المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلاج بالشعر هل يصلح ما أفسدته العقاقير الطبية؟



د.ألق الماضي
23/05/2007, 03:59 PM
أكثر من عشرين عالماً من تخصصات مختلفة في الطب والطب النفسي وعلم النفس وعلوم الفلسفة وفي علوم اللغة وفي علم النقد الأدبي وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم كل أولئك يوثقون خبراتهم العلمية والعملية في (العلاج بالشعر) والذين أسهموا في ظهور مركز العلاج الشعري في نيويورك الذي كان الخطوة الأولى التي أسهمت في انتشار عشرات المراكز بعد ذلك في نيويورك وغيرها.. ولقد كان أول من اكتشف فاعلية العلاج بالشعر وقدرته على التأثير النفسي هم اليونان لذلك كان الشعر عندهم وسيلة علاجية إلى غاية كبرى لديهم هي (تطهير) النفس البشرية لذلك نجد السجل البشري حافل بما يؤكد أن الشعر عالج الأمراض النفسية وتجاوزها إلى الأمراض العقلية.. ومنطلق العلاج بالشعر هنا يشترك فيه عاملان (اللغة) و(المشاعر) التي تعالج بالشعر.. وفي أدبنا العربي نجد أن الشعراء منذ العصر الجاهلي مارسوا معالجة أنفسهم (تطهيرها) من كثير من الحالات النفسية والعقلية ففي معلقة امرؤ القيس - مثلاً - نجده أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى وكأنه لا شعورياً يعالج نفسه بالشعر عن طريق البكاء:

وإن شفائي عبرة مُهرَاقة
فهل عند رسم دارس من معول
أما مجنون ليلى قيس بن الملوح فينشد وصفة آلامه الدامية بقوله:
فما أشرف الإيقاع إلا صبابة
ولا أنشد الأشعار إلا تداويا
و"ثقافة اليوم" تبحر مع البيان الساحر الشاعري بعيداً عن (تشنج) القوافي وغثيان (نظمها) للتعرف على إمكاناته لمداواة النفوس ومعالجة العقول في عصرنا الذي تكاثرت فيه على النفوس الأمراض وعلى العقول الأسقام يقول الدكتور راشد الشمراني:
الشعر هو بدون شك أحد الفنون والفن ارتقاء وسمو بالشخص من خلال ما يلامسه هذا الفن عبر الحياة والعلاج النفسي سواء بالرسم التشكيلي أو بالدراما أو بالشعر أو بأي فن آخر لا بد أن نؤمن بأنه لا بد أن يكون قائماً على تقنية وتكنيك علمي حتى يصدق هنا مسمى كلمة (علاج) ومن ثم يكون هناك عيادات متخصصة تعالج من خلال هذا الفن الذي تعالج به الحالات المرضية علاجاً نفسياً يعتمد من خلال هذا الفن على طرق وأساليب علمية سبقها الكثير من الخطوات التي من خلالها تم الوصول إلى طرق علاجية علمية متعارف عليها علمياً ولها عياداتها المعروفة ومختصوها ولها برامجها ومؤتمراتها.. وعندما نتحدث عن العلاج بالشعر فهذا أمر يخص ذائقة المتلقي تجاه اللغة وما يعقب قراءته من أسئلة وأفكار وتأثر.. وهنا أريد أن أوضح بأن قضية اللغة هنا يحكمها ذائقة المتلقي أمام اللغة نفسها ومدى تأثره النفسي بها.. وهنا فالفوائد التي يجنيها القارئ من شعر وغيره من الفنون تظل تخضع للذائقة وكأنها مسألة اجتهادية ليس لها تقنيتها العلمية وتكنيكها المنظم وعيادتها التي تمارس العلاج النفسي.. أخي العزيز دعني أضرب مثلاً للمفارقة والتوضيح وذلك بنص (السكيودراما) الذي تكون فيه النصوص مشاكل المرضى ويتحول فيه المرضى إلى ممثلين باستخدام تقنية تعتمد على علمية الأداء للنص والممثلين اعتماداً على خطوات علاجية معينة.
وإذا كانت الاتجاهات الأدبية امتدادات لتصورات تباينت شكلاً ومضموناً مبحرة من مدارس أدبية تمايزت في توظيف شاعرية المشاعر وكأنها ترسم بذلك مساراً تلقائياً ل (علم نفس الشعر) فلعل في شعر شعراء الرومانسية ما يؤكد هذا البعد العلاجي فإذا كانت الموسيقى والرسم والتصوير والشعر التمثيلي (المسرحي) قد استخدمها الأطباء منذ زمن كعلاج فإن العلاج بالشعر اليوم قد لا يكون مثيراً للدهشة والاستغراب يقول الدكتور فهد صالح:
التراث العربي منذ العصر الجاهلي حتى عصرنا هذا حافل بما يؤكد معالجة الشعر لمواقف (نفسية) لا حصر لها وهذا ما نجده اليوم على مستوى الآداب العالمية التي عرفت منذ القدم وهذا أمر قد يكون مثيراً للبعض عندما نقرن كلمة الشعر ب (العلاج).. ومن هنا فلابد أن نفرق أيضاً بين أمرين أولهما (التأثير) وهو ما يحدث نتيجة تلقي عابرة تخضع لعوامل كثيرة كثقافة الشخص ومدى وعيه بالنص ومدى قبوله النفسي ومدى قناعته العقلية إلى غير ذلك فليس كل تأثر علاجاً.. أما الأمر الثاني فهو مسألة (العلاج) نفسها التي تعالج فعلاً جوانب نفسية.. ولكني هنا أريد أن أشير إلى حضور الكلمة الشاعرية بكل ما تعنيه كلمة الشاعرية التي تخلقها مشاعر نفس تمتزج فيها (الوصفة) العلاجية ولن يكون الشعر هنا اقل معالجة للنفس من مجرد صورة أو رسم تشكيلي أو موسيقى.. ختاماً دعني أقف وقفة ختامية مع مسرح الشعر الذي استخدم كعلاج منذ قرون بسبب بسيط أن هذه الوصفة النفسية تناولها المتلقي من خلال السمع والبصر والفؤاد، لكني أؤكد على وقفة أخيرة إذا كان الشعر عالج النفوس تلقائياً فمن المؤكد أنه قادر على مداواة النفوس بشكل أكثر فاعلية متى ما كان له من يحسن القيام على (صيدليته) الشاعرية.
منقول عن:
جريدة الرياض ثقافة اليوم
الأربعاء 6جمادى الأولى 1428هـ - 23مايو 2007م - العدد 14212