المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الراقدون ..قياما ( قصة قصيرة )



حمادة البيلي
09/06/2007, 05:22 AM
الراقدون .. قياماً !!
انقطعت أخباره عني فترة ليست بالقصيرة.وكنت أظنه فقد كغيره من ممن ذهبوا ولم يعودوا.وضعت الحرب أوزارها والناس في لهوهم ماضون وكنت أتعجب مما يحدث من حولي وكنت بيني وبين نفسي أسأل أتصنع المأساة ملهاة ؟.وحاولت أن أسير علي درب الحياة أنا الآخر.علي أني لقيته صدفة في أحد الأزقة وقد تبدل حاله كثيرا.كنت من قبل ألقاه باسم المحيا صفي الروح معتدلا في كل شيء أفعاله وأقواله,,ولكني وجدته هذه المرة غريبا عني كأني لا أعرفه وأقبلت عليه فرحا جذلا بلقياني له بعد غياب وكلي قلق أود الاطمئنان عليه ولكنه ما أن رآني حتى هرول فزعا من رؤيتي فتعجبت مما أقدم عليه وجلست علي القهوة أنظر إلي الوجوه من حولي وأرقبها فإذا الوجوه من حولي تعبر عن مآسي الخلق من حولي وأشجانهم وإذا الذكريات تخالطني فقمت من مكاني ثم ذهبت للمرآة التي تتوسط القهوة.ما لثبت أن ألقيت الجريدة جانبا.هي ذات الأخبار لم يتغير شيء.خمسون عاما للوراء كمثلهم للأمام !!وقهقهت عاليا حتى نظر كل من بالقهوة لي واتخذوني مسراة لهم في يوم شديد الحرارة.لم يكن لي إلي الجلوس علي القهوة طوال النهار وشطرا من الليل.رحل الصحاب ما بين هارب وميت وبقيت بلا أنيس سوى الذكريات أذكر السويس.ليالي يونيو.ولم أتمالك نفسي,عبد الناصر يا جمال
****
إنني مستعد للتنحي عن أي منصب رسمي ..
لا .. رددناها سويا .. إذا سقط الرمز سقطت الدولة !!
إنها حرب مذهلة بكل مقاييس الدنيا.حرب أعادت لنا الكرامة بعد أن كانت جباهنا مخضبة بالأسى.والمرارة .


****
أي داع دعاني للسير خلفهم .الحمقي يطالبون فاروق بالرحيل . هم راقدون دون قيام !!


****
وقمت قاصدا الذهاب لبيتي وقررت أن أسير علي قدماي لأرى كم تغيرت الدنيا من حولي . يحرقون العلم .. لم يعد رمزا ولن يستيقظ الراقدون !!
وحين فتحت باب بيتي انتبهت إليه, لم فر مني في الصباح إذن ؟. وجلس علي أقرب مقعد صادفه ثم أشار إلي يريد أن يشرب فأجهز علي دورق أحضرته له في ثوان.لم أكن فضوليا من قبل ولكن رحلته وغيابه ألهبا فضولي لأول مرة وأنهيت ما أقوم به كل يوم قبل نومي وفوجئت بحجرتي مفتوحة ووجدته في سبات علي سريري وتركته للصباح.


***
واستيقظت في الصباح علي الرنين المعتاد ولكنه صامت كما هو ..
- ما بك ؟.
- ...............
- انطق
- .........
ولم ينطق بشيء. وحيرني أمره. ثم قام من مكانه بغتة وهرول للخارج ولم أشغل بالي به إذ بدا لي كأنما أصابته لوثة وعدت لذكرياتي قبل بدء يومي وطفقت أنظر للصورة التي تتوسط الحائط.ذكريات أنوء بها وأحملها وحدي وأخذت أنظر للصور المعلقة وفتحت الباب إثر طرقات متوالية وعنيفة فوجدته وقد حمل لفافة من الورق وألقاها إلي وعاود نومه من جديد ولم أقو علي فضولي هذه المرة وألقيت الأوراق جوار مكتبي وذهبت للقهوة ونظرت لما يدور من حولي ورجل ألمعي لوزعي يتوسطهم هاتفا بسقوطها ؟!!
تسقط !!
ومللت الجلوس لسبب لا أفهمه وعدت لبيتي علي غير المعتاد .كانت الشمس ما زالت تتوسط السماء وبحثت عنه ولم أجده. وقدم إلي صديق قديم فرقت بيني وبينه الدنيا آنا بعيدا.ومكث معي أياما كنا ننهل فيها من ذكريات بائدة حديثا عن زمن مضى وشباب ولى وشيبة أتت !!
وبينما شغلنا بالحديث عن الذكريات ألقي نحوى أوراقه التي كنت قد نسيتها وكانت المرة الأولي التي أرى فيها الأوراق مذ أتى بها وغادرني دون عودة وتركني صاحبي للأوراق فأخذت أقلب فيها واقرأ ..


***
قمت من نومي علي صوت أمي التي أفنت عمرها في تربيتي أنا و أخي وليته أتي ثمره كما ترى فنحن أنا وأخي لا نستحق حياة منتها علينا !!
وسرت وحيدا أنظر إلي الخلق من حولي وتوقفت الحافلة لحظة وسرعان ما استعادت صريرها المزعج الرتيب.وولجت الجامعة متأخرا كما هي العادة ونظرت لوجوه بيتت أمرا ما لا أعرفه.وانتهي من محاضرته سريعا ولملم أوراقه وقال أحدنا :-
- هل نحن على حق يا دكتور ؟.
- نعم !!
- وهم ؟
- .............!!
- وهم يا دكتور ؟.
- ومن هم ؟.
- أنت تدري ما أعنيه !!
- لا شأن لي بذلك !!
وأقبل نحوى فور أنا تركنا الدكتور فارا من حرج استشعره وأسئلة لا يملك إزاها سوى الصمت وقال :-
- هل ستكون معنا اليوم ؟.
- معكم ,, من أنتم وإلي أين ؟.
- لا تسأل ..
وبدا لي الأمر مغامرة وما المانع.وسرت مع السائرين ضاحكا باسما !!
إنهم يحرقون العلم والرموز تبدلت دون أن يدرون !!
وعدت لبيتي وكنت أضحك ولقيتني أمي غاضبة ..
- أين كنت يا أحمق ؟.
- أحرق العلم !!
- العلم ؟!!
- فعلت شيئا أستحق عليه التصفيق !!
وارتميت فوق سريري غارقا في النوم وأيقظتني أمي بنحيبها وصراخها. قامت الحرب, لا جامعة في الغد.وجلست أياما في بيتي وأتاني صاحبي يخبرني أنه قرر الذهاب لهناك قبل أن يأتونا هنا وسألني أن أذهب معه.ما المانع ؟.هي مغامرة جديدة.وقد أموت,أموت!!أو لست بميت إذ أدرك أنه تبقت لي سنة وأمكث علي سريري آنا قد يكون سريري لحدي لا مصدر راحتي !!
وذهبت ..


****
كثير من المضايقات لاقتنا حتى وصلنا.وهناك انتابني شعور غريب أشعر به لأول مرة.إني أحيا من أجل هدف الآن ولكني لا أدري معناه وظللت أتدرب علي القتال ريثما يأتي دوري وذهب صاحبي قبلي وعاد فرحا جذلا كطفل فرح بلعبة جديدة ولم يكن الأمر مجرد لعبة.ومعان أدركها مختلفة لما سمعتها تتردد من حولي.هي الحرب.قاتل وقتيل,محتل ومقاوم
وأقبلت علي امرأة ما رأيت أجمل منها قط وألقت ألينا كثير من الكلمات لم أع منها شيئا ودنوت منها وقلت :-
- أنستطيع القتال ؟.
- والانتصار أيضا .
- تبدين واثقة .
- تمام الثقة ..
ولم تفارق صورتها خيالي.كان الليل لنا هو أنين وصراخ وألم.طلقات, أصوات,موتي,أشلاء.إن الموت لا يخيف.لا يخيف,ولم أجد للخوف أثرا في عيون من حولي ..وقلت لرجل ينزف يكتم أناته :-
- أنت سعيد ؟.
- كل السعادة ..
أخذت أفكر في أمرهم وأمري وكيف كان الأمر مغامرة لي وقد أمسى حقيقة وعلي أن ألزم الصمت.وأقبلت ثانية وقد اختارتني للقتال هذه الليلة.
- حقا ؟.
- خائف ؟.
- لا أنكر ذلك .
- شعور طبيعي يتغير مع النصر .
- دائما واثقة .
- نحن علي حق والحق قوة في حد ذاته والدفاع عن أرضك ضد أي قادم مغتصب لها يمنحك قوة أخرى.هب أنك في بيتك وقدم سارق فهل تتركه.هم يحاولون سرقة تاريخنا .
تتحدث بثقة أعطتها جمالا آخر ولم أتمالك نفسي فدنوت منها ولثمتها سريعا فصمتت قليلا لم تلم بما أقدمت عليه أعتب جرأتي وأنتظر أثرها فقالت :-
- إني لأعجب لكم أيها المصريون.أتدري سر قوتكم ؟.أنتم لا تقيمون للأشياء وزنا ولا تخافون تحيون حياتكم وسط طواغيتكم وجلاديكم بالضحك تردون كل صفعاتهم !! هل أنا جميلة ؟.اتفقنا إذن .إذا عدت الليلة سأكون لك .
وقاتلت من أجلها أعجب لفكرة مجنونة طرأت علي فذهبت في إثر صاحبي لألقاها.وعدت إليها وساقتني إلي شيخهم,ولم أشغل بالي بنير تدمر كل شيء من حولي.أنسانيها جمالها كل شيء.
- لم أعرف اسمك بعد ؟.
- وهل تفيد الأسماء في هذا الزمن ؟.
ولم أنطق بشيء.وأيقظتني بغتة وهي تخبرني أن اليوم جد خطير ولم تجب بشيء علي وربما لن أراها ثانية فلم أتفوه بشيء ولم أدر ما الذي علي فعله وقررت أن أصعد لأعلي لأرى ما الذي يدور من حولي.كل شيء ساكن مريب وقد غدت قلعة الأسود مدينة موتي لا حراك فيها.أي شيء دفع الناس للخوف الذي لم أعرفه فيهم مذ قدومي.ووجدتها أمامه تتأبط ذراعه وأدركت لما كنا نموت سريعا وأسررت لها بما في نفسي لما أفقت .
- أنت أذكى مما يجب ولكني أحبك .
- كيف يجتمع الحب والخيانة في قلب بشر ؟.
- لكني صادقة .
- إن الخائن لا يعرف الصدق.إن الخائن هو التاجر المرابي الذي يبحث دوما عن أعلي سعر ليربح يبيع لمن يدفع أكثر حتى لو باع دما ولحما وأي شيء.
- لا تغلظ لي في القول.لقد دافعت عن وطني .
- وطنك ؟.
- لا تسخر مني.أصغ إلي أيها المصري إنهم داخلوها داخلوها لو قاومنا سنين فإنهم داخلوها لأننا ضعاف أيها المصري ,أضعف مما تتصور. إن الضعف نابع من القضية ونحن بلا قضية وبلا هدف.إن أصبى أهدافنا وأمانينا أن ننام دون أن نفكر في الغد الذي يمثل لنا القلق والخوف.والموت.إننا أمة لم تعد تعرف معني الغد بل إن حاضرها هو أن تطيع لأنها قررت أن تضعف !!!
- إن الضعف ليس قرارا نتخذه.إن الضعف في حد ذاته قوة ولكنها قوة غشوم تسيطر علي الإنسان أمام قوة باطشة.قد نطيع وقد نخضع وقد ننتحر علي أسوار تلك البلد البيداء ولكننا يجب أن نصمد ونقاوم ونقاتل وقد نموت وقد تسحقنا الدبابات تحت عجلاتها وقد تقضى علينا الطائرات وقد نموت جميعا.إن الضعف يفقد الإنسان هويته ولكنه لا يفقد أمة بأسرها هويتها.
- كف عن الشعارات.كلها كذلك.لماذا أموت؟.من أجل أي هدف ؟. تضاربت الأهداف ولم نعد ندري ماذا نريد والصمت أقرب طريق للسلم وقد فعلتموها أنتم وسبقتمونا.قوضونا جميعا حتى لم نعد نقوى أن نقول لا في صدرونا ثم قامت الحرب وقالوا قاوموا.بأي شيء نقاوم وقد أماتوا فينا كل شعور بالحياة ذاتها فلا انتماء لأرض يجدي قط الآن.إن الذي لا يملك قدرة علي الهمس لا يملك قدرة ليمسك عصى ليبعد عنه ذباب الأرض لا ذئابها !!
- إن الموت ليس النهاية أبدا بل هو الأمل !!
وغبت عن الوعي وأفقت وشعرت بشيء غريب بي وكنت أراها بصعوبة وحاولت أن أنطق ولم أقو أن أفعل وقربت مني ورقة تخبرني أنها وسيلة التفاهم الجديدة.سأصمت للأبد.
- لن تنطق ثانية . أكتب ما تريده .
- هل ما حدث لي نوع من أنواع الحب ؟.
- كنت ستموت يا أحمق . أحبك بحق .
- تحبين رجلا صامتا ؟.
- لست بحاجة إلي لسانك بل إليك أنت .
- والخيانة ؟.
- لم أخن . دافعت عن الوطن .
- وطن ؟.
- الوطن القادم وطن ينعم بالحرية والعدل.وطن ليس به صنم يحول شعبه لأصنام وطن يرفع صوته ويقول لا.ونعم َ!!
- إن الوطن الذي من فيه لا يملك أن يقول لطاغية منه لا لن ينطق بشيء أمام طاغية قادم إليه ليس له منه إلا رصاص لو فكر أن ينطق.
- يا أحمق لقد ملكوها .
- ملكوك أنت وكل أحمق ذاهل لا يدرك ما يريدون.إن المنادي بالحرية في غير أرضه ليس راعيا للحرية بل يهدمها من أساسها.وكيف لمن يخون أن يفكر في الحب أو يذكره والقلب يعشق الأصل ويتعلق بالثوابت وتلك الأرض ثابتة باقية وكلنا إلي زوال.إن الحضارة نابعة من الأرض والإنسان هو ترس في عجلة الحضارة !!
ونظرت في طريق عودتي لمن لا يزالوا يقاومون وعدت لبيتي ولم أجد أخي ولم تتحمل أمي ما جرى.وأخذت أنظر إلي الأخبار وقد وضعت الحرب أوزارها.استيقظ الراقدون .اكتشف الراقدون بغتة أن رقدتهم طالت وأنه آن الأوان ليستيقظوا من سبات طويل بعد طول نسيان.أدرك الراقدون أن الحرية لن تأتي وقد نشأ جراء رقدتهم فراغا تسلل منه الوباء فتملك الجسد. أدرك الراقدون أن في الاستيقاظ أمل وفي ملء الفراغ درجة أولي من الحرية.لكن الفزع يتملكني.آه للأوطان حين تعز علي أبنائها فيبيعوها بأبخس الأثمان لأعدائها !!


****
وصمت بعد قراءتي للورق وقد تراءت لي مخيلات غريبة لم أستطع الخلاص منها.ليالي كثيرة بحثت عنه فيها ولم أجده.وذهبت للمسجد وقد غلبني الحزن واليأس مدى طويلا فوجدت عيونا ملت البكاء إذ لم يعد ملاذا ولم تعد تأمل فيه !!
عيون كسر العجز فيها بارقة أمل.عيون لم تعد تغفل أو تنام.عيون تنتظر دورها لتكون جثة محترقة أو جسدا داميا ممزقا أو أسيرا يجهل مصيره وعدت للأوراق ثانية وأخذت اقرأ .
( الرحمن .. علم القرآن .. خلق الإنسان .. علمه البيان ).
إن الراقدين استيقظوا ولم يعد يشغلهم شيء قدر ملء الفراغ.وإنا لمنتظرون
منتظرون !!!


حمادة البيلي
من الكتاب الأول
(الراقدون قياما )

نوف
14/06/2007, 12:42 PM
قرأت القصة ثلاث مراتٍ
في الأولى : ظننتك متشائمًا
وفي الثانية : أيقنت وتأكدت أنك متشائمًا
وفي الثالثة : علمت أن كاتبنا المرموق يستشرف الأمل في أبناء وطنه الكبير وإلا لما كتب هذه القصة



قصة "عنوانها" يجعلك تقف عندها متأملا الماضي والحاضر ولم لا .. أيها المستقبل
حتى أنت .. نتأملك يا مستقبل الأمة ( ربما بنظرة تشاؤمية )
تحياتي

حمادة البيلي
23/07/2007, 01:41 AM
تحياتي أولا
ولا متشائم ولا يحزنون وكل ما في الأمر أنه وجب علي الكاتب أن يرى واقعه ويجسده
فقط !!
تحياتي
حمادة البيلي

ريم زهران
24/08/2007, 11:53 AM
(الراقدون قياما )الوليد الأول للكاتب وهى من أروع ما خط قلمه فى هذا الكتاب .اما بالنسبه للتشاؤم فاعتقد أنه شىء لابد منه لمن يخصه مصلحة الوطن.
ريم زهران

حمادة البيلي
29/08/2007, 01:52 AM
تحياتي أولا ..
إن إشكالية نص الراقدون كما أري ليست في مباشرته ولا نظرته المتشائمة كما يحلو للكثير أن يراها وهي رؤية رغم كامل احترامي لها إلا أنها قد تفرغ ما أردت قوله من الأساس . فما أردت أن أوجه نظر الكل له في الراقدون أننا نحن الذين لو مجازا قلنا أننا مبدعون فإنه وجب أولا على ذاك المبدع أن يملك القدرة ليوجه أقواما بانتظار ما تخطه يمينه وبما أنه توجد قوى أخرى اتخذت دور المبدع المنوط به فعليه أن يلعب دورا آخر أو بصراحة قد لا يحتملها البعض أنه ليس عيبا أن تتراجع خطوة لتتقدم خطوتين ..
ولهذا حديث آخر في وقت لاحق ..
تحياتي ..
حمادة البيلي