المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناظرة بين الحاسوب والكتاب



أسير الحرف
22/03/2005, 10:18 PM
مناظرة بين الحاسوب والكتاب

في عصر حديث, ازدهرت الدنيا وتعاظمت العلوم وانتشرت انتشاراً واسعاً كانتشارات سرطانات العالم الجديد, وتطورت التكنولوجيا تطوراً كبيراً فتُركت كل الوسائل القديمة , وهُجرت واستُبدلت بوسائل تسبقها تقدماً وتفوقها حسناً وجمالاً, حتى صار كلما يمت إلى الماضي منسياً لا يُذكر؛ لأنه أحد ذكريات الماضي المتخلف, فأهمل العرب الكتاب ونسوه, وكان مرمي به في أحد أطراف البيت وحيداً كسير الخاطر قد غطاه الغبار لا يلقى له بالاً ولينظر إليه, وبقربه حاسوب متناهي في التقدم والتطور, قد جلس قبالته, وهو رافع رأسه بكل كبرٍ وتعجرف, والكتاب قد اكتسى بلباس الحزن والرثاثة .
- قال له الحاسب: ماذا بك أيها الكتاب, إني أراك حزيناً تكسر الخاطر وأنت تذرف الدموع وتطلق تنهدات متأوه فماذا جرى لك يا جاري العزيز.

- قال: إني لأظن أن الزمان تغير وأن أهميتي ذهبت في هذا الجيل المتخلف الذي لا يقدر علماً ولا معرفة.

- قال الحاسوب: وما ذاك .

- قال : إن هذا الجيل الجاهل المتخلف قد شغف بأمثالك من توافه الأمور ومن تلك الألعاب والملاهي حتى ترك العلم وهجره, فاشتغل بلذاته وسامر شهواته وجرى في البحث عنها, حتى صار همه تزجية وقته في لَعِبٍ وترف , ونسوا العلم وهجروه, حتى إنهم أصبحوا ذو عقول خالية وأجسام مليئة بالفراغات والسذاجات بسببك أنت وأمثالك.

غضب الحاسوب حتى أحمرت أوداجه, وتغير وجه , وزمجر بصوته , فبدأ يردد كلمات الكتاب بحنق وغضب.

- ثم قال: أيها الكتاب المتعجرف, المغرور بنفسه, المتكبر بذاته, إنك أيها الكتاب قد ولى زمانك , وذهب صحبك, ومات أهلك فلم تجد من يرثك, ولن تجد من يلتفت لك, بل أنت حشرة زائدة, مرمية مهملة, لا ينظر إليك أحد, ولا يصاحبك أحد, قد نبذك الناس , وكرهتك قلوب البشر , فإن نظروا إليك نظروا بأطراف مستحقرة لك, ألا تراهم يترفعون عن لمسك والإقتراب منك , بل ويبتعدون عنك تاركينك ملاذاً للحشرات ومستودع للغبار والقاذورات, وأنت يا هذا تنظر إليّ بعين حسودٍ قد قتلته الغيرة والحقد, وإلا فإني أيها الجاهل المتخلف قد ملت سمعتي الأفاق وأقبل البشر إلي يستبقون ,ولودي يخطبون ,وبي ينشدون , يتغزلون بمآثري ويتغنون بمميزاتي, حتى صاروا مني في ذهول , فانشغلت بأسراري العقول, فتباروا في مجالاتي , وتفاخروا بإنجازاتي, ألا ترى إني أصنع العجائب وأُنشئ الغرائب, حتى إذا توقفتُ وقفت الحياة وانقطعت سبلها فعجز البشر عن المعيشة وأصابهم الهلع والخوف , فإن عدت عادت معيشتهم ومشت الحياة في عروقهم مرة أخرى, أما أنت فأنت قديم , قد تهالكت وتقوضت قيمتك, قد اكتسيت بتخلفك القديم فلما نزعته في عصر التكنولوجيا والتقدم , والبشر قد وصولوا الكواكب ونزلوا القمر وتجولوا بين النجوم وهذا كله بفضلي, وأنت قابع تحت خزانة مجهول النسبة لا يعرفك أحد ولم يسمع بك أحد سوا إنك رمز للتخلف والرجعية وعدو للحضارة والتقدم وهأنت تتفاخر بمآثر أبائك والذين هلكوا من سالف الأزمان, ونسيت سيرهم في مزابل التاريخ, تتفاخر وكأن الكون لك والعقول ملكك تصنع بها ما تريد, وتغير ما تريد , وأنت وضيع المكانة في زمني وبوجودي, ألم تسمع قول الشاعر:
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي

فكف عن الغرور, واسكت عن نباحك المزعج, والأفضـل لك أن ترمي بنفسك منتحراً في بحر أو محيط , ولا تبقي نفسك مهمشاً على طرف الحيـاة, لا يحس بك ولا يشعر بك أحد,فما الزمان زمانك ولا الأهل أهلك , بل هو زمني ومكاني وأنا سيده, وأنت لست سوى عبد حقير.

تنهد الكتاب, تلفت يمنة ويسرة , ثم أطلق ضحكة وقال:ما أنت سوى بضاعة قديمة , لا تلبث إلا وقت ثم ترمى في المزابل , فأنت آلة بأيدي البشر يصنعون بك ما يريدون, وأنا سيد الكلم وحاكم العقل , أصنع من البشر رجالاً , وأنشئ منهم قوداً وأخلق منهم علماءًً , أنا والفضل لله ثم لي أنشئت عقلاً صنعك, ولباً أخترعك , ونفساً تتحكم بك, فلولاي لم تم وجودك , ولولاي لكنت لم تكن, أنا الذي أحفظ الأولين وأعلم الآخرين, أخاطب العقول, وأتحكم في مصائرهم , فكم استفادت من علومي الأمم على مر التاريخ ولولاي لبطل أكثر العلم ولذهبت تجارب السابقين هباءً منثوراً , ولولاي لحرم البشر من الانتفاع من مناهل السابقين وتجاربهم وحكمهم وأخبارهم ولبدؤا في البحث عن المعرفة من جديد, فكم اختصرت عليهم المسافات وألحقتهم بالمنفعات وعلمتهم من الفوائد والمعلومات, ألا تدري أني كل ما زاد عمري زادت قيمتي وكثر طلابي , فأنا أنيس العلماء والأدباء , بي يقضون أوقاتهم أُأنسهم في خلواتهم وأصلح أحوالهم وأذكي عقولهم وأصفي أذهانهم, فأنا نعم الجليس الذي اصطفاه المثقفون لمجالستهم , والنهل من فوائده , والتعلم من حكمه , ملئت علماً , كبستان قد تدلت ثماره , لا يمنع طالباً ويشبع جائعاً ويروي ظمئاً ويسقيه حتى يكف من ذاته, أو كروضة تنوعت أزهارها وانتشر عبيقها فعطرت الأفق وأحييت قلباً قد ماتت حياته, إني مستودع السر , وحافظ الودائع فلا أعطيها إلا من يستحقها, إليّ تبيح العقول بخُلصاتها وتختصني بفكرها وتعطيني من ثمارها....

أنا المعلم الذي لا يقسي على طلابه , والجار الذي لا يزعج جيرانه , لا أُمل ولا أنا أكلُّ , قد تفتحت البيان من لسان , وتفجرت البلاغة من جناني , أطرب العاشق وأثمل المحزون بالفرح , ولا أماري جاهلاً ولا أجالس إلا عاقلاً , أكافئ القاصد بما يكفيه وأجود عليه بما يحتاجه وأعطيه ما يطلبه عاجلاً قبل آجل, ثماري شامخة بعز وأغصاني مرتفعة عن كل ما يشوبها من شائبة, قريبة المجتنى لطلابها , لن تجد أجمع مني للفوائد , ولن تجد عند غيري مما عندي فأنا اجمع من السير لطيفها ومن الأخبار عجيبها ومن العلوم غريبها , أنهل من العقول الصحيحة ومحمود الأذهان اللطيفة, ومن الحكم الرفيعة, والمذاهب القويمة, والتجارب الحميدة, ألا ترى إنني أمتع قاصدي, فأشحذ ذهنه وأبسط لسانه, وأقوي جنانه, وأجود بيانه , وأفخم لفظه, وأعمر صدره حتى يرتقي من منازل الجهلة فيصبح عالماً يعظمه الأمير قبل الصغير, ويحترمه العاقل والكبير, فهل أنت مثلي... أو تصل إلى جزء من مكانتي....

فسكت الكتاب وسمع صوت قادم ... يفتح الباب ... فكفوا عن الكلام...





وكلي أمل ان تنقدوها ... وتوجهها إلى طريق الكتابة السليم

طارق شفيق حقي
22/03/2005, 10:29 PM
[align=center:1ac267d6f1]سلام الله عليك

سترى انشاء الله توجيها لما تريد[/align:1ac267d6f1]