المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغربـاء بين سلطة النص ونص السلطة للروائي رابح خدوسي



بنور عائشة
05/05/2007, 07:06 PM
** الغربـــاء **
بيـــن
سلطة النص و نص السلطـة
ـ روايـة ـ
للروائي* رابح خدوسي *

بقلم / عائشة بنور

روايـة الغرباء للروائي " رابح خدوسي " الصادرة عن دار الحضارة ، و الفائزة بالجائزة الأولى في المسابقة الوطنية " إقبال " إذ يعتبر محمد إقبال أشهر شعراء الفلاسفة و المفكرين المسلمـين و هو القائـل (( معذرة يا عظماء العرب لقد أراد هذا الهندي أن يقول لكـم كلمة صريحة ، فلا تقولوا أيهـا الكرام : هنــدي و نصيحة للعرب ؟ إنكم كنتم أيها السادة أسبق الأمم إلى معرفة حقيقة الدين … )) .
من هـذا المنطلق تبدأ رحلتنا مع رواية " الغرباء " و " سكينة " و حوارها مع ا لذّات المحطمـة … انهيـار نفسـي رهيــب و هـي تودع قريتها الصغيرة تاركـة وراءها أمـاً و أخاً و أبـاً ميتـاً … رحلت تجر معطف الرذيلة بنفس منكسرة تتجــرع مرارة الألم الذي افقدها عذريتهـا إثر شربها مادة أفيونية ممـزوجة بشراب " الفانتـا " في رحلة على الشاطـئ مع جارتها " نجمة " و صديقهما " هفمـان " .
"هفمان و نجمة "وجهان لعملة واحدة يفكران و يخططان و ينفـذان ، و في ذاتيتها ألقت اللوم و العتاب و ما جنتـه نفسها هو تركها الصلاة و انحرافها السلوكي الذي أفقدها التـــوازن النفسي والاجتماعي، متطلعـة إلى اللهــو و البحر و أفكار " نجمة " الجنسيـة المسمومـة التي تغرسها في ذهنها .
ثمـاني سنوات عن غياب " سكينة " و أخوها " كمــال " تعصـره الحقيقة الساكنة بمخيلتـه ( الاغتصاب )... جمدتـه … تركته مكبل اليدين و التفكير ، حلقات العتاب متواصلـة تستفهـم ذاته و تمزقه بواقع يعيشه ، و صـراع أزلي يخشى من عـدم مقاومتــه... احتـار وأختـار لحياتـه نهايـــة الهروب فامتـد إلى حبل يلفه حول عنقه ويختزل الحقيقة و حياتـــه في موت أبدي ليرتاح …
يواصل الكاتب تصوير الحدث المروع الذي عاشتـه " أم كمال" من هستيريا أفقدتها التوازن العقلي و النفسـي إثر الصدمـة الفجائية التي تلقتها من فلـذة كبدهـا " كمال"وبعبارات مثيرة و لغة قويـة متجددة استطاع الكاتب أن يشرح الحالة النفسية التي يمر بها أشخاص الرواية من جراح " سكينة " إلى كمال و إلى الأم هـذه الأم الحنون التي جُـنَّت من وقع الفاجعة ، فانهارت عندها موازين القوى وشلــت حركة تفكيرها إلى إحباط قاتل مدمر (( أم غربها الأطلسـي، و شرقها الهادي ، قلبها القدس و عقلها كمال و شرفها سكينـة…)) و أعـادت شريط الحوار الذي دار بينها و بين " كمال " معاتبة .. سائلة .. شاكية .. نائحة .. واقفـــة على مأساة الإنسانية في هيروشيما .
"قد أجدك مثل المرأة اليابانية في كوخ من النـــار ، أو كسناء الثائرة و هي تنتحر من أجل الشهادة و الوطـن ".
"و أنت يا " كمال " ماذا قدمت لأمـك ؟! سكينة شرفي و كمال ضمـيري ، فكيـــف يستطيع المرء العيش بلا شرف و لا ضمير، هي قدسي و هو عروبتي … "
و مع الأحداث المتتالية نقف مع ذاكرة " سكينة "و التي وصلت بها إلى لاجئة في العيد والشاعرة فدوى طوقان و حلم الصبــا و المدرســة في حوار لها مع الصحفي " عمر " يستفز عقلها و يدغدغ شعورها بذكاء رجل المخابرات له حياكـة الأساليب و المراوغة الكلامية و نستشف ذلك من خلال هذه المقاطــع الحوارية لما لها من دلالات معنوية ومادية تمتد إلى متعـة العقل بين الأصالـة و المعاصــرة و متعة العين الجمالية من خلال المناظر الطبيعية المرسومة بشاعرية الأمكنة .
(( دور الصحافة التنقيب عن الحقيقة مهما كان الثمن .))
((مهنة الصحافة علمتني البحث عن كل شئ …))
(( الصحافة أبواق تعز من تشاء و تذل من تشاء …
الصحراء و الشعر عالم واحد بلا حدود تسبح فيهما النفس البشرية دون عناء ..))
بعد زواج " سكينة " من " عمران " خال صديقتها أنجبت ابنا عمره ســـت سنوات ( صلاح ) و بذكاء الأطفال الفضوليين ذوي الرغبة في معرفة كل ما يدور حولهم من عالم متغيراتـه لا تخضع لمقياس تجربة المنطق و اللامنطق في غالب الأحيان ...
كان يدرك أن الرجل الذي يتحدث مع أمه ليس رجلا عاديا إذ يقول في تحديد الفرق بين المعلم و الصحفي: انه يسأل الجميع و لا يجيبهم ، ذاك هو الفـرق بين المعلـم و الصحفي،الأول يسأل و يجيب والثاني يسأل ولا يجيب ؟!
تواصل " سكينة "ذكرياتها مع الصحفي " عمر " مصورة حكم التقاليد على الفتــاة كيف يكـون شكلها و مرارة التناقض في المجتمع و كما تقول : أنها مطالبة بأشياء كثيرة ((مدرس التربية يحثنا على الحجاب بينما مدرس الرياضة يعارض ذلك … أبي يشجعني على المزيد من قدر التعلم و أمي تخالف رأيه … ))
يستمر البحث مع الصحفي " عمر " و هو محافظ الشرطة في حقيقة الأمر حول قضية " سكينة " و خصوصاً " نجمة و هفمان " يصنفه الروائـي في عنـوان آخـر ** اعترافــات جاسوسة ** هذا المغناطيس الجديد للحرب البـاردة يغــرس في قلب الأمة العربية للظفر بها كأخطبوط يلف بحباله عقول هذه الأمة بكل ميولها واتجاهها و وجـود نجمة اليهوديـة و هو رمز لعلم الكيان الصهيوني واستنطاقها في الرواية، أن كـل ما كانت تفعله نجمة هو دراسة الأمـة العربية … دراسة المجتمع دراسة سيكولوجيـة و انتروبولوجيـة و بذلك تصل إلى موَاطن الاختـلال و الصراع فيما بينهم ،و كذا قـراءة عقول الشباب وأفكارهم و تطلعاتـهم و قدرتـهم على تحمل الشدائـد ونفوسـهم المضطربة كشخصية "كمال " التي وظفها الروائي هـروباً من المواجهة .
سلب عذرية " سكينة" و كسبهـا ( نجمة ) أموالاً كثيرة دون حساب من " هفمان " و المتاجرة بالمخـدرات لتنويم عقول الشباب في سبيل تخدير مستقبل الأمة و انغماسها في اللهـو، ذلك ما يؤكده الدكتـور أحمـد بن نعمـان في قولـه :
** الحضارة البالية تمنـــح الصكوك على بياض لمن يدجن الفحول من الرجال و يتجسس علـى أفكار العلماء و يتخمن نوايا المفكرين ويوجِـد الحجج لمحاكمتهـم على ما كانـوا ينوون أن يقولـــوه أو يفعلوه أو يفكروا فيه … **1
**والحضارة البالية قد ترهن كل المستقبل من أجل بعض الحاضر …؟! **
في حوار مر تستأنف المحاكمة مداولتها ليواصل قاضي التحقيق الحوار مع نجمـة اليهوديـة و سؤاله حول الخريطة التي كانت بحوزتها ، و بصراحة مباغتة قالت :
(( إنها دولتنا بحدودها التوراتية والبقية الباقية من اليابسة للدولة القرآنية و الجـوار لا يكـون لغيـر الصليبية أولاً و الشيوعية أخيراً .))
و عن تحريفهــا لكتـاب الله ( القرآن الكريم ) تقـول :" أنها كانت تحاول أن تحدث تزاوجًا بين القرآن و التــوراة ؟! و ما قامـت به مـن تحريـف بالقلـم على كتــاب الله هــو من أجل التوراة والوطن فعلت مـا فعلـت ؟! "
* ينعقـد المؤتمر الدولي للسلام ،في قاعة المؤتمرات كان كرسي النظام مرسوم عليه شكل نجمة .
* اسم هفمان مطرز على مكان الحلفاء ، بينما اسم عدنان النفطاوي مسجلاً على كراسي حكام ( بني أميـة ) .
ستظل أم سكينة واقفة طيلة المؤتمر لخلو هذه القاعة من كرسي مخصص للأمة الإسلامية …!!
* يحضـــر " سام هنري " ما اضخم محفظته كأنها تحمل في رحمها جنينــًا اسمه ( الفيتـــو ) …!!
الضمير العربـــي ينتحر على طريقة " كمال " .
صـلاح و إخوانه يرفعون راية الجهاد بالدم و الحجارة .
و تستأنف المحاكمة مداولتها تاركة ذلـك للتاريــخ ؟
و القـــارئ لاعترافات جاسوسة و حوار مر كما هو مصنـف في الرواية، يشعر و كأنه يقرأ رواية أخرى رغم الترابط المحكـم ، أو بالأحرى وحدهما رواية أخرى لولا تعاقب الأحداث و الأشخاص واختزال كل مراحل الأمة الإسلامية في* اعترافـات جاسوســـة وحـوار مـر* الذي كشف عن كل الأقنعة التي تعيشهـا القضية الفلسطينيـة حاليــاً من المساومات ؟
و بعـد هذا العرض الوجيز تجرنا رواية الغربـــاء للروائي " رابح خدوسي " لطرح أسئلـة محورية في مضمونها .
ـ هل تمكنت الرواية أن تؤرخ واقع الأمة العربية و الإسلامية بعيدا عن تصنيفـات الأدب ، و أن كل ما يكتـب حول الإسلام يصنف في خانة إسلامي أو أدب إسلامي ؟؟
ما الذي جعل الروائي يختـار هذا النوع من الكتابة !؟ أهـو تشكيـل للتعبير عـن ذاته و همومه أم هو تحـــديد لعوامل مؤثـرة حوّلتـه من كتابة رواية الضحية الاجتماعيـة و التي تعكـس واقع المجتمع الجزائري بعد الاستقلال ، إلى رواية صنفت من قبل من قرأها برواية إسلاميـة .
ـ أي طابـع اتخذتـه الرواية حتى حددت في هذا القالب ؟
أهو اتـجاه الروائي و شتان بين رواية الضحية و الغرباء ، أم هو أمـر طبيعي لمخيلة الأديـب في أن ينحى هـــذا المنحـى و يثور على الأنظمة التقليدية في الكتابة و قد نقـرأ لـه رواية أخرى في ظل التحولات الجديدة ؟
و أن تكـون مدرسته التعبيرية مليئة بالمتغيرات الفلسفيـة و الفكريـة التي يعيشها ، و التي تميز رواية الغرباء في المحور و المحاور … أم أن عقله اللاشعوري صرخ و أعـاد صياغة حياته و أحلامه و أدرك حياة الشعوب النفسيــة و حكمت بالضرورة على إبداعه و توجهه الإيديولوجـي .
و قد تكون حالة فكرية تطورية في أمة أراد أن يستباح فيهـا كل شئ من الداخل و الخارج ، و انطلق من نزعته و من الراهن الفكري العربي سياسياً و اجتماعياً و ثقافياً لتكمن هنا إشكالية سلطة النص التي تفرض فتح الملف الديني أو الصراع الديني بمنهجية التشريـح لتراثنا و مـا نعتقـده وما نحـاول تأويلـه ، و هل بالإمكـان ذلـك من لغـة وتــاريخ و كذا رموز انتهت إلى جـدال عقيم من نظريات لم تخضع إلى دلالة العقل؟! و أصبحت جدلية النصوص تؤدي إلى المواجهة مع العقل الآخر ، و كذلك رهينة نزعـــة عقليـة فكرية تحررية تسمو إلى تفكيك آليات النصوص التي أصبحت ملكاً لا يمكن تخطيها، و من ثمة أصبحت سلطة النص أو النص له سلطته القوية على العقــول و على الحياة بصفة مطلقة لا يمكن الكشف عن أبعاده أو تشريح لمــــدلول هذه النصوص و مكاشفة وظيفتها أو توظيفها في كيفية التعامـل معها .
هذا التوظيف الإبداعي التاريخي الذي نستشفه من خـلال الرواية أعطى للنص سلطته الوظيفيـــة الإبداعية بعيدا عن ما هو مقـرر في الإطار العام مفتوحة على إعادة قراءة الراهن ، و أنه يرى كما يرى علماء الاجتماع مثل (فوكن ) و ( زالا ما نسكـي ) (( أنه من الممكن استخدام النصوص الأدبية كوثائق اجتماعية لفهم نظام اجتماعي )) .
و من منظور جديد لرواية الغرباء هو التحول الديــني الذي تعيشه المنطقة كصراع حقيقي منذ البدء بعيدا عن نص السلطة الذي يفـرض جـدال المساومة ( الأرض ) التي تمثل التناقض الصارخ بين الواقع الذي يفرض ما ورثناه من معتقد أن هذه أرض الديانات والماضي (التاريخ) الذي يعكس حقيقة الأرض و الدين و الصراع القائم و قيام الدولة …؟
فتوظيـف رواية الغرباء للأحداث كان من منطلق صـراع ديني كما تؤكده ، و أن هذه النصوص الأدبية لم تكن جوفاء بل كانت لها دلالتها الاجتماعية و السوسيولوجية ، أو هو تشريح لنصــوص دينية أدبية حملت قدسية و ملامح المعتقد الشعبي ، و لا يمكن الخوض فيه بصفة اليقين ،إذ لابد من جدلية لهذا الاعتقاد الديني التاريخي و هو أمر يحتاج إلى فلسفة و نهضة فكرية و كيفية تعامل النصوص الأدبية مع النصـوص الدينية أو المعتقد الديني الشعـبي ، بتحليلات نفسية و جهود معرفية عميقة و بتطهير العقل من الأوهام . لتصـل بنـا إلى حقيقة السؤال الذي يفرض بإلحـاح .
ـ هـل وصـل الإبداع الأدبي الحقيقـي إلى الشعبويـة البسيطـة التي تعيـش حالـة القلق و الخوف أمام طغيان العالم المادي في الكتابات التي تروج للرغبات اللاأخلاقية ؟
و هل أضاف شيئاً للفكر و القضية ؟
و بعيداً عن الأطروحات و الدراسات النقديـة في الروايـة و التي غيبت في الآونـــة الأخيرة ، و همش الناقد نفسه بنفسه ليترك الساحة الأدبية فارغـة مـن غربلة ما يكتـب و تفكيك الآليـات المنهجية للرواية العربية و الجزائرية خصوصاً و مدى تطورها في الآونة الأخيرة … إذ نجـد أنفسنا أمام كتابات متجددة تؤرخ لمرحلة معينـة .
و يبقى السؤال كبيـراً ..
ـ أين هو الناقد و ما موقفه منهـا ؟؟!


هامش: ____________


رابح خدوسي أديب جزائري له عدة مؤلفات روائية و قصصية ( الضحية ، احتراق العصافير ، ثقب في ذاكرة الأزون) و العديـــد من الكتب والدراسات الموجهة للطفل تقارب (( 20))عملا منها ( الهدية العجيبة ، الشيخ العجيب ،سباق الحيوانات ..بائعة الخبز ..اليتيمة إلخ ) مؤسـس دار الحضارة للتأليف و النشر و التوزيع ، و مدير مجلة المعلم التربوية .








* المادة مأخوذة من كتاب "قراءة سيكولوجية في روايات وقصص عربية للمؤلفة .

mounia
04/04/2008, 12:14 PM
اشكركم جزيل الشكر على هدا المقال الرائع و ارجو منكم معلومات اكثر عن هده الرواية و عن كيفية تحليلها سيميائيا شكرا لكم مرة اخرى .56./,7

mounia
14/04/2008, 03:27 PM
ارجوكم كيف ندرس لغة السرد لرواية الغرباء لخدوسي

بنور عائشة
17/04/2008, 03:43 PM
تحية طيبة ..
مونيا ..شكرا على الاهتمام ..ولأهل الاختصاص كلمتهم فالرواية بحق تستحق القراءة ..
وهي صورة مصغرة لواقع عربي يثير الكثير من التساؤل .. صورة التمزق والشتات ..
شكرا مرة أخرى