المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التهديدات الأجنبية وترويض المثقف العربي



د. تيسير الناشف
14/05/2007, 10:08 PM
التهديدات الأجنبية وترويض المثقف العربي



د. تيسير الناشف



في العالم الثالث تعاني جماعات وشعوب كثيرة من الفقر المدقع، ويزداد استغلال جهات أجنبية للشعوب التي تستباح أوطانها، وتتحول حالة جماعات بشرية كبيرة الى حالة تشبه حالة العبودية. وتتفاقم البطالة إلى نسب عالية جدا ويرتفع التضخم النقدي ارتفاعا سريعا مروعا وتتسع الهوة المالية والاجتماعية بين الأغنياء القلة والفقراء الكثرة. وفي بعض بلدان العالم الثالث لا توجد طبقة وسطى. وفي البلدان التي توجد فيها طبقة وسطى تتضاءل هذه الطبقة وتختفي، فيتردى معظم أفرادها الى الطبقة الفقيرة. وفي بلدان في العالم الثالث يستغل المستغلون المعنيون بتكديس الثروة العمالة الزهيدة التكلفة المتوفرة ويثري مثرون بطرق ملتوية ومشتبه في شرعيتها وخلفيتها. ويعاني مئات الملايين من سوء التغذية ومن الأمراض المعدية والفتاكة. وتتدخل دول قوية عسكريا وغنية ماليا في الشؤون الداخلية لدول صغيرة ضعيفة وفقيرة. ويتم النيل من سلطة الدول واستقلالها.
وفي هذه الحالة الاجتماعية والاقتصادية يزداد التاثير السياسي للأغنياء القليلين في عملية اتخاذ القرار أو يزداد تحكمهم بها في بلدان العالم الثالث، بما يخدم مصالحهم السياسية والاقتصادية.
ومن السمات الهامة الأخرى التي تسم وقتنا الحاضر والتي تقترن بالحالة المذكورة استفحال حالة الضياع التي تسيطر على البشرية، ومنها المثقفون. من مصلحة شعوب بلدان العالم الثالث تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. غير أن من الأصعب تحقيق هذه التنمية في ظل الأنظمة السياسية التسلطية والإكراه السياسي وخنق الحرية في التعبير عن الرأي في عدد من هذه البلدان. توفر الحرية السياسية من شأنه أن يعود بالفائدة على مجموع أفراد الشعب، إذ من الأسهل على أفراد الشعب تحقيق إمكانهم الإبداعي الخلاق في شتى المجالات في ظل الحرية السياسية. ومما يسهم في تحقيق هذه التنمية توفر الحرية السياسية. فمن شأن تحقيق هذه التنمية أن يتطلب انطلاق الرؤية والرؤيا وأن يتطلب عدم استبعاد شتى البدائل الفكرية المتصورة. وهذا الإنطلاق وعدم الاستبعاد لا يمكن أن يحققا دون توفر الحرية السياسية.
وفي هذا المقال سيجري تناول بعض العوامل المفضية إلى تدجين مثقفين في العالم العربي. بيد أنه ينبغى أن يكون من المفهوم أن هذه العوامل والاستنتاجات في هذا المقال تنطبق على تفاوت على مثقفين في العالم النامي الذي نشكل جزءا منه وعلى المثقفين في العالم برمته.
نظراإلى ثقافة المثقف ومعرفته فهو من بين أفراد المجتمع الذين تقع عليهم مسؤولية حمل رسالة التثقيف والتوعية ورسالة الدفاع الفكري والسياسي عن وطنهم وقوميتهم ومواجهة التحديات والتهديدات القومية. ومن المناسب في هذا المقام أن نؤكد على أنه لا يمكن الفصل بين الثقافة والعلم، من ناحية، وخدمة المجتمع، من ناحية أخرى. العلم خدمة للمجتمع إذا استُعمل على نحو يفيد المجتمع. لا مفر من أن تؤثر المعرفة في المجتمع. وحتى مقولات مثل "العلم للعلم" و "مهمة البحث للعلم" لا تعدو كونها خدمة للمجتمع، لأن العلم والبحث العلمي لا بد أن يكونا وثيقي الصلة بالمجتمع. وقوة صلة العلم بالمجتمع تتفاوت من مجتمع إلى آخر. والمجتمعات النامية في مسيس الحاجة الى توثيق صلة العلم بالمجتمع نظرا إلى الحالة الاجتماعية والاقتصادية التي بحاجة الى التغيير في تلك المجتمعات.
وتقوم حاجة إلى أن ينبري المثقف للدفاع الفكري والسياسي عن وطنه وقوميته نظرا إلى وجود أخطار وتحديات كبيرة تواجه الوطن العربي والأمة العربية. وتتمثل هذه الأخطار والتهديدات في ما تتمثل فيه في الغزو الفكري الغربي ومطامع الغرب الاقتصادية والمالية في الوطن العربي وفي امتدادات الغرب في المنطقة وفي تهديد وجودنا المادي وكياننا الحضاري واستغلال ثرواتنا الطبيعية وكسر وإخضاع الإرادة العربية للإملاءات الغربية وفي صعوبة تحديد هويتنا.
أن سياسة دول غربية تجاه البلدان العربية كانت ولا تزال أحد العوامل الأكثر أهمية في الحيلولة دون تحقيق تلك البلدان للتنمية. لقد انتهجت بعض الدول الغربية سياسة تسلطية تجاه تلك البلدان. وتضمنت تلك السياسة إخضاع تلك البلدان لإرادة تلك الدول أو جعلها تابعة لها وتكييف العلاقات الاقتصادية بين بعض الدول الغربية والبلدان العربية وتكييف الظروف الاقتصادية والسياسية والحالات النفسية داخل تلك البلدان وفقا لمصالح تلك الدول. وتلك السياسة أسهمت إسهاما ذا شأن في حرمان البلدان العربية من الاستقلال الاقتصادي ومن الاستفادة المعقولة - ناهيكم عن الاستفادة القصوى - من مواردها وثرواتها الطبيعية وأسهمت إسهاما هاما أيضا في توجيه التغير الاجتماعي والاقتصادي العربي الوجهة الملائمة للمصالح المتصورة لتلك الدول الغربية وفي عدم تشجيع إشاعة المؤسسات والقيم الديمقراطية في الوطن العربي وفي تفسيخ البنية الاجتماعية لتلك البلدان.
وكان ولا يزال من الأسهل أو من الأقل صعوبة على دول غربية تنفيذ سياساتها نظراإلى الضعف العسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي ما فتئت البلدان العربية تعاني منه وإلى ظروف انهيار السلطنة العثمانية، وهي الظروف التي انفصلت فيها المقاطعات العربية عن تلك السلطنة والتي وجدت فيها تلك المقاطعات أنهاعاجزة عن التصدي لخطط سياسية واستراتيجية وضعتها وبيتتها لها دول غربية. وبعبارة موجزة، لم تكن العلاقات الاقتصادية والعسكرية متكافئة بين تلك الدول الغربية والبلدان العربية. لقد كانت تلك الغلبة العسكرية والاقتصادية والسياسية الغربية ولا تزال إحدى طرق دخول الأفكار الغربية الطيبة والسيئة في المجتمعات العربية ودخول القيم ذات النتائج السيئة والطيبة في تلك المجتمعات.
ولا يمكن لأية دراسة تتناول ضعف البلدان العربية - وسائر بلدان العالم الثالث - أن تكون كاملة دون أن يؤخذ في الحسبان دور بعض الدول الغربية في تاخير تحقيق تنمية تلك البلدان.
ولأسباب مختلفة لا ينبري عدد كبير من المثقفين في الوطن العربي للتصدي لهذه التهديدات. وتوجد عوامل مختلفة في تشكيل هذا الموقف. وأحد هذه العوامل هو انعدام جو الحرية الفكرية وجو الإعراب بحرية عن الراي في المجالات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. وفي الحالات التي قد يتراءى أو يخيل أو يظن فيها أن ذلك الجو متوفر تأتي تجارب المثقف مع الدوائر الحكومية، مؤكدة حقيقة أن ما كان يتراءى كذلك ما هو سوى وهم من الأوهام. ومدى قوة مقاومة الحكومة لإعراب المثقف عن آرائه يتوقف على عوامل من أهمها تصورها لحجم الضرر الذي يلحقه الإعراب عن تلك الآراء بالمصالح الحكومية. ففي وقت قد يبدو للحكومة فيه أن من الأكثر فائدة لها أن تغض الطرف عن انتقادات المثقف قد تفعل الحكومة ذلك. وحينما تشعر الإدارات الحكومية أنها لم تعد تستطيع أن تطيق الأثر الناجم عن انتقادات المثقف لسياسات الحكومة وممارساتها تقوم بمحاربة المثقف. وحينما تشعر الإدارات الحكومية أن الوقت مناسب للانقضاض والانتقام وتصفية الحسابات تفعل ذلك. وهذه الحالة تشيع الخوف لدى المثقف وتجعله وجلا من إبداء رأيه الحقيقي أو مترددا في ذلك.
ويقوم سبب ثان متعلق بالأول، وهو أن للضرورات والاعتبارات المعيشية في البلدان العربية أثرا ذا شأن في جعل المثقف يلجم لسانه وقلمه عن الإشارة إلى العيوب في أنماط حياتنا وعن التصدي للأخطار التي تحيق بالوطن العربي وعن دق ناقوس الإنذار من التهديدات الوشيكة أو البعيدة الوقوع وعن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية دون استعمال عبارات التلطيف والتخفيف التي تجعل الموقف الحقيقي أو المرتقب أو المحتمل غامضا أو باهت الصورة والتي تبديه بالتالي على نحو خافت الأثر. إن انتقاد المثقف لحكومة يستعديها ويستعدي الكثير من الهيئات غير الحكومية التي تأتمر بأمرها، وبالتالي قد يحرم ذلك المثقف من فرصة العمل وقد يلاحق أو يسجن أو يشهر به.
ويقوم سبب ثالث لصمت قسم من المثقفين وهو وجود يأس لدى هذا القسم من إمكانية تغيير الحالة القائمة التي يرثى لها. فشيوع حالة اليأس من التغيير يجعل بعض الأشخاص مستكينين أو ضعيفي الإرادة أو مسلوبيها أو مساومين. وبالتالي ينعدم لديهم الحافز النفسي والفكري على التصدي للتحدي.
عن طريق الترغيب والترهيب الحكوميين للمثقفين وبسبب معاناتهم المالية وشظف العيش الذي يكابدونه وبسبب انعدام أجواء الحرية والغزو الفكري المستديم -- عن طريق ذلك كله وغيره دجنت أقلام كثيرين من المثقفين وروضت مواقفهم فأصبحت أقلامهم طيعة لتوجيهات الإدارات الحكومية أو مستجيبة لها أو متغاضية عن مساوئها وعيوبها أو أصبحت مواقفهم مائعة رغم وضوح الأخطار والتهديدات والتحديات التي تستلزم اتخاذ موقف قاطع.
وبالنسبة إلى عدد من الحكومات العربية تشكل بعض الدول الغربية مصدرا للدعم المالي والعسكري والدبلوماسي والاستخباري. وبالتالي فإن تلك الحكومات تتأثر تأثرا كبيرا بسياسات تلك الدول التي لها السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية على أجزاء واسعة وكثيرة من العالم وبعض تلك الحكومات، التي تقوم مصالح متبادلة بينها وبين تلك الدول، تكيف سياساتها مع سياسات تلك الدول.
ونظراإلى أن التحديات المذكورة التي تتجسد فيها مصالح غربية من المفروض أن تكون بؤرة انتقادات المثقف فإن التقاء المصالح هذا لا بد من أن يستلزم إلغاء دور المثقف أو تقزيمه أو تطويعه.
وتتبع دول كبرى تجاه بلدان صغرى وضعيفة سياسات تؤدي إلى المساس بسيادة تلك البلدان وباستقلالها السياسي وبآفاق تنميتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وإلى الإضرار بكيانها ومصالحها وإلى التنكر لحقوق شعوب لا تزال تكافح من أجل استقلالها وحريتها وتنميتها وكرامتها. ومن المفروض أن تكون هذه السياسات وأهدافها ونتائجها الموضوع الأهم والأكثر أولوية في قائمة المواضيع التي ينبري لها فكر المثقف وقلمه. غير أنه عن طريق ذلك الترويض والتدجين والتطويع والتغاضي والتمييع بارح قسم لا يستهان به من المثقفين حلبة التصدي واتخذ جلسة المتفرج أو المناجي لنفسه أو المنكفئ على نفسه، وصمت قسم لا يستهان به منهم عن هذه السياسات وتقوت لديه الدوافع والحسابات الشخصية ونحى جانبا اعتبارات الانتماء القومي أو الوطني أو الديني واندفع وراء خدمة النظام الحاكم وزلمه وحاشيته طمعا بزاد أو تلمسا لشغل وظيفة من وظائف الحكومة وصم آذانه عن البلايا التي تفتك بالشعب وعن الأخطار التي تحيق بالوطن المستباح من أدناه الى أقصاه وغض الطرف عن هدر كرامة الشعب وعزف عن التضحية. وبالتالي تقهقر دور المثقف المتصدي للتهديدات وأصبح قسم منهم أداة في يد الحكومة وأصبح بالتالي على نحو غير مباشر أداة في يد مصالح تلك الدول الغربية يجر قلمه كما تستوجبه تلك المصالح.
ومن المفروض تاريخيا وقوميا وإنسانيا أن تقوم جهات بالدفاع عن مصالح الشعب المهددة داخليا وخارجيا وعن حريته المفقودة وعن كرامته التي يطؤها بالأقدام أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي. ومن هذه الجهات أفراد الشعب أنفسهم ومنهم المثقفون وسلطات الحكومة الدستورية الديمقراطية وعلى وجه الخصوص السلطتان التشريعية والقضائية. وبازدياد شدة هجمة أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية تزداد الحاجة الى انبراء المثقفين للدفاع عن الشعب وقضاياه. وبتراجع دور المثقف عن القيام بهذا الدفاع أو بتغيبه فقد الشعب مصدرا هاما من مصادر الدفاع عنه وحمايته، وأصبح من الأيسر على إدارات حكومية وجهات سياسية واقتصادية أجنبية تتبعها تلك الإدارات تحقيق مآربها الخاصة بها في مجالات السياسة والاقتصاد والتنظيم المجتمعي والوجهة القيمية للمجتمع.

بنت الشهباء
15/05/2007, 12:04 AM
كيف هذا يتمّ يا أستاذنا الكريم

الدكتور : تيسير الناشف

والحكومات والهيئات والمؤسسات , والموارد والثروات الطبيعية كلها خاضعة للنفوذ الأحنبي !!!؟؟؟؟.....
المثقف الآن في أيّامنا هذه لم يعد له دور كما كان عليه في السابق .... ونجد كثير من المثقفين وأساتذة الجامعة يلهثون وراء لقمة عيشهم , ويعيشون حالة من اليأس والقهر إلى ما وصل إليه حال أمتهم ... ولا يستطيعون أن يعتلوا منابر العلم ويتكلموا عن الضغوطات التي أصابت كيان الأمة , ورمت بها إلى الذلّ والانكسار والضعف ......
وهنا يحضرني مثالًا :
هل يستطيع أحدهم أن ينادي عروش الحكام ويقول :
كفاكم استعبادًا وهوانًا .....
كفاكم تبعية للبيت الأبيض واللوبي الصهيوني ...
ثرواتكم نهبت , وأراضيكم اغتصبت , وحرماتكم انتهكت , وكرامتكم سلبت ..... !!!؟؟؟..
حينها أين سيكون مصير هذا المثقف !!!!؟؟؟....
ومع هذا كله فإننا والله نجد أنه ما زال في الأمة رجال أشداء , وأقلام نيّرة وضّاءة بصرخة الحق , وجرأة القول ...
والأمة التي أخرجت لنا من بطونها
سعد وعمرو وصلاح الدين لن ولم تموت ..
وليل القهر والظلم مهما طال فلابد له أن ينجلي عن صبح وغد مشرق
بإذن الله

لكَ من تلميذتكَ أمينة
ابنة الشهباء
كل التقدير والاحترام
ودائمًا نتمنى أن لا تحرمنا من دررك , وكنوزك التي نرى من خلالها الضوء الذي ينير لنا درب الأمة , وهو يأمل لها النهوض والرفعة والكرامة ..