخيبة والهزيمة والحزن والإحباط يغلف أبيات القصيدة ويكفي أن تتبع صور القصيدة وكلماتها ليتجسد أمامك خط الشجن المتصل عبر القصيدة " تمزقت احتمالاتي " , " تقامرني على حزني " , " وتنسج من نزيفي ثوب أغنية " , " تكفن جزوة الحرمان " , " هي امرأة تقامرني على الأحزان " , " حزني المصلوب " , " وجع القصيدة " , " أحضان السعير " وهي قصيدة تكشف عن مدي الإحباط الذي يعانيه الشاعر حين تكون النفس الإنسانية في أوج صحتها وسلامتها ثم لا تلبث الحياة المعقدة الملتوية أن تخفي الصدق وتطمسه تحت أكداس من ريائها وكذبها .
وتستمر هذه الموجة من المعاناة في قصيدة " النورس " حين يقول :

البحر يا صاحبي نامت عرائســــه فلا غناء ...ولا رقص ...ولا فــرح
ولا ارتعاش لكف همســـها ظمـــأ ولا عنـاق عــيون صمتــها بـــوح
البحــر مثــلي وحيــد في مواجـعه وقــد تعنكــب في أشــواقـه تـرح

وكيف للشاعر أن يجد النشوة والبهجة وإشراقة النفس , والحب مفقود

إنا نحب .. وما في الحب معصية غير الهزيمة ... لو عشــاقه ضحــوا

ويعبر عن إنتظاره الذي طال .. وهو صابر ينتظر عودة الحبيب

يقول مقعدها .. قد فات موعدها .. أقول إني سأبقى العمر أنتظر

وهكذا يبقى الحب تحت تباريح الفجيعة وكثيرا ما نقع على كلمة " الموت " مقرونة بتباريح الحب .. والحب والموت عند كثير من الشعراء أعنى شعراء الحب توأمان يزيد الواحد منهما حدة توتر الآخر وأمثال هؤلاء الشعراء يبلغ شجن الحب أقصاه .. وتحتدم الحمى صعودا إلى مشارف الموت الذي يعطي الحب نبله الأقصي , فيكون عنف الحب لديهم وجها آخر لعنف الموت
يقول :
ويغتال ليل الهزيمة خطوي
ويغشي الدروب شحوب احتضاري
ويقول في قصيدة أخرى :

إن تصلبوه فإنى سوف أفديه
ولن يموت ... فنزفي سوف يحييه
ويقول كذلك :
فالموت بين يديها انتشاء
ويقول :
على صدرها كنت تأمل موتك

وتمضي معاناة الشاعر وشجنه وحنينه المتصل صعودا وهبوطا بين اليأس والرجاء وفي قصيدة " وماذا بعد " تتجسد مشاعر اليأس والأمل بصورة واضحة واسترسال في العاطفة واللهفة حين يتساءل الشاعر عما يكون بعد هذا العناء والصبر والمكابدة يقول :
وماذا بعــد يــا ذاتـــي وسيـدتــي ومـــولاتـــي
ويا شعري الذي أشدو ويـا أحــلـى كـتـابــاتـــي
ويا نبضا بأوردتـــي يـراقص حـرف أبــيــاتــي
ويا ذنبي ومغـفرتــــي ويـا حـــزن ابتسـامــاتـي
فماذا بعد أن نهوي وننهــل من صبـابــــات
نعيش اللحظة السكـري بأشـــــواق الـلقــــاءات
ونغفــو فـوق أقمــار تهـــدهـــدنــا بنجـمــات
فترقص حولنا الدنيـا ولا نــدري بــأوقـــــــات
ونلعن ســــاعة حمقى تنبهـــنـــــا بد قـــــــات
فنصــــحو من أمانيـنـا لنرضــع خوفنا العــاتـي
ونمضـي حيث أقــــدار تـنــــــاءت بالمســافات

وواضح ما في القصيدة من مشاعر تتأرجح بين اليأس والأمل , ونلمح ومضات من الأمل خلف ضباب الأسي الذي يملأ سماء الشاعر ومع ذلك فإن بريق الرجاء يتلألأ بعيدا .
وهي رحلة شاقة من المعاناة والإصرار الذي يتراءى لنا من أبيات الشاعر حين يتراءى له وسط أمواج عاتية من المكابدة , شاطيء النجاة الذي سيحمله إلى رحاب واسعة من السعادة ...

قســمــا بالله وعـزتــــــه قســـما بالشـــفع وبالوتـر
إن شــاء الله سيجمعـنــا وييسر من بعـــد العســـــر
وستورق أحرف أغنيتي لتعيـــد البســــمة للفجـــر
فدعيـــني أحيا يا سمري فبدونـــك ما جدوى العمـر
وتعالي نسع إلى غدنــــا إن الإنسـان لفــي خســر
إلا من أخلــص نيتــــه وتوضـــأ من نبع الصـبر

فإذا انتقلنا بعد رحلة الحب المشبعة المثيرة إلى وقفة قصيرة عند أدوات الشاعر , فإن أول ما يسترعى الإنتباه, كما أوضحنا في مقدمة هذا المقال , هو وقدة الإحساس التي يصدر عنها الشاعر والتي تجعل لتجربته الفنية نفسا حارا , ولا يخفي علينا إعجابنا الأصيل بالشاعر الحقيقي يتركز أو يكمن في هذا التيار الخفي من الإحساس المستمر نشعر به دائما في كل نواحي العمل الفني .. وهذا في حد ذاته يشكل قيمة مردها لحيوية التجربة وقدرتها علي الإثارة وتوليد الانفعال في نفس قارئها
وأشرنا كذلك إلى صدور تجربة الشاعر عن الأزمة أي وجود الفنان وبقاؤه في قلب المعاناة حتى يظل خلاقا .... وهي الأزمة التي تصدر عن الصراع الشديد والتوتر الحاد بين العالم الخارجي وبين حاجة الشاعر النفسية .... وهذان العنصران هما ركنان جوهريان في التجربة الشعرية الناجحة .
فإذا عدنا إلى لغة الشاعر وصوره فسنرى أن لغته هي جزء لا يتجزأ من نفسه المشحونة بالتوتر والصراع , والبحث عن الشيء المفقود والمجهول والسعي من أجله برغم كل العوائق والتحديات .. لغة الشاعر جزء من نفسه , وهي مرآة لذاته وانفعالاته , من أجل ذلك جاءت لغته حية ناطقة بكل خلجات الشاعر , فلن يكون الشاعر شاعرا ً إلا إذا صدرت ألفاظه من أعماق روحه , فلا يكتب ولا يغنى إلا بما أحست به يداه وذاقته شفتاه وشاعرنا يستقي ألفاظه وصوره من أنسجة لحمه ومن ثم فلشاعرنا لغته التي تستجيب له طواعية تلين وتعنف وفق موجات إحساسه , وتستمد دفئها وحرارتها وتوترها وإيقاعها من نبض اللحظة التي يعيشها شاعرنا وهذا يجعل لغته تتسم بالبساطة ,والعفوية والتأثير مع الاحتفاظ بجودة العبارة ورصانتها .... وخلاصة القول في لغة شاعرنا أنها خزائن طاقاته وغضبه وفرحه وثورته وحبه ...لها وراء حروفها ومقاطعها دم خاص , ودورة حياتية خاصة . أما موسيقى الشكل عند شاعرنا فهي كموسيقى النفس .. لذلك فأنت تحس أحيانا بموسيقاه دون أن تستطيع تحديد خصائصها .. إنها صوت الشاعر الداخلى ومن هنا فلا مجال للكلام عن أوزان الشاعر وقوافيه , وعدد البحور التي إستخدمها وأنواعها ... فما دام الوزن ملتزما من بداية القصيدة إلى نهايتها وما دامت القوافي مستقرة غير قلقة في مواضعها فإن بحثنا عن الوزن والقافية لا يكون إلا بمقدار توظيفهما وملائمتهما للأفكار والتعبيرات التي تضاف إليها صورة الوزن . فالذي يعنينا أن تكون الموسيقى الناشئة من الوزن وغيره من العناصر الصوتية الداخلية والمنبعثة من علاقات داخلية قد استطاعت أن تحقق تجربة الشاعر , فيتم إخضاع عناصر القصيدة كلها للإحساس الواحد المهيمن على القصيدة . وقد لاحظنا أن نغم قصائد شاعرنا كانت إلى حد بعيد جزءا لا ينفصل عن التجربة . وأنه ينمو بنموها ويتطور مع باقي عناصر القصيدة من فكرة وصورة وإحساس
وفي ختام هذا المقال أو أن أشير إلى تجربة أيمن صادق الشعرية جديرة بالتقدير على الرغم أنها المحاولة الأولى لشاعر واعد فإن ما يتمتع به من إمكانات كفيل أن يجعلنا نطمئن عليه أولا .. ونثق في مستقبله الإبداعي ثانيا ..
كما أن الشيء الذى يدعو إلى التسجيل أن الحب عند الشاعر وفي هذا الديوان هو المطلق وما المرأة إلا العذر ويبقى الشاعر وحبه وهواجسه خارج إطار الزمن لأن تلك هي طبيعة أيمن صادق