المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أغانى 24 ساعة



طارق شفيق حقي
04/04/2007, 01:14 AM
أغانى 24 ساعة


بقلـم : محمـود شنب
mahmoud.sh@islamway.net (mahmoudshanap@gawab.com)



فى أوائل الشهر الجارى أصدر السيد صفوت الشريف قرارًا بمد ساعات ارسال اذاعة الأغانى ليصبح 24 ساعة ، وذكر الخبر أن رئيسة اذاعة الأغانى الأستاذه نبيله مكاوى أفادت بأنه قد تم تعزيز الإذاعة بألف أغنية جديدة تبرعت بها الشركات المنتجة ...
الخبر ليس خبرًا عاديًا لأنه تكريس لحياة اللهو التى نحياها علاوة على أنه يأتى فى الاتجاه المعاكس لمتطلبات الشعب ، فالناس ينتحرون من البطالة والفقر ، والحكومة تزيد من جرعة الأغانى واللهو !!
أصبح لدينا الآن مطرب لكل مواطن ، وراقصة لكل شارع ، وفنانة لكل حى ... ورغم كل ذلك فإن المشكلة ليست فى زيادة ساعات الإرسال أو قلتها ـ المشكلة فى نوعية الأغانى واهتمام الدولة باللهو على حساب التنمية وتوفير كل متطلبات العمل الفنى من مدن للانتاج الإعلامى إلى ملاهى للبغاء وصالات للغناء وتنظيم حفلات وعدم وضع ضوابط لهذا الانفلات .. الأوطان تتآكل ونحن نغنى ، والمسلمون يُـذبحون ونحن نلهو ونرقص ، والأبناء فى السجون ونحن نفرح ونمرح !!
الفن فى حد ذاته ليس جرمًا ، ولكن هل ما يقدمه صفوت الشريف يُعد فنـًا ؟!!
الفن الهادف هو الذى يُحاكى هموم الوطن ويسمو بمشاعر المواطن .. الفن ليس عرىَ وتخبط وسفالة وانحطاط .... زمان كان لأغانينا طعم ومعنى وهدف وقيمة .. كانت الأغانى تخدم القيم وتحث على الفضيلة ، وكانت الكلمات لا تخدش الحياء ، والألحان لا تطعن الآذان .. كان المطرب أو المطربة يعيش هموم بلاده ويلبى حاجات أمته ، وكان يحافظ قدر استطاعته على سيرته وحسن سمعته معتبرًا نفسه سفيرًا لبلاده لدى الغير .
عبد الحليم حافظ كان أول من وضع حجر الأساس لجامعة الزقازيق ، وتبرع بمبلغ كبير لإنشاء هذه الجامعة ، وأقام فى قريته مجمعات خدمية غطت كل نواحى الحياة واستبدل الشر بالخير ، فالقرية أعطته المرض الذى لازمه طوال حياته وهو أعطاها الخير الذى تركه ومات ، وهذا على عكس ما يفعله فنان اليوم الذى أخذ من مصـر كل شئ ولم يعطها إلا البخل وسوء الخلق والقدوة السيئة والأغانى الخليعة والكلمات الهابطة والرقص المُحَرم والضوضاء .
عبد الحليم غنىَ أروع أغانى مصر الوطنية والعاطفية ، وحافظ طيلة عمره على أدب الكلمة وجمال اللحن وحُسن المظهر ..... أم كلثوم ظلت تكافح من أجل إقامة دار أم كلثوم للخير إلى أن قوضت جهودها حرم الزعيم المؤمن ومنعتها من كل شئ ... أم كلثوم ساهمت عبر حفلاتها فى دعم المجهود الحربى فى سنوات النكسة وطافت دول العالم لجمع المال اللازم لازالة آثار العدوان ، وغنت أروع الأغانى الوطنية والدينية ، وحافظت على اللغة العربية وجعلت الفصحى أيسر على الألسنة من العامية وظلت محتشمة وغير متبرجة ، وعاشت بشخصية متميزة فيها الكثير من العزة والكرامة والتحدى ... غنت لأغلب شعراء الوطن العربى والإسلامى ، وأقامت وحدة من المشاعر والعواطف جمعت بين كل شعوب الوطن العربى وظلت تمهد لوحدة الأنظمة التى لم تأتى أبدًا .
كانت كلماتها رقيقة وألحانها عظيمة ، وقد هذب الفن مشاعرها ورقق أحاسيسها ... وأذكر على سبيل المثال عبارة رائعة تضمنتها أغنية "حلم" التى كتبها بيرم التونسى ولحنها زكريا أحمد .. العبارة تقول : ( نسينا الدنيا ولهينا فى هوانا وطِرنا وعِلينا .. لا عوازل واقفة حوالينا ولا ذنب يتعدى علينا ) .. ثلاث كلمات فيهم كل شئ : ( ولا ذنب يتعدى علينا ) فيهم العفة والشرف والمسئولية والرومانسية والصدق والالتزام والأدب والاحتشام !!
فى هذه الأغنية تجد كل المعانى الجميلة والسامية والعواطف النبيلة والراقية .. نجد همس الغصون وجمال القمر ومؤانسة النجوم ومداعبة النسيم ... الأغنية فيها من روعة الحديث ما يجبر الإنسان على كتابة ولو جزء منها : ( بقى يقوللى وأنا أقوله وخلصنا الكلام كله ... يقوللى قلبى بيودِك ... أقوله قلبى أنا أكتر ... يقوللى قد إيه حبك ... أقوله فوق ما تتصور ... وأقول خايف لتنسانى ... يقولى مستحيل أقدر .... ) وتظل على هذه الروعة إلى أن تصل إلى ( ولا ذنب يتعدى علينا ) لتذكرنا بأن الذنوب تفسد القلوب وتعكر الصفو وتنقص الجمال ... فى هذه الأغنية تجد روعة البنيان وجمال البيان .... أين نحن من ذلك كله ؟!!
والنماذج كثيرة وتكاد من كثرتها لا تحصى ... هناك أغنية على ما أذكر لمحمد قنديل يدعو فيها للتعاطف والتراحم والتواصل مع الآخرين ويقول : ( أنا فى الزعبوط والدفيه ... والبرد شديد والله عليَ ... امال إيش حال ... جارى عبد العال ... اللى ما جاب هدمه فى الشتويه ... والشتىَ جاله ... ما كسى عياله وعياله صغار ... يا الله عاعطعوط خد له الزعبوط وكفايه علىَّ الدِفيه ) .
وأغنية أيضًا عن بر الوالدين لعبد الغنى السيد تقول : ( لك والدين يا زين ... دول يعشقوق الاتنين ... قبل يوماتى ايديهم ... ماتشوفشى عمرك شين ... لك والدين يا زين ... دى قلبها وياك ... من يوم ما فرحت بيك ... وبعطفها ترعاك... وبحبها ترويك ... على غناها تنام ... وتقوم على الأنغام ... وان قلت ليله آه ... ما ينام لها جفنين ... لك والدين يا زين ... وده شقاه يهناله فى الدنيا لجل عينك ... تلقاه بخيل على حال ... ويجود بماله عليك ... لجلك يفوت الدار ... ويشقى ليل ونهار ... وان قلت ليله آه ... ما ينام لهم جفنين ... لك والدين يا زين ... الجنه بابها ما يفتح ... إلا برضا والديك ... وفى دنيتك لم تربح ... غير لما يرضوا عليك ... للوالدين أفضال ... ما تتوزن بالمال ... وان قلت ليله آه ... ما ينام لهم جفنين ... لك والدين يا زين ) .
وعندما تكون الأغانى بهذا الشكل تكون أداة بناء وتهذيب وتقويم وليس أداة هدم وتدمير وتضليل ... هناك أيضًا أغنية لمحمد عبد الوهاب منعت الثورة إذاعتها حتى اليوم .. الأغنية كأنها كتبت اليوم ، حيث تتحدث عن الزنازين وشرف الأبرياء وظلم الحكام ... تقول كلمات الأغنية : ( الصبر والإيمان ... دول جنة المظلوم ... والظلم والحرمان ... ويلهم من المحروم ... والحر فى الأوطان ... حاكم ولو محكوم ... لو صام سنه عطشان ... عمر العطش ما يصوم ...... مهما العذاب ح يطول ... ح يفوت وغيره فات ... أكرم نبى ورسول ... له فى العذاب آيات ... جاروا عليه كفار ... عبدوا الحجر والنار ... والنار لها جبار ... يسهر على الفجار ... لا يفوت عليهم ليل ... ولا يحلموا بنهار ...... يا سهرانين فى النور ... من كتر ماهو ضلام ... شرف البرئ مستور ... مهما اتفضح وانضام ... افتكرى يا جدران ... يا أوفى م الإنسان ... صوتى مع الأدان ... ح يقول فى كل أوان ... يا ظلم لك يوم ... مهما طال اليوم ... يا ويلك يا ظالم يا ويلك ) .
أغنية أخرى لأم كلثوم تتحدث وكأنها تخاطب أعضاء الحزب الوطنى قائلة فى مطلعها : ( بسم مين يا خارجين ع الشعب انتم بسم مين ... بسم إسرائيل والاستعمار وبسم المأجورين واللا بسم الشعب والشعب البطل منكم برئ ) .
النماذج كثيرة وعديدة وما أوسع الفرق بين ما كان وبين ما هو حادث الآن :
أرجوك أوع تغير .. وأنا حواليه كتير .. وكوز المحبه اتخرم .. وبابا قول لماما دح بابا أبُح .... وكثير من العجب الذى يحمل قلة الأدب !!
أين أغانى الصباح ( صبح الصباح محلاه والشمس طالعه معاه وكل شئ فى الكون سبح بحمد الله ) وأين أغانى الجهاد ( دع سمائى فسمائى محرقه ، والله أكبر فوق كيد المعتدى .. ووالله زمان يا سلاحى وفلسطين ودعاء الشرق ودمشق ) أين أغانى الأسرة ( يا بيت أبويا معزتك فى عنيه ويا غالى على يا حبيبى يا أخويا ) وبيت العز يا بيتنا .
يجب أن يظل الفن أداة بناء ورقى وليس أداة هدم وانحطاط ، ويجب فى نفس الوقت ألا نعطى للفنان حجم أكبر من حجمه ونجعله يتفوق على العلماء والباحثين والمفكرين ورجال الدين .. يجب ألا يحملنا الفن إلى الشطط والإسفاف .
فى احدى حلقات برنامج "النهر الخالد" الذى أخرجه قطاع الانتاج فى التليفزيون المصرى قال محمد عبد الوهاب عن منيره المهديه أن رئيس مجلس الوزراء المصرى فى عهدها شرب الشامبانيا فى حذاء منيره المهديه ، وأعقب ذلك قائلاً ( لقد كانت جديرة بذلك لأنها كانت جميلة ومنمنمة ) هذا النوع من الضلال الفكرى والأدبى هو الذى يجعلنا نكره الفن والفنانين .
أمر آخر غاية فى الخطورة يحدث فى ذكرى رحيل الفنانين ، حيث يحتفل التليفزيون بذكرى كل فنان راحل على حده ولمدة تتراح ما بين أسبوع إلى شهر ، حتى يأتى موعد فنان آخر وهكذا حتى تصبح المساحة الزمنية كلها للفن .. نغطى كل ما كان يفعله الفنان .. كيف كان يأكل .. وكيف كان يشرب .. ومتى كان يستيقظ .. ومتى كان ينام .. وكيف كان يتحدث .. وكيف كان يحب ، يحدث ذلك ولم نفكر يومًا فى الحديث عن أمهات المسلمين أو الصحابة أو العلماء ... نحتفل بالفنانة أم كلثوم ولا نحتفل بالسيدة خديجه أو السيدة نفيسه أو السيدة عائشه .. نحتفل بعبد الحليم لمدة شهر من كل عام ولا نخصص ساعة واحدة للحديث عن الامام الغزالى أو الشهيد سيد قطب أو الامام حسن البنا أو علماء الأزهر أو رواد الحركة الوطنية ..!!
منذ مدة ليست بالبعيدة توافقت ذكرى سعاد حسنى مع ذكرى فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى .. لم نسمع كلمة عن الأخير ، وطغى الإسفاف على العفاف والرذيلة على الفضيلة والعبث على الجد واللهو على الحكمة !!
ولأن الأمور صارت سداح مداح يذهب مطرب مصرى إلى إسرائيل ويغنى هناك دون خوف أو حياء ويقول على المسرح ( إننى هنا فى وطنى الثانى إسرائيل ) !!
هذه السلوكيات هى التى تدمر الفن وفيها يكمن الخطأ والضياع وفقد الشرف والقدوة واشاعة الفواحش والمنكر وقتل الانتماء .
فى يوم من الأيام دعوت لحضور حفلة غنائية تنظمها احدى لجان وزارة الثقافة فى احدى المحافظات ... وجدت فى الحفل كل ما زادنى همًا وغمًا واستمعت إلى أصوات ما كان لها أن تظهر أبدًا وعدت إلى بيتى حزينـًا ومسكت قلمى وكتبت :


مِن بعد صوت "سومـــه" نسمع حدا وغربـــان

غراب يألف لبومــــــــــه وتيس يغنى لحيتــــان

لو كان فى مصر حكومه ماكنش جحش يبــــان

وبلدنا لو محكومــــــــــه بسُنه أو قـــــــــــرآن

كانت تعيش مكرومـــــه وكــان ارتقى الانسـان
لقد عاصر جيلنا مصباح الكيروسين وشرب من مياه الترع والبحار وطهى على "الكانون" ووضع تراب النيل على الجرح ليطيبه ، ولم يتأفف من العيش الجماعى فى حجرة واحدة ، أو النوم على الفرن فى ليالى الشتاء ، أو التنقل بين القرى والمدن على الأقدام من أجل العلم أو العلاج ... جيل لم يكن يلبس الجديد إلا كل عيد ، وأخذ الحكمة من حكاوى الأجداد وتجاربهم ، ولم يعرف من المستورد شئ .. لا فى الملبس ولا فى المأكل ، ولا فى اللهو ولا فى الجد ... كانت طبيعة الحياة تعطى للإنسان الفرصة الكاملة فى التأمل والتخيل والتمتع والافتراض والاستنتاج ، وكانت الليالى القمرية من أمتع ليالى العمر .. كنا نسهر على أكياس القطن الذى أضاعه يوسف والى ، وعلى قش الأرز الذى أصبح مسئولاً عن السحابة ... كان الليل ليل والنهار نهار ، وكانت الألوان قليلة وربما لا نعرف منها غير الأسود والأبيض والبلح الأحمر والبرتقال الأصفر والزرع الأخضر ... كانت الخطوات إما للمسجد أو لصلة الرحم أو للسمر الغير مكلف ... لم يكن هناك لهو إلا من السنة للسنة عندما يأتى المولد وتأتى الفرق وتعرض ألعابها بتسعة مليم للتذكرة ... لم يكن هناك حتى مذياع متوفر إلا فى بعض بيوت المدينة إن لم يكن فى بيت أو بيتين ، وكان بيتنا أحد هذه البيوت .. كان مذياع ضخم له بطارية تـُشحن كل يوم فى ماكينة الطحين ، ويوم ظهر الراديو الصغير المحمول كان ذلك من عجائب الدنيا ، وكانت هناك مساحة معقولة إن لم تكن بعيدة بين الاختراع والاختراع تجعلنا نتمتع بالأشياء ونعشقها ، ويوم تطورت الأمور وظهر التليفزيون كانت لى جده استفسرت عن الأمر فقال لها والدى : يعنى لما يكون عبد الباسط بيقرأ ح نشوف صورته وهو بيقرأ ، ولما تغنى أم كلثوم ح نشوفها وهى بتغنى ، فقالت جدتى وكان الأمر صعبًا عليها : إزاى ح يجيبوا عبد الباسط فى كل حِته وهو واحد بس !! ولم يستطع أحد إقناعها فقالت : ( والنبى يا اولاد القيامة خلاص والآخرة قربت ) وحكت لنا يوم جاء والدى حاملاً "وابور جاز" لأول مرة من أجل استعماله فى الطبيخ بدلاً من الكانون .. تتذكر جدتى هذا الموقف وتقول : ( والنبى يا ابنى سبنا له الدار ومشينا بعيد لعند ما ولعه وفضل ينادى علينا واحنا خايفين ندخل الدار ) .
وتوالت الاختراعات وعشنا اليوم الذى أصبحنا فيه نشاهد مجازر أمريكا فى أفغانستان والعراق ومجازر إسرائيل فى فلسطين على الهواء ... تذكرت قول جدتى وهى تعلمنا الصدق قائلة : ( الكذب مالوش رجلين ) قلت فى سرى ليتها عاشت لتشاهد اليوم الكذب وقد أصبح له أرجل وسيقان ويدان وجهاز هضمى وجهاز تنفسى وقنوات فضائية وإعلام وحكام وأمراء ورؤساء وشيوخ أزهر !!
يقول الروائى الألمانى "هيرمان هيسه" : ( إن الحياة بين عصرين وبين ثقافتين هى أشبه بالجحيم ) .. وقد عشنا بين عصرين جمعا كل المتناقضات حتى اختلط الحابل بالنابل وعمت الفوضى وذابت الثقافات وفرض الظالم ظلمه وعم الفساد ، وأصبحنا لا نملك غير الصبر ... الصبر على المكاره والصبر على الحكام .. وأصبح لزامًا علينا تحمل أقدار هذا الزمان بكل ما يحتويه من تسلط سلطة ، وفساد إعلام ، وانقطاع خيط التواصل والتراحم ، وغياب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وانتشار الأمراض الخبيثة التى جلبها يوسف والى وأصبحت تسلب الراحة من السليم بقدر ما تسلب الصحة من المريض .
علينا أن نتعامل مع زمن مختلف عما ألفناه .. زمن مختلف فى كل شئ .. حتى فى المشاعر والسلوكيات وعمق الحزن وصدق الفرح .. زمن انفرط فيه عقد المعانى السامية ، وأصبح من سماته الارتباط السريع والفراق الأسرع وحب الذات وعدم الرغبة فى التضحية وانتشار الأنانية ... زمن تصادقت فيه القطط مع الفئران ، واتحد الأعداء مع الحكام ، وصار الشعب هو المضام !!
علينا أن نعيش رغم صعوبة التعايش ، ونندمج رغم صدمات الواقع وحسرة النفس .
إننا نعيش كمن فـُرض عليه أن يعيش فى القطب الشمالى وقد عاش عمره تحت خط الاستواء ، أو كمن فرض عليه أن يُصابح الشيطان ويماسى الملاك .
معظم العلاقات صارت وقتيه وتحركها المنافع الشخصية ... نعيش وحولنا كل أسباب السعادة ، لكننا غير سعداء .. أصبحنا ندعى السعادة ونتجمل فى بهتان وكذب .
كان قديمًا لا نملك من الطعام غير صنف واحد .. نلتهمه بشهوة ، وقطعة واحدة من الملبس نحافظ عليها نظيفة وأنيقة .. كان كل شئ بسيطـًا وغير معقدًا ، وكانت كل معانى السعادة نجدها فى أسرة قانعة كل من فيها مطيع للآخر يحبه ويحترمه ولا يتمرد عليه .
كانت الصداقات قليلة لكنها قوية وراسخة ، وكان الغرام سجينـًا خلف العفة والطهارة ، لكنه كان يملك من حرية الحركة ما يشبه النسمة فى التنقل واختلاس النظرة الساحرة التى تمر من بين النوافذ المغلقة والأبواب الموصدة .. كان يكفينا رؤية بيت المحب والغناء لأبوابه ونوافذه .
اليوم صار اللقاء سهلاً والحب لهوًا وأصبح الارتباط يخلو من المشاعر كارتباط الدميتين ، وأصبح تغيير الحبيب مثل تغيير الجوارب والأحذية .
كانت الكلمات المكتوبة صادقة ومثيرة ومعبرة ، وكانت الألفاظ منتقاه والمسامع نقية والنفوس صافية ، وكان الوقت مباركـًا يدعونا للتحدث على مهل والتحرك بالهوينا ، وكانت الضحكات صادقة تخرج لتجلجل فى الهواء فيضحك لها السامع دون أن يدرى سببها .
كانت الأم وتد ، والأب سند ، وكان الكلب كلب ، والأسد أسد ، حيث المسميات واضحة وصحيحة ... ولم يكن اللص أمين ، ولا الكاذب صادق ، ولا الجبان شجاعًا .
كان الجمال فى كل شئ طبيعيًا لا يترك أثر على الملابس أو الوجه وانما يتركه فى القلب .
كان الزواج سهلاً والطلاق صعبًا ... كانت التربية عظيمة دون فلسفة أو علم نفس واجتماع ، وكانت الجريمة قليلة والانحراف كالبذرة الحائرة فى يد الشيطان والتى لا يجد لها أرضًا خصبة للإنبات .
لم يكن هناك صندوق دعارة فى كل منزل متمثلاً فى تليفزيون صفوت الشريف الذى لم يجد من يحكمه أو يهذبه .
ما عرفنا فى حياتنا أشباه الرجال ، وما ألفنا فى الحق أنصاف الحلول .. كان لنا قمر ونجوم تتألق فى سماء صافية لا تحجبها الأدخنة أو الأتربة .
كان الماء زلال رغم شربه من البحر دون وسيط ، وكان للطعام مذاق لا يمكن لمن تذوقه أن ينساه .
كنا نتدافع لرد الأذى ودفع الخطر .. إذا ما شب حريق .. أو مر غريق .. أو حدث عراك فى الطريق .
كنا ننام كمن عاش العمر سهران ، وكنا نستيقظ على الآذان نبتسم ونحمد الله .. كنا لا ننام على الأفلام ولا نقوم على "صباح الخير يا مصر" وتمرينات الصباح الجنسية .
كان لنا حرية نجوع فى ظلها ، وكرامة نموت من أجلها ... ولا نرضى بخيانة نشبع فى ظل عارها .
كنا نعتبر سماع "صوت إسرائيل" منكر حتى وان كان ما نسمعه منها أغانينا .. وكنا نشعر بجرم كبير وخزى وعار إن فعلنا ذلك .
اليوم نعيش ما بين مسئول ومسطول ومعلول ...
المسئول : هو أول من يأكل وآخر من يوقع .. والوزير هو خير نموذج لذلك .
والمسطول : هو آخر من يأكل وأول من يوقع .. والموظف هو خير شاهد على ذلك .
والمعلول : هو شعب لا يأكل ولا يوقع ولا أدرى لماذا يصبر على ذلك !!
باختصار ... لم يعد هناك شئ يسر ، فالحياة الحقة هى التى يعيشها الانسان بكرامة ، والكرامة غابت من يوم أن ظهرت أمريكا .
حياتنا فى هذا الزمان تذكرنى بقصة رجل أنجب ثلاثة أبناء ... سمى الأول "راحة البال" والثانى "تعب السِـر" والثالث "داهيه" .
الأول ألم به مرض ، والثانى جلس إلى جوار والده ، والثالث سافر إلى الشام للعمل .
بعد فترة مات الأول وجلس الرجل ليتلقى العزاء ، وجاء الناس من كل حدب وصوب يقولون :
البقية فى حياتك فى "راحة البال" ، وربنا يخليلك "تعب السِـر" ويجيب لك "داهيه" من الشام .
شكرًا لصفوت الشريف الذى أعادنى للعهد الجميل دون أن يقصد ، وجعلنى أروح عن قلبى المكلوم منه ومن نظامه ومن حكومته وحكامه ... يقول الإمام علي ـ رضى الله عنه :
( روحوا القلوب وأطلبوا لها طرف الحكمة ، فإنها تمل كما تمل الأبدان ) .

وائل
09/04/2007, 09:34 PM
رحم الله زمان وايام زمان
عندما كان لنا كرامه ونخوه وشهامه ونضع مخافة الله نصب اعيننا ,
رحم الله زمان وايام زمان عندما كنا نسال عن الجار قبل الدار اما اليوم فلا نعرف من يسكن في البيت الذي فوق بيتنا .
رحم الله زمان وايام زمان . عندما كنا نترقب اغنية ام كلثوم في تمام الساعه الرابعه فتجد الناس جالسين في المقاهي امام المذياع الذي لم يكن متوفرا في جميع البيوت كي يستمعوا لام كلثوم .
رحم الله زمان وايام زمان عندما كنا ننتظر المقرء بعد صلاة العصر لنستمع لقراءه القران
رحم الله زمان وايام زمان عندما كانت المغنيات يقفون على المسرح بملابس محتشمه كي نستمتع باغانيهم لا برؤية اجسادهم حيث ان الاغاني كانت لها معنى وقيمه وليس مثل هذه الايام حيث الاغاني السوقيه الهابطه والاصوات اجلكم الله انكر الاصوات ولكي يغطوا على ردائة اغانيهم الهابطه بملابسهم الفاضحه .
رحم الله زمان وايام زمان