المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة / صرخــة الحيــاة-قصة شهر أبريــــــــل/نيســــــــــان2007



بنور عائشة
08/04/2007, 05:50 PM
ـــــــــــــــ صرخة الحيـــــاة ـــــــــــــــ



قال تعالى: (( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت..))
صدق الله العظيم

فرحة عارمة أحسها تتسرب بداخله.. تبعث فيه الطمأنينـة والسعـادة من جديد.. تحسسه برجولة عائـدة وغرور احتـواه في لحظة كبرياء... أفكار تراوده وهو يخطو الخطوات نحو مزرعته الصغيرة.. بفأس تعبت كتفاه من حملـه واخشوشنت يداه من شق التربة.. تيقن أخيراً أن أيامه المتتاليـة المتعبة التي اختزلت آلامه وأحلامه وقهره ستختفي.. ستختفي وإلى الأبد.
لقد قرب موعد الولادة وهو يتطلع بشوق ولهفة إلى المولود الجديـد.. طفل يحمل اسمـه.. امتدادا لرجولتـه.. طفل يحمل تعبـه.. طفل يحمل أحلامه وآلامه.. طفل يخفي خجلـه ويرفـع رأسه أمام أمـه التي ما فتئت تسمعه الكلام وتحثـه على الزواج من أخرى تلد الذكور، وأنه رجل بإمكانه أن ينجب الولد كبقية اخوته.. كانت تقول له دوماً:
ـ خديجـة رحمها يلد البنات..!!
وكأنها تطعنه في رجولة مسلوبة فيخيـم صمت رهيب ينقص من قدرته وهي تتابع إلحاحها وتذمرها:
ـ ما رأيـك في سمية ابنة عمك.. ستنجب لك الذكر الذي حرمتك منه زوجتك؟
فجأة تذكر بناته وقد تنجب زوجته مرة أخرى بنتاً فتوَّلد الألم من جديد والخيبة قطعت دربه وتجرع تنهيدة الحسرة التي تلاحقه والحظ العاثر الذي يلازمـه ويطارده بكثير من العناء الذي أثقل أيامه.
نسي "وليد" أنه بخجله ألبس بناته السبعة رداء العار وأسقط على نفسه رجولة قوية تحميه من ذل العائلة وقهر الزمان.. أنساه الجبن أنه رجل بإمكانه أن يخرس الألسـن إلى الأبد وقد تناسى أنه هو من صنع هذا المجتمع بسلطة جائرة وأبوة كاذبة ورجولة مزيفة.. لم يرحم طفولتهن وتوسلات زوجته الخائفة من طلاقـها.. لم يرحم سكاكين الألم التي تجرحها من عيون أمه وزوجات اخوته..
كبر جرحها وهي تتكئ على آلام الخوف من المجهول.. استوقفتها تلك الكلمات الجارحة التي كانت تسمم بدنها فأطلقت العنان لألمها وصرخت صرخة قوية.. مدوية بها أرجاء الغرفة فنزل المولود الصغير بصرخة الحياة وقد كسا العناء وجهها وأخذ التعب والإرهاق من جسدها النحيف قوتها.. حدقت إلى وجوه الممرضات بجانبها بعدما استفاقت من غيبوبة الوجع تترقب الخبـر.
تهنئها الممرضة قائلـة:
ـ الحمد لله قد رزقت بطفلـة جميلة.
نزل عليها الخبر كالصاعقة وهي تنظر إليهن باندهاش وسقطت دمعتان تجرح خديها المصفريـن..
ضحكت الطبيبة مخففة عنها آلام الولادة وهي تقول لها:
ـ أتبكين من الفرحة أم من الألم؟
ردت عليها الممرضة وهي تغرز حقنة التخدير في الوريد:
ـ كيف لا تفرح وقد رزقت بطفلة جميلة بعد ولادة عسيرة..
صفعها قولهن وغاصت في غيبوبة تمنت أن لا تفيق بعدها.
سمعت العجوز في البهو صراخ الطفلة فضربت الأرض برجلها وهي مقطبة الحاجبين تقول لولدها:
ـ إنه صراخ بنت.. بنت.. بنت..
عادت الممرضة بابتسامتها مبشرة الزوج بأن الله أكرمه بطفلة جميلة.. وقبل أن تكمل قولها رفع صوته متذمراً:
ـ إنها طالق.. طالق.. طالق.
في اليوم التالي لبست الأرض حلة بيضاء وأشرقت شمس الصباح تطبع قبلة لؤلؤية تغازل بها بياض الأرض وانتظرت خديجة زيارة زوجها.. يوم.. يومان..
فجاءت العجوز تنذرها بيوم موعود تخبرها أن ابنها قد طلقها البارحة، وأن عودتها إلى المنزل مع ابنتها استحالة.
وقع عليها الخبر كالصاعقة وآلمتها الغصة في حلقها وانتظرت الليل بعدما اسودت الدنيا في عينيها ولاحقتها الأفكار الجهنمية وقد سكنها اليأس والإحباط.. حدقت النظر في الصغيرة.. نظرت من حـولها.. سحبت الوسادة وكتمت بها أنفاس الصّبية المولودة فكانت آخر نفس من صرخة الحياة.


هامش: ــــــــــــ

القصـة واقعيـة.

بقلم / بنــور عائشة ( عائشة بنت المعمورة )

رزاق الجزائري
08/04/2007, 06:29 PM
قصة من رحم الواقع تعيد لنا ماض و بداوة لم تمحيها السنون و سطرت باسلوب سردي جميل و ان كنت لست من اصحاب الاختصاص لاحكم لكنه اعجبني لانه قال ما يريد .
لك اختي عائشة بنت المعمورة*و لا زلت اذكر ذكريات المعمورة لاني من وسط قريب* كل التوفيق

خليد خريبش
08/04/2007, 08:16 PM
المجتمع الذكوري،سرد روائي بامتياز،النص يستحق قراءة علمية متأنية،نص جدير بالاهتمام .
تحياتي الإبداعية

البشير الأزمي
17/05/2007, 10:32 PM
في مجتمع أبيسي، لا يمكن أن ننتظر إلا مثل هذه السلوكات، حيث يصبح الذكر رمزاً ل"الرجولة"، ناسين أو متناسين أن القرآن الكريم كرم الأنثى، "و إذا بشر أحدهم بأنثى... الآية..
هنيئاً للكريمة عائشة بنور على هذا النص الماتع، الذي قارب تيمة من التيمات التي يسعى المجتمع الأبيسي أن يضعها على هامش التداول..
من عنوان النص/ القصة " صرخة الحياة" نلمس المفارقة عبر هذه الثنائية التقابلية الحياة / الحلم /الأمل ..الصرخة/الألم /المعاناة.. المحددة عبر العلاقة الإسنادية الذي ولدت لدى القارئ/ المتلقي توتراً.. فالصرخة تعبير بصوت قوي موجع عن إحساس سلبي .. و قد أسند إلى الحياة.. فولد لدى القارئ/ المتلقي توتراً سيسعى إلى حله عبر نقله من مستوى دلالي أول إلى مستوى دلالي ثان، سمته الانزياح/ الرمز ستكشف عنه متواليات النص عبر التمسك بآليات التأويل..
يقارب النص تيمة الذكورة /الأنوثة ..
بقيت كلمة أخيرة ، تتمثل في عتبات النص، فالآية الكريمة التي وضعت كعتبة للنص،كان، حسب رأيي المتواضع يمكن الاستغناء عنها، لأنها لعبت دوراً أساسياً في توجيه القارئ /المتلقي..و هو ما يمكن أن يشوش عليه، أي المتلقي، و يوجه قراءته، و يحرمه من متعة الاستكشاف..
ثم لم يكن من بد أن يشار إلى واقعية القصة.. لأن حدوثها ليس كفيلاً بجعلها واقعية، بل واقعيتها حصلت عبر تمكن الأستاذة عائشة من شدنا لقراءتها، و قد تمكنت من امتلاك أدوات التعبير الجمالي..
في الوقت الذي يلزم أن يكون الطرفان ، الزوج و الزوجة في النص، يشكلان ثنائية تكاملية، تعاضدية، قدمهما النص لنا كثنائية تقابلية تضادية تعارضية، تم التعبير عنها من خلال حقلين دلالين:
قدم لنا النص الفاعل الأساسي عبر حالتين متقابلتين متضادتين،حالتين مرتبطتين، بوضعي القبل و البَعد، فقد تم توظيف علامات دالة على الإيجاب، في مرحلة الانتظار، انتظار المولود/ الذكر: (فرحة عارمة أحسها، الطمأنينـة، السعـادة،رجولة، كبرياء، تيقن، يتطلع بشوق ولهفة، امتدادا لرجولتـه، ويرفـع رأسه. و بالمقابل عندما يتذكر "بناته"أو يفكر في أن زوجته ستلد مولودا أنثى، تم توظيف حقل دلالي دال على السلب:والخيبة قطعت دربه وتجرع تنهيدة الحسرة التي تلاحقه والحظ العاثر الذي يلازمـه ويطارده بكثير من العناء الذي أثقل أيامه.
وقع عليها الخبر كالصاعقةوآلمتها الغصة في حلقها وانتظرت الليل بعدما اسودت الدنيا في عينيها ولاحقتها الأفكار الجهنمية وقد سكنها اليأس والإحباط.
إلا أن اللافت للنظر هو مشاركة المرأة نفسها في هذه النظرة الدونية للأنثى / المرأة: " سمعت العجوز في البهو صراخ الطفلة فضربت الأرض برجلها وهي مقطبة الحاجبين تقول لولدها: إنه صراخ بنت.
و لم يقف موقف المرأة عند هذا الحد بل سعت إلى تكريسه، بل كانت أقسى من الرجل/الذكر/الزوج و ذلك بارتكابها جريمة القتل في حق المولودة.." حذقت النظر في الصغيرة.. نظرت من حـولها.. سحبت الوسادةوكتمت بها أنفاس الصّبية المولودة".
هنيئاً مرة ثانية للمبدعة عائشة ودام لك الألق.

خليد خريبش
18/05/2007, 05:05 PM
أخي البشير لك الشكر والامتنان
أضواء أنارت النص .

البشير الأزمي
18/05/2007, 09:58 PM
أخي البشير لك الشكر والامتنان






أضواء أنارت النص .

لا داع للشكر، أخي خليد.. هي محاولة جد متواضعة أردت من خلالها أن أبارك للغالية عائشة بنور..و من خلالها لأحبائي الذين أبدعوا نصوصاً.. و لم يحظوا بالفوز بلقب قاص الشهر.. و كتاباتهم / إبداعاتهم هي قيمة مضافة لمربدنا..
أعتذر عن هذا الغياب الاضطراري.. كثرة العمل الوظيفي في هذه المرحلة..
و لك و لأحبائي، في المربد، مودتي..