المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالات مُختارة للمفكر الإسلامي فهمي هويدي



د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:25 AM
سؤال موجه إلى الأكاديميين العرب

بقلم: فهمي هويدي
.....................

كان مدهشا ومخجلا حقا، غياب العالم العربي عن المعركة التي شهدتها بريطانيا خلال الأسابيع الأخيرة حول المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية، إذ في حين حشدت إسرائيل حشودها بشكل غير عادي لإلغاء قرار الأكاديميين البريطانيين بالمقاطعة، فإنه باستثناء الجهد الفلسطيني، لم يكترث العالم العربي بما يجري، حتى أنه لم يغب فقط عن ساحة المواجهة، وإنما غاب أيضاً عن مقاعد المتفرجين! ولذلك لم يكن مفاجئاً لأحد أن تكسب إسرائيل الجولة، وأن يمنى جهد المقاطعة بنكسة كانت بمثابة ضربة لمساندي الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
الأمر كان مفاجئاً منذ البداية، على الأقل بالنسبة للأغلبية التي تضع «الغرب» كله في سلة واحدة، من دون إدراك كاف للفروق بين أوروبا والولايات المتحدة، أو للتمايزات داخل كل قارة على حدة، ناهيك عن التمايزات داخل القطر الواحد. إذ لم يكن متوقعاً أن ينجح الأكاديميون البريطانيون المنصفون في استصدار قرار من نقابتهم التي تضم حوالي 50 ألف أستاذ جامعي، يدعو إلى مقاطعة اثنتين من الجامعات الإسرائيلية، الأولى «جامعة حيفا» بسبب مساندتها لسياسة قمع الفلسطينيين وللاحتلال، والثانية «جامعة بار إيلات» المؤيدة للمتطرفين الدينيين، خصوصاً بعدما افتتحت لها فرعاً في مستوطنة «ارييل» بالضفة الغربية المحتلة، وفي الاجتماع السنوي لنقابة أساتذة الجامعات الذي عقد 22 إبريل (نيسان) الماضي، اتفق أيضاً على إرجاء البحث في مقاطعة الجامعة العبرية للأسباب ذاتها.
هذا القرار لم يتمكن الأكاديميون البريطانيون المتعاطفون مع القضية الفلسطينية من استصداره في مؤتمرهم الذي عقد في العام الماضي (2004)، ولكن افتضاح السياسات الإسرائيلية الوحشية، إضافة إلى إقدام الكنيسة المشيخية بالولايات المتحدة على تجميد نشاطها في إسرائيل بسبب تلك السياسات، هذه الملابسات ساعدت على نجاحهم في استصدار القرار خلال المؤتمر الذي عقد هذا العام. وكانت للخطوة أصداؤها القوية في بريطانيا، ففي حين أدرجت نقابة معلمي المعاهد العليا والفنية مسألة المقاطعة على جدول أعمال مؤتمرها الذي يفترض أن ينعقد هذا الصيف، فإن الأوساط الموالية لإسرائيل أصيبت بصدمة، وأقامت الدنيا وأقعدتها، ليس فقط لأن من شأن القرار كشف سياسة تل أبيب وإدانتها، وإنما أيضاً خشية أن تتسع دائرة المقاطعة، ويحدث مع إسرائيل ما سبق أن جرى مع جنوب أفريقيا، التي تعرض نظامها العنصري لمقاطعة عالمية، كانت بمثابة إدانة وتوبيخ لذلك النظام.
تحركت على مستويات عدة كل القوى المساندة لإسرائيل، تتقدمها السفارة الإسرائيلية والمؤسسات اليهودية، بدءاً من الضغط السياسي الرسمي على أعلى مستوى، وانتهاء بممارسة ضغوط أخرى على نقابة الأساتذة الجامعيين، ومروراً بالتعبئة الإعلامية التي نددت بالقرار واعتبرته تهديداً لمسيرة «السلام» في المنطقة (!) وتعطيلا للجهود التي تبذل لإقامة حوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في هذا الصدد فإن الصحف البريطانية الكبرى، الغارديان والاندبندنت مثلا، فتحت صفحاتها لعرض آراء مؤيدي المقاطعة ومعارضيها، وكان ملاحظاً أن المنافسة التي جرت هذا الأسبوع على صفحات «الغارديان» حول مسألة المقاطعة، اشترك فيها نفر من مثقفي جنوب أفريقيا، الذين عاشوا سنوات التمييز العنصري، فقد أيد المقاطعة وزير جنوب أفريقي، أعاد إلى الذاكرة واقعة مقاطعة 500 أكاديمي بريطاني لجامعات ونظام بريتوريا العنصري في الثمانينيات، بعد طرد جامعيين من وظائفهم، وتحدثت مقالته عن التشابه الكبير بين النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا وبين ممارسات دولة إسرائيل، واستشهدت في ذلك بقول رجل الدين الأفريقي البارز ديزموند تونو، أن نظام التفريق العنصري في إسرائيل أسوأ وأشد وطأة منه في جنوب أفريقيا، في المقالة أيضاً نقد للجامعات الإسرائيلية، التي التزمت الصمت إزاء السياسات القمعية والوحشية للدولة، خصوصاً التمييز الذي يمارس ضد عرب إسرائيل.
في مقابل هذه الشهادة، نشرت الغارديان مقالة «موالية» حملت توقيع أحد رؤساء التحرير السابقين لصحيفة «راند ديلي ميل» الصادرة في جوهانسبرج، ومعه أكاديمي إسرائيلي من جامعة بن جوريون، استهلها الكاتبان بشجب الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع، ثم إدانة المقاطعة التي تلحق الأذى بآخر مكان متروك للنقاش في إسرائيل، وهو الجامعات، وذهب الكاتبان إلى أن المقاطعة تعطي زخماً جديداً لليمين المتطرف الذي سيستخدم هذا الحدث ليؤكد أن العالم بأجمعه يكره اليهود ويريد هلاكهم، أما جديد المقالة فيتلخص في نقطتين تتعلقان بقضايا إسرائيل ليس من المألوف إيرادهما لدى التكلم عن قضايا نظام جنوب أفريقيا العنصري هما:
* هل يمكن نقد عنصرية إسرائيل والصمت حول عنصرية دول الجوار وسياساتها القمعية إزاء الأقليات الدينية أو العرقية أو سياساتها المجحفة إزاء نساء؟
* المقاطعة البريطانية للجامعات في جنوب أفريقيا في عهد الامارتايد كان لها أثرها السلبي، لأنها لم تؤد في نهاية المطاف إلا إلى حرمان جامعات جنوب أفريقيا من الأكاديميين البريطانيين، الذين كانوا يضخون في تلك الجامعات أفكاراً جديدة، وحيوية وشجاعة سياسية، وكان ذلك الاعتبار أحد العوامل التي أدت إلى تراجع حملة المقاطعة في بريطانيا لجامعات جنوب أفريقيا.
الحوار كان له صداه في داخل إسرائيل، حيث نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» مقالة لأستاذ علم الاجتماع اوري رام، انتقد فيها تواطؤ الجامعات مع الاحتلال، ووجه كلامه إلى رؤساء الجامعات الإسرائيلية قائلا: «لن يحاكمكم المستقبل على عدد خريجي جامعاتكم أو عدد المقالات العلمية التي أصدرتموها بل على مواقفكم أمام الاحتلال والاضطهاد»، كذلك أكد رام على أنه يقف ضد المقاطعة لأنها تضع هذه المسألة في الواجهة، ينسي الناس أن السيئ في الأمر هو الاحتلال. جامعي إسرائيلي آخر هو شلومو صاند طالب في «هارتس» بمقاطعة مشروع جامعة ارييل على الأقل تلك المستوطنة الإسرائيلية التي اقيمت في قلب الضفة الغربية للحيلولة من دون اقامة الدولة الفلسطينية في المستقبل.
وبينما جندت السفارة الإسرائيلية كل ما تملك من امكانيات واتصالات لحمل نقابة الأكاديميين البريطانيين على الرجوع في قرارها، تلقت فكرة المقاطعة ضربة موجعة، كان أحد الأكاديميين الفلسطينيين شريكاً فيها للأسف، إذ قبل حوالي أسبوع من انعقاد اجتماع اتحاد الأساتذة الجامعيين ـتحديداً في 19 ـ 5 نشر في لندن بيان مشترك وقعه الدكتور سري نسيبه رئيس جامعة القدس ومناحم ماجيدور رئيس الجامعة العبرية بالقدس المحتلة ، أعربا فيه عن حرصهما على تمتين الروابط الأكاديمية بين المؤسستين، وتحدث البيان عن أن «التعاون» بدلا من المقاطعة هو الذي سيحل مشاكل الشعبين.
أثار البيان موجة استياء واسعة تحث على مطالبة الدكتور محمد ابو زيد رئيس نقابة الأساتذة الجامعيين الفلسطينيين بطرد نسيبه من النقابة، كما حث مجلس إدارة الجامعة على تسريحه لانه خرج على الإجماع الأكاديمي والشعبي الفلسطيني.
في يوم 26/5 الذي كان محدداً للاجتماع الاستثنائي لاتحاد الأكاديميين البريطانيين، وقف بعض المتظاهرين أمام مقر الاتحاد حاملين لافتات بعضها يدعو إلى إلغاء قرار المقاطعة، والبعض الآخر يدعو إلى تحرير فلسطين من الاحتلال، وفي الداخل كان الحضور غير عادي، وكان واضحاً أن مؤيدي إسرائيل جاءوا مصرين على كسب الجولة، وطبقاً للتصريحات التي نشرتها «الشرق الأوسط» على لسان الدكتورة سويلا كويل صاحبة مشروع المقاطعة، فإن الهيئة التنفيذية للنقابة جاءت خاضعة للضغوط، ومصممة على إلغاء القرار، وهو ما لم يحدث طيلة الخمسة عشر عاماً الماضية.. وتحقق للإسرائيليين ما أرادوا!
لم أقرأ فيما نشر من تقارير حول الموضوع أن السفارات العربية في لندن اعتنت بالأمر ـ وهي معلومة أرجو ألا تكون صحيحة ـ وكان واضحا:ً أن بعض الناشطين الفلسطينيين وحدهم الذين تحملوا العبء، وساندوا قدر استطاعتهم أولئك النفر من الأكاديميين البريطانيين الشرفاء، في مسعاهم للدفاع عن مظلومية الشعب الفلسطيني، وكان مؤسفاً أيضاً أن الإعلام العربي غاب عن المشهد، ولم تهتم به سوى الصحف العربية الصادرة في لندن. الأمر الذي يجدد السؤال حول المكانة التي باتت تحتلها قضية فلسطين ضمن أولويات الخطاب السياسي العربي في الزمن الراهن، وهي التي كانت «قضية مركزية» في زمن مضى.
يبدو المشهد مفجعاً من هذه الزاوية، ولا يخفف من حجم الفجيعة فيه سوى موقف المقاطعة الذي لا يزال يلتزم به أغلب المثقفين والأكاديميين العرب، حتى في بلد مثل مصر، الذي كان سباقاً إلى التطبيع مع إسرائيل ـ للأسف! ـ فإن نوادي هيئات التدريس في كل جامعاته لها قرارها المعلن الرافض للتطبيع والمتمسك بالمقاطعة، طالما استمرت السياسة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين على ما هي عليه.
إن القصة لم تنته في بريطانيا، فالأكاديميون الداعون إلى المقاطعة، لا يزالون على موقفهم الشخصي ودعوتهم إلى المقاطعة الجماعية مستمرة، ثم انهم بما فعلوه نجحوا في فضح السياسة العنصرية الإسرائيلية.
والسؤال الذي يشغلني هو: كيف نساندهم ونشد أزرهم، بعد أن نعبر لهم عن عميق الاحترام وبالغ التقدير؟.. السؤال موجه إلى الأكاديميين والمثقفين العرب، وليس السياسيين يقيناً!

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:28 AM
مَنْ الذي محا فلسطين من الخريطة؟!..

بقلم: فهمي هويدي
......................

الكلمات التي أطلقت في طهران متعلقة بالصهيونية في الأسبوع الماضي أقامت الدنيا ولم تقعدها، لكن الصواريخ التي أطلقت على غزة وفتكت بشبابها اعتبرت أمرا عاديا، ولم تحرك ساكنا في الساحة الدولية، لقد استنفرت عواصم الدنيا لان الرئيس الإيراني تحدث عن القضاء على الكيان الصهيوني في مؤتمر عام، ولكن العواصم ذاتها أغمضت أعينها تماما عن عملية محو فلسطين من الخريطة وابتلاع الجغرافيا فيها، بعد اقتلاع اصلها وفرعها وتاريخها وثقافتها، ومن ثم اغتيال ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
لست هنا في وارد الدفاع عما قاله الدكتور أحمدي نجاد، لكني معني أكثر بالمفارقة الفاحشة في المشهد، الأمر الذي يفضح المدى العبثي الذي وصلنا إليه وبمقتضاه استبيح الدم الفلسطيني إلى أبعد مدى، وأحيط كل ما يتعلق بإسرائيل بحصانة تقترب من القدسية وإذ نفهم أن يحدث ذلك في العديد من عواصم الدنيا، إلا أننا لا بد أن نستغربه ونشمئز منه حين تتردد أصداؤه في بعض وسائل الإعلام العربي.
لقد تحدث الدكتور أحمدي نجاد أمام مؤتمر عنوانه «عالم بلا صهيونية» معتبرا أن الصهونية هي مصدر البلاء وأغلب الشرور التي عرفتها المنطقة، وهذا أمر لا يختلف عليه أحد وفي سياق هذا التحليل استشهد بكلام للامام الخميني دعا إلى القضاء على الكيان الصهيوني ومن منطلق ولائه للإمام وتعلقه بفكره فإنه قال ان القضاء على ذلك الكيان سيكون حتميا، وخلص إلى أن إيجاد عالم خال من أميركا وإسرائيل أمر يمكن تحقيقه.
هذا الكلام جرى اصطياده والمبالغة فيه وتعميمه على العالم بحسبانه دعوة إلى محو إسرائيل من الخريطة ورغم أنه تحدث عن عالم خال من الاثنتين أميركا وإسرائيل، إلا أن أميركا أعطت الكلام حجمه الحقيقي، فلم تأخذه على محمل الجد. وبالتالي فإنها لم تكترث به، سقطت الاشارة إليه في حملة التعبئة الإعلامية وسلطت كل الأضواء على إسرائيل وحدها، ربما لكي تكتمل سمات العصر للمشهد، أعني لكي تصبح إسرائيل التي محت فلسطين من الخريطة وما برحت تجتث ما بقي منها حينا بعد حين هي ذاتها التي تطلب من الأمم المتحدة طرد إيران لأن رئيسها تحدث عن محو إسرائيل من الخريطة.
لقد عقدت بالسويد ـ فيما اذكر ـ خلال العام الماضي ندوة ناقشت حال العالم بدون الولايات المتحدة الأميركية، وكان من رأي البعض ان أحوال العالم ربما أصبحت افضل بدونها، في حين إنحاز آخرون إلى الرأي المعاكس، ولم يقل أحد ان الذين تحدثوا عن أفضلية العالم إذا غابت عنه الولايات المتحدة إنما كانوا يدعون إلى محو أميركا من الخريطة.
غير أن الأمر حين يتعلق بإسرائيل لا بد أن يكون المعيار مختلفا ولا بد أن يستثار العالم بأسره حتى لا يمس لها طرف ولا تنتقد لها سياسة ولا تدان لها جريمة، فكل من يتفوه بكلمة في هذا الاتجاه موصوم سلفا بمعاداة السامية، ومعرض لكل ما يخطر على البال من فنون النازية والتأليب والتشهير.
أدري أنه من غير المناسب سياسيا ودبلوماسيا ان يستخدم رئيس دولة اللغة التي تكلم بها الدكتور أحمدي نجاد عن دولة أخرى عضو بالأمم المتحدة، ومن ثم فإن الأمر لم يكن يستحق أكثر من «العتب» الدبلوماسي الذي يسجل التحفظ ثم يتجاوزه، لكن من الواضح أن الدكتور أحمدي نجاد حديث العهد بمنصبه تحدث بلغة حرس الثورة ولم يتمرس بعد على لغة رئيس الدولة، فأفصح عما في خلده الخاص بأكثر مما عبر عن سياسة بلده، وهو ما أوقعه في المحظور الذي ما زالت أصداء استنكاره تتردد في أروقة السياسة الغربية.
فيما جرى الهاء الجميع بزوبعة تصريحات الرئيس الإيراني ومن وراء أستار الغبار والدخان التي سدت بها إسرائيل الأنف، فإن قادتها انهمكوا في أحكام محو فلسطين من الخريطة بالغارات التي لم تتوقف على غزة، بعمليات الاغتيال والاعتقال الذي استهدفت استئصال المقاومة واجتثاث عناصرها وجذورها بهدف القضاء على كل الذين يحلمون بالإبقاء على شيء من فلسطين على الخريطة.
القصة مكررة، فإسرائيل تريد أن تواصل القتل والاعتقال وتجريف الأرض واستكمال بناء سورها الوحشي بينما الفلسطينيون جميعا ممتثلون وراكعون، تريد أن تحول غزة إلى سجن كبير تخرج منه قواتها، ثم تمسك بمفاتيح القطاع وفي الوقت ذاته تستفرد بالضفة لتفعل بها الأفاعيل، فتضم اغلب أراضيها فيما تحاصر الكيانات الفلسطينية إلى معازل تحت رقابتها وسيطرتها، تريد إسرائيل أن تمارس ذلك كله، محتمية باتفاق التهدئة مع فصائل المقاومة، ومستثمرة غفلة بعض العواصم الغربية وموالاة وتواطؤ البعض الآخر.
كان من الطبيعي أن يكون لذلك المسك المخزي صداه في أوساط المقاومة التي التزمت بالتهدئة واشترطت من البداية ان تتم على اساس تبادلي رافضة أن تواصل إسرائيل جرائمها وتطلق يدها فيها، بينما هي مكبلة بالاتفاق الذي تم التوصل اليه في شرم الشيخ خلال شهر فبراير من العام الحالي، لذلك لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن ترد المقاومة على الجرائم الإسرائيلية، استطاعت الى ذلك سبيلا وهو ما فعلته حماس بجناحها العسكري «كتائب القسام» تارة وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي تارة أخرى وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح تارة ثالثة.
الحملة على اشدها الآن على حركة الجهاد الإسلامي وجناحها «سرايا القدس» بعد عملية «الخضيرة» التي قتل فيها خمسة إسرائيليين وأصيب 38 آخرون، وقد نفذها عنصر من أعضاء الجهاد الإسلامي هو الشهيد حسن أبو زيد وجاءت ردا على قتل الإسرائيليين لقائد سرايا القدس بالضفة لؤي السعدي، ورغم ان منفذ العملية من أبناء قرية قياطية المجاورة لمدينة جنين بالضفة، حيث لا سلطان للسلطة الفلسطينية عليها، فإن إسرائيل انتهزت الفرصة وعملت على ضرب عصفورين بحجر واحد: فمن ناحية ضاعفت ضغطها وابتزازها للسلطة الفلسطينية من خلال اتهامها بأنها لم تفعل شيئا لاجتثاث «الإرهاب» معتبرة أن السلطة مسؤولة عن غزة وعن أمن الإسرائيليين في الضفة التي يفترض أنها خاضعة مباشرة للسلطة الإسرائيلية.
ومن ناحية ثانية قامت بحملة تأديب واجتياح واسعة النطاق، ضربت خلالها غزة بسيل من الصواريخ، دفعت بقوات كبيرة إلى شمال الضفة، حيث اجتاحت مناطق نابلس وطولكرم وجنين وفي تحركاتها تلك فإنها استهدفت نشطاء المقاومة وبالأخص عناصر حركة الجهاد الإسلامي.
لا يقف الأمر عند حدود القمع الإسرائيلي للمقاومة لان السلطة الفلسطينية اصبحت بدورها مكبلة بوقف الإدانة لعملياتها التي هي في حقيقة الأمر مجرد رد على ممارسات العدوان الإسرائيلي الأمر الذي يعني ان هدف القضاء على المقاومة اصبح مقدما على هدف انهاء الاحتلال، خصوصا في غزة التي يراد بها أن تبقى خارج الصراع رغم استمرار التحكم الإسرائيلي في القطاع واستمرار عدوانه وانتهاكاته في الضفة.
ولم يعد سرا ان القضاء على المقاومة في غزة له هدف اخر بعيد المدى ذلك ان التسريبات الصحفية تشير إلى ان إسرائيل تعد لانسحاب شكلي من 40% من الضفة لكي تضم ما تبقى منها وتلك النسبة تمثل الضفة التي يتمركز بها الفلسطينيون بكثافة أعلى، وتم تمزيقها بما يضمن استمرار السيطرة الإسرائيلية عليها وهي تعادل حوالي 2000 كيلومتر مربع من بين 5500 كم هي جملة مساحة الضفة ولتأمين هذه الخطوة ومن ثم اغلاق ملف القضية للتمهيد لمحو فلسطين التاريخية من الخريطة فإن رأس المقاومة يصبح مطلوبا بشدة الآن أكثر من أي وقت مضى.
لا يخلو المشهد من مفارقات اخرى جانبية، فحركة الجهاد اتهمت بالتطرف لانها رفضت المشاركة في الانتخابات وحين قررت حركة حماس ان تشارك فيها فانها رفضت بدورها لاتهامها بالتطرف الامر الذي يعني ان المقاومة مهددة ومتهمة في كل أحوالها ان هي رفضت المشاركة أو قبلت بها، من تلك المفارقات أيضا ان الأطراف العربية التي عملت على التوصل إلى التهدئة، التزمت الصمت إزاء التعنت الإسرائيلي، الأمر الذي يوحي بأنها تعاطت مع التهدئة تحت الضغط الأميركي والإسرائيلي، باعتبارها ملزمة للمقاومة وحدها وليس للإسرائيليين أيضا، المفارقة الثالثة ان فريقا امنيا عربيا ذهب إلى غزة وبقي فيها لرعاية عملية انسحاب القوات الإسرائيلية، وتأهيل أجهزة أمن السلطة، ووجود الوفد هناك رغم أن القصف الإسرائيلي المستمر للقطاع يمثل إحراجا شديدا له، ويثير السؤال التالي: هل ذهب الفريق الأمني لتسهيل الانسحاب أم لشرعية الاحتلال؟ المفارقة الرابعة ان مجموعة الرباعية الدولية وقد أصابها مس التميز لإسرائيل طالبت سورية بطرد حركة الجهاد الإسلامي من أراضيها علما بأن ثقل الحركة الأساسي في الداخل الفلسطيني ومنفذ عملية «الخضيرة» انطلق من قباطيا ولم ينطلق من حماة أو حلب ـ عجبي..!
........................................
*الشر ق الأوسط ـ في 2/11/2005م

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:29 AM
التطبيع الباكستاني مع إسرائيل: وقوع في الحرام السياسي

بقلم: فهمي هويدي
.....................

كوارث الأسبوع الماضي ثلاث: إعصار «كاترينا» المدمر الذي ضرب ولاية لويزيانا الأميركية، وغرق ألف عراقي في نهر دجلة من جراء الفوضى التي دبت بين جموع العابرين لجسر الأئمة في ذكرى وفاة الإمام الكاظم، والإعلان عن بدء إقامة علاقات دبلوماسية بين باكستان وإسرائيل. القاسم المشترك بين الكوارث الثلاث أن كلاً منها بمثابة صدمة موجعة من العيار الثقيل، جاءت من حيث لا نحتسب. غير أن ثمة تمايزات بينها، منها أن الكارثتين الأوليين لهما طابعهما الإنساني في المقام الأول. أما الكارثة الثالثة فهي ذات طابع سياسي وإنساني بنفس الدرجة. منها أيضاً أن الكارثتين الأوليين فاجأتا الجميع، أما الكارثة الثالثة فيبدو أن عنصر المفاجأة فيها كان نسبياً، لأن «طبخ» العلاقة بين باكستان كان مستمراً بعيداً عن الأعين خلال السنوات الأخيرة، حيث تبين أن الأمر كان يرتب في محيط دوائر صغيرة بين الطبقة السياسية، بالتالي فلم يفاجأ بالإعلان سوى الرأي العام العربي والإسلامي، الذي كان وقع الصدمة عليه شديداً. ولذلك لم أستغرب قرار الأحزاب والجماعات الإسلامية الباكستانية اعتبار يوم الجمعة الماضي (9/2) الذي أعقب الإعلان يوم «حداد» في البلاد، تعبيرا عن الفجيعة والغضب إزاء الخطوة التي أقدمت عليها حكومة إسلام آباد، فالذين يعرفون عمق المشاعر الإسلامية في باكستان، وتعلق شعبها بالقضية الفلسطينية وفي قلبها قضية القدس، يستطيعون أن يدركوا حجم الصدمة التي سرت في الشارع الباكستاني من جراء ما جرى، ولا يغيب عن البال في هذا الصدد أن الهوية الإسلامية هي جزء من شرعية الدولة في باكستان، وهي المبرر الأساسي لقيامها، بالتالي فإن المساس بأي قيمة تتصل باستحقاقات ذلك الانتماء، يحدث جرحاً عميقاً في الضمير الإسلامي هناك، من الصعب التئامه أو تجاهله. لذلك أزعم أن ما أقدمت عليه حكومة إسلام آباد يعد خطأ سياسياً جسيماً، حتى من وجهة النظر الداخلية، لأنه يمثل تحدياً صارخاً لمشاعر الشعب الباكستاني، يمكن أن يكون مصدراً لقلاقل تهدد النظام القائم، الذي يعرف الجميع حجم المتاعب التي يواجهها، والتي كان من تجلياتها تعرض الرئيس مشرف شخصياً لأكثر من محاولة اغتيال. وهو ما يخلف وضعاً أشبه بالصدمة التي أصابت الشعب الموريتاني المعتز بانتمائه العربي والإسلامي، إثر إقدام الرئيس السابق ولد الطايع على إقامة علاقات مع إسرائيل في عام 99، مما كان له صداه في توسيع نطاق الغضب وتحريك أكثر من محاولة للانقلاب على حكومته، انتهت بالإطاحة به في الشهر الماضي.
حتى إذا تجاوزنا عن تداعيات القرار الباكستاني على الوضع الداخلي، فإن وصف «الكارثة» يظل يلاحقه.. لماذا؟
* لأن الإعلان عن البدء في إقامة علاقات دبلوماسية بين باكستان وإسرائيل يعني مباشرة تحليل الحرام السياسي في العالم الإسلامي، صحيح أن تركيا أقامت علاقات مع إسرائيل بعد سنوات قليلة من إنشائها، وصحيح أيضاً أن لإسرائيل علاقات غير معلنة مع دول إسلامية أخرى، ولكننا نعرف أن تركيا العلمانية كان لها منذ تأسيس الجمهورية في العشرينيات موقف مرتم في أحضان الغرب ونافر من الإسلام والعروبة، وهو موقف ظل مؤثراً على السياسة التركية لأمد غير قليل، بعكس باكستان التي اكتسبت شرعيتها من الهوية الإسلامية كما ذكرت تواً، في حين ظلت القضية الفلسطينية تحتل مكانة خاصة في الوجدان الشعبي طول الوقت، في الوقت ذاته فإن إقامة علاقات بين بعض الدول العربية أو الإسلامية في السر يعد «منكراً» غير مرحب به بطبيعة الحال، ولكنه أقل سوءاً من الجهر بتلك العلاقة، لأن التعرف في الحالة الأولى يستبطن إدراكاً بعدم مشروعيتها، في حين أن الإعلان عنها يهتك الحرمة، ويقنن العلاقة، مضفياً عليها جانباً من المشروعية. ومن شأن ذلك أن يفتح الأبواب واسعة أمام إسرائيل لاجتياح العالم الإسلامي وتثبيت أقدامها في جنباته.
* لأن تحليل الحرام السياسي الذي تجنبت الدول الإسلامية الإقدام عليه طيلة العقود التي خلت، بسبب الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين، من شأنه أن يؤدي إلى شطب القضية الفلسطينية من «أجندة» تلك الدول، باعتبار أن إقامة العلاقات مع إسرائيل في الوقت الراهن تعني من الناحية العملية القفز فوق القضية، والمشاركة في التعتيم على السياسات الإسرائيلية الاستئصالية في فلسطين، وليس ثمة شك في أن القرار الباكستاني يعد خطوة «رائدة» في هذا المجال، تشجع دولا إسلامية أخرى على احتذائها.
* لأن الخطوة التي اتخذتها حكومة إسلام آباد تدل على أمرين: الأول أن إسرائيل نجحت في خداع البعض، وإيهامهم بأن انسحاب قواتها من غزة يعد تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242، والتزاماً بخطة الطريق. الأمر الذي يفتح الباب أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بما يوحي بأن القضية بسبيلها إلى الحل، وتصديق هذا الزعم يعني أن هناك تغييباً كاملاً للواقع الحاصل على الأرض، الذي يكذب كل فقرة في الإدعاء الإسرائيلي، ببساطة لأن الجميع ـ حتى في قيادة السلطة الفلسطينية ـ يعرفون جيداً أن غزة لم تتحرر بعد، وأن الاحتلال لا يزال مستمراً، وأن إسرائيل مصرة على محاصرة القطاع والتحكم في مداخله ومخارجه، وفي بحره وسمائه.
* لأن ما جرى يعد شهادة إضافية على مدى هيمنة السياسة الأميركية على القرار في باكستان، وهي السياسة التي فرضت على ذلك البلد المسلم أموراً كثيرة، كانت الحملة على التعليم الديني من أصدائها، ثم انه يعد شهادة دالة على أن موالاة الولايات المتحدة باهظة التكلفة، ولا تقف عند حد. إذ بات على من يروم كسب قلب واشنطن إن كان لها قلب أن يلتزم بموقف الانصياع الكامل، حتى وإن أدى ذلك إلى الإضرار بمصالح نظام البلد الصديق.
لا ينطلي على أحد ادعاء من تحدث باسم الحكومة الباكستانية أن هذه الخطوة تمكن إسلام آباد من القيام بدور فعال في عملية السلام، فهو إدعاء غير قابل للتصديق، حتى في إسرائيل ذاتها، التي كتب معلقوها مرحبين بما اعتبروه «خطوة تاريخية»، وقائلين صراحة بأن باكستان بما فعلت أرادت أن تحصل على شهادة قبول في واشنطن، وقال أحدهم إن إسرائيل سعيدة بدور شباك التذاكر الذي ينبغي أن يمر به كل من يريد الوصول إلى قلب الإدارة الأميركية، يكفي أنها تقوم بدور المحصل الذي يستحوذ على ثمن التذكرة دائماً. الصحف الإسرائيلية حملت إلينا خبراً مفجعاً آخر، هو أن موسم «جني القطاف» قد حل أوانه، وأن الجوائز سوف تنهال تباعاً على شارون من العالم العربي والإسلامي، مكافأة له على الانسحاب من غزة، وقرار الحكومة الباكستانية يعد أحد تلك الجوائز الثمينة. وتحدثت صحيفة يديعوت احرونوت عن ممثلية إسرائيلية في دبي، «فهم دبلوماسيين، وتعمل بسرية تامة، بناء على طلب السلطات هناك»، وهو الخبر الذي أشير إليه أكثر من مرة في السابق، ولكن السلطات في دبي نفته.
إلى عهد قريب كنا نعتقد أن التصريحات الإسرائيلية التي تحدثت عن عشر دول عربية وإسلامية ستقيم علاقات مع تل أبيب قبل نهاية العام الحالي، ليست سوى فرقعات سياسية وإعلامية، أو تمنيات قد تتحقق أو لا تتحقق. ولكن القرائن المتتالية دلت على أن إسرائيل لم تضيع وقتاً قبل الانسحاب من غزة وبعده، وأن آلتها الإعلامية والسياسية، المؤيدة بالمطلق من جانب واشنطن، نجحت في تحويل الكابوس إلى حقيقة، وليس هناك شك في أن هشاشة الوضع العربي وقوة النفوذ الأميركي في المنطقة كانا من العوامل الأساسية التي ساعدت على ذلك.
ليست هذه أول الكوارث بطبيعة الحال، لأننا يجب أن نعترف بأن الاختراق الإسرائيلي بدأ بكارثة اتفاقيات السلام التي وقعت مع مصر أولاً ثم الأردن ثانياً، الأمر الذي أسهم في إضعاف الموقف الفلسطيني وضعضعة الموقف العربي، وهي الثغرة التي استثمرتها إسرائيل إلى أبعد مدى، ومنها نفذت إلى أرجاء العالم العربي والإسلامي، حتى بات الموقف العربي هو أضعف الحلقات في القضية الفلسطينية، للأسف الشديد.
ليس سراً أن إسرائيل تسعى الآن جاهدة إلى إغلاق ملف القضية الفلسطينية، وشطبها من الأمم المتحدة ومن «الأجندة» العربية، وليس هناك شك في أن استمرار إسرائيل في تلقي الجوائز من دول العالم العربي والإسلامي يعد إسهاماً عملياً في بلوغها ذلك الهدف، وذلك وضع إذا ارتضته بعض الأنظمة العربية، فاحسب أنه سوف يفجر صوراً مختلفة من الغضب في العالم العربي والإسلامي، يعلم الله وحده شكله ومداه.
إن المطلب العربي الذي يخدم القضية والسلام حقاً في المنطقة صار الآن أكثر تواضعاً، حيث انعقد اجماع الدول على القبول بالتطبيع مع إسرائيل إذا ما قامت بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في عام 67، وهو الموقف الذي اعتمدته قمة بيروت بناء على المبادرة السعودية التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك)، ولذلك فإن أي تطبيع تمارسه دولة عربية تحت أي مسمى ينبغي أن يظل ضمن الحرام السياسي، وأي خطوة تتخذها إسرائيل في مواجهة الفلسطينيين ينبغي أن تقيم بمقدار اقترابها من هدف الانسحاب من أراضي 67.
إنني أتمنى أن تجدد القمة العربية المرتقبة التي قيل إنها تأجلت إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المصرية، الموقف الذي عبرت عنه في بيروت، لقطع الطريق على المحاولات الإسرائيلية لتطبيع العلاقات بالمجان مع المزيد من الدول العربية قبل نهاية العام، وهو موقف إذا أعلن، واحتذته القمة الإسلامية الطارئة التي دعا إلى عقدها الملك عبد الله عاهل السعودية، فإنه يمثل الخدمة الحقيقية للقضية الفلسطينية وللسلام العادل ـ وليس المزيف ـ في المنطقة.
..................................
*الشرق الأوسط ـ في 7/9/2005م.

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:30 AM
ألم يحن الوقت لاستعادة دور منظمات الإغاثة الإسلامية..

بقلم: فهمي هويدي
.......................

رجاء: لا تنسوا ضحايا كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب باكستان، فلهم في أعناقنا حقوق يتعين أن نؤديها، تمنيت أن أطلق هذا النداء كل صباح بأعلى صوت في الفضاء العربي الذي تتزاحم فيه العناوين المثيرة قادمة من كل صوب، إذ في ظل الصرعة التي روج لها البعض ذات يوم قريب حين علقوا على جدران كل قطر ملصقات تقول «نحن أولاً»، فقد خشيت أن تتراجع أهمية الشأن الباكستاني في قائمة الهم العربي، الذي توزعت حصصه على مختلف عواصمنا، حتى أصبح أكثرها يعيش فوق ألغام متفجرة أصابت الناس بالذهول والخوف.
متأثـراً بهذا الانطبـاع، فإنني تنفست الصعداء حتى قرأت يوم الأحد الماضي (23/10) في «الشرق الأوسط» أن القيادة السعودية، وعلى رأسها الملك عبد الله، دعت إلى حملة تبرعات لإغاثة متضرري الزلزال، كانت حصيلتها في اليوم الأول عشرة ملايين دولار، وجاءت هذه الخطوة بعد أيام قليلة من تبرع الحكومة السعودية بمبلغ 500 مليون دولار لإعمار المناطق المنكوبة.
صحيح أن مختلف الدول العربية ـ وغير العربية أيضاً ـ سارعت إلى ارسال معونات عينية كثيرة إلى باكستان، لكن الذي أثار انتباهي في الخطوة السعودية أن باب التبرع لصالح أولئك المسلمين التعساء قد انفتح، بدعوة من الملك وتحت رعاية الدولة. ورغم أن اجراء من ذلك القبيل يفترض أن يكون أمراً عادياً وربما مفروغاً منه في العالم المعاصر، الذي وصف بأنه بات قرية صغيرة تداخلت فيها مصالح الشعوب وتشابكت، كما أنه شهد تنامياً كبيراً في دور المجتمع المدني، الذي صار قوة موازية للسلطة ومعادلة لها، لكن كل ذلك الحلال عند الآخرين أصبح في العالم العربي والإسلامي، إما حراماً أو مكروهاً، ومشتبهاً فيه عند الحد الأدنى.
اذ يذكر الجميع ـ لا ريب ـ تلك اللوثة التي انتابت الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وكيف أنها دفعت الادارة الأميركية إلى شن حملة عالمية واسعة النطاق ضد كل الجمعيات الجديدة والمنظمات الاغاثية الاسلامية حيثما وجدت، وهو ما أدى إلى اغلاق مقارها وتجميد أموالها وملاحقة مسؤوليها، بعدما اتهم الجميع بدعم الارهاب وتمويله، واذا اعتبر ذلك هو الأمل في كل عمل خيري، فقد أصبحت كل أوجه الخير محل شبهة تعرض المتطوعون لها والمساهمون فيها للحساب والمساءلة، وهو ما أخاف الجميع، ودفع الأغلبية الساحقة إلى الاحجام عن التبرع ايثاراً للسلامة. أما القائمون على تلك المشروعات فالذين نجوا من الحبس والاعتقال، جرى تشريدهم وتجميدهم. ولا تسأل بعد ذلك عن الأضرار الجسيمة التي نجمت عن ذلك، وتمثلت في قطع المساعدات عن عشرات الألوف من الأرامل واليتامى، واغلاق مئات المدارس والملاجئ ووقف اعمار المساجد وغيرها من المشروعات العمرانية الخيرية، وكانت نتيجة ذلك كله أن ضرب العمل الخيري الأهلي في الصميم، وأصبح الاقدام على أي عمل خيري بمثابة مغامرة كبرى باهظة التكلفة.
لم تكتف الادارة الأميركية بحملتها تلك، وإنما مارست ضغوطاً شديدة على مختلف الحكومات العربية والإسلامية لحملها على وقف التبرعات بزعم تجفيف ينابيع تمويل الارهاب حتى أرسلت وفودها الذين جابوا عواصم العرب للتفتيش على سجلات الجمعيات الخيرية ومراقبة سجلاتها المالية، للتعرف على مواردها وأوجه انفاقها.
بعد أن خيم الخوف والتردد على مجتمعات المسلمين خلال السنوات الأربع الماضية، فإن المبادرة السعودية جاءت لتفتح ثغرة في الجدار، من خلالها جرى استدعاء المجتمع مرة اخرى كي ينهض بواجبه الانساني والإسلامي، ولا استبعد أن يكون دافعها إلى ذلك ليس فقط ادراكها لجسامة المسؤولية في المشهد الراهن، ولكن أيضاً اقتناعها بأن دعاوى اشتراك المنظمات الاغاثية والخيرية ثبت بطلانها، بعدما تمت تبرئة أهم تلك المنظمات من تهمة تمويل الارهاب، حتى أن الحكومة الأميركية التي قادت الحملة الظالمة وحرضت الآخرين على السير وراءها، قدمت اعتذاراً لبعض تلك المنظمات (مؤسسة الحرمين مثلا) بسبب الاتهامات الظالمة التي نسبتها إليها. واذا ما تابعنا نتائج المراجعات التي قام بها الأميركيون للجمعيات الخيرية الكبرى في دول منطقة الخليج، التي هي الأكبر اسهاماً في أعمال الخير، فسوف نجد أن تلك النتائج لم تسفر عن توجيه أي اتهام له قيمته لتلك الجمعيات، حتى يبدو الآن أن هدف الحملة كان مجرد تشويه صورتها وتبرير الضغط على الحكومات لوقف أنشطتها وتشديد الرقابة عليها، تحسباً لأية احتمالات تخطر على البال.
ان المبادرة السعودية التي نرحب بها، تعد مناسبة جيدة للدعوة إلى اعادة فتح ملف المنظمات الخيرية والاغاثية في الدول العربية ورد اعتبارها، ليس فقط لأنها ظلمت ورفع الظلم عنها من أول مقتضيات الانصاف، ولكن أيضاً لأن العالم العربي والإسلامي الحافل بالمشكلات الانسانية أشد ما يكون حاجة إلى العون، الذي لا تكفي فيها مساعدات الحكومات. بل أزعم أن المجتمعات العربية والإسلامية تستطيع أن تفعل الكثير في هذا الصدد، ليس فقط من خلال الزكوات، ولكن أيضاً من خلال الاجتهادات الفقهية التي يمكن أن تعيد ترتيب الأولويات في التزامات المسلمين، بحيث تقع على رأسها في الظرف الكارثي الراهن مثلاً اغاثة المنكوبين الذين دمرت الزلازل قراهم وحياتهم، بعدما قتلت وشردت أكثر من 125 ألف مواطن.
إنني أتخيل الموارد التي يمكن أن يوفرها العالم العربي والإسلامي لو أن المجامع الفقهية اتفقت مثلاً على توجيه نداء إلى الأمة يقول إن اغاثة منكوبي المسلمين واجب شرعي يقدم على أداء فريضة الحج هذا العام. وان حجة المرء تحسب له إذا ما عزم على ذلك ثم حين وقعت الكارثة، أودع ماله الذي خصصه لحجته في الحساب المخصص للاغاثة. وفي حدود علمي فإن ذلك جائز شرعاً، وثمة سوابق مشهودة تؤيده.
ان اجراء من ذلك القبيل سيفتح الأبواب واسعة أمام المسلمين لنيل ثواب حجتهم من ناحية، وسيوفر مليارات الدولارات التي يمكن أن تغيث المنكوبين في باكستان ربما في بلدان أخرى أيضاً، وليس خافياً على أحد أن التمويل لا يزال مشكلة مؤرقة تعترض محاولات مساعدة الضحايا. فقد قدرت الأمم المتحدة المبالغ المطلوبة للاغاثة بمبلغ 313 مليون دولار، تحصلت الأمم المتحدة منها على 90 مليوناً فقط، وهو ما يوازي ثلث المبلغ المطلوب.
لقد دعت الولايات المتحدة إلى احتشاد دولي لاعمار ما دمرته قواتها في أفغانستان وأقامت صندوقاً لهذا الغرض برعاية الأمم المتحدة، للدول المانحة، وأرادت بذلك تخفيف آثار الدمار الذي خلفته فضلاً عن الخراب الذي أشاعته الحروب السابقة، ومارست ضغوطها بدرجة أو أخرى على مختلف دول العالم الصناعي ـ الحلفاء ـ لكي تسهم في تمويل جهود اعمار البلاد. ولا أعرف لماذا لا تبادر الدول العربية والاسلامية إلى اطلاق حملة مماثلة، تحت رعاية منظمة المؤتمر الاسلامي، ومن خلال بنك التنمية الاسلامي مثلاً.
ان الهم ثقيل في باكستان، وثمة جهات دولية عديدة تبذل جهوداً للانقاذ، تتراوح بين أيواء المشردين واغاثة سكان القرى التي عزلت عن العالم وحوصرت على سفوح جبال الهيمالايا، والاسراع بنقل الجثث تحسباً لاحتمالات تفشي الأوبئة والأمراض. وذلك كله غير الجهود المطلوبة للاعمار واعادة البنية التحتية والمرافق التي دمرت بالكامل. وكما في تجارب سابقة فإن الحماس يكون عالياً في البداية، لكنه يهدأ ثم يفتر حيناً بعد حين. وسيبقى في النهاية أن تقوم الأمة الاسلامية بواجبها قبل أن تدخل المسألة طور النسيان الذي يعقب الفتور. وهو الحاصل الآن إلى حد كبير في أفغانستان.
ان اسهام الحكومات مقدر ولا غنى عنه، كما أن استعادة المجتمع لدوره، من خلال تبرعات الجماهير، واحياء دور المنظمات الخيرية والاغاثية التي ظلمت حتى شلت حركتها، ذلك أيضاً أمر مهم للغاية. وأحسب أن كيفية ضبط الموارد ومراقبة المصارف لابعاد الشبهات باتت أمراً ميسوراً يمكن التحكم فيه من خلال الاطر التنظيمية المتعارف عليها.
اننا يجب ألا نترك الشعب الباكستاني وحيداً في مواجهة الكارثة، بقدر ما ينبغي ألا ننكفئ على ذواتنا تاركين قطاعات عريضة من الشعوب الاسلامية تعيش فريسة البؤس والفاقة. وليتنا نوسع في دائرة الدفاع عن انتمائنا الانساني، نسهم في تخفيف معاناة البشر ونمد أيدي العون إلى التعساء وضحايا الكوارث حيثما وجدوا. وتلك دوائر للاهتمام تتجاوز بكثير طاقة الحكومات، وتتطلب تضافر الشعوب أيضاً، ولدى المسلمين الحوافز والحجج الشرعية التي تحثهم على الوقوف بجانب المستضعفين في الأرض. حسبهم في ذلك أن اغاثة هؤلاء واجب يمثل أحد أركان الاسلام الخمسة، إذ لأجل ذلك شرعت الزكاة بمصارفها المعروفة.
أكرر النداء: رجاء لا تنسوا ضحايا كارثة الزلزال في باكستان.
.......................
*الشرق الأوسط ـ في 26/10/2005م

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:31 AM
مصر: من هو المضطهد.. ومن هو المجني عليه حقا؟

بقلم: فهمي هويدي
.....................

أحداث الفتنة الطائفية التي شهدتها مصر أخيرا قلبت الاعلام رأساً على عقب. حتى صور المسلمين فيها باعتبارهم مغتصبين ومعتدين، بينما الأقباط ضحايا مغلوبين على أمرهم. في حين أن وقائع الحدث كما جرت في مدينة الإسكندرية على العكس من ذلك تماماً، ولكن التسريبات التي حدثت حين انضافت إلى الصورة النمطية للمسلمين في الاعلام الغربي بوجه أخص، فإنها وضعت المسلمين في القفص وألصقت بهم زوراً وعدواناً نغمة اضطهاد الأقباط. وهو ما ضلل بعض المحللين والكتاب، وأشاع في أوساط النخبة انطباعاً مغلوطاً، كان من أصدائه الأخيرة أن أسقف الكنيسة الكاثوليكية في بريطانيا وجه رسالة إلى الرئيس المصري حسني مبارك في مستهل هذا الأسبوع دعاه فيها إلى انصاف المسيحيين ورفع الغبن عنهم.
ماذا تقول الوقائع عما حدث في الإسكندرية؟
أصل المشكلة أن بعض أتباع احدى الكنائس الكبيرة في المدينة (كنيسة مارجرجس) أعدوا مسرحية عنوانها «كنت أعمى والآن أبصرت».. خلاصتها أن شاباً قبطياً دخل في الاسلام، ليس اقتناعاً به ولكن تحت تأثير الاغراء بالعثور على وظيفة، والتزوج، والحصول على شقة سكنية. وحين عاش الشاب في وسط المجموعة التي شجعته على التحول إلى الاسلام، فإنه وجد كل شيء فيهم منفراً، فعاد إلى المسيحية مرة أخرى. وهذه هي الفكرة من وراء العنوان «كنت أعمى والآن أبصرت».
التفاصيل في المسرحية ركزت على نقائص الاسلام، فانتقدت تعاليمه ووظفت مسألة الناسخ والمنسوخ لتسفيه الخطاب السماوي، وسخرت من القرآن وغمزت في موضوع الجهاد ونظام الزواج، إلى جانب أمور أخرى بدت كافية لإقناع الشاب بالرجوع في الاسلام والفرار من المجموعة.
في تقديم المسرحية اشارة إلى أنها أعدت تحت رعاية اثنين من القساوسة، وعرض لقائمة بأسماء 49 شخصاً «نالوا بركة العمل» حتى ظهر بالصورة التي عرض بها. وكان العرض الأول لها قبل سنتين في داخل كنيسة مارجرجس، ولم يسمع به أحد. وخلافاً لما أعلن فإنها عرضت بعد ذلك في شهر أغسطس (آب) الماضي، وتم تصويرها بكاميرات الفيديو، ثم نقلت إلى قرص مدمج (c.d)، وعبر هذا النقل تسربت المسرحية إلى خارج الكنيسة، وشاهدها آلاف المسلمين، وكنت واحداً منهم.
صدم المسلمون بمضمون المسرحية، التي لم تكن تتحدث عن المتطرفين كما ادعى البعض، وانما كانت تتحدث عن الدين والقرآن ونبي المسلمين، على نحو غير مسبوق. حيث لم يحدث شيء من هذا القبيل في أي مرحلة من مراحل التاريخ الحديث. وإذا كان قد حدث فهو على الأقل ظل وراء جدران الكنائس، ولم يخرج إلى الناس بمن فيهم عامة المسلمين.
الثابت أن شريط المسرحية تم تداوله في جامعة حلوان في بداية الأمر، التي تبعد حوالي 400 كيلو متر عن مدينة الإسكندرية، وفي ذلك الوقت علمت أجهزة الأمن بأمره، فأبلغت النيابة العامة به، حتى تتخذ الاجراء القانوني المناسب، باعتبار أن مضمونه مما تنطبق عليه نصوص قانون العقوبات التي تحظر ازدراء الأديان. غير أن النيابة العامة التزمت الصمت، في الأغلب لكي تتيح الفرصة لتسوية الموضوع سياسياً، وتجنباً للضجيج الاعلامي الذي يمكن أن يحدث، خصوصاً في العالم الخارجي ـ إذا ما قدم المسؤولون عن المسرحية، الذين وردت أسماؤهم بالكامل في التسجيل ـ إلى النيابة أو أحيلوا إلى القضاء.
حين ذاع الأمر في الإسكندرية وشاهدت المسرحية أعداد كبيرة من المسلمين، وسمع أضعافهم بمضمونها، نظمت مجموعات منهم يوم الجمعة 14/10مسيرة سلمية اتجهت إلى مقر كنيسة «مارجرجس»، حيث أحاطت بها، وأوصل منظمو المسيرة رسالة إلى آباء الكنيسة أعربت عن الاحتجاج على تنديد المسرحية وسخريتها من دين المسلمين، كما طالبت باعتذار بطريرك الأقباط البابا شنودة عنها، باعتباره رأس الطائفة والمسؤول المباشر عن الكنيسة.
لم تستجب الكنيسة لمطلب المسلمين الغاضبين لدينهم، وظلت النيابة العامة على صمتها، في حين كانت مشاعر الغضب تسري وتتصاعد في مدينة الإسكندرية، فما كان من جموع المسلمين الذين استبد بهم الانفعال إلا أن خرجوا بعد صلاة الجمعة في الأسبوع التالي (يوم 21/10) . وللأسف فإنهم هاجموا الكنيسة معبرين عن غضبهم بطريقة انفعالية. حتى أن واحداً منهم اعتدى بسكين على احدى الراهبات وحدث اشتباك بين جموع الغاضبين وبين رجال الأمن، أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من مائة شخص بجروح مختلفة.
ظل البابا شنودة متمسكاً بموقفه الرافض للاعتذار، وبعد اتصالات عديدة مع آباء الكنيسة الأرثوذوكسية بالإسكندرية، صدر عنها بيان مقتضب في 28/10 أعلن أن الكنيسة لا تقبل أي مساس بالدين الإسلامي، وأنه في حالة ثبوت أي خطأ من جانب الذين اشتركوا في المسرحية، فسوف توقع عليه العقوبة، وبدا واضحاً في البيان أن رجال الكنيسة يرفضون الإقرار بأن ثمة إهانة للمسلمين وعقيدتهم في المسرحية.
في هذه الأجواء تحركت المجموعات القبطية خارج مصر، وأذاعت في بيانات لها أن المسلمين يهاجمون كنائس الأقباط، هكذا بالمطلق ودون أي إشارة لأصل المشكلة، وفاقم الموقف أن البابا شنودة ظل معتصماً بالصمت، ورافضاً التعبير عن أي موقف يهدئ خواطر المسلمين، وحين تكلم في موعظة له يوم 26/10 فإنه بكى أمام جمهور الحاضرين قائلا إن في قلبه الكثير، لكنه يفضل الصمت «لكي يتكلم الرب»، ثم قال كلاماً موحياً بأن الأقباط يعانون في مصر اضطهاداً يماثل ما أصاب المسيح عليه السلام من اليهود.
حين عمم هذا الكلام على الكافة، ونقلت صور البابا وهو يبكي، فإن ذلك بدا تأييداً وترويجاً لمقولة اضطهاد الأقباط وكونهم ضحية لعدوان المسلمين وتعصبهم، وهي الرسالة التي احتفت بها وسائل الإعلام، وعممتها العناصر والجماعات القبطية المتعصبة في داخل مصر وخارجها، فانقلب الحال تماماً، وصار الجناة ضحايا، وتحول المجني عليهم إلى ظلمة ومعتدين.
لم يغير من الأمر كثيراً أن أصواتاً إصلاحية داخل الكنيسة ذاتها كان لها موقف أكثر موضوعية وإنصافا، وأصحاب تلك الأصوات اعترفوا بالخطأ واعتبروا المسرحية حماقة وعملاً يستحق الاستنكار والحساب، وكان من هؤلاء أسقف الشباب في الكنيسة الأنبا موسى، الذي أدلى بتصريحات للصحف يشجب فيها هذا الموقف، غير أن كلامه لم يغير شيئاً من الموقف، لأن صوته ضاع وسط أصوات المتعصبين المتعالية، فضلا عن أنه في ذلك كان معبراً عن رأيه الخاص وليس رأي الكنيسة.
لقد تمسك البابا الذي يرأس كنيسة لا يتجاوز اتباعها 6% من سكان مصر، بموقف التحدي والاتهام لمشاعر المسلمين الذين يمثلون 94% من السكان، الأمر الذي خلق أجواء غير صحية ارتفعت في ظلها وتيرة الغضب بين المسلمين على نحو أرجو ألا يخرج عن السيطرة، لكني لا أتردد في القول بأنه يوفر زاداً للفتنة يفتح الباب واسعاً لاشتعالها في أي وقت.
لم يكن قلب الصورة على النحو الذي رأيت هو المفارقة الوحيدة، لأن هناك أكثر من مفارقة أخرى، منها مثلا أن الذين يتحدثون عن اضطهاد الأقباط الذين يمثلون 6% من السكان يتجاهلون أنهم يسيطرون على نسبة تتراوح بين 30 و40% في مجال النشاط الاقتصادي، ومنها أيضاً أنهم يتمتعون بحرية واسعة في الحركة، لا يتمتع بها المسلمون، وقد عبر عن المفارقة في هذا الجانب الدكتور محمد سليم العوا، المفكر المعروف وعضو مجموعة الحوار الإسلامي المسيحي، في مقالة نشرتها له صحيفة «الأسبوع» المصرية، قال فيها إن الأقباط في مصر يتمتعون بمقادير من النفوذ والقوة والسلطان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم يسبق لهم أن تمتعوا بمثلها، آية ذلك أن مصر تشهد حركة واسعة في بناء الكنائس والقلاع، في الوقت الذي تشترط فيه شروطاً معجزة لبناء المساجد، كما أن الجميع يعرفون ما تتمتع به الكنيسة من حرية في اتخاذ دورها مدارس وملاعب ونوادي وفصول تعليم ومستوصفات ومشاغل، وهي مفتوحة للعبادة والاعتراف وسائر أنواع النشاط دون أي قيد حكومي أو أمني على كهنتها وشعبها 24 ساعة يومياً و365 يوماً سنوياً، في الوقت الذي تغلق فيه المساجد بعد الصلاة بربع ساعة، وتفتح قبلها بعشر دقائق ولا يسمح فيها بأي نشاط إلا الدروس الرسمية لموظفي الأوقاف، ويخضع داخلها وخارجها، ويخضع خطباؤها وروادها لرقابة أمنية مكثفة، وذلك كله يؤكد مدى النفوذ الذي بلغته الكنيسة القبطية، وسائر الكنائس الإنجيلية والكاثولوكية، مقارنة بمؤسسة العبادة للأغلبية التي أصبحت شبه مغلقة في وجوه أصحابها إلا سويعات من النهار والليل معاً.
.............................................
*الشرق الأوسط ـ في 9/11/2005م

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:31 AM
هزل هنا وجد هناك

بقلم: فهمي هويدي
..........................

هي مصادفة لا ريب‏,‏ أن يتزامن سفري إلي طهران هذه المرة مع حدثين‏,‏ أحدهما إيراني شغل العالم وتمثل في إعلان طهران رسميا عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم‏,‏ والثاني عربي شغل قطاعات عريضة من شبابنا‏.‏ هو إعلان نتائج مسابقة من يكون العندليب‏,‏ التي ترقبها متابعو الفضائيات بعد انتهاء دورة برنامج ستار أكاديمي‏!‏
‏(1)‏
الرحلة بالنسبة لي كانت بمثابة انتقال بين عالمين‏,‏ أحدهما حمل فوق رأسه هموم الدنيا‏,‏ والثاني بدا وكأنه فرغ من هموم الدنيا‏.‏ وعلي مستوي شخصي فإن الإعلان الإيراني أصابني بالارتباك‏,‏ ذلك أنني كنت قد أعددت مقالة للنشر في أسبوع السفر عبرت فيها عن شعوري بالحنق والأسى إزاء انهيار التعليم بمختلف مراحله في مصر‏,‏ في مواصلة لمناقشة حول الموضوع كنت قد أثرتها خلال الأسابيع الأخيرة‏.‏ وقارنت فيما أعددته بين انشغال شبابنا بكرة القدم وبرامج اللهو والعبث التي أصبحت مادة أساسية في الفضائيات العربية‏,‏ وبين الاهتمام الذي تبديه بالعلوم الحديثة دول أخري تنتمي إلي عالمنا الثالث‏.‏ ومما ذكرته أن ستة من طلاب المدارس الإيرانية فازوا بالمركز الأول في أوليمبياد الرياضيات العالمي الذي أقيم في تايوان‏,‏ متفوقين في ذلك على ‏419‏ طالبا من‏76‏ دولة مشاركة في المسابقة العلمية‏,‏ وكان الطلاب الإيرانيون قد حققوا فوزا مماثلا في مسابقات أخري للكيمياء والفيزياء‏.‏ في حين لم نسمع أن أحدا من العالم العربي قد اشترك فيها‏.‏
في التعبير عن الحنق قلت‏:‏ إننا أقمنا الدنيا ولم نقعدها في مصر حين فزنا بكأس أفريقيا في كرة القدم‏,‏ لكننا التزمنا الصمت وأصبنا بالخرس حين فضحنا إعلان دولي عن أفضل‏100‏ جامعة أفريقية‏,‏ كشف النقاب عن أن جامعة القاهرة العريقة انحط قدرها حتى أصبحت تقع في المرتبة الثامنة والعشرين بين جامعات القارة‏.‏ وحين صدمنا تقرير دولي آخر أخرج الجامعات المصرية من سجل‏500‏ جامعة محترمة في العالم‏,‏ في حين أخذت‏7‏ جامعات إسرائيلية مكانها في ذلك السجل‏.‏
وحتى اقنع القارئ بأن المسألة جد ولا تحتمل اللعب أو الهزل‏,‏ استعنت بشهادة للمعلق الأمريكي توماس فريدمان‏,‏ نشرتها صحيفة نيويورك تايمز‏(‏ في 25/‏3)‏ ذكر فيها أنه خلال جولاته في أنحاء العالم‏,‏ اكتشف أن أكثر الجدل والمساجلات الأكثر سخونة في العديد من الدول تدور حول التعليم ومستقبله‏,‏ وأن الاهتمام المتزايد بالموضوع جعل كل دولة تعتقد أنها متأخرة في هذا المجال‏,‏ وأن ما حققته يظل دون الطموح الذي تتطلع إليه‏,‏ فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير ظل يصارع داخل حزبه لمنح المدارس مزيدا من الاستقلال عن سلطات التعليم المحلية‏.‏ كما أن سنغافورة تبدي اهتماما كبيرا بتحسين مستوي مدارسها في مادة الرياضيات‏,‏ برغم أنها تتصدر دول العالم في ذلك المجال‏.‏ أما الولايات المتحدة فتشعر بالقلق إزاء جدية مدارسها في تحسين مستوياتها في الرياضيات والعلوم‏.‏ وفي الاجتماع السنوي الأخير للرابطة الهندية للتقنيات المتطورة‏(‏ ناسكوم‏)‏ أعرب كثير من المتحدثين عن قلقهم إزاء تقصير نظام التعليم الهندي في تنشئة عدد كاف من المبتكرين‏.‏
استشهدت أيضا بتقرير عن اهتمام الصين بتشجيع المبدعين والموهوبين‏,‏ تحدث عن أن شركة مايكروسوفت العالمية أقامت مركزا آسيويا للأبحاث في بكين لجذب القدرات العقلية الصينية‏.‏ وفي عام‏ 1998‏ أجري المركز اختبارات ذكاء علي‏2000‏ من أفضل المهندسين والعلماء الصينيين‏,‏ واستخدم منهم‏20‏ فقط‏,‏ وهذا الرقم وصل إلي‏200‏ في عام‏2005.‏ وفي ذلك العام الأخير نشر المؤتمر العالمي لتقنيات الكمبيوتر‏98‏ بحثا تخيرها من أهم مراكز الأبحاث في العالم‏,‏ وكان‏10%‏ منها من مركز أبحاث مايكروسوفت في بكين‏.‏
‏(2)‏
في الإلحاح علي إثارة الاهتمام بالارتقاء بالتعليم رجعت إلي تقرير أمريكي مهم عنوانه أمة في خطر‏,‏ أعده في عام‏1983‏ فريق ضم‏18‏ من اكبر العقول الأمريكية في مجالات التربية والتعليم والفكر والصناعة‏.‏ وهو الفريق الذي شكل في عقب نجاح الاتحاد السوفيتي السابق في إطلاق القمر الصناعي‏(‏ سبوتنيك‏),‏ الذي جاء دالا علي المدى الذي بلغه التفوق العلمي للسوفيت‏,‏ وهو ما اعتبر صدمة هزت أركان الإدارة الأمريكية‏,‏ التي سارعت إلي تحري الأمر واكتشاف مواضع الخلل في البناء التعليمي‏.‏ وفي سياق التحقيق والتحري أجريت عدة اختبارات خضع لها طلاب المدارس الأمريكية‏,‏ مع آخرين من أبناء الدول الصناعية‏,‏ وكانت النتيجة مفاجأة‏,‏ إذ تبين أن الأمريكيين لم يحصلوا علي المرتبة الأولي أو الثانية في ‏19‏ اختبارا للمواد الأكاديمية‏,‏ وان ترتيبهم بالمقارنة مع الدول الصناعية جاء في المرتبة الأخيرة‏,‏ في سبع مرات أجريت فيها الاختبارات‏.‏
ظلت مجموعة الخبراء تعمل طيلة ‏18‏ شهرا‏,‏ ثم أصدرت تقريرها الذي كان بمثابة جرس إنذار عالي الصوت دعا إلي وقف التدهور‏,‏ من خلال قائمة طويلة من التوصيات‏,‏ التي ركزت علي ضرورة الاهتمام بما سمته الأساسيات الخمسة‏,‏ وهي‏:‏ اللغة القومية ـ الرياضيات ـ العلوم ـ الدراسات الاجتماعية ـ علوم الحاسب الآلي‏.‏ ووجهت اللجنة في تقريرها رسائل متعددة لكل المعنيين بمستقبل البلد‏,‏ من رئيس الجمهورية إلي الآباء والأمهات‏,‏ مرورا برجال التعليم وأجهزة الدولة‏.‏ ومن تلك الرسائل اقتبست عبارات برقية مسكونة بالإشارات النفاذة‏,‏ منها علي سبيل المثال‏:‏
لو قامت قوة معادية بفرض أداء تعليمي قليل الجودة علي المجتمع‏,‏ لاعتبر ذلك مسوغا لإعلان الحرب‏,‏ لكن ذلك يحدث من خلالنا للأسف‏,‏ التربية هي المحرك الأساسي لنهضة الأمة‏..‏ والتعليم هو حجر الأساس في بناء المستقبل‏,‏ وهو أكثر أهمية من تنمية الصناعة ونظامها‏,‏ بل هو أهم في بناء أقوي جيش‏,‏ لأن ذلك كله لا تقوم له قائمة بغير التعليم‏.‏ لقد أظهر الاستفتاء الذي تؤيده الأغلبية أن التربية ينبغي أن تحتل رأس أولويات برنامج العمل الوطني للأمة ـ صحيح أن التعليم الممتاز والمتفوق مكلف‏,‏ ولكن المتدني وقليل الجودة منه أعلي تكلفة علي المدى الطويل ـ أن حياة أي مجتمع في تفوقه‏,‏ وتفوقه رهن بامتيازه‏,‏ والامتياز يتوقف علي مستوي التعليم الذي يوفر الخبرة لأبنائه‏.‏
‏(3)‏
حين سمعت نبأ النجاح الذي حققته إيران في عملية التخصيب خطر لي لأول وهلة أن ما كتبته عن كارثة التعليم في مصر قد يكون غير مناسب في ظل الأجواء التي استجدت‏,‏ لكني غيرت رأيي وقررت أن احتفظ ببعض أجزائه‏,‏ خصوصا تلك التي تشير إلي خبرات الآخرين في الموضوع‏.‏ وقلت إنه حين يفوز الفريق الإيراني بالمركز الأول في أوليمبياد الرياضيات الذي أقيم بتايوان‏,‏ فإن نجاح بلادهم في تخصيب اليورانيوم يغدو نتيجة طبيعية‏.‏ أما فوز الفريق القومي المصري بكأس أفريقيا فهو وإن كان خبرا سارا‏,‏ لكنه يظل إنجازا في الهواء‏.‏ ولا تسأل عن المردود الذي نجنيه أو المستقبل الذي نتوقعه من الفوز في مسابقات الغناء والطرب‏,‏ التي أصبحت تستقطب اهتمام قطاعات عريضة من المواطنين العرب من الخليج إلي المحيط‏.‏
لم تكن هذه هي المفارقة الوحيدة‏,‏ لأنني وقعت علي مفارقة أخري وأنا أعيد قراءة الأوراق التي حملتها معي للاطلاع عليها في رحلة السفر‏.‏ وأكثرها تعلق بأصداء المشهد الإيراني‏(‏ قبل إعلان نبأ التخصيب‏)‏ في الصحف الغربية والعربية‏.‏ كان في المقدمة منها تقرير سيمون هيرش في صحيفة‏(‏ النيويوركر‏)‏ ـ 17/‏4‏ ـ الذي حشد فيه كما هائلا من التفاصيل المثيرة حول الخطط الأمريكية لقصف المواقع الإيرانية بهدف إجهاض مشروعها النووي‏,‏ وتقرير آخر نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 15/‏4,‏ فصل في مشاعر القلق التي انتابت الدوائر المعنية في واشنطن عقب المناورات البحرية التي أجرتها إيران في خليج هرمز‏,‏ واستعرضت فيها بعض الأسلحة الجديدة‏,‏ في مقدمتها الصاروخ فجر الذي اعتبرته طهران أسرع طوربيد في العالم‏.‏ وقد تعاملت واشنطن بجدية بالغة مع تطوير إيران صواريخها‏,‏ التي بوسعها أن تصل إلي السواحل الشرقية لأمريكا‏.‏ وأهم من ذلك أنها قادرة علي الوصول إلي إسرائيل‏,‏ وهو ما نبه إليه وحذر منه جون نيجروبونتي مدير الاستخبارات القومية الأمريكية‏.‏
تحدث التقرير أيضا عن دور الروس في تطوير السلاح الإيراني‏,‏ مشيرا إلي أن الصاروخ المثير الأخير‏(‏ فجر‏3)‏ بنفس قوة الطوربيد الروسي شكفال في آي‏111‏ ولافتا الانتباه إلي أن طهران انضمت إلي نادي الفضاء الدولي‏,‏ وسوف تطلق في شهر أكتوبر القادم بمساعدة روسية أيضا قمرا صناعيا صغيرا يدور حول الأرض كل ‏99‏ دقيقة‏,‏ مزودا بكاميرات تمكن إيران من استكشاف قطاعات واسعة من الأرض‏.‏
ثمة تقارير أخرى بالمعني نفسه تتفق علي أن ثمة تطورا لا يمكن تجاهله في القدرة العسكرية الإيرانية‏,‏ ربما كان محدودا في الوقت الراهن‏,‏ لكنه يعني الكثير بالنسبة للغرب‏,‏ خصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل‏.‏
‏(4)‏
الذي أثار دهشتي وارتيابي في الوقت ذاته‏,‏ هو تلك الكتابات التحريضية والتهكمية المستنكرة التي ظهرت في بعض الصحف العربية‏,‏ والتي جاءت علي النقيض تماما من الجدية والاهتمام اللذين لمستهما في التعليقات الغربية‏.‏ وتلك هي المفارقة الأخرى التي عنيتها‏.‏
لقد كتب أحدهم في صحيفة عربية لندنية‏(‏ يوم 21/‏1)‏ قائلا‏:‏ إنه لم يعد هناك بديل عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية وقال ما نصه‏:‏ لا يبقي إلا قرار واضح وجرئ من مجلس الأمن‏,‏ يتبعه عمل عسكري تحت راية الأمم المتحدة‏,‏ في حالة رفض طهران القرار‏(‏ يقصد وقف التخصيب‏)‏ ـ من خلال غارات جوية وصواريخ كروز علي المنشآت النووية الإيرانية‏.‏ وسيتبع ذلك طبعا ردود فعل غاضبة من الأمم الإسلامية‏,‏ لكنها ستكون اقل ضررا مما قد يترتب علي اتخاذ إسرائيل عملا عسكريا منفردا‏.‏
علق آخر في الصحيفة ذاتها ‏(‏ يوم 3/‏4)‏ علي المناورات الإيرانية الأخيرة قائلا إن تطويرها لأسلحتها يثير مخاوف الدول المجاورة لإيران من توجهات رئيس جمهوريتها الجديد‏.‏ فضلا عن انه بمثابة تبديد للمال واستعداء للعالم وللدول الأكبر عضلاتها منها‏..‏ وتساءل الكاتب‏:‏ ألم يكن أسعد وأفضل بدلا من الإعلان عن الصاروخ المفخرة أن تعلن إيران عن إنجاز آخر يحقق لها تقدما صناعيا أو تقنيا؟‏.‏
كاتب ثالث نشرت له إحدى الصحف الكويتية‏(‏ في 5/‏4)‏ تعليقا سخر من الصاروخ الإيراني الجديد وهون من شأنه‏,‏ قائلا‏:‏ إنه روسي يحمل الجنسية الفارسية‏,‏ وان موسكو التي هي حليف قوي لواشنطن لن تتردد في إعطاء الأمريكيين كل المعلومات اللازمة عنه‏,‏ الأمر الذي يعني أن الإنجاز المفترض لن تكون له قيمة‏.‏
كاتب رابع نشرت له إحدى الصحف القاهرية في 9/‏4‏ تعليقا اعتبر فيه أن حديث طهران عن تطوير أسلحتها من قبيل الأكاذيب التي تطلق في شهر أبريل‏,‏ مشيرا إلي أنها ستتحول إلي خيال مآتة إذا تطور الأمر إلي مواجهة ساخنة مع الولايات المتحدة‏.‏ ثم أعاد طرح السؤال‏:‏ أيهما أنفع للأمن القومي الإيراني‏:‏ المناورات والإنفاق علي المناورات والأسلحة والمعدات‏,‏ أم تحسين معيشة الناس وتنمية مجتمعهم سياسيا وثقافيا واقتصاديا ؟
الملاحظ أن الذين كتبوا هذه التعليقات استخدموا لغة واحدة‏,‏ وان أحدا منهم لم يشر بكلمة إلي خطورة التسلح النووي الإسرائيلي‏.‏ كما أنهم حين سفهوا وتهكموا علي الأسلحة الإيرانية الجديدة‏,‏ وضعوها في سياق المواجهة مع الولايات المتحدة‏,‏ باعتبار أنها الطرف المرشح الآن للاشتباك مع إيران‏,‏ حيث لم يقل أحد إنها يمكن أن تشكل مصدر تهديد أو تخويف من أي باب لدول الخليج‏.‏
أما وجه الاسترابة في هذه التعليقات فيمكن اختزاله في السؤال التالي‏:‏ إذا كان تطوير السلاح الإيراني لا يسبب إزعاجا إلا للولايات المتحدة وإسرائيل‏,‏ فباسم من ولمصلحة من يتحدث هؤلاء ؟ ـ أرجو أن تجيب عن السؤال علي مهل‏,‏ وأنا واثق من أنك لن تحتاج إلي الاستعانة بصديق.
.................................
*المصدر: الأهرام 18/4/2006م

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:32 AM
مغامرة عمرو موسى المستحيلة في العراق

بقلم: فهمي هويدي
......................

ليس بوسعنا الآن أن نتحدث عن نتائج المغامرة التي يقوم بها عمرو موسى في بغداد، لكننا نعرف أمورا محددة، منها أنه يحمل مبادرة عربية طرحت فكرتها الأساسية في نيويورك، أثناء وجود وزراء الخارجية العرب لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وأن عناصرها تبلورت في اجتماع لجنة المبادرة العربية في جدة، نعرف أيضا أن مشاوراته بصددها ستتواصل في طهران بعد بغداد (تسلم قبل أسبوع دعوة رسمية لزيارة إيران)، ونعرف كذلك أن القاهرة تحظى بقبول وتشجيع أميركيين.
لا مبالغة في وصف رحلة عمرو موسى لبغداد بأنها مغامرة، بعدما استبق الجميع وقال إنها «صعبة وخطرة» وليس الهاجس الأمني المقصود هنا، لأن الرجل سيكون طول الوقت تحت حراسة أميركية مشددة حتى أزعم بأنها المرة الأولى التي يقوم فيها أمين الجامعة محتميا «بمظلة» أميركية، لكن ما أعنيه هو المغامرة السياسية، لأن مهمته محاطة بكم من الألغام العميقة التي تصعب إزالتها، حتى أزعم بأن ما يقوم به نوع من المغامرات المستحيلة. وقبل أن اشرح وجه الاستحالة الذي أدّعيه، فإنني ألفت النظر إلى أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ السياسة بالمنطقة التي يتاح فيها للجامعة العربية أن تقوم بدور في بلد تحت الاحتلال الأميركي، أو لواشنطن كلمة في تقرير مصيره، ذلك أن السياسة الأميركية اختارت على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة، إقصاء الجامعة العربية من السياسة في المنطقة، إلا إذا كان لها دور تحدده واشنطن مسبقا، وما حدث في فلسطين والسودان، دليل يؤكد ذلك الادعاء، وجيلنا يذكر جيدا أن هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، أثناء مباحثاته مع الرئيس السادات، حول فض الاشتباك مع الإسرائيليين، الذي تطرق بطبيعة الحال إلى القضية الفلسطينية، طلب منه أمرين محددين، أولهما أن تتحدث مصر عن نفسها ولا تتحدث عن العرب، وهو ما نصحت به في حينه مختلف العواصم العربية المعنية. الأمر الثاني أن ينطلق في حديثه من الحاضر وليس الماضي، بمعنى أنه طلب منه أن يغض الطرف عن التاريخ في المسألة الفلسطينية، لأن ثمة خرائط ووقائع تغيرت على أرض الواقع، ولا مفر من التعامل معها كما هي (لا تنس ان المشروع الصهيوني كله خارج من عباءة التاريخ، الذي هو المسوغ الوحيد للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في فلسطين).
ولان الزيارة تعد عملا غير مسبوق، فلا بد أن يثير انتباهنا تحمس أميركا لها وترحيبها بها، إلى الحد الذي دفع سفيرها في العراق إلى القيام بزيارة أكثر من عاصمة عربية قبل أسابيع لترتيب الأمر، كما دفع القيادة الأميركية إلى التعهد بتأمين رحلة عمرو موسى طول الوقت، ومن السذاجة بمكان أن نعتبر ذلك الحماس تعبيرا عن حفاوة أميركية بالجامعة العربية أو تقديرا لها، وهي التي رأت فيها طرفا مناوئا يجسد أحد أشكال الوحدة العربية وأحد أحلام الانتماء القومي العربي، الأمر الذي يقف حائلا دون انخراط إسرائيل في خريطة المنطقة، التي تفضل لها واشنطن وصف الشرق الأوسط الذي يحتضن إسرائيل وليس العالم العربي الذي يلفظها.
لا تفسير لذلك الحماس الأميركي سوى أنه دال على عمق المأزق الذي تواجهه واشنطن في العراق، والذي أدى إلى تدهور شعبية الرئيس بوش، حتى أن مؤيدي البقاء في العراق أصبحوا لا يتجاوزون 30%، الأمر الذي أدى إلى تزايد الحملة الشعبية الداعية إلى الانسحاب من هناك، وهي الحملة التي وصل صداها إلى صفوف ممثلي الحزب الجمهوري في الكونجرس، ولاجل الخروج من الورطة، فإن أميركا أصبحت مستعدة لان تفعل أي شيء يستر موقفها أو يخفف من وطأة الظروف الضاغطة عليها في العراق، وهي التي استقوت من البداية وأعلنت على لسان وزير دفاعها رونالد رامسفيلد، انها ماضية وحدها إلى الحرب في العراق، وليست بحاجة إلى مساعدة أو عون من أحد، ثم تراجعت خطوة وأقامت «التحالف»، الذي قادته وتولى اسقاط النظام، وتراجعت خطوة أخرى حين رحبت بمشاركة دول إسلامية في الحفاظ على الاستقرار في البلاد، لكن الفكرة لم تنجح، وآخر ما لجأت إليه بعدما ازداد المأزق وتعمقت الورطة هو دعوة الجامعة العربية للمساهمة في تهدئة الوضع، بعدما تخلت الجامعة عن أحد ثوابتها، وقبلت الاعتراف بنظام أقامته سلطة الاحتلال. وحين أقول إنها تخلت عن أحد ثوابتها، فإنني استعيد موقفا للجامعة العربية في عام 61، حين تعرضت الكويت للتهديد من جانب نظام عبد الكريم قاسم في العراق، ولجأ أمير الكويت آنذاك إلى بريطانيا التي أرسلت بعضا من قواتها تنفيذا لمعاهدة الحماية المعقودة بين البلدين، حينذاك اجتمع مجلس الجامعة العربية، وأبدى استعدادا لإرسال قوة حفظ سلام عربية إلى الكويت لحماية حدودها، واشترطت الجامعة آنذاك أن تغادر القوات البريطانية البلاد قبل أن تصل إليها القوات العربية، وهو ما حدث بالفعل.
هل تستطيع الجامعة العربية الآن أن تطلب رحيل القوات الأميركية قبل ان تقوم بدور في العراق، يمكن أن يترجم إلى إرسال قوة سلام عربية تتولى تأمين البلاد؟!.
السؤال ليس واردا، ثم أنه متأخر جدا، لأن النظام الذي أقامه الاحتلال، والذي لا يزال متمسكا ببقاء القوات الأميركية، ومرحبا بقواعدها العسكرية، أصبحت له شرعيته في الخرائط العربية، وجرى استقباله والاعتراف به في الجامعة العربية.
ما الذي سيفعله عمرو موسى اذن في بغداد؟..
هاتفيا اتصلت به وألقيت عليه السؤال، فقال إنه يحمل مبادرة عربية تعالج مختلف عناوين المشهد العراقي، من الاحتلال إلى الإرهاب والإعمار وبناء الدولة وموضوع السنة والشيعة والأكراد وغير ذلك من التمايزات المذهبية والعرقية، كما أن المبادرة تولي أهمية كبيرة لمسألة الوفاق الوطني.. الخ.
أثارت انتباهي في هذا الصدد ورقة قدمت إلى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن حول الدور العربي في العراق، وفضلا عن الأهمية الخاصة للمركز في صناعة القرار الأميركي، فإن الذي أعد الورقة كان واحدا من أهم الباحثين الاستراتيجيين الأميركيين، انتوني كوردزمان، وتاريخ اعدادها هو 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2005.
في هذه الورقة أورد كوردزمان عشر مهام، تمنى أن ينجزها الوجود العربي في العراق، الذي وصفه أنه إسهام «سني» في استقرار الأوضاع هناك.
هذه المهام هي: وجود دائم للأمة العربية في بغداد، من خلال التمثيل الدبلوماسي لمختلف الدول الذي اقترح له أن يتم في منطقة «خضراء» (تحت الحماية الأميركية بطبيعة الحال)، واعتبر أن ذلك الوجود على الأرض سيوفر فرصة للحوار المستمر مع العراقيين حول مختلف الشؤون: حل مشكلة ديون العراق المستحقة للدول المجاورة، بما يساعد على توفير الموارد لإعمار البلاد ـ توفير المساعدات اللازمة لإعانة العراق على النهوض بصناعة النفط ـ إقناع أهل السنّة بإمكانية النهوض بالمحافظات التي يعيشون فيها إذا توقفت عمليات المقاومة ـ وإزالة أسباب التوتر والحساسية بين السنّة والشيعة ـ إقناع السوريين والإيرانيين بضرورة مساهمتهم في استقرار العراق وإبعاد شبح الحرب الأهلية فيه ـ تنبيه الجميع إلى أن انخراط أعداد كبيرة من الشباب في عمليات المقاومة يمكن أن يشكل تهديدا ليس للعراق فحسب، لكن لدول المنطقة كلها ـ العمل مع الحكومة العراقية لإقناع إيران بخطورة العواقب الوخيمة التي تترتب على تقسيم العراق أو دفعه إلى مربع التطرف ـ التعامل مع الملف الكردي ومع تركيا بقدر من التفهم الذي ينطلق من احترام الخصوصية، حتى لا تتفاقم المشكلة وتتحول المسألة الكردية إلى سبب إضافي للتوتر في المنطقة ـ تشجيع الدول العربية على احتزاء النموذج الأردني والخليجي في تقديم العون للعراقيين في مجالات تدريب الشرطة وتوفير الاحتياجات اللازمة لهم لإنجاح مهماتهم على هذا الصعيد، ومن شأن ذلك التشجيع ان يساعد على انخراط السنّة والأكراد في المساعدة على استقرار الأمن بالبلاد.
لقد تجاهلت ورقة كوردزمان المشكلة الأساسية المتمثلة في الاحتلال، بل بدت وكأنها تسعى في نهاية المطاف إلى توفير الأجواء المناسبة لاستمراره في هدوء، وتحويله إلى احتلال «ناعم»، الأمر الذي يعني أنه أراد في حقيقة الأمر أن يحل مشكلة البقاء الأميركي، بأكثر مما شغل باستقرار العراق، ونقطة الضعف في الورقة هي ذاتها العقبة الأساسية التي تواجه مهمة عمرو موسى، لأنه لن يستطيع أن يقترب من ملف الاحتلال بأية صورة، حتى على صعيد تحديد موعد لرحيل قواته في المستقبل، ذلك أن الذين دعوه ورحبوا به وتولوا حمايته وضمنوا له العودة سالما بإذن الله، هم الأميركيون. ومن ثم فأبعد ما يكون عن البال أن يخاطبهم في أمر رحيلهم، واحسب انهم ما كانوا ليوافقوا على زيارته أصلا، إلا إذا كانوا قد اطمأنوا إلى أنه سيغض الطرف عن ذلك الجانب ولن يتوقف عنده طويلا، وكما انه لن يحقق إنجازا يذكر في مسألة الاحتلال، فلن يكون حظه أفضل في صدد ملف الشيعة والأكراد، حيث من الواضح أن قيادات الطرفين ليست على استعداد لتقديم أي تنازل عن المكاسب التي حققوها على الأرض، وفي وضع هذا شأنه، فإن موقف أهل السنّة لن يتغير، خصوصا إذا أدركوا أن مهمة الأمين العام ستنتهي إلى محاولة الضغط عليهم وحثهم على القبول بما يجري، مقابل وعود مستقبلية تظل في مهب الريح، وغني عن البيان ان المبادرة العراقية لن تجد ما يبرر وقف عملياتها، ناهيك عن أن الذين يقومون بالعمليات الإرهابية ضد المدنيين لن يغيروا من أساليبهم أو مقاصدهم. عمليا لن يستطيع عمرو موسى أن يفعل شيئا، غاية ما هناك أن تحاول الإدارة الأميركية أن تستثمر زيارته لاقناع الرأي العام الداخلي بأن العرب يقفون معها في نفس الخندق، وأنهم ليسوا وحدهم في الورطة.
............................
*الشرق الأوسط ـ في 19/10/2005م.

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:33 AM
هل تخرج غزة من دائرة الصراع..؟

بقلم: فهمي هويدي
......................

إذا جاز لنا أن نصف المشهد الفلسطيني خلال الأسبوعين الأخيرين، فقد نقول إنه يحمل في ثناياه إشارات لتصفية المقاومة، لضمان تركيع الشعب الفلسطيني والأمة العربية بالتالي، صحيح أن تلك أهداف تسعى إليها إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة منذ برزت المقاومة في الأفق، لكن التعبئة الإعلامية والسياسية التي تمت خلال ذلك الأسبوع الأخير جاءت من الكثافة بحيث لا تخطئها عين مراقب، ومن الخبث بحيث إنها أفصحت عن حقيقة النوايا، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنها بلغت بعض مرادها.
حماس الآن في القفص، وهي التي كانت ولا تزال على رأس قائمة «المطلوبين»، لكن التفجيرات التي وقعت أثناء الاستعراض العسكري الذي أقيم في جباليا، وفرت ذريعة قوية لكل الراغبين في تصفية المقاومة: إسرائيل والولايات المتحدة وبعض عناصر السلطة الفلسطينية ذاتها، ودعاة الاستسلام والانبطاح بين المثقفين العرب.
لست في وارد التحقيق فيما وراء تلك الانفجارات التي راح ضحيتها بعض الفلسطينيين، وهل نتجت عن تدبير إسرائيلي بالتعاون مع الاستئصاليين في أجنحة السلطة، أم أنها كانت نتيجة خطأ ارتكبته حماس في الداخل؟ والأول غير مستغرب، والثاني كان ينبغي أن تتسلح حماس بالشجاعة فتعلنه وتعتذر عنه، أياً كان الأمر، فإن الأطراف التي أشرت إليها وجدتها فرصة لتوجيه ضربة إلى حماس، وإجهاض فكرة المقاومة، والنتائج المترتبة بعد ذلك معروفة، وحين يتتبع المرء الأصداء التي تلاحقت بعد الحادث فإنه يلاحظ ما يلي:
* أن حملة تنديد وهجاء مكثفة وشبه منظمة شنت ضد حماس، لم تذكر الفصائل الأخرى، على نحو يكشف عن مدى التربص بالحركة التي لا تزال تمثل شوكة موجعة في خاصرة إسرائيل، وحاولت تلك الحملة أن تهيل التراب على سجل حماس على مدى 18عاماً، بما تضمنه من صفحات مشرفة للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية بأسرها.
* أن خطاب التنديد والهجاء في بعض تجلياته استخدم أسلوباً ماكراً في التعبير، فشطب على فكرة المقاومة، وتحدث فقط عن «العنف الفلسطيني»، كي يعطي انطباعاً بأن المعادلة هي عنف في مواجهة سلام، وليست مقاومة في مواجهة احتلال.
*أن إسرائيل حين انتهزت الفرصة، وشنت حملة شرسة لتأديب الفلسطينيين في القطاع، فإنها بعثت برسالة تهديد ضمنية إلى فلسطينيي الضفة الغربية، وحين عادت إسرائيل إلى القطاع بقواتها البرية والبحرية والجوية في استعراض للقوة، لم يكن خافياً أن شارون يوجه رسالته ليس إلى الفلسطينيين وحدهم، ولكن إلى الرأي العام الإسرائيلي أيضاً، لإقناعه بأن شارون ليس أقل تطرفاً من نتنياهو.
*أن ما فعلته إسرائيل قوبل بصمت وشبه تأييد من العالم الخارجي، إذ بهذا النجاح الذي حققته حملة شارون الدعائية التي صورته رجلاً ضحى وتنازل حين التزم بالانسحاب من القطاع، واقتلع المستوطنين منه، لكن عطاءه قوبل «بجحود» فلسطيني، بتأثير هذه الخلفية تم تمرير الاجتياح الإسرائيلي، فتجاهل الجميع وحشيته، وتركزت أبصارهم على حماس وعلاقتها بالسلطة.
*أن الموقف المصري بدا محيراً ومثيراً للتساؤل، إذ المعروف أن اتفاق التهدئة تم في اجتماع شرم الشيخ الذي دعت إليه مصر، وحضره شارون ولم تشارك فيه الولايات المتحدة، لكن إزاء الهجوم الوحشي الذي شنته إسرائيل على غزة، والاعتقالات الواسعة التي قامت بها هناك، الأمر الذي اعتبر انتهاكاً صارخاً لاتفاق شرم الشيخ، فإن القاهرة التي استعان بها أبو مازن لكبح جماح الإسرائيليين لم تخاطب القيادة الإسرائيلية أو تراجعها دائماً لكنها خاطبت واشنطن كي تتولى من جانبها الاتصال بإسرائيل وتهدئتها، ليس ذلك فحسب، وإنما واصلت إسرائيل عمليات القصف والاجتياح والاعتقال دون اعتبار لوجود الوفد المصري الذي توجه إلى غزة للإسهام في تهدئة الأوضاع بها، وهو مشهد أعطى انطباعاً بأن الدور المصري يمارس ضغطه على الطرف الفلسطيني، ولا يملك أوراقاً للضغط على الإسرائيليين، وأن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من هذه المعادلة، فهي تستعين بالقاهرة إذا أرادت أن تحصل من الفلسطينيين على شيء، ثم تتجاهلها وتعطي لها ظهرها إذا ما أطلقت آلتها العسكرية لقمع الفلسطينيين وسحقهم.
إذا نحينا جانباً ما حققته الحملة العسكرية الإسرائيلية من أصداء في الداخل، وما أحرزته من نقاط لصالح شارون في مواجهة خصمه بنيامين نتنياهو، فإن أهم وأخطر انجاز في خارج هذه الدائرة هو أنها ضمنت ـ تقريباً ـ إخراج قطاع غزة ـ وليس السلطة الفلسطينية بطبيعة الحال ـ من الصراع، حتى إشعار آخر على الأقل.. كيف؟
تشير مختلف الدلائل إلى أن حركة حماس قررت أن توقف إطلاق صواريخ القسام من غزة، وهي السلاح الوحيد الذي كان بمقدور المقاومة أن تستخدمه للرد على الاعتداءات الإسرائيلية، بعدما جرى تطويق القطاع بالسور، وتم التحكم الإسرائيلي في مداخله ومخارجه، وهذا القرار يعني أنه لن يكون بمقدور حماس أو غيرها أن تواصل دورها المقاوم في الضفة الغربية، إلا من خلال عناصرها الموجودة هناك، يعني أيضاً أن قوى المقاومة الضاربة المقيمة في غزة ستظل مكتوفة الأيدي إزاء الممارسات الإسرائيلية المختلفة في الضفة، وربما كان ذلك الاعتبار هو الذي دفع حركة حماس إلى المشاركة في الانتخابات والعملية السياسية، باعتبار أن دورها المقاتل في القطاع ليس وارداً في الوقت الراهن على الأقل، وهذا التحول المفترض سوف يقتضي من حماس بذل جهد للتوافق السياسي في غزة والتركيز على توفير عناصر العافية والاستقرار للوضع في القطاع، كي تصبح السلطة الفلسطينية في موقف أقوى يسمح لها بمواصلة السعي لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الضفة (لا تنسى أن غزة تمثل 6% فقط من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967).
هل يعني ذلك أن دور المقاومة انتهى في غزة؟
ذلك ما يطمح إليه الإسرائيليون، والاستئصاليون الفلسطينيون، علماً بأن خريطة الطريق تنص في بندها الأول على تفكيك البنية التحتية لفصائل المقاومة، ولا يغيبن عن البال أن مصير القضية كلها مرهون بمصير المقاومة، وإذا كان هناك أي انجاز تحقق حتى الآن لصالح الفلسطينيين، فالمقاومة هي صاحبة الفضل الأول فيه، وليست المفاوضات كما يدعي المهزومون الذين يروجون لخطاب الاستسلام.
لا بد أن تبقى المقاومة في غزة إذن، بهياكلها وعناصرها وسلاحها، ولا بد أن يدرك الإسرائيليون ذلك جيداً، إنما الذي لا محل له الآن هو المظاهر المسلحة، التي تسبب إحراجاً للسلطة، فضلا عن أنه بعد تفكيك المستعمرات فلن تكون هناك أهداف إسرائيلية داخل القطاع يمكن أن يطولها السلاح الفلسطيني، وفيما فهمت فإن السيد محمود عباس (أبو مازن) متفاهم مع ممثلي المقاومة على أن السلطة لا شأن لها بالسلاح الموجود في البيوت، حيث يفترض أن يظل موجوداً طالما الاحتلال مستمر، للقطاع بصورة غير مباشرة، وللضفة بصورة مباشرة، وإذ يقر بذلك، فإنه يتشدد في مسألة الاستعراضات العسكرية وإشهار السلاح في الشوارع. ستظل المسؤولية كبيرة في الضفة، ذلك أن تخفف الإسرائيليين بصورة نسبية من «صداع» غزة، سوف يمكنهم من الاستفراد بها وربما أتاح لهم فرصة شل حركة المقاومة هناك، وهو مخطط نفذته إسرائيل منذ فترة، يسعى إلى بلوغ تلك النتيجة، ولا مفر من الاعتراف بأنها نجحت بصورة مؤقتة في بلوغ مرادها، وسوف يوفر الوضع المستجد بعد الانسحاب من غزة فرصة أفضل للتقدم في هذا الاتجاه.
وليس سراً أن الحملة القوية على المقاومة التي لاحظناها خلال الأسبوعين الأخيرين، لم تستهدف اغتيال حركة حماس في غزة فحسب، وإنما سعت إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول هو ضرب فكرة المقاومة ضد أي محتل من الأساس، عن طريق وصفها بالعنف أو الإرهاب، والثاني التأثير على همة المقاومين في الضفة الغربية، وإذا لاحظت أن تلك هي الرسالة التي أراد شارون أن يوصلها إليهم من خلال اجتياحه وقمعه لغزة، فستدرك أن تلك الشريحة من المهزومين والمثبطين العرب يقفون في حقيقة الأمر داخل المربع الإسرائيلي، وأن مسعاهم ـ بصرف النظر عن نواياهم ـ يصب في المصلحة الإسرائيلية ويخدم مخططاتها.
....................................
*الأهرام ـ في 5/10/2005م.

د. حسين علي محمد
02/04/2007, 06:34 AM
مساندة الانتفاضة الثالثة مسؤولية الجميع

بقلم: فهمي هويدي
......................

ما أسفرت عنه الانتخابات الفلسطينية يمثل في أغلب الظن إفقاراً للقضية، ذلك أن القطاعات الحديثة، التي تضم متعلمي الطبقة الوسطى والنساء المتحررات وأبناء الأقليات الدينية، سيتعاظم استلابها حيال موضوع أمسى في عهدة «حماس»، فهي تمعن في تغييب الموضوع الفلسطيني، عبر دمجه في الموضوع الديني الغيبي، فضلا عن عدم امتلاكها أي تصور للسياسة والعلاقات الدولية، ناهيك عن عدم خبرتها فيها، أما الذين يتذرعون بالقهر الفلسطيني، الذي هو صارخ بالتأكيد، لتجميل «حماس»، فإن أصحابه ينسون كم كان الألمان مقهورين بمعاهدة فرساي وبانهيار اقتصادهم يوم اقترعوا لهتلر، آنذاك قام الألمان بعملية انتحار جماعي، وهذا ما قام به الفلسطينيون.
الكلام ليس من عندي بطبيعة الحال، وما تضمن رؤية سوداوية، مسكونة بالازدراء والغِل، لم تصدر عن أحد من غلاة الليكوديين في إسرائيل، ولا عن رمز من رموز المحافظين الجدد في أميركا الذين يملؤهم الحقد على العرب والإسلام والمسلمين، لكنه نص جمعت فيه بعض الجمل التي وردت في تعليق لأحد الكتّاب العرب ـ صدّق أو لا تصدق ـ نشرتها صحيفة عربية، لم ير في فوز «حماس»، إلا أنه بداية ترويع المجتمع الفلسطيني، وإفقار وتغييب القضية عبر دمجها في الشأن الديني الغيبي، وانتحار جماعي للفلسطينيين أشبه بتجربة النازيين في ألمانيا، إلى غير ذلك من النتائج الكارثية، التي لم ير فيها أي إيجابية أو بارقة أمل في الحاضر أو المستقبل.
بذات النظرة السوداوية رأى آخرون من دعاة ثقافة الاستسلام المشهد، وتعددت تعبيراتهم عن هجاء ما جرى التنديد به، ومنهم من لطم الخدود وشق الجيوب في ثنايا الولولة على أوسلو وخريطة الطريق، ومنهم من لم ينشغل إلا بالإلحاح على الاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح المقاومة، وكأن المشكلة هي فقط في كيفية توفير ضمانات الأمن وراحة البال لإسرائيل، من دون أدنى إشارة إلى أية حقوق أو ضمانات للشعب الفلسطيني، وكأن الفلسطينيين هم المحتلون والغاصبون والمفترون، بينما الإسرائيليون هم الضحايا المغلوبون على أمرهم.
وكان مثيرا للدهشة أن نفرا من هؤلاء تنافسوا في تقديم النصائح التي تستهدف حصار «حماس» وتوريطها، ومن ثم إفشال مهمتها، بالدعوة إلى مقاطعة حكومتها تارة، وبتسويغ وقف المعونات المالية الدولية تارة أخرى، وبحشد كل الأسئلة المطروحة على العمل الوطني الفلسطيني منذ عام 48 وحتى الآن، ووضعها جميعا أمام «حماس» لكي تحلها تارة ثالثة، وبمطالبتها بتنفيذ شعار تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر الذي نادت به في الثمانينات تارة رابعة.. وهكذا حتى يبدو لمتابع تلك الحملات ان المعركة الحقيقية ليست بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، لكنها بين دعاة الانبطاح والاستسلام وبين «حماس»!.
وإذا أعمتهم المرارات والحسابات الذاتية عن رؤية الحقائق الناصعة التي كشفت عنها الانتخابات، التي كان بطلها الحقيقي هو الشعب الفلسطيني ذاته، فإنهم لم يروا أن عملية التصويت كانت بمثابة انتفاضة ثالثة، اثبت فيها ذلك الشعب الباسل أنه، رغم القبضة التي تمسك بخناقه والضربات التي قصمت ظهره، لا يزال منحازا إلى المقاومة والصمود، كما انه بموقفه عبر عن غضبه إزاء العجز السياسي أمام إسرائيل، ورفضه للفساد الذي استشرى والتفلت الأمني الذي عجزت السلطة عن احتوائه، فضلا عن ذلك فإنه لم يأبه بالتهديدات وحملات التخويف التي صدرت من العواصم الغربية، ملوحة بقطع المعونات إذا فازت «حماس» في الانتخابات.
لقد أداروا ظهورهم لذلك كله، وصبوا جام غضبهم على «حماس» التي فازت، والجماهير التي صوتت لها، الأمر الذي أنساهم أن تركيع الفلسطينيين لا يزال هدفا استراتيجيا، لا خلاف عليه في إسرائيل بالأخص بين الأحزاب الرئيسية الثلاثة، وانه لأجل ذلك حاصروا أبو عمار وقتلوه، وابتزوا أبو مازن طيلة الوقت، ثم لم يعطوه شيئا، رغم أنه أعطاهم الكثير وتمنع عن الركوع، حلما في تغير الظروف الراهنة المحلية والإقليمية، التي تهتز فيها الأرض بشدة تحت أقدام الأميركيين من جراء فشلهم في العراق. فغاية ما هناك أن تتعامل إسرائيل مع «حماس» كما تعاملت مع حكومة «فتح».
لا أريد أن أهوّن من الأمر، لأنني مدرك ان التحدي الذي تواجهه «حماس» كبير وجسيم، لكني في الوقت ذاته استغرب كثيرا أن يكون موقف البعض من تلك التحديات هو الضغط لإفشال «حماس»، وليس السعي لمساندتها وإعانتها، لأجل الوطن والقضية وليس لأجل «حماس»، باعتبار أن ذلك الموقف الأخير هو الذي يمليه كل عقل رشيد وضمير وطني مستقيم.
في هذا الصدد فإنني استحي أن أقول إن بعض المنتفعين بالسلطة، الذين استسلموا للهوى والطموح وتقلبوا في المغانم، وجدناهم يقفون بدورهم في الصف الأول من دعاة حصار «حماس» وإفشالها، فمنهم من سارع إلى إعلان مقاطعة حكومتها، ومنهم من اعتبر الالتحاق بالحكومة «عارا» يلاحق أي «فتحاوي»، ومنهم من استبق وطالب بإلحاق الأجهزة الأمنية برئاسة السلطة مرة ثانية بعدما ضمت إلى الداخلية، لكي يستخدم تلك الأجهزة في تكريس الانقلاب وتخريب التجربة، ومنهم من هدد «بتصفية» (!)، كل من يحاول كسر احتكار فتح لأجهزة الدولة، هكذا بمنطق قطّاع الطرق وزعماء العصابات.
إننا إذا طرحنا السؤال حول كيفية إعانة «حماس» وإنجاح مهمتها ـ انجاح الانتفاضة الثالثة أن شيءت الدقة ـ فإن الرد يستدعي مجموعة من العناصر، بعضها يخص «حماس» ذاتها، والبعض الآخر يخص القوى الوطنية الفلسطينية، والبعض الآخر يتعلق بالموقف العربي.
« في ما يخص «حماس»، فإنها تواجه موقفا عصيباً للغاية، ليس فيما يتعلق بإسرائيل وحدها، وإنما في الداخل الفلسطيني أيضا، سواء في ما يخص انتقال السلطة التي احتكرتها «فتح»، أو في مواجهة الفساد المتفشي الذي كانت بعض رموز فتح ضالعة فيه، وفي كل الأحوال فإن وحدة الصف الوطني تظل هدفا ينبغي الحفاظ عليه، بل الانطلاق منه، وبالتالي فإن «حماس» يتعين عليها أن تمد أيديها للجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم، وأن تعلي في ذلك من شأن الالتزام بالقضية والوطن، وتعتبره مقدما على الالتزام بالحركة، إذ تظل «حماس» فصيلا معتبرا في الحركة الوطنية وليست ممثلا وحيدا لها. وعلى «حماس» أيضا أن تدرك أن التوافق الوطني نهج ينبغي أن تعض عليه بالنواجذ، وهو لا يتحقق بأن يفرض طرف برنامجه على الآخرين، وإنما باستعداد كل الأطراف للقاء في منتصف الطريق، وإذا حسب أن قضية التحرير والملف السياسي بالتالي على رأس أولويات العمل الوطني، فإن ذلك يعني بالضرورة أن يتراجع أي شأن آخر لإتاحة الفرصة للتركيز على استحقاقات ذلك الملف. والتوافق المنشود يفترض ألا يمثل فقط التقاء على النهج والأساليب أو المشاركة في السلطة، لكن الذي لا يقل أهمية عن ذلك كله أن يعبر عن الاتفاق حول ترتيب الأولويات، وتحديد القضايا الأساسية التي ينبغي التركيز عليها في المرحلة الراهنة.
وعن التفكير في مسألة البرنامج فإن «حماس» لها أن تفرق بين استحقاقات الضرورات وقضاء الخيارات، فثمة ضرورات يمكن أن تنهض بها أطراف أخرى غير الحكومة (منظمة التحرير مثلا)، وإذا استحكمت الضرورات ولم يكن هناك مفر من التعامل معها، فقد تجيز المحظورات، حسب القاعدة الشرعية المعمول بها، ولـ «حماس» أن تهتدي في تعاملها مع مختلف الملفات بالقواعد المتعارف عليها عند الأصوليين في التغيير، التي تراعي سنة التدرج فيما يراد تغييره، وتدقق في الموازنة بين المصالح والمفاسد، أو بين المفاسد والمفاسد، حيث تحتمل بعض المنكرات مؤقتا، إذا كان تغييرها سيؤدي إلى ما هو أنكر وأسوأ عملا بقاعدة اختيار أخف الضررين وأهون الشرين.
« بالنسبة للقوى الوطنية الفلسطينية فهي مطالبة بأن ترتفع فوق خلافها مع «حماس» إن وجد، بحيث تظل عند التزامها بتحرير الأرض من الاحتلال، عن أي طريق جاء، إذ ليس هذا وقت الشماتة في أحد أو تصفية الحساب مع أحد، والانسحاب أو المقاطعة الآن ليست موقفا من «حماس» وإنما هو في حقيقة الأمر تخل عن المسؤولية الوطنية في ظرف تاريخي دقيق وإخلاء لجبهة لا يزال القتال فيها مشتعلا، ورحى الحرب مستمرة، من ثم فالمشاركة مع «حماس» في الحكومة يمثل استمرارا للمقاومة من موقع آخر، وإسداء النصح لها ضرورة تفرضها المسؤولية الوطنية، كما أن وجود معارضة قوية ونزيهة لها في المجلس التشريعي يسهم بطبيعته في ترشيد المواقف والحفاظ على عافية وحيوية المجتمع الفلسطيني.
« أما الموقف العربي فيحزنني أن أقول إنه يمثل إحدى الحلقات الضعيفة في المشهد في شقه المتعلق بالأنظمة بوجة أخص، ولا مفر من الاعتراف في هذا الصدد بأن ضعف الموقف في هذه الزاوية، كان أحد العوامل التي أثرت سلبا باستمرار على مسار القضية الفلسطينية، ولو كان هناك موقف عربي متماسك وقوي لاختلف الأمر تماما، ولتغيرت خرائط المنطقة، وربما امتحن هذا الموقف خلال الأيام المقبلة، إذا ما قررت أوروبا وأميركا وقف المساعدات المالية لحكومة السلطة الفلسطينية الأمر الذي يثير سؤالا حول موقف العالم العربي في هذه الحالة، وهل سينضم إلى المقاطعة، أم يحاول مد يد العون للفلسطينيين بصورة أو أخرى.
على أي حال فالمراهنة الآن هي بالدرجة الأولى على تضأمن الشعوب العربية، والنخب الوطنية، والشريفة، وهي وفيرة والحمد لله، وما النماذج التي سبقت الإشارة إليها إلا شذوذا واستثناء، وبثورا على الجسم لا أكثر.
أن إنجاح الانتفاضة الفلسطينية مسؤولية الجميع، وخذلانها جريمة تاريخية لا تغتفر.
......................................
*الشرق الأوسط ـ في 1/2/2006م

رزاق الجزائري
04/04/2007, 07:04 PM
الشكر الجزيل لناقل الموضوع الدكتور حسن
الحقيقة ان فهمي هويدي هو من اكبر المفكرين و هو صاحب منهج في التحليل السياسي .لا ينكر العقل ولا يفرط في العاطفة ما يجعله يجمع بين الاثنين في طريقة قلما يفعلها مفكر ما يجعله بامتياز و هذا رأي الشخصي من اكبر المفكرين المعاصرين.فالعقل هو قلب الحقيقة و العاطفة نبضها .

طارق شفيق حقي
04/04/2007, 09:35 PM
الشكر الجزيل لناقل الموضوع الدكتور حسن
الحقيقة ان فهمي هويدي هو من اكبر المفكرين و هو صاحب منهج في التحليل السياسي .لا ينكر العقل ولا يفرط في العاطفة ما يجعله يجمع بين الاثنين في طريقة قلما يفعلها مفكر ما يجعله بامتياز و هذا رأي الشخصي من اكبر المفكرين المعاصرين.فالعقل هو قلب الحقيقة و العاطفة نبضها .


سلام الله عليك

والله الرجل هويدي يستحق كل احترام

د. حسين علي محمد
23/04/2007, 10:48 PM
الشكر الجزيل لناقل الموضوع الدكتور حسن
الحقيقة ان فهمي هويدي هو من اكبر المفكرين و هو صاحب منهج في التحليل السياسي .لا ينكر العقل ولا يفرط في العاطفة ما يجعله يجمع بين الاثنين في طريقة قلما يفعلها مفكر ما يجعله بامتياز و هذا رأي الشخصي من اكبر المفكرين المعاصرين.فالعقل هو قلب الحقيقة و العاطفة نبضها .
شكراً للأديب الأستاذ رزاق الجزائري على التعليق،
مع موداتي.

د. حسين علي محمد
23/04/2007, 10:50 PM
سلام الله عليك
والله الرجل هويدي يستحق كل احترام
شكراً للأديب الأستاذ طارق شفيق حقي
على التعليق.

د. حسين علي محمد
23/04/2007, 11:10 PM
للــوطن وليس للطــــــائفة
بقلم‏:‏ فهمـي هـويـــدي
............................
لست مقتنعا بفكرة حجب الرقم الذي يمثله الأقباط في تعداد سكان مصر‏,‏ واستغربت كثيرا الحجة التي أوردها رئيس جهاز التعبئة والاحصاء في تبرير هذا الموقف‏.‏
‏(1)
‏ في الحوار الذي أجرته صحيفة‏'‏ الدستور‏'‏ مع اللواء ابو بكر الجندي رئيس الجهاز تحدث الرجل في مواضيع شتي كان من اهمها عدم الاشارة إلي عدد الاقباط المصريين في نتائج التعداد‏.‏ وحين سئل عن السبب في ذلك قال ما معناه إن الاجواء الراهنة مشبعة بالحساسية والتوجس لذلك فإن خانة الديانة كانت اختيارية في استمارات التعداد‏.‏ وبسبب تلك الاجواء فإن الجهاز حريص علي عدم إغضاب الاقباط اذا لم يعجبهم الرقم واعتبروه اقل مما يتصورون‏,‏ كما أنه حريص علي عدم اغضاب المسلمين اذا وجدوا أن الرقم اعلا مما يتوقعون‏.‏ لذلك وتجنبا لوجع الدماغ فقد صار حجب الرقم هو الخيار الافضل‏.‏
اذا صح هذا الكلام فأزعم أن التفسير الذي قدمه رئيس الجهاز يحتاج إلي تصويب يتحري وضوحا وصراحة اكثر‏.‏ ذلك أنه لم يحدث ولم نسمع أن المسلمين أعربوا عن استيائهم أو قلقهم من كون الاقباط خمسة ملايين أو عشرة‏.‏ لكن ما يعرفه الجميع أن بعض متعصبي القبط في داخل مصر وخارجها دأبوا علي اثارة اللغط والاحتجاج بسبب نتائج تعداد السكان‏,‏ مدعين في ذلك أن السلطات المصرية تتعمد تقليل اعدادهم ومصرين علي أن الرقم الحقيقي يتجاوز الارقام الرسمية المعلنة‏.‏ لذلك فالحقيقة أن حجب عدد الاقباط في التعداد الاخير والذي سبقه اريد به مجاملتهم وتهدئة خواطرهم وتفويت الفرصة علي المجموعات المتعصبة حتي لا تعود الي اثارة الضجة حول الموضوع مرة اخري‏.‏
في هذا الصدد فإنني أسجل ثلاث ملاحظات الأولي أنه من حيث المبدأ فإن مجاملة الاقباط ليست أمرا مستهجنا ولكنها تظل أمرا مرغوبا اذا كان مما تقتضيه المودة ويتطلبه توثيق العري وتمتين الوشائج‏.‏ من ثم فالسؤال او التحفظ لا ينصب علي مبدأ المجاملة وإنما علي مجالها وموضوعها‏.‏ ولا أكاد اجد محلا للمجاملة أو مبررا لها فيما يخص عددهم ونسبتهم بين سكان مصر‏.‏ فذلك أمر موصول بخريطة الوطن بأكثر من اتصاله بشأن الطائفة‏.‏
الملاحظة الثانية لا تخلو من مفارقة لأننا بعدما تابعنا السجال الذي انتهي بالنص علي المواطنة في تعديل المادة الأولي في الدستـور في تكرار لمضمون المادة‏40‏ منه التي قررت المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات بعد أن قطعنا ذلك الشوط‏,‏ وجدنا أن جهاز التعبئة بحجبه لأعداد الاقباط عالج بعض نتائج التعداد علي اساس طائفي ولم يتعامل مع المعنيين بها بحسبانهم مواطنين مصريين عاديين‏.‏
الملاحظة الثالثة لا تخلو بدورها من مفارقة لأن رئيس جهاز الاحصاء ذكر أن خانة الدين كانت اختيارية في استمارات التعداد‏,‏ في حين أن الاستمارات ذاتها تضمنت خانة لتحديد عدد الاجهزة الكهربائية لدي كل اسرة‏(‏ الثلاجة والغسالة وغيرهما‏),‏ وهو ما يعني أنه صار بوسعنا أن نعرف من التعداد عدد الثلاجات أو الغسالات لدي المصريين في حين لا نتمكن من معرفة اعداد الاقباط المصريين‏!.‏
‏(2)‏
اذا اردنا أن نقطع شوطا أبعد في المصارحة وتأملنا مليا في مسألة حجب عدد الاقباط أو نسبتهم فسنجد أن هذا الموقف معيب من نواح عدة فهو يعني‏_‏ من ناحية‏_‏ أن اذاعة نتائج التعداد تخضع للحسابات والموازنات السياسية‏,‏ الامر الذي ينال من صدقية التعداد ويفقد الثقة فيه‏.‏ لأن الذي يحجب معلومة بأهمية عدد الاقباط في البلد لن يتردد في حجب أية معلومات أخري لأية اسباب سياسية أو اجتماعية تملي عليه أو يقتنع بوجاهتها‏.‏
من ناحية ثانية فذلك يعني أن الجهات المسئولة لا تملك شجاعة اعلان الحقيقة في الموضوع‏,‏ وتتحسب لردود الافعال في الداخل والخارج بأكثر من التزامها بمقتضيات الحقيقة‏,‏ الأمر الذي يشجع الآخرين علي الضغط عليها ومحاولة ابتزازها‏.‏
من ناحية ثالثة فإن هذا الموقف يمثل اهدارا لحق الرأي العام في المعرفة التي هي في هذه الحالة تتعلق بحقائق وتضاريس المجتمع الذي يعيشون في كنفه‏.‏ وهو مسلك يعيد الي الأذهان موقف الوصاية الأبوي من جانب السلطة التي تعتبر أن احاطتها بالأمر فيها الكفاية‏.‏ وأنه ما دامت الحكومة تعرف فإن‏'‏ الراعي‏'‏ سيقوم باللازم‏,‏ وعلي الرعية إلا تشغل بالها بالموضوع وأن تنصرف إلي امورها الحياتية‏.‏
من ناحية رابعة فإن كتمان الرقم يفتح الباب علي مصراعيه للمبالغة من جانب او للتهوين والتبخيس من جانب آخر‏.‏ الأمر الذي يسهم في البلبلة واللغط باعتبار أن غيبة اعلان الحقيقة توفر مناخا مواتيا للترويج للمبالغات وكل صنوف الشائعات‏.‏
من ناحية خامسة فإن هذا الموقف يعطي للمواطن المصري انطباعا مؤداه أنه محكوم عليه أن يتعامل مع ملفات الوطن الذي يعيش فيه بحسبانها اسرارا لا يجوز له أن يطلع عليها‏,‏ مما يوسع من نطاق الالغاز التي تحيطه‏.‏ فلا تغدو مقصورة علي المجال السياسي وإنما تتجاوز ذلك الي ما هو اجتماعي وثقافي‏.‏
‏(3)
‏حين اعلنت نتائج الاحصاء السكاني لعام‏1976‏ التي تبين منها أن عدد الاقباط في مصر لا يجاوز‏2‏ مليون و‏300‏ الف نسمة‏(‏ بنسبة‏6.24%)‏ احتج بعض المتعصبين في داخل مصر وخارجها‏(‏ في الولايات المتحدة خاصة‏)‏ وأثير الموضوع في مجلس الشعب‏.‏ وأسفر الأمر عن تشكيل لجنة لتقصي حقائق الموضوع برئاسة وكيل المجلس السيد محمد رشوان ضمت اثنين من المسلمين واثنين من الاقباط وتلقت اللجنة مذكرة بهذا الخصوص من اللواء جمال عسكر رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وقتذاك‏.‏ وقد استعرض مضمون تلك المذكرة المستشار طارق البشري في كتابه المهم الذي صدر عن دار الهلال سنة‏2005‏ تحت عنوان‏'‏ الجماعة الوطنية‏-‏ العزلة والاندماج‏'.‏
حتي يزيل الشكوك المثارة فإن اللواء عسكر قدم للجنة تقصي الحقائق بيانا بالموظفين والمسئولين الاقباط الذين اشتركوا في كل مراحل التعداد من التحضير إلي التنفيذ والمراجعة ثم وضع امام اعضائها الحقائق التالية‏:‏
أن جميع التعدادات التي اجريت منذ الاحصاء الأول في سنة‏1897‏ وحتي سنة‏1947(‏ معروف أن التعداد يتم كل عشر سنوات‏)‏ أشرف عليها خبراء انجليز وفرنسيون‏.‏ فمدير الإحصاء في عام‏1907‏ كان فرنسيا‏,‏ ومدير الاحصاء في‏1917‏ كان انجليزيا‏.(‏ اسمه مستر كريج‏)_‏ وهو الذي اشرف علي تعدادي‏1927‏ و‏1937.‏ ورئيس الاحصاء آنذاك كان حنين بك حنين وهو قبطي مصري‏,‏ واهمية هذه الخلفية تكمن في انها تستبعد تماما شبهة التلاعب في النتائج التي حددت نسب المسلمين والمسيحيين في مصر‏.‏ وهي النسب التي ظلت مستقرة وشبه ثابتة طوال الأعوام الثمانين السابقة‏(‏ لا تنس أن لجنة تقصي الحقائق التي بحثت الموضوع تشكلت في سنة‏1980).‏
إن نسبة الاقباط في التعداد الأول كانت‏6.3%‏ والثاني‏(‏ في‏1907)‏ كانت‏6.4%‏ غير أن هذه النسبة ارتفعت ابتداء من تعداد‏1917‏ حيث وصلت الي‏8.1%‏ وظل الوضع مستقرا في تعداد‏1937‏ الذي قدرت فيه نسبتهم بـ‏8.2%‏ لكنها تراجعت قليلا في تعداد عام‏47‏ فوصلت إلي‏7.9%.‏ هذه الزيادة التي طرأت علي نسبة المسيحيين ابتداء من عام‏1917‏ لم يكن سببها ارتفاعا مفاجئا في اعداد الاقباط المصريين وانما كانت نتيجة لإدخال افراد جيش الاحتلال البريطاني وعائلاتهم في التعداد إلي جانب آخرين من الاجانب الأرمن واليونانيين الذين تمصروا بعد إلغاء الحماية علي مصر و إلغاء المحاكم المختلطة في عام‏,1922‏ وفضلا عن هؤلاء وهؤلاء فإن ظروف الحرب العالمية الاولي‏(1914‏ ـ‏1919)‏ دفعت اعداد من الاجانب الي الهجرة إلي مصر الامر الذي كان له دوره في زيادة نسبة المسيحيين‏.‏
بسبب العدوان الثلاثي علي مصر عام‏56‏ تعذر اجراء التعداد في موعده المقرر لكنه أجري في سنة‏60‏ وتبين منه أن نسبة المسيحيين بدأت في التراجع التدريجي حتي وصلت إلي‏7.3%.‏ وكان ذلك أمرا طبيعيا بعد رحيل القوات البريطانية ونزوح اعداد من الاجانب والمتمصرين بعد ثورة‏52‏ وعقب العدوان الثلاثي في عام‏56.‏
في التعداد التجريبي الذي أجري عام‏66‏ هبطت نسبة المسيحيين إلي‏6.7%‏ وهي النسبة التي تأثرت باستمرار نزوح الاجانب خصوصا بعد التأميمات التي تمت في سنة‏1961.‏ واحدثت الهجرة المسيحية شبه المنظمة بعد حرب‏67‏ للاستيطان في الولايات المتحدة وكندا الي تراجع آخر في اعداد المسيحيين حتي وصلت نسبتهم في تعداد عام‏76‏ إلي‏6.24%‏ وهي النسبة التي استقرت منذ ذلك الحين واثارت احتجاج بعض المتعصبين كما سبق وبينا‏.‏
في تعداد عام‏86‏ وصلت نسبة المسيحيين إلي‏5.87%‏ وقدر عددهم في احصاء ذلك العام بمليونين و‏830‏ الف نسمة‏.‏ وفي احصاء‏96‏ الذي حجبت فيه اعداد الاقباط لأول مرة ظلت النسبة تدور حول‏6%‏ طبقا للتسريبات التي خرجت وقتذاك‏.‏ أما احصاء‏2006‏ الذي نحن بصدده فلم تعرف نتائجه فيما يخص الاقباط وإن كان الخبراء يرون أن نسبتهم لم تتغير كثيرا وأنها ستظل تدور حول نسبة‏6%‏ صعودا أو هبوطا حيث يقدر الخبراء أن الاقباط يزيدون بمعدل‏50‏ الف نسمة سنويا‏.‏
‏(4)
‏بقيت عندي كلمتان‏:‏ الأولي أن حق الكرامة للمواطنين يرتبط بصفتهم تلك ولا علاقة له باعدادهم أو اوزانهم فضلا عن معتقداتهم هو حق انساني في الاساس‏_(‏ هل يحتمل منا البعض أن نقول إنه حق شرعي ايضا تقرره الآية ولقد كرمنا بني آدم‏..)‏ فما هو مكفول للمائه أو للمليون شخص لن يتضاعف اذا كان العدد خمسة ملايين أو عشرة وانما لهؤلاء ما أولئك من الحقوق والضمانات‏.‏
الكلمة الثانية أن مظلة الوطن حين تضيق عن استيعاب مختلف اطياف الجماعة الوطنية‏,‏ فإن ذلك يفتح الباب واسعا للإفلات منها والاحتماء بمظلة الطائفة أو القبيلة أو الجماعة أو غير ذلك من التكوينات الفئوية‏.‏ والوعي بهذه الحقيقة ينبهنا إلي اهمية تصويب المسار بحيث تتضافر جهود المخلصين من أجل السعي لتوسيع مظلة الوطن لتحقق دورها في الاستيعاب وتكريس تماسك الجماعة الوطنية‏.‏ وذلك لا يتأتي إلا من خلال الإلحاح علي اطلاق الحريات العامـة والتشبث باقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية توفر للجميع بلا استثناء حقوق المشاركة والمساءلة وتداول السلطة‏.‏
حيث ازعم أن ذلك وحده يمثل طوق النجاة الذي ينبغي أن نتعلق به ليس فقط لضمان استمرار تماسك الجماعة الوطنية وقطع الطريق علي محاولات العبث بمفاصلها‏,‏ ولكن ايضا لضمان حقوق المواطنة لكل مكونات تلك الجماعة حتي لا تضطر أي منها إلي محاولة الالتفاف أو الاستقواء بأحد لتحصيل تلك الحقوق‏.‏
.................................................. ...
*الأهرام ـ في 24/4/2007

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 05:36 PM
هكذا تكلم رئيس الوزراء الفلسطيني‏(1)‏

بقلم: فهمـي هـويـــدي
.........................

علي الهاتف قال لي رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية ان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اصبح اكثر صعوبة بعد فشل العدوان الاسرائيلي علي لبنان‏,‏ حيث جاء الرد أمريكيا في فلسطين‏,‏ وتمثل في اشهار الفيتو ضد الحكومة المنشودة‏,‏ متضمنا إصرارا علي إفشال محاولات تشكيلها‏,‏ وإذا استغربت ما سمعت‏,‏ فقد أجلت ما أعددته من أسئلة‏,‏ ورجوته أن يشرح ملابسات هذا التطور‏,‏ وعند ذاك روي القصة علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏
حتى نصف ساعة قبل سفرة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلي عمان في طريقه إلي الولايات المتحدة‏ (يوم 18/‏9)‏ كان التفاؤل كبيرا بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية‏,‏ التي تشترك فيها جميع الفصائل الفلسطينية‏,‏ كان الحوار قد قطع شوطا بعيدا‏,‏ تم خلاله تجاوز عقبات وخلافات كثيرة‏,‏ خصوصا بين حركتي حماس وفتح‏,‏ وهذا الشوط البعيد تم إنجازه بعد الاتفاق علي إطار ومضمون البرنامج السياسي للحكومة‏,‏ وهو البرنامج الذي استند في مرجعيته إلي وثيقة الأسري التي أعلنت في شهر مايو الماضي‏,‏ وتمسك بها الرئيس أبو مازن وقتذاك‏,‏ إلي الحد الذي دفعه إلي مطالبة حماس بالموافقة عليها خلال أجل معين‏,‏ وهدد باللجوء إلي الاستفتاء الشعبي عليها إذا ما رفضتها الحركة‏.‏ تجاوبت حماس مع مطلب أبو مازن‏,‏ وأجرت حوارا داخليا بين قياداتها وحوارا موازيا مع الفصائل الأخرى‏,‏ للتفاهم وخلال ثلاثة أسابيع تم التوافق بين الجميع علي برنامج تم استخلاصه من وثيقة الأسري‏,‏ أطلق عليه منذ ذلك الحين اسم وثيقة الوفاق الوطني‏.‏
أضاف الأستاذ أبو العبد ‏(هذه كنيته التي ينادي بها في مخيم الشاطئ الذي لا يزال يعيش فيه‏,‏ وهي مشتقة من اسم ابنه البكر عبد السلام‏),‏ إن الذي لا يلحظه كثيرون‏,‏ ويتجاهله البعض أن حماس مارست مرونة شديدة خلال تلك الحوارات‏,‏ الأمر الذي حقق لها أمرين‏,‏ أولهما أنها طورت رؤيتها السياسية لبعض المواقف‏,‏ وثانيهما أن تلك المرونة ساعدتها علي التلاقي مع الآخرين‏,‏ ومن ثم التوصل إلي وثيقة الوفاق‏.‏
استأذنت في مقاطعته وقلت‏:‏ الأمر الثاني فهمناه لكن الأول يطرح السؤال كيف طورت حماس رؤيتها؟
قال‏:‏ من خلال الممارسة وجدنا أننا لانستطيع ان نقترب من الفصائل الأخري في الساحة الفلسطينية من خلال صياغات ومصطلحات تحقق التلاقي المنشود بما لايتعارض مع استراتيجية الحركة ومبادئها‏,‏ آية ذلك مثلا أننا نتحدث الآن عن احترام الشرعية الدولية والاتفاقات التي عقدتها المنظمة والسلطة‏,‏ وعن إقامة الدولة علي الأراضي المحتلة منذ عام ‏67,‏ ولا نشترط سوي ألا يؤدي ذلك إلي الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني‏,‏ والذين يتابعون حماس يدركون أكثر من غيرهم أن هذه اللغة تمثل تطورا مهما في خطاب الحركة‏.‏
قلت‏:‏ كيف تعاملتم مع المبادرة العربية التي أطلقتها قمة بيروت؟
قال‏:‏ يجب أن تلاحظ أولا ان المبادرة تقوم إلي الاعتراف باسرائيل‏,‏ وثانيا ان اسرائيل رفضتها والولايات المتحدة استخفت بها‏,‏ أما الاتحاد الأوروبي فلم يعد مكترثا بها‏,‏ مع ذلك فلأن موقفنا الأساسي ملتزم برفض الاعتراف بإسرائيل التي مازالت تحتل أرضنا‏,‏ ولا نعرف لها حدودا‏,‏ ولأننا لا نريد أن نصطدم مع أي جهد عربي آخر‏,‏ فإننا فضلنا استخدام مصطلح الشرعية العربية الذي تحدثت عنه وثيقة الأسري‏.‏ إذا قبلنا به معلقا علي الشرط الأساسي المتمثل في عدم التعارض مع المصالح الفلسطينية‏,‏ وهذا المصطلح يتسع لموقفينا‏,‏ بحيث تأخذ منه رئاسة السلطة والأشقاء العرب ما يريدون‏,‏ في حين يسمح لنا بأن نتعاطى معه دون أن نتنازل عن موقفنا الأساسي‏.‏
‏(2)‏
بعد فاصل المقاطعة‏,‏ واصل السيد إسماعيل هنية روايته لما جري قبل وبعد سفر أبو مازن إلي نيويورك قائلا إن التوصل إلي وثيقة الوفاق التي جمعت الفرقاء علي برنامج سياسي واحد‏,‏ فتح الباب واسعا للانتقال إلي طور تشكيل حكومة الوحدة الوطنية‏,‏ داخل لجنة المتابعة الوطنية‏,‏ نوقشت ضوابط ومحددات الحكومة الجديدة‏,‏ وبعد التوصل إلي اتفاق حول الضوابط والمحددات‏,‏ قامت قيادة حماس في غزة بعرضها علي بقية القيادات في الضفة والسجون‏,‏ وفي الخارج‏,‏ فأقرته وسجلت عليه ثلاث ملاحظات‏,‏ حملها أبو العبد إلي الرئيس أبو مازن قبل سفره بنصف ساعة‏.‏ وقد قبل أبو مازن اثنتين منها‏,‏ لكنه توقف عند التحفظ علي ذكر المبادرة العربية‏,‏ التي لم تتحدث عنها وثيقة الوفاق الوطني‏,‏ وقال إن ذلك البند من الصعب تعديله‏,‏ ولضيق الوقت فإنه اتفق علي أن يظل باب مناقشته مفتوحا‏,‏ إلي أن يعود الرئيس الفلسطيني من نيويورك‏,‏ وبناء علي ذلك فقد تم تأجيل إجراءات تشكيل الحكومة حتى يتم الاتفاق حول هذه النقطة‏.‏
بعد سفر أبو مازن حدثت مفاجأتان‏,‏ الأولي أن بعض قيادات فتح سارعوا إلي إبلاغ وسائل الإعلام بأن مشاورات تشكيل الحكومة جمدت‏,‏ وادعوا أن حماس تراجعت عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه‏,‏ وكانت تلك التصريحات مفتقدة إلي البراءة وحسن النية‏,‏ لأن من تراجع حقا هو من أراد أن يضع مصلح المبادرة بديلا عن الشرعية العربية بالمخالفة لما اتفق عليه في وثيقة الوفاق‏.‏
المفاجأة الثانية كانت بمثابة صدمة فاجأت الجميع‏,‏ بمن فيهم بعض عناصر فتح ذاتها‏,‏ ذلك أن الرئيس أبو مازن في خطابه أمام الأمم المتحدة يوم 21/‏9‏ أعلن أن أية حكومة فلسطينية قادمة سوف تعترف بإسرائيل‏,‏ وهو الأمر الذي لم تتطرق إليه لا وثيقة الأسري ولا وثيقة الوفاق‏.‏‏
(‏ للعلم‏:‏ ذكرت صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في‏10/10‏ الحالي أن أحد أجنحة كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح وزع بيانا اتهم فيه القيادات الداعية للاعتراف بإسرائيل بالخيانة والتآمر علي الشعب الفلسطيني‏).‏
‏(3)‏
ما سر هذا التحول؟ في رده علي السؤال قال السيد إسماعيل هنية أن وراءه عاملين رئيسيين‏,‏ أولهما أن بين قيادات فتح من لا يريد أي اتفاق مع حماس‏,‏ وثانيهما ما نشرته وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية عن وصول مبعوث أمريكي خاص إلي المنطقة قبل سفر أبو مازن إلي نيويورك‏,‏ وتنقله بين بعض دوله التي كانت إسرائيل من بينها‏,‏ وفي الاجتماعات التي عقدها‏,‏ كانت الرسالة التي نقلت إلي الجميع خاصة بالشأن الفلسطيني في تلك الاجتماعات تتضمن ثلاثة مطالب أساسية‏,‏ أولها وقف خطوات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية‏,‏ وثانيها صرف النظر عن وثيقة الوفاق الوطني‏,‏ وثالثها ضرورة التزام أي تعامل مع ملف الأزمة الفلسطينية بموقف الرباعية الدولية‏.‏
إزاء ذلك‏,‏ فلا تفسير لهذا النكوص في موقف رئيس السلطة سوي أنه من قبيل الانحياز إلي رأي خصوم حماس‏,‏ والاستجابة للضغوط الأمريكية‏,‏ التي مورست محاطة بوعود لوحت بإغراءات استئناف المساعدات المالية‏,‏ وإحياء مسيرة السلام‏,‏ وإعادة الحديث عن خريطة الطريق‏,‏ وغير ذلك من الوعود البراقة التي أطلقت باعتبارها مكافأة لرئاسة السلطة‏,‏ إذا ما نجحت عملية إقصاء حركة حماس وإخراجها من الحكم‏,‏ وهو الإقصاء الذي التقت عليها الحسابات الأمريكية مع المصالح الإسرائيلية مع تطلعات قيادات فتح المذكورة‏.‏
سألت السيد إسماعيل هنية‏:‏ هل هذا تطور جديد في الموقف الأمريكي والمعسكر المحيط به؟ قال‏:‏ هو تطور في الدرجة وليس في النوع فالولايات المتحدة هي التي قادت حملة حصار الفلسطينيين‏,‏ ومعاقبتهم علي التصويت لحماس‏,‏ من خلال وقف المساعدات المالية ومقاطعة الحكومة بالكامل‏,‏ وأرادت واشنطن بالتعاون مع إسرائيل وبتأييد وتشجيع بعض العناصر النافذة في الداخل إسقاط الحكومة من خلال الحصار والتجويع‏,‏ وهذه المساعي تحولت إلي مطلب صريح بتأثير عاملين هما‏:‏ صمود الحكومة والمجتمع الفلسطيني لستة أشهر‏,‏ في حين أنهم راهنوا علي إسقاطها خلال شهرين أو ثلاثة ـ العامل الثاني تمثل في فشل مخطط العدوان الإسرائيلي علي لبنان‏,‏ وخروج حزب الله مرفوع الرأس من المعركة‏,‏ وهو ما أزعج الأطراف الأخرى للغاية‏,‏ التي لم تحتمل نجاحا لحزب الله هناك‏,‏ ولم تتصور إمكانية نجاح حركة حماس في تشكيل الوحدة الوطنية‏,‏ الأمر الذي يثبت أقدامها‏,‏ ويطيل من عمرها‏,‏ وهو ما يكرس الانطباع عن فشل سياسة الإدارة الأمريكية‏,‏ التي تلاحقها الخيبة في العراق وأفغانستان‏.‏ وتلك فضيحة تريد الإدارة الأمريكية سترها بأي إنجاز يحسن صورتها‏.‏
أضاف أبو العبد قائلا إن الذين اعتبروا وثيقة الأسرى يوما ما طوق النجاة من المأزق‏,‏ وعبأوا الساحة الفلسطينية لصالحها وهددوا باللجوء إلي الاستفتاء الشعبي لتمريرها‏,‏ هؤلاء تجاهلوها بعدما أيدتها حماس‏.‏ وللتستر علي الفيتو الأمريكي في مواجهة الرأي العام الفلسطيني فإنهم أصبحوا يتعللون الآن بأنهم لم يستطيعوا تسويقها دوليا لفك الحصار‏,‏ وصاروا يخوفون الناس منها بدعوي أن تفعيلها من شأنه أن يعرض القطاع لاجتياح مدمر مماثل للعدوان علي لبنان‏.‏
‏(4)‏
ما هي المخارج المطروحة للأزمة؟
حين ألقيت السؤال علي مسامع السيد إسماعيل هنية فإنه رد بسرعة قائلا إن الإجابة متوقفة علي ما إذا كنا نسعى لإقامة حكومة يريدها الشعب الفلسطيني أم حكومة تريدها الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وإذا ما وقع الاختيار علي الثانية‏,‏ فلا مجال لمناقشة الموضوع‏,‏ وليتحمل كل طرف مسئولية اختياره والنتائج المترتبة عليه‏,‏ أما إذا أردنا حكومة تمثل الشعب الفلسطيني‏,‏ فان الصيغة التي توصلنا إليها بخصوص برنامج الوحدة الوطنية‏,‏ تمثل اسلم الخيارات وأنجحها للخروج من الأزمة‏.‏
س‏:‏ ما رأيك فيما يتردد عن تشكيل حكومة طوارئ أو بديل إجراء انتخابات مبكرة؟
ج‏:‏ أي حكومة أخري تكلف في الوقت الراهن سيكون عمرها قصيرا‏,‏ لأنها ستحتاج إلي تأييد المجلس التشريعي‏,‏ الذي تتمتع حماس بالأغلبية فيه‏,‏ ولذلك سيصبح سقوطها مؤكدا‏,‏ لأنها لن تنال ثقة المجلس‏,‏ أما إجراء انتخابات جديدة‏,‏ فرغم صعوبة قبول هذه الفكرة من الناحية السياسية‏,‏ بعدما مرت البلاد بتجربة انتخابات نزيهة تمت قبل ستة أشهر‏,‏ وإضافة إلي أن مثل هذه العملية تتطلب إعدادا يستغرق شهرين‏,‏ وهي مدة لا يحتملها الوضع المتأزم الراهن‏,‏ فان إجراء هذه الانتخابات سيظل مغامرة غير مضمونة النتائج بالنسبة لحركة فتح‏,‏ التي لابد أن يكون واردا احتمال خسارتها للمرة الثانية‏,‏ كما أن إجراء هذه الانتخابات قد يفجر الوضع من الداخل علي نحو لا يعرف تداعياته أحد‏,‏ الأمر الذي يعني أن محاولة الخروج من الأزمة قد أفضت إلي كارثة‏,‏ وفي كل الأحوال فان مثل ذلك الانفجار إذا وقع سيكون إيذانا بنهاية السلطة الفلسطينية‏,‏ ذاتها‏,‏ والله وحده يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك‏.‏
في الأسبوع المقبل يواصل رئيس الوزراء الفلسطيني روايته لما جري في غزة والضفة الغربية‏.‏
............................
*الأهرام ـ في 17/10/2006م.

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 05:37 PM
غزة : شق الصراع الغاطس

بقلم: فهمي هويدي
..................

هذه أربع لقطات مختلفة المصادر توفر لنا بعض المفاتيح التي تساعدنا على فهم خلفيات الصراع الحاصل في الأرض المحتلة. ففي الأسبوع الماضي تناقلت وكالات الأنباء تقريرا مثيرا حول الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة لتعزيز الحرس الرئاسي الفلسطيني (في الوقت الذي تمارس فيه واشنطون ضغوطا اخرى قوية لإحكام الحصار حول الشعب الفلسطيني وتجويعه). أشار التقرير الى ان وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ناقشت مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء اجتماعهما الأحد في رام الله ضرورة تحسين مستوى القوات الأمنية التابعة للرئاسة، التي تتلقى في الوقت الراهن تدريبات أمريكية، ومعدات أوروبية، وأسلحة مصرية وأردنية. كما تحدث عن انه بعد فوز حركة حماس فى الانتخابات التي تمت في شهر يناير/كانون الثانى الماضى. ارتفع عدد أفراد الحرس الرئاسى من 2500 عنصر الى ما بين 3500 و4000. وتهدف الخطة الامريكية الموضوعة الى زيادة حجم تلك القوات بحيث تضم 6000 عنصر. وقد عرضت الولايات المتحدة 20 مليون دولار لتمويل التوسع فى العدد ورفع كفاءة القوات، بحيث تقدم واشنطون نصف المبلغ، في حين يغطي النصف الآخر أصدقاء الولايات المتحدة في اوروبا والعالم العربي.
(حسب التقرير فعملية التعزيز جارية الآن على قدم وساق، حيث يجرى الآن بناء معسكر للتدريب خلف أسوار أريحا في الضفة الغربية على مساحة تقدر بحوالي 16 فدانا من المقرر الانتهاء منه بحلول يناير/كانون الثاني القادم، وهناك اتجاه لإقامة معسكر آخر في غزة. لكن عملية التدريب وتعزيز الحرس الرئاسي بالسلاح لم تنتظر بناء العسكريين. لان الامريكيين يتولون عملية تدريب تلك القوات منذ بداية صيف هذا العام في معسكر مقام حاليا بجوار اريحا على مساحة 1,2 فدان كما ذكر التقرير، الذي اشار الى ان الولايات المتحدة «تفاهمت» مع السلطات الاسرائيلية بشأن السماح لقوات الحرس الرئاسي بتلقي أسلحة وذخائر جديدة من مصر والأردن.
من الملاحظات اللافتة للانتباه التى أوردها التقرير، أن الدبلوماسيين الغربيين في الأرض المحتلة ذكروا ان كل تلك الخطوات محاطة بدرجة عالية من الكتمان، وان التدريبات التي يباشرها الخبراء الأمريكيون وشحنات الأسلحة التي تأتي من الاردن ومصر، وتمررها إسرائيل إلى الحرس الرئاسي، هذه الخطوات كلها يجري التعتيم عليها، لتفادي إحراج رئيس السلطة أمام الرأي العام الفلسطيني.
(اللقطة الثانية من النسخة العربية لموقع صحيفة «هآرتس» فى الاول من شهر اكتوبر/تشرين الحالي، حيث نقلت عن المصادر الإسرائيلية قولها إن الادارة الامريكية تعتزم القيام بسلسلة من «الخطوات الإبداعية» من اجل تعزيز مكانة الرئيس محمود عباس وإضعاف حركة حماس وحكومته، باعتبار أن ذلك يحقق مصلحة استراتيجية أمريكية في الطراز الاول. وقالت تلك المصادر ان تلك الخطوات ابلغتها واشنطون للحكومة الاسرائيلية لتكون تفصيلاتها موضع مناقشة اثناء زيارة وزيرة الخارجية الامريكية لتل أبيب، تمهيدا لحسم الأمر تماما، خلال الزيارة التي يفترض أن يقوم بها رئيس الوزراء الاسرائيلي لواشنطون في الشهر القادم. وطبقا لما ذكره موقع صحيفة هآرتس، فان الادارة الامريكية ترغب في تسوية للصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، لكن بسبب ضعف موقف حكومة اولمرت بعد فشل العدوان على لبنان، الى جانب عدم قدرة الادارة الامريكية على ممارسة اي ضغط على تل ابيب بسبب قرب الانتخابات الجزئية للكونجرس وعدم رغبة الرئيس بوش في إغضاب جماعات الضغط اليهودية، الى جانب تولى حركة حماس الحكم في مناطق السلطة السلطة الفلسطينية، فإن كل هذه العوامل تجعل من المستحيل إجراء مفاوضات جدية للتوصل الى تسوية سياسة للقضية الفلسطينية. وحسب المصادر الاسرائيلية فان الخطة الامريكية «الابداعية» لتعزيز عباس واضعاف حركة حماس وحكومتها تتضمن الاجراءات التالية:
(استئناف ضخ المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية عن طريق ديوان ابو مازن، مع حرص الإدارة وجميع الجهات الممولة على التأكيد للجمهور الفلسطينى انه لا يوجد لحركة حماس أو حكومتها أى دور فى وصول هذه المساعدات وهو ما يعنى ايجاد آليات خاصة لتحويل وصرف أموال المساعدات، بحيث لا يكون لوزارات الحكومة الفلسطينية أي دور في استقبال وتوزيع وصرف هذه الأموال.
دعم وتعزيز الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تعمل تحت إمرة الرئيس عباس لاسيما جهاز حرس الرئاسة المعروف بـ«القوة 17»، والذي يخضع مباشرة لسيطرة عباس، في نفس الوقت يتم حرمان جهاز القوة التنفيذية الذي أنشأه وزير الداخلية الفلسطينية بعد تشكيل الحكومة الحالية من هذه المساعدات، مع العلم أن جهاز القوة التنفيذية هم من العناصر السابقين في الأذرع العسكرية لحركات المقاومة الفلسطينية، سيما «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة حماس. ويذكر أن الإدارة الأمريكية أقنعت الدول المانحة بأن يحصل منتسبو الأجهزة الأمنية على أعلى الرواتب بغض النظر عن الشهادات الأكاديمية التي يحصلون عليها. وقد فسر الاصرار الأمريكي في حينه على ان رغبة أمريكية في تكريس الطابع الأمني لعمل السلطة والمتمثل في مواجهة حركات المقاومة.
(تطبيق خطة «دايتون» التي تقوم على اعادة فتح المعابر الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل، بحيث يتم تطبيق نفس آليات العمل المتبعة في معبر رفح الحدودي الذي يصل قطاع غزة بمصر، بحيث يتمركز في هذه المعابر مراقبون دوليون، بالإضافة إلى عناصر من جهاز «حرس الرئاسة» التابع لأبو مازن.
(اللقطة الثالثة أوردتها القناة العاشرة للتليفزيون الاسرائيلى، التي بثت مساء يوم 3/10 الحالي حوارا مع وزير البنى التحتية وأحد ابرز قادة حزب العمل بنيامين اليعازر، علق فيه على المواجهات الحاصلة في غزة بين حركتي فتح وحماس، قائلا: إنني أصلي من اجل ان تنتصر حركة فتح في هذه المواجهة، لأنه من المهم جدا لاسرائيل ان تخرج حركة حماس خاسرة بشكل واضح. وأضاف الرجل الذي سبق أن تولى منصب وزير الحرب قائلا: انه يتوجب على اسرائيل ان تمد يد العون لحركة فتح ولابو مازن، الذي يتزعم معسكر الاعتدال في الساحة الفلسطينية. واعتبر ان المواجهات الحالية يمكن ان توفر فرصة لتجاوز نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وإيجاد قيادة أخرى يمكن أن تشكل عنوانا مناسبا لاسرائيل. \ هذا الموقف عبر عنه بكلمات اخرى شمعون بيريز القائم بأعمال رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي قال في اتصال هاتفي اجرته معه الاذاعة الاسرائيلية العامة صبيحة يوم 4/10 ان الاخبار الواردة من الضفة الغربية وقطاع غزة «تبعث على الارتياح، لأنها تدل على أن معسكر الاعتدال الفلسطيني حي ويتنفس».
اللقطة الرابعة فى الصحافة الاسرائيلية فقد نشرت صحيف هآرتس في 4/10 مقالة مهمة لمراسلتها في الضفة الغربية وقطاع غزة عميرة هاس، شددت فيها على أن هناك تحالفا بين اسرائيل وبين المسئولين عن تنظيم الاحتجاجات على حكومة حماس. وقالت إن كلا من اسرائيل ومنظمي عمليات الاحتجاج لهم هدف واحد هو: إزاحة حركة حماس عن الحكم، لأن ذلك من شأنه ان يسمح باستنئاف المفاوضات المضللة مع السلطة والتي توظفها اسرائيل في التغطية على عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية الى جانب عمليات القمع. وشددت هاس على انه مقابل ذلك يقوم العالم بدفع الأموال للشعب الفلسطيني لكي يغض الطرف عن ممارسات اسرائيل. وأكدت ان اسرائيل هي المسؤولة عن الأزمة المالية الخانقة في السلطة وليس حكومة حماس، التي تقوم بفرض الاغلاقات والحصار وتسجن مئات الآلاف من الفلسطينيين في زنزانة كبيرة، إلى جانب سرقة أموال السلطة التى تجبيها لصالحها كضرائب على البضائع التي تستورد لمناطق السلطة. وحذرت هاس الحكومة الاسرائيلية من مغبة الرهانات الخاسرة، مشددة على أنه بدون موافقة اسرائيل على اقامة دولة فلسطينية مستقلة فإنه لا يوجد امكانية ان يسود الهدوء في المنطقة.
(من ناحية ثانية قال الصحافي روني شاكيد فى صحيفة «يديعوت احرونوت» ان ابو مازن يريد ان يفهم قادة حماس الآن بأنه من الأفضل لهم الموافقة على انتخابات عامة جديدة أو الاعلان عن وضع طوارئ واقامة حكومة مؤقتة حتى موعد الانتخابات القادمة بعد ثلاث سنوات، وهو الذي وظف عمليات العنف الاخيرة من اجل اقناع حماس بالتنازل عن الحكم، وخلص إلى القول بأن احراق مكاتب «حماس» واحراق مكاتب الحكومة، ومحاولات اغتيال وزراء ومسئولين كبار، والإضراب العام وتهديد حياة زعماء «حماس» هي ليست مجرد معارك شوارع، بل تمرد وانقلاب. ودعا شاكيد الحكومة الاسرائلية الى الحذر في تدخلها في الشأن الفلسطيني، مشيرا الى ان «التدخل الاسرائيلي لصالح أبو مازن يجب ان يكون حكيما وناجحا» ومنبها الى ان «أي عمل عسكري شاذ في غزة سيوحد الفلسطينيين ضد اسرائيل ويعزز موقف حماس». كثيرة هي المعاني التي تتداعى الى ذهن المرء وهو يستعرض هذه اللقطات لعل أبرزها ان الصراع الحاصل في غزة والضفة ليس بين فتح وحماس كما تشير الأنباء، وليس فقط بين أطراف في السلطة مصرة على استعادة مكانتها ومستعدة في سبيل ذلك لتحدي ارادة الشعب الفلسطيني الذي أوصلت حكومة حماس الى السلطة. ولكن شقا غامضا تقوم فيه الولايات المتحدة واسرائيل بدور المحرك والراعي والداعم المباشر وغير المباشر، وهدفه ليس اسقاط حكومة حماس، ولكن هدفه الحقيقي هو توفير فرصة مواتية لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
.............................
*الشرق الأوسط ـ في 11/10/2006م

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 05:39 PM
اللامعقول في بر مصر‏(1)‏

بقلم: فهمـي هـويـــدي
..........................

بعض الذي يحدث في مصر هذه الأيام من الفداحة بحيث يصعب تصديقه‏,‏ حتي يستحي المرء أن يتحدث عنه‏,‏ لأنه كاشف علي نحو معيب‏,‏ يكاد يعيد إلي الأذهان عصر ما قبل الدولة المركزية في الزمن السومري‏.‏
‏(1)‏
لست في وارد الحديث عن شيء من الأحلام الكبيرة‏,‏ التي تلوكها أفواه الناشطين وتتصدر عناوين الصحف وبرامج الأحزاب‏,‏ ليس فقط لأننا أدركنا من خبرة السنين أن تلك الأحلام باتت مؤجلة إلي زمن لا يعلمه إلا الله‏,‏ ولكن أيضا لأن بين أحلامنا الصغيرة الكثير الذي لم يتحقق بعد‏.‏ ما أعنيه علي وجه الدقة هو تلك المتطلبات البسيطة‏,‏ التي تعد من قبيل المعلوم بالضرورة في مقومات استمرار حياة أغلب الكائنات‏,‏ سواء التي تمشي علي رجلين أو تلك التي تمشي علي أربع‏.‏
من يصدق مثلا أن التخلص من القمامة لايزال مشكلة مستعصية علي الحل في مصر؟ ومن يصدق أن عاصمة أم الدنيا اصبحت عاصمة القذارة في العالم‏,‏ كما وصفها رئيس تحرير احدي الصحف القومية؟ وهل يعقل أن يبلغ بنا العجز حد فقدان الثقة في إمكانية حل المشكلة في مصر‏,‏ بما يقتضي الاستعانة في ذلك بالخبرة الأجنبية؟
لقد صرفت بعض الوقت في تحري الأمر‏,‏ فعلمت أن الشركة الأسبانية تعاقدت علي إزالة القمامة من القاهرة والجيزة مقابل مبلغ يصل إلي حوالي‏160‏ مليون جنيه سنويا‏,‏ وبعد أن جاءت بمعداتها وبدأت العمل من خلال ثلاث شركات اقامتها‏,‏ فإن أجهزة الإدارة المحلية لم تجد تمويلا يمكنها من سداد التزاماتها المالية‏,‏ الأمر أدي إلي تراكم مديونيتها التي وصلت‏300‏ مليون جنيه لصالح الأسبان‏.‏ وحين حاولت حل مشكلة التمويل عن طريق إضافة رسم للنظافة علي فواتير الكهرباء‏,‏ فإن الناس رفضوا دفع الرسوم‏,‏ وأيدت المحكمة الإدارية العليا موقفهم‏,‏ استنادا إلي عدم أحقية الإدارة المحلية في فرض أي رسوم دون سند من القانون‏.‏ وحين استحكمت الأزمة توقفت شركات النظافة عن العمل أو قصرت فيه‏,‏ ووصل الأمر إلي القضاء الذي فرض غرامات علي الإدارة المحلية‏,‏ لكنها جاءت متواضعة إلي الحد الذي لم يكن كافيا لاستئناف شركات النظافة لعملها‏.‏ وفي حين بقي الموضوع معلقا‏,‏ فإن المشهد العبثي ظل قائما‏,‏ وأصبحت ضمن مشكلات الساعة العصية علي الحل‏!‏
‏(2)‏
هل يعقل أن يصبح كوب المياه النظيفة مطلبا عزيز المنال؟ هذا سؤال آخر موجع‏,‏ طفا علي السطح في الأونة الأخيرة‏,‏ بعدما انفجرت قضية تلوث المياه في محافظة الدقهلية بدلتا مصر‏,‏ الأمر الذي أدي إلي وفاة فتاتين‏,‏ وتسميم أكثر من‏180‏ شخصا‏,‏ أودعوا المستشفيات‏.‏ وبعدما وقعت الواقعة‏,‏ انفتح ملف المياه الملوثة في مصر كلها‏,‏ وتنافست الصحف المصرية في متابعة ملفات القضية‏,‏ الأمر الذي كشف عن مجموعة من المعلومات المثيرة والمدهشة‏,‏ التي بينت أن شواهد الكارثة كانت ظاهرة للعيان ومعلومة للجهات المعنية منذ عدة سنوات لكن احدا لم يهتم بها‏.‏ من تلك المعلومات ما يلي‏:‏
‏*‏ أن اساتذة كلية العلوم بجامعة المنصورة أعدوا في العام الماضي تقريرا حول مشكلة تلوث مياه الشرب‏,‏ التي تؤدي إلي الإصابة بالفشل الكلوي والسرطان‏.‏ ومن النتائج التي توصل إليها التقرير‏,‏ وعرضها الدكتور مجدي خليفة استاذ الكيمياء بالجامعة الذي شارك في اعداده‏,‏ تبين أن‏100‏ ألف مصري يصابون بالسرطان سنويا بسبب تلوث المياه‏,‏ اضافة إلي‏35‏ ألفا يصابون بالفشل الكلوي‏,‏ بينهم‏17‏ ألف طفل‏.‏ تبين أيضا أن‏330‏ مصنعا تلقي بنفاياتها في النيل بواقع‏4.5‏ مليون متر مكعب سنويا‏,‏ إضافة إلي أن‏30%‏ من استخدامات الزراعة مثل الأسمدة والمبيدات تتسرب إلي مياه الصرف‏,‏ وتصل إلي النيل لتنتقل منه إلي النبات والحيوان‏.‏ كما كشف التقرير عن أن‏1500‏ قرية في صعيد مصر تصب مياه الصرف الصحي مباشرة في النيل‏,‏ دون أية معالجة‏.‏
‏*‏ تحدثت دراسة أخري أعدت عام‏2003‏ عن ارتفاع نسبة السموم في المياه‏.‏ وحين تم تحيل عينات المياه في معامل كلية علوم المنصورة تبين وجود نسبة عالية للغاية من المبيد المعروف باسم دي‏.‏ دي‏.‏ تي‏(‏ أكثر‏250‏ مرة من النسبة المسموح بها‏).‏ كما تبين اختلاط المياه بمادة الأيزوسيانيد وثمانية أنواع من المبيدات الحشرية القاتلة‏.‏ أشارت الدارسة أيضا إلي أن مصادر التلوث لا تقف عن القاء المخلفات الصناعية والزراعية والصرف الصحي في النيل‏,‏ وإنما هناك مصدر آخر هو مواسير الشرب ذاتها التي تعد ناقلة للتلوث‏,‏ علما بأن محطات مياه الشرب لا توجد بها معامل علي مستوي عال للكشف عن البكتريا والفيروسات‏.‏
‏*‏ في تصريحات أدلي بها الدكتور مغاوري دياب استاذ جيولوجيا المياه ورئيس جامعة المنوفية السابق‏,‏ قال إن‏80%‏ من محطات معالجة المياه في دلتا مصر انتهي عمرها الافتراضي‏,‏ وتعتمد علي المياه الجوفية‏(‏ التي اختلطت مع مياه الصرف‏),‏ في حين أن‏20%‏ فقط من المحطات تحصل المياه من النيل‏.‏ قال أيضا أن الصرف الصحي في‏96%‏ من قري مصر يتم بطريقة بدائية عبر خزانات النزح التي تختلط فيها مياه الشرب مع المخلفات الناتجة من الفضلات الأدمية والحيوانية من الملاحظات التي ابداها الدكتور دياب أن ثمة دراسات علمية رصدت بدقة وضع المياه في الدلتا منذ عام‏1980,‏ ونبهت إلي زيادة نسبة التلوث المستمر فيها‏,‏ ولكن هذه الدراسات لم يأبه بها أحد‏,‏ وجري تكديسها في الأدراج المغلقة‏.‏
‏*‏ سمعت من السيد مصطفي القاياتي وكيل لجنة الإسكان بمجلس الشعب‏,‏ أن اللجنة اجتمعت مع وزير الإسكان وناقشته في الأمر‏,‏ وكان مما قاله إن محطات المياه وشبكة الصرف الصحي في مصر في حالة يرثي لها‏,‏ وأنه طلب‏20‏ مليار جنيه لحل مشكلتها مع التداعيات المترتبة عليها‏,‏ ولكن ما تم اعتماده في الميزانية لم يتجاوز ملياري جنيه فقط‏,‏ الأمر الذي قيد حركة الوزارة إلي حد كبير‏,‏ وأعجزها عن تقديم حل جذري للمشكلة‏.‏
‏(3)‏
في رحلة البحث عن أسباب ظهور الأمراض الفتاكة في ريف مصر‏,‏ وقعت علي ندوة ناقشت الموضوع بمشاركة ثلاثة من أساتذة جامعة المنصورة‏,‏ الذين ادلوا بمعلومات مخيفة وصادمة‏,‏ نشرتها علي حلقتين في شهر يونيو الماضي صحيفة محلية باسم البلد الأساتذة الثلاثة هم‏:‏ الدكتور فريد بدري استاذ العقاقير والدكتور عادل المنصوري استاذ الطب الشرعي‏,‏ والدكتور جمال العبيدي استاذ جراحة الجهاز الهضمي في مقدمة تلك المعلومات ما يلي‏:‏
‏*‏ ان السبب الاساسي لانتشار امراض السرطان والفشل الكبدي والكلوي في مصر يرجع الي تلوث الأغذية بالسموم الفطرية‏,‏ التي توجد بشكل مكثف في القمح‏(‏ مصر تستورد منه‏10‏ ملايين طن سنويا‏)‏ لسد الفجوة الكبيرة بين الاستهلاك والانتاج‏.‏ ذلك ان الشحنات المستوردة تتعرض في رحلتها عبر البحار للأمطار والرطوبة التي تسرب اليها التعفن‏,‏ لتتحول كميات القمح والذرة المستوردة الي مادة قاتلة‏.‏
‏*‏ من تلك السموم الفطرية ما يعرف بـ الإوكراتوكسين‏,‏ الذي يوجد في الذرة الصفراء‏,‏ وثبت انه وراء‏70%‏ من حالات الفشل الكلوي في مصر‏.‏ يضاف اليه سم الافلاتوكسين الموجود في القمح وفول الصويا والردة‏(‏ غذاء الانسان والحيوان‏)‏ وهو المسئول عن السرطان والفشل الكلوي‏.‏ وثمة سم ثالث من الفطريات باسم الفيوماتثنين الذي يدمر خلايا المخ ويصيبه بالشلل‏.‏
‏*‏ ان ثمة رسالة دكتوراه اجيزت بكلية زراعة المنصورة‏.‏ اثبتت وجود نسبة عالية من فطر الاوكراتوكسين والافلاتوكسين في اعلاف الدواجن والحيوانات والاسماك في مصر‏,‏ وهذه وصلت الي‏600‏ جزء من البليون‏,‏ في حين ان المسموح به دوليا لا يتجاوز‏5‏ أجزاء في البليون‏.‏
‏*‏ في عام‏1996‏ نشر بحث في مختلف الدوريات العلمية العالمية حول عشرة آلاف حالة فشل كلوي بمركز الكلي بجامعة المنصورة‏,‏ أثبت منه ان‏60%‏ من الاصابات كان سببها سم الاوكراتوكسين الفطري‏.‏
‏*‏ هناك اسباب أخري للتلوث الي جانب الفطريات السامة‏,‏ منها النفايات والمواد الصلبة التي تلقي في المياه‏,‏ وتؤدي الي الاصابة بالسرطان‏.‏ وهذه حولت بحيرة المنزلة المصدر الاول للاسماك بالدلتا‏,‏ الي اكبر حامل للمواد السامة والمعادن الثقيلة في مصر‏.‏
‏*‏ بسبب الفساد المستشري في اوساط الرقابة علي الحبوب المستوردة المحملة بالسموم‏,‏ ونتيجة لعدم الاهتمام بظاهرة التلوث‏,‏ فقد انتشرت حالات الاصابة بالسرطان والفشل الكلوي في دلتا مصر‏.‏ آية ذلك ان مركز الاورام بالمنصورة وحده اصبح يستقبل اسبوعيا‏100‏ حالة مصابة بسرطان الاطفال‏,‏ الأمر الذي يثير سؤالا كبيرا حول عدد المرضي الذين يفدون الي تلك المراكز في بقية انحاء الجمهورية‏.‏ ومن غريب ما صادفه أطباء المنصورة انهم استقبلوا طفلا عمره‏8‏ أشهر فقط اصيب بسرطان الدم‏.‏ وما كان له ان يصاب علي ذلك النحو إلا لان مشيمة الام ولبنها تشبعا بالسموم الفطرية‏,‏ نتيجة تغذيتها علي القمح والذرة‏.‏
‏*‏ الكارثة يمكن تخفيفها والحد من خطرها عن طريق زيادة انتاج القمح والذرة‏,‏ لان الحبوب التي تنتج محليا تخلو من الفطريات السامة‏,‏ باعتبار انها تحت السيطرة‏,‏ كما ان استهلاكها يتم مباشرة ولا تتعرض للتعفن‏.‏ ومن أسف انه لا توجد عناية كافية بهذا الحل‏.‏ يشهد بذلك ان أحد العلماء المصريين ـ الدكتور عبد السلام جمعة ـ استنبت سنبلة عملاقة جعلت المكسيك تكتفي ذاتيا من القمح وحين تحدث عن اكتفاء مصر من القمح‏,‏ أودع مخازن وزارة الزراعة ليعمل بها‏!‏
‏(4)‏
ونحن نتابع مشاهد اللامعقول في بر مصر‏,‏ لا نستطيع ان ننسي الاهمال والتواطؤ الذي ادي الي غرق العبارة الشهيرة السلام‏89,‏ وتسبب في قتل اكثر من‏1300‏ مواطن‏(‏ للعلم فإن الرقم يفوق ضحايا العدوان الاسرائيلي علي لبنان الذي استمر شهرا كاملا‏)‏ وهي الجريمة التي لم يحاسب المسئولون عنها رغم مضي سبعة اشهر علي وقوعها‏.‏ لا نستطيع ايضا ان نتجاهل الانهيار المروع في مرفق السكة الحديد‏,‏ وما سببه من كوارث كل عام اهدرت دماء مئات المصريين الفقراء لا نستطيع كذلك ان نتجاهل فضيحة السحابة السوداء‏,‏ التي تحولت الي لغز حير المصريين وعذبهم للعام السابع علي التوالي فقط اذكر في هذا الصدد بالتقرير الذي بثته وكالة الانباء الفرنسية قبل ايام‏(‏ في‏10/23)‏ وقالت فيه ان معدل التلوث في القاهرة أعلي عشر مرات من المؤشر العالمي الذي حددته منظمة الصحة العالمية‏,‏ الامر الذي يصنفها ضمن اكثر مدن العالم تلوثا‏.‏ اضاف التقرير ان التلوث الذي ينشأ عن أدخنة المصانع في مصر يتسبب في موت‏5‏ آلاف مواطن سنويا‏.‏ كما نقل عن استاذ في علوم البيئة ـ الدكتور صلاح حسنين ـ قوله ان التلوث سيؤدي الي اصابة قرابة نصف مليون مصري بمشكلات في التنفس وبالسرطان خلال فترة تتراوح بين‏5‏ سنوات و‏25‏ عاما‏.‏
‏(5)‏
إذا قال قائل ان تلك المشاهد بمثابة اطلالة علي النصف الفارغ من الكأس‏,‏ فلن اختلف معه معتبرا أن هذه ليست القضية‏,‏ لان السؤال الأهم هو ما إذا كانت المشاهد حقيقية أم انها مفتعلة ومغلوطة‏.‏ ولأن ثمة دلائل عل صحتها ـ وحتي يثبت العكس ـ فإن حاصل جمعها اذا انضافت اليها ظواهر التدهور في التعليم العام والجامعي‏,‏ وفي المستشفيات العمومية‏,‏ والفساد المستشري في المحليات‏,‏ ذلك كله يوصلنا الي نتيجة خلاصتها أن الاجهزة الحكومية فشلت في مباشرة وظيفتها الاساسية‏,‏ المتمثلة في إدارة وتشغيل مختلف المرافق التي تخدم عموم المواطنين‏.‏ وهو ما بات يهدد حق الناس في الحياة‏.‏ وحين يصبح المواطنون في خطر فإن الوطن ذاته يغدو في خطر وهو ما يسوغ لي ان اقول ان ما يحدث في مصر الآن يمثل تهديدا صريحا للأمن القومي في البلد‏.‏
إن عشر معشار المشاهد التي مررنا بها يقيم الدنيا ولا يقعدها في اي مجتمع حي‏.‏ إذ يفجر عضبا ويسقط حكومات ويخضع كل الرؤوس المعنية للمساءلة والمحاسبة السياسية وربما الجنائية أيضا‏.‏ لكن ظاهر الأمر يوحي بأن الوضع مختلف في بلادنا‏,‏ حيث يمر كل شيء ويبتلع‏,‏ ولا اعرف إن كان ذلك يؤدي الي هضمه ام الي اختزانه‏.‏
المدهش في الأمر‏,‏ أنه في حين يحلم المواطن بكوب ماء نظيف‏,‏ فإنه يسمع صوتا آتيا من طبقات السلطة العليا يتحدث عن توفير حاسب آلي لكل بيت‏.‏ وفي حين تهدد السموم حياة الناس وتختنق انفاسهم بتأثير السحابة السوداء‏,‏ فإنهم يستقبلون بالمقابل اصواتا اخري تحدثهم عن دخول عصر المفاعلات النووية‏.‏ وتلك طموحات طيبة ومشروعة لاريب‏,‏ لكنها في ظل اوضاعنا التي مررنا بها تبدو محاولة لنيل شهادة الدكتوراه‏,‏ قبل تحقيق النجاح المطلوب في شهادة الاعدادية‏.‏
لست انكر ان الحكومة بذلت الكثير في مجالات تشجيع الاستثمار والخصخصة والتيسير علي المستوردين والمتعثرين في سداد مديونياتهم المليونية للبنوك‏,‏ لكن شواهد الحال تدل علي اننا بحاجة ايضا لمن يهتم بنظافة البلد وادارة مرافقه العمومية‏,‏ بما يجنب المواطنين كوارث القطارات وينقذهم من الامراض التي تفتك بهم وهو ما يسوغ لي أن أتساءل عما اذا كان الوقت قد حان للدعوة الي اقامة حكومة اخري موازية للمواطنين العاديين‏,‏ البسطاء والفقراء والمستضعفين ـ ما رأيكم دام فضلكم ؟
.....................................
*الأهرام ـ في 31/10/2006م.

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 06:10 PM
موت هناك وموات هنا

بقلم: فهمي هويدي
.....................

شلال الدم في العالم العربي يزداد قوة ومجراه يزداد اتساعا. إذ اغرق قطرين حتى الآن هما فلسطين والعراق، وثمة إرهاصات نرجو أن تخيب، تلوح باقترابه من لبنان، المرشح بقوة لكي يُضم الى قائمة الضحايا. الآن تتحدث الأرقام عن آلاف، بل مئات الآلاف من أبناء الأمة العربية الذين أريقت دماؤهم وما زالت تحت الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، والاحتلال الامريكى في العراق. حتى صار الموت عنوانا رئيسيا في نشرات أخبار هذين البلدين، وغدت صور الجنازات المارة في الشوارع لقطات نمطية تبث كل يوم.
منذ أكثر من أسبوع تتعرض «بيت حانون» في قطاع غزة لاجتياح اسرائيلى عاشر، أباد 45 فلسطينيا (الرقم يتزايد كل يوم) وأصاب 200، ربعهم في حالة خطرة، ودمر البيوت وخرب الطرقات وجرف الأراضي. وفي ثنايا العملية التي أطلقت عليها اسم «غيوم الخريف» تصرفت القوات الاسرائيلية بفظاظة مفرطة، انتهكت فيها كل الحرمات التي تفرضها المواثيق والأعراف. فلا حرمة لمدنيين ولا لدور عبادة، ولا لجرحى في المستشفيات ولا لحافلات الإسعاف التي تهب للدفاع عن حق الانسان في الحياة. ذلك كله أطيح به، في جرأة موحية بأن الترويع والانتقام هو الهدف، وبأن القوات الإسرائيلية لديها تعليمات بأن تفتك بكل ما تصادفه، من دون قلق من أي صدى دولي، ولم يخيب الأمريكيون ظنهم، لأن المتحدث باسم الخارجية الامريكية سوغ ذلك كله وبرره بحجة «حق الدفاع عن النفس» التي صار إطلاقها غطاء تقليديا لكافة الجرائم الاسرائيلية وهو الحق المضنون به على الفلسطينيين بطبيعة الحال، ربما لأنهم فلسطينيون، وربما لأنهم عرب ومسلمون، ليسوا في عداد «الأنفس» المعتبرة في خطاب الإدارة الأمريكية وبعض الساسة الأوروبيين.
الاجتياح ليس جديدا، ولكنه حلقة في مسلسل العدوان الاسرائيلي المستمر منذ اربعين عاما على الأقل، الذي تختلف دوافعه وأساليبه، لكن هدفه واحد هو: تركيع الفلسطينيين وإذلالهم، ومن ثم إجبارهم على الاستسلام لما تريده إسرائيل، وجودا وحدودا وأحلاما. لذلك فما يحدث الآن ليس منفصلا عن الغارات اليومية التي يتعرض لها القطاع، ولا عن التصفيات والاختطافات التي لم تستثني الوزراء والنواب، ولا عن الحصار والتجويع ومصادرة الأراضي وحجب الاستحقاقات المالية الفلسطينية.
وحدها الدوافع هي الجديدة هذه المرة، فإسرائيل قررت أن تقدم على هذه الجولة من الفتك مدفوعة بعوامل عدة، منها المزايدات الداخلية بين السياسين والعسكريين الذين يتوسلون الى كسب وتأييد الرأى العام بالتسابق على اراقة الدم الفلسطيني، لإثبات القدرة وكفاءة القيادة، ومنها محاولة استعادة الهيبة والاعتبار بعد الفشل الذي مني به العدوان على لبنان، ومنها الضغط على الداخل الفلسطيني لإفشال محاولات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومن ثم اسقاط حكومة حماس واقصاؤها عن السلطة.
لم يفاجئنا التبرير الأمريكي للاجتياح، ولا الخرس الأوروبي، ولا استعباط المنظمات الدولية المختلفة، سواء التي تدافع عن السلم والأمن أو تلك التي تدافع عن حقوق الإنسان، لكن الذي ينبغي أن يدهشنا هو صمت العواصم العربية، حتى تلك التي تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل. صحيح أن صحيفة «الأهرام» المصرية مثلا نشرت على صدر صفحتها الأولى يوم الأحد الماضي 5 ـ 11 عنوانا اخبرنا بأن مصر «تدين بشدة العدوان الاسرائيلي وتطالب بوقفه فورا»، لكن إذا كان ذلك غاية جهد بلد بحجم مصر يحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيونى (للأسف الشديد) فما بالك بمن عداها؟
إن هناك خيارات عدة للتعبير عن التضامن الجاد مع الشعب الفلسطيني في محنته المتجددة، وهي أوسع وأرحب في حالة الدول التي أقامت معها علاقات بصورة أو بأخرى، خصوصا أن مسؤولي تلك الدول دأبوا على القول إنهم فعلوها للدفاع عن القضية الفلسطينية، هذه الخيارات تتراوح بين سحب سفير الدولة المعنية، أو تخفيض عدد اعضاء البعثة الدبلوماسية لدى إسرائيل، أو اعتبار السفير الإسرائيلي غير مرغوب فيه، أو تجميد العلاقات الاقتصادية والثقافية وصولا الى قطع العلاقات، لكن حين تستبعد كل تلك الخيارات، ويكون البديل هو الإدانة والشجب، فذلك معناه أن المشكلة تكمن في الإرادة، والحسابات السياسية تحول دون التعبير الجاد عن تلك الإدانة.
لقد أدرك الشعب الفلسطيني خلال السنوات الاخيرة بوجه أخص أنه يقف وحده في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، وأن الدور العربي ـ في أحسن أحواله ـ لم يعد يتجاوز حدود تصريحات التضامن، وأحيانا ذهب الى حد التجاوب مع الضغوط الأمريكية من التضامن مع الفلسطينيين.
لقد قتل الاسرائيليون منذ انتفاضة عام 2000 وحتى الآن 5500 فلسطينى، ومنذ اسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط في 25 ـ 6 الماضي قتلوا 260 فلسطينيا، الأمر الذي يعني انه على مدار الاعوام الستة الماضية ظل يقتل في المتوسط فلسطينيان كل يوم. ولم يحرك ذلك شيئا في مواقف العواصم العربية سواء ازاء اسرائيل او الولايات المتحدة ورغم وجود علاقات للبعض مع اسرائيل وعلاقات وثيقة لأغلب الدول العربية (أحسب أن هذه الخلفية لم تكن غائبة عن وعي النسوة الفلسطينيات في بيت حانون اللاتي فاض بهن الكيل، فخرجت مئات منهن ـ البعض اصطحبن أطفالهن ـ وتصدين للدبابات الإسرائيلية التي حاصرت مسجدا احتمى به بعض المقاومين، ورغم أن الرصاص ظل ينهمر عليهن من كل صوب، مما أدى الى مقتل امرأتين، هما رجاء أبو عودة وأنغام سالم (كلتاهما في الأربعين من العمر)، أقول رغم كل ذلك الترويع الذي أدى الى اصابة البعض بجروح خطيرة، فإنهن نجحن في اقتحام الحصار واخراج المحتجزين في داخل المسجد وتأمينهم حتى اختفوا عن الأنظار. وكان ذلك نموذجا للبسالة والشجاعة سجله تقرير لوكالة الانباء الفرنسية جرى بثه يوم الجمعة الماضى 3 ـ11 حين وقعت عليه لقد فعلت النساء ما قصرت عنه همة كثير من الرجال).
للموت قصة أخرى في العراق، تختلف تفاصيلها ووقائعها واعداد ضحاياها، ولكنها تشكل رافدا آخر لشلال الدم المروع الذي يتدفق بانتظام، دون ان يحدث صدى في العواصم العربية، التي ظلت ذاهلة ومغيبة وغاية ما ذهب اليه بعض المتصدرين لواجهات تلك العواصم انهم اطلقوا في الهواء تصريحات الادانة والاستنكار (التي كان بعضها حذرا فلم يتهم الاحتلال الأمريكي) مشفوعة بدعوات عبر الأثير للتصالح والتضامن.. الى غير ذلك من الاصداء المجانية التي تبرئ الذمة أمام الملأ، في حين لا تقدم ولا تؤخر، ولا تحل ولا تربط.
الأرقام المتداولة الآن تشير الى ان عدد العراقيين الذين قتلوا منذ الغزو في عام 2001، وحتى الآن 655 ألفا في قول، و795 ألفا في قول آخر، أما الذين يقتلون كل يوم فقد اصبح عددهم يتراوح بين 50 و100 شخص، الأمر الذي يعرض الشعب العراقي للإبادة، ويوحى بأن هذا الغزو لم يكن تحريرالعراق من حكم صدام حسين فحسب، وإنما تحريره من العراقيين انفسهم ايضا!
كما حدث مع الفلسطينيين، فإن العراقيين وجدوا أنفسهم يواجهون وحدهم رياح الفناء، بغير ظهير أو معين من «الأشقاء» العرب، الأمر الذي يسوغ لنا أن تقول بأن الموت هناك قوبل بموات هنا. لا يغير من هذه الحقيقة صدور بعض تصريحات التعاطف والتضامن المجانية، ولا تحركات الجامعة العربية التي ظلت عند الحدود الدنيا، لسبب جوهري هو أن موقف الجامعة هو حاصل جمع مواقف الدول الأعضاء، وهو مرآة عاكسة لتلك المواقف. لذلك إذا قلت لي ما هي حقيقة موقف العواصم العربية، أقول لك على الفور الى أي مدى يمكن ان تذهب «الجامعة» في تعاطيها مع هذا الملف او ذاك.
تتضاعف الدهشة ويستمر العجب حين يلاحظ المرء ان العالم العربي وهو يقف ذاهلا ومتفرجا أمام تلك الدماء التي تسيل بغزارة في هذين البلدين، يدفع بشكل غريب للانشغال بقضايا وهمية أو فرعية، حيث يصور له البعض أن الصراع الحقيقي هو بين الشيعة والسنة، وأن الهلال الشيعي أشد خطرا من نجمة داود، حتى أن منهم من عقد مقارنة في هذا السياق بين إيران وإسرائيل، وأراد أن يقنعنا بأن الأولى أشد خطرا من الثانية. وإذ نجد تلك الاصوات تتردد في المشرق، فإننا نجد في المغرب (تونس تحديدا) تعبئة عامة ضد الحجاب واستنفارا أعلن عليه الحرب، وكأنه الخطر الداهم الذي يهدد مصير البلاد والعباد، والنظام قبل الاثنين.
وفي حين يشتت الادراك العربي في أقطار عدة بحيث ينصرف عن الوعي بحقائق الصراع الدائر بين العرب وبين الأطماع الإسرائيلية والهيمنة الأمريكية، فإننا سنسمع أصواتا أخرى تبرر الانكفاء والانعزال والانسلاخ من نسيج الأمة، وهي ترفع شعار «بلدنا أولا»، الأمر الذي يترجم بمعنيين؛ أولهما نفض الأيدي من قضايا الأمة ومصيرها، وثانيهما تسويغ الاحتماء بالكفيل الامريكي الذي يظنون انه يمكن ان يوفر لهم الاطمئنان والأمان.
ما يغفل عنه هؤلاء وهؤلاء ان مصير الامة العربية سوف يتأثر كثيرا بما يحدث في فلسطين والعراق، وان الذين يغمضون أعينهم ويصمتون على ما يجري هناك لن تكتب لهم النجاة من الطوفان، إذا اندفعت مياهه لا قدر الله. ذلك أن تركيع الفلسطينيين، إذا قدر له أن يتم، سيكون مقدمة لتركيع العالم العربي كله، بحيث لا تقوم له قيامة، في الأجل المنظور على الأقل. أما ذبح العراق وشرذمته، فسيكون مقدمة لهبوب رياح التفتيت العاتية على كل أنحاء العالم العربي. وإذا ما وقعت الواقعة على هذا النحو او ذاك، فلن ينفع الندم، وسيتذكر الجميع القول المأثور: «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض».
............................................
*الشرق الأوسط ـ في 8/11/2006م.

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 06:11 PM
بعد الخروج من التاريخ: الجغرافيا صارت مهددة في العالم العربي

بقلم: فهمي هويدي
.....................

ثمة سحابات داكنة تتجمع الآن في الأفق العربي، منذرة بهبوب موجة من الأعاصير التي من شأنها ان تؤثر على توازنات المنطقة وجغرافيتها السياسية. وليست هذه مجرد تنبؤات قد تصدق او لا تصدق، لأن مختلف الشواهد تدل على ان الاعاصير قادمة لا ريب، ومن ثم فليس السؤال ما اذا كانت ستهب على البيت العربي ام لا، لكنه ينصب على التوقيت والمقاصد والآثار التي ستترتب على تلك الاعاصير. بكلام آخر، فان النذر ظاهرة لكل ذي عينين، ومن ينكرها لن يختلف كثيرا عمن يدفن رأسه فى الرمال، لكي لا يرى او يسمع.
هذه الايام، باتت الاخبار تحدثنا كل يوم عن اعداد لانقلاب عسكري في العراق، يطيح كل ما اقيم من أبنية ومؤسسات، ويقيم حكومة طوارئ تفرض سيطرتها على الجميع، بما يؤدي الى استعادة الامن، ووقف الانفلات الذي أثار ذعر الأميركيين، وزاد في خسائر جنودهم. الأمر الذي أصبح يهدد مستقبل الحزب الجمهوري، ويفقده تأييد الرأي العام فى الولايات المتحدة. وهو ما ينذر بنهاية بائسة لإدارة الرئيس بوش والفريق المحيط به.
وفي حين تتواتر الأنباء عن الانقلاب المنتظر الذي يعد له الأميركيون في بغداد، تتناثر اخبار أخرى حول الفيدرالية ومقترحات تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم، وحول الترتيبات التي تجري في منطقة كردستان لتعزيز موقفها في مواجهة السلطة المركزية. الامر الذي استصحب تلويحا بالانفصال، مع إشارات قوية إلى احتمال تفجير الصراع حول الاستئثار بنفط كركوك، واحتمال حدوث اقتتال شيعى ـ شيعى بين رعاة الفيدرالية ومعارضيها. وفي هذه الأجواء يستمر تساقط القتلى في التصفيات المتبادلة بين الشيعة والسنة، بأعداد غير مسبوقة.الأمر الذي يرسم صورة بائسة لمستقبل العراق، يبدو فيها ذلك البلد الكبير والعريق معرضا للتآكل والانفراط، بعدما دمرت مرافقه وبنيته الاساسية، ونهبت ثروته باسم «التحرير!».
لبنان أيضا معرض للانفجار، بعدما تعافى من تجربة الحرب الاهلية التي اغرقته في الدماء والأشلاء، قبل سنوات ليست بعيدة. ذلك ان تصريحات الزعماء السياسيين، وقادة الميليشيات تمارس الآن عملية «تسخين» تبعث على القلق. فهناك من يهدد بالاحتكام الى السلاح، اذا لم تشكل حكومة الوحدة الوطنية، وفي المقابل هناك من يلوح بالسلاح ويجهز المتاريس ويعد الملاجئ، تحسبا لذلك اليوم الذي تشكل فيه حكومة الوحدة الوطنية. وهؤلاء يلوحون بالشارع، ولا يستبعدون حلول اليوم الذي يندلع فيه الحريق بحيث تطغى زخات الرصاص ودوي الرشاشات والمتفجرات على لغة الحوار. وفي حين يتراشق اللبنانيون فيما بينهم، تعبث مختلف الاصابع في الظلام، ما بين قوى كبرى لها حساباتها وأجندتها، وأطماع إسرائيلية مازالت ترى في لبنان بابا لتصفية ملفات عدة، بعضها مع سورية وحزب الله والبعض الآخر مع ايران.
المشهد في الارض المحتلة يشكل وجها آخر للمتغير الذي طرأ على الجغرافيا السياسية للمنطقة. فقد استفردت اسرائيل بفلسطين، الضفة والقطاع، مستفيدة من اجواء الذهول والانكفاء العربيين، واصبحت غاراتها واجتياحاتها وتصفياتها للكوادر، ولكل العناصر النشطة في مقاومة الاحتلال، من قبيل التمارين الروتينية التي تمارس كل يوم، جنبا الى جنب مع تجريف الاراضي واستهداف البنى التحتية.
ولم تكن استباحة اسرائيل لمختلف الحرمات في فلسطين، هي أسوأ ما في الأمر، لأن الاعتياد على تمرير ما يجري في الارض المحتلة واعتباره امرا عاديا في العالم العربى، لا يثير احتجاجا ولا غضبا، لا يقل سوءا ولا بؤسا. ذلك الاعتياد الذي تجلى في استمرار صمت العواصم العربية، بات يغري الاسرائيليين ليس فقط بمواصلة قمع الفلسطينيين والتوسع في عمليات الاستيطان، وإنما ايضا بسعيهم لتصفية القضية وإغلاق ملفها بالكامل.
خرائط السودان تتعرض بدورها للضغط والشد والجذب، الذي يستهدف إضعاف دور السلطة المركزية، وتفكيك البلد وتمزيقه من خلال تشجيع التمرد فى شرقه وغربه وجنوبه، لكي ينفرط عقده، ويتم تدويل قضاياه، بما يستدعي دور قوى الهيمنة التي قد تتعدد أهدافها وتختلف، ولكنها تتفق في أمور عدة بينها الاستفراد بالسودان وتفتيت هويته والتمكن من ثرواته وإلغاء دوره، كبوابة عربية مطلة على افريقيا، واستخدامه كورقة ضغط على العالم العربي، بدلا من ان يكون عمقا استراتيجيا له.
في الصومال الذي هو عضو في الجامعة العربية، دولة انهارت فيها السلطة بفعل صراعات داخلية لم تكن القوى الدولية بعيدة عنها. ومن تحت أنقاضها خرجت سلطة المحاكم الاسلامية لتتحدى حكومة انتقالية مدعومة من الغرب، فسيطرت قوات الاخيرة على العاصمة مقديشو، ومضت تبسط سلطانها على انحاء البلاد حتى اصبحت على مشارف مقر الحكومة الانتقالية في بيداوة.
وفي هذه الاجواء، توترت العلاقة مع الجارة اثيوبيا التي حشدت قواتها على الحدود مع الصومال، وتتواتر الأنباء، مشيرة إلى أن القوات الإثيوبية تحركت لمساندة الحكومة الانتقالية التي اصبحت معزولة في معقلها، ومهددة بالسقوط بين لحظة واخرى.
القاسم المشترك بين هذه النماذج، يتمثل في ثلاثة أمور أولها: ان كلا منها يواجه أزمة مصير، في ضوئها يكون البلد أو لا يكون. ثانيها أن الأطراف الغربية موجودة في قلب الصراع. ثالثها ان كل حالة تواجه ازمتها وحدها ودون اي ظهر او غطاء عربي. وهذه النقطة الاخيرة هي التي تهمنا في السياق الذي نحن بصدده، لأن غياب ذلك الغطاء، بمثابة إشهار جديد لإفلاس النظام العربي وانهياره، على نحو يفتح الابواب واسعة لتآكل جغرافية العالم العربي، بعدما نالوا حظهم الذي يستحقونه من جراء عهود التخلف والاستبداد، فانطبقت عليهم السنن وخرجوا من التاريخ!
لست أبرئ عوامل داخلية، اسهمت بدرجة او اخرى في توتر الأوضاع وتوفير حالة القابلية للانفجار او التآكل في العراق او لبنان او فلسطين، وكذلك السودان والصومال.
صحيح ان الاحتلال هو الذي غذى وحمى النعرات الطائفية والعرقية في العراق، ولكن من الصحيح ايضا ان الاطراف العراقية التي تعاملت مع سلطة الاحتلال تبنت ذات الموقف وتفاعلت معه، بذات القدر، كما اننا لا نستطيع ان نبرئ الزعماء السياسيين في لبنان من مسؤولية توتر اجواء البلد والانطلاق من الحسابات الذاتية، الفئوية والطائفية، ضاربين عرض الحائط بالمصلحة الوطنية.
أما الصراع الحاصل في فلسطين بين السلطة والحكومة، فنحن نعلم جيدا ان ثمة طرفا ثالثا فيه، اسرائيليا ـ وأميركيا في المقام الاول، الا اننا نعي جيدا ايضا ان ادوات ذلك الصراع فلسطينية بامتياز. ذلك حاصل ايضا في السودان الذي لم تنجح حكومته في اقامة تحالف وطني يصد الغارات التي استهدفت البلد بأسره.
حتى كانت الحكومة يوما ما مستعدة للتلاقي والتنازل للحركة الانفصالية في الجنوب ورافضة للتواصل او الائتلاف مع القوى السياسية في الشمال، التي سنفترض انها اقرب اليها وواقفة في ذات مربعها. وهو ما أضعف موقف الحكومة وفتح شهية كثيرين للضغط عليها وابتزازها. اما الصومال فان قادته والذين يتناوبون عليه منذ زوال نظام الرئيس سياد بري قبل عشر سنوات، هم المسؤولون عن كارثته، حين تنازعوا واقتتلوا فذهبت ريحهم ودمرت دولتهم.
ليس الامر مقصورا على عالم عربي يتفكك ويتآكل، ولكن اصداء انهيار النظام العربي دفعت بعض الكيانات الصغيرة الى الاحتماء بالقوى الكبرى، حين لم تجد مظلة عربية حقيقية تحتمي بها. وبدا ذلك الاحتماء نوعا من الارتماء سوغ القبول برذائل سياسية كثيرة، تمثلت في فتح بعض البلاد العربية للقواعد العسكرية الاجنبية التي يعرف الجميع وظيفتها واستخداماتها التي هي في النهاية ضارة بالمصلحة الاستراتيجية للعرب ومهددة لأمنهم القومي. كما فتح الباب لتعدد أنشطة ومهام المرتزقة الاجانب فى اقطار عربية عدة.
هذا الانهيار كان له صداه السلبي الذي اثر على الوجود العربي في الخارج، فمن اجتراء على العرب ومقدساتهم، الى ازدراء شبابهم باخضاعهم للرقابة المستمرة فى أغلب الدول الغربية، وحرمانهم من دراسة علوم بذاتها في جامعاتها، الى ملاحقتهم وطردهم اذا تم اصطياد اية هفوة لهم، الى القاء مئات من شبابهم فى السجون الامريكية العلنية والسرية دون محاكمة، ودون توفير اية ضمانات تحترم انسانيتهم وتحمي أبرياءهم. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لأننا قرأنا مؤخرا ان بلدا مثل النيجر قرر طرد 120 الفا من قبائل المحاميد العربية فى اراضيه، وان خفض الرقم في وقت لاحق.
ليست سهلة الاجابة عن السؤال: ما العمل؟
كما إنني لا اعرف ما هي الجهات او الدوائر صاحبة القرار التى مازالت مشغولة بمستقبل العالم العربى وأمنه القومى، بعدما انتعش فكر الانكفاء فى ظل الترويج المستمر لشعار «بلدنا أولا»، الذي يعني بالتعبير الدارج «كل واحد يدبر حاله». مع ذلك، فإذا جاز لي ان اغامر بالتفكير بصوت عال في الموضوع، فإنني أدعو اولا، الى تبرئة الشعوب العربية، وعدم تعميم الاتهام والإدانة عليها. لأن ازمة الامة العربية تكمن في النخب صاحبة القرار فيها، وما النظام العربي المتهالك الذي صرنا ننعيه في كل مناسبة الا حاصل جمع تلك النخب. لذلك فان «النظام» لن ينصلح الا اذا انصلح امر النخب المكونة له. ان شئت الدقة فقل ان إصلاح امر الدول التي تشكل اعمدة رئيسية للنظام العربي، هو الخطوة الاولى لإحياء ذلك النظام واسترداده عافيته وهيبته.
في هذا الصدد فإنني ازعم بأن عافية النظام العربي وثيقة الصلة بمصير دعوات الاصلاح السياسي التي تتردد الان بقوة في ارجاء العالم العربي. ولا اتردد في القول بأن نجاح الاصلاح السياسي (الحقيقي وليس المزيف) في اية دولة عربية سيكون اول ضوء اخضر، يسمح لنا بإمكانية التفاؤل، بحلول يوم تستطيع فيه الامة ان تصمد امام الاعاصير والمخططات التي تستهدفها. الأمر الذي يسمح لها ليس فقط بأن تحافظ على جغرافيتها، وإنما يسمح لها ايضا بأن تعود الى مجرى التاريخ.
............................................
*الشرق الأوسط ـ في 1/11/2006م.

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 06:13 PM
اقتراح للخروج من المأزق الفلسطيني!

بقلم: فهمي هويدي
.....................

من غرائب المشهد الفلسطيني ومفارقاته الموجعة التي وقعت هذا الأسبوع، ان الرئيس محمود عباس زار غزة وعاد إلى مقره في رام الله من دون ان يلتقي رئيس الوزراء، في تعبير جلي عن القطيعة معه، رغم ان بين الرجلين عدة مسائل معلقة بالغة الأهمية والدقة.
وفى ذات المساء الذي عاد فيه أبومازن إلى رام الله تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت هنأه فيه بعيد الفطر، وأعرب عن أمله في ان تنجح مساعي ترتيب اللقاء بينهما في اقرب وقت.
ولا أعرف ان كان توقيت الاتصال الهاتفي من جانب أولئك الأبالسة مقصودا أم لا، لكن الذي أعرفه ان التزامن بين الحدثين جاء دالا على ان الجسور، في الوقت الراهن على الأقل، باتت ممتدة ومفتوحة بين رام الله وتل أبيب، بأكثر من انفتاحها بين رام الله وغزة!
وإذ يصعب على المرء ان يصدق هذه الرسالة، إلا ان شواهد الحال تدل على أنها تتمتع بصدقية نسبية. فمسألة القطيعة بين أبومازن وحكومة حماس ثابتة ما في ذلك من شك، إذ بوسع أي مراقب ان يلاحظ ان رئيس السلطة لم يجتمع بالحكومة ولو مرة واحدة خلال الأشهر الستة التي أعقبت تشكيلها، كما انه لم يصحب أي وزير من أعضائها خلال جولاته المتعددة بالخارج، كما انه لم يشرك أي وزير في اللقاءات التي يعقدها مع الضيوف الذين يفدون إلى الأرض المحتلة عربا كانوا أم أجانب، وإذا أضفت إلى هذه الشواهد ان الحكومة لا تعرف شيئا عن نتائج زيارات أبومازن للدول الأجنبية، وان رئيسها يجهل تماما ما تم في تلك الزيارات، فان ذلك يعني ان حكومة حماس ليست مقاطعة من جانب الأميركيين والإسرائيليين وحدهم، ولكنها مقاطعة أيضا من جانب رئيس السلطة الفلسطينية وأعوانه، كأن التعليمات التي تمنع لقاء الدبلوماسيين الأميركيين والإسرائيليين مع أي وزير في حكومة حماس، كان لها صداها في الداخل الفلسطيني، بحيث مورست المقاطعة ذاتها من جانب رئيس السلطة وفريقه!
وإذا اقترنت تلك المقاطعة بإجراءات أخرى تحركها العناصر الانقلابية بين تيارات فتح، من قبيل إعلان الإضراب في المؤسسات والمرافق (خصوصا في الضفة الغربية) وإشراك عناصر الأمن في ذلك الإضراب، ثم الاشتباك المسلح مع عناصر القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، وتخريب مباني السلطة ومؤسساتها وخطف بعض قيادات حماس وتصفية قيادات أخرى. إذا وضعنا تلك القسمات جنبا إلى جنب فإنها لن تعني سوى شيء واحد، هو ان العلاقة بين اكبر قوتين سياسيتين وعسكريتين في الأرض المحتلة وصلت إلى طريق مسدود وبلغت مفترق الطرق.
وقبل ان اشرح ما عندي في الموضوع، فإنني أدعو إلى الحذر وعدم التعميم في الحديث عن فتح، التي لم تعد شيئا واحدا، وإنما تعددت فيها الأجنحة والتيارات، ورغم ما سمي بالتيار الانقلابي داخل التنظيم هو الأعلى صوتا، إلا انه ليس الوحيد وليس الأكثر وما تأجيل اجتماع اللجنة المركزية لفتح، الذي كان مقررا عقده في عمان خلال الأسبوع الماضي، إلا أحد الأدلة التي تؤيد ما ادعيه، لأن أبومازن دعا إلى عقد ذلك الاجتماع ليخرج منه بضوء اخضر يمكنه من إقصاء حكومة حماس، وهو مطلب رفضته القيادات الوطنية في فتح، الأمر الذي اغضب الرئيس الفلسطيني، فألغى الاجتماع وعاد إلى رام الله.
في الوقت ذاته لا تفوتنا ملاحظة ان القوة التنظيمية التي أسسها وزير الداخلية الفلسطيني، وضمت 5500 شخص، هذه القوة تضم 800 من عناصر كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، ومثلهم من ألوية الناصر صلاح الدين، وهو تنظيم أقرب إلى فتح منه إلى حماس.
هذا التوتر الذي بلغ درجة عالية من الحدة بين الرئاسة والحكومة له في رأيي مصدران أساسيان، أولهما ان بين قيادات فتح تيارا أحاط بأبومازن أيد من السلطة، واعتبرها وقفا عليه، ولذلك فهو غير مستعد لقبول فكرة تداولها مع آخرين.
وفى الوقت ذاته فانه على استعداد كبير للتضحية بأي شيء مقابل استعادة السلطة والعودة إلى احتكارها بما يستصحبه ذلك من مصالح سياسية ومالية لا حدود لها.
المصدر الثاني البالغ الأهمية ان ثمة ضغوطا خارجية قوية لإخراج حماس من السلطة ومن المشهد السياسي، وهذه الضغوط إسرائيلية وأميركية بالدرجة الأولى ولها أصداؤها في المحيط العربي والاتحاد الأوروبي.
ما اعنيه ان هناك توافقا بين مصالح البعض في الداخل وحسابات البعض في الخارج على ضرورة إقصاء حماس تماما من الحكومة، وحتى أكون دقيقا فإنني ازعم بأن الانقلابيين في الداخل ما كان لهم ان يكشروا عن أنيابهم ويمارسوا الجرأة في موقفهم، إلا إذا كانوا مطمئنين إلى مساندة الخارج.
ولأن الإقصاء هو المطلب الرئيسي، خصوصا بعد هزيمة الإسرائيليين في لبنان وفشلهم في تحقيق أهدافهم، وفي ظل التورط الأميركي في العراق وحرص الإدارة الأميركية على تحقيق إنجاز صورتها وهي مقبلة على انتخابات النصفي للكونجرس، فكان من الطبيعي ان يغلق الباب أمام أية مرونة تقدمها حماس إذ المطلوب هكذا بصريح العبارة ـ ليس حماس المرنة في السلطة، وإنما الخيار بات واضحا ومعلنا، فإما ان تنبطح الحركة وتقبل بالاملاءات الإسرائيلية التي أصبحت تسمى «دولية»، وعندئذ ستبقى وسيرحب بها «شريكا» في الحكم، وإما ان تخرج من السلطة وتختفي عن المسرح السياسي إذا أمكن.
ولان الخيار الراهن على هذا النحو، فان وثيقة التوافق الوطني التي تم التوصل إليها جرى تجاهلها، ولم يعد أحد يأتي على ذكر لها، رغم الضجة الإعلامية التي أحاطت بوثيقة الأسرى والقدسية التي اضفاها عليها أبومازن وجماعته، والتهديد الذي أطلقه الرئيس الفلسطيني بإجراء استفتاء حولها، إذا ما رفضتها حماس، وحين قبلت بها وصاغت فيها مع بقية الفصائل وثيقة الوفاق، أدار أبومازن ظهره لها بزعم ان تسويقها ليس ممكنا في الساحة الدولية، في إشارة واضحة إلى ان المطلوب والحاسم هو الانصياع للإرادة الدولية وليس الاستجابة لمتطلبات الوفاق الوطني الفلسطيني.
تجاهل وثيقة الوفاق ترتب عليه رفض فكرة حكومة الوحدة الوطنية، وهذه الفكرة التي تمسكت بها بعض القيادات الوطنية في فتح، وبسببها عارضت توجه أبومازن إلى تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة طوارئ لان إطار حكومة الوحدة المنشودة يفترض وجود حماس على رأسها باعتبار أنها صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي، في حين ان المطلوب هو التخلص مما اعتبروه «كابوس» حماس، تماما كما كان المطلوب في العدوان على لبنان هو التخلص من «كابوس» حزب الله.
ثمة إشارات تدل على ان فكرة حكومة «التكنوقراط» تحظى بالأولوية في مناقشات الكواليس الدائرة هذه الأيام إذا أمكن قبولها من جانب قيادات حماس، وقد فهمت بأن حكومة الطوارئ استبعدت لأنها لابد ان تنال ثقة المجلس التشريعي بعد ثلاثين يوما من تشكيلها، حسب القانون الأساسي، وفي هذه الحالة فإن رفض حماس لها سيؤدي إلى إسقاطها لا محالة، كما استبعدت فكرة إجراء انتخابات مبكرة، أولا لان الإعداد لها يستغرق شهرين وهي مدة لا يتحملها الموقف المحتقن في الوقت الراهن، وثانيا لأن نتيجتها غير مضمونة بالنسبة لفتح، وثالثا لأنها قد تفتح الأبواب لإجراء انتخابات رئاسية قد يصبح أبومازن ضحيتها!
في هذه الحالة فان صيغة حكومة التكنوقراط تغدو الخيار الباقي الذي يمكن دراسته، هذا على افتراض ان في الأرض المحتلة تكنوقراط ليست لهم انتماءات سياسية (وهي عملية صعبة في مجتمع الأرض المحتلة الذي اصبح فيه الجميع مسيسيين) ومناقشة هذا الخيار ممكنة في حالة واحدة هي ان يتعامل أبومازن بقدر من المرونة مع الشروط الإسرائيلية والأميركية التي تصر على إخراج حماس من السلطة، خصوصا في ظل الواقع الذي فرضته الانتخابات الديمقراطية التي جرت، والتي فازت فيها حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي، وتلك حقيقة يتعذر تجاهلها في تشكيل وزاري ناهيك عن ان هذه الأغلبية كفيلة بإسقاط أية حكومة لا ترضى ؟!
وإذا كنا بازاء مخرج للمأزق يتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس، وهو ما تملص منه أبومازن وجماعته وتعارضه الضغوط الدولية، أو تشكيل حكومة تكنوقراط يقبل بها أبومازن في حين تعارضها حركة حماس، فثمة حل وسط احسبه يوفق بين الاقتراحين، هو ان تشكل حكومة برئاسة أحد التكنوقراط من غير أعضاء حماس أو فتح، وان تشكل وزارة الوحدة الوطنية بحيث تشارك فيها الفصائل بحسب نسبة تمثيلها في المجلس التشريعي، وهي صيغة احسبها توفق بين إرادة الشعب الفلسطيني التي تجلت في الانتخابات، وبين الشروط الدولية التي أصبحت ـ للأسف الشديد ـ تتحكم في المصير الفلسطيني، خصوصا بعدما خرج العالم العربي من المعادلة، ولم تعد فلسطين قضيته المركزية..!
ترى: هل يوافق أبومازن على الاقتراح، وهل تقبل به قيادة حماس؟
............................................
*الشرق الأوسط ـ في 25/10/2006م.

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 06:14 PM
انضمام أميركا رسميا إلى نادي جمهوريات التعذيب

بقلم: فهمي هويدي
.....................

أخيرا تم تقنين التعذيب فى الولايات المتحدة، شريطة ألا يطال المواطنين الأمريكيين، حتى الآن على الأقل. فقد أقر مجلس النواب هذا الأسبوع قانونا جديدا ـ سبق أن مرره مجلس الشيوخ ـ بخصوص محاكمة واستجواب «الارهابيين»، وهذه هي المرة الأولى التي يصبح فيها تعذيب المتهمين «قانونيا» في النظام الامريكي، كما أن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها دولة على الالتفاف على معاهدة جنيف بشأن الأسرى، التي تحظر مادتها الثالثة «المعاملة المهينة والمساس بالكرامة الشخصية للمعتقلين»، الأمر الذي يعد انتكاسة خطيرة سياسية وأخلاقية تفتح الباب واسعا لتقنين التعذيب، اقتداء بممارسات الدولة العظمى، على نحو يدخل العالم الى عصر جديد، تضفى فيه الشرعية على انتهاكات حقوق الانسان.
مناسبة اصدار القانون الجديد، هي تعدد أحكام المحاكم الأمريكية بشأن مصير مئات الأسرى، الذين أودعتهم الولايات المتحدة سجن جوانتانامو منذ عدة سنوات، وتعرضوا للتعذيب أثناء استجوابهم. ومن ثم كتب عليهم ان يظلوا محتجزين لآجال غير معلومة، على ذمة تهم غامضة غير معروفة، وهو وضع لم تقبل به المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة، التي قضت في عام 2004 بأن المعتقلين يجب أن يتمتعوا بحق الاحتجاج على اعتقالهم امام المحاكم الفيدرالية، الأمر الذي شجع المحامين على رفع حوالي 400 قضية امام المحاكم تتعلق بحقوق المعتقلين ومصيرهم، مما سبب إحراجا كبيرا للإدارة الأمريكية المقبلة على انتخابات تشريعية فى الشهر القادم. ذلك أن من شأن تلك القضايا أن تفضح ممارساتها في جوانتانامو، التي جرى التعتيم عليها طول الوقت، ولم يدرك الرأي العام بعد وجهها القبيح، على النحو الذي حدث مع انفضاح أمر سجن ابو غريب والممارسات البشعة التي وقعت فيه.
الاجراء الذي لجأت اليه الادارة الامريكية لم يتمثل فى حل الاشكال عبر توفير محاكمة عادلة للمحتجزين، تعاقب «المذنبين» وتطلق سراح الأبرياء، تمهيدا لاغلاق الملف المشين، خصوصا أن ثمة تقارير ترجح أن 70% من سجناء سجن جوانتانامو أبرياء. ولم تصح الوقائع التي نسبت إليهم وكانت الدافع الى اعتقالهم وترحيلهم الى «الباستيل» الجديد.
لم تسلك الادارة الامريكية السلوك المفترض في اية دولة متحضرة ديمقراطية، ولكنها لجأت إلى تقنين المعاملة المهينة والوضع الشاذ، الذي فرضته على أولئك المعتقلين، مستخدمة في ذلك لافتة الحرب على الارهاب. ومستفيدة من اغلبية الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب لتمرير المشروع الجديد، بما يسمح بالتستر على ما كان، وإضفاء الشرعية على مختلف الممارسات التي تقدم عليها ضد المحتجزين، سواء في استنطاقهم أو احتجازهم، أو إخضاعهم للمحاكمة العسكرية والاستثنائية، وفي الوقت ذاته اسقاط جميع القضايا المرفوعة لصالح المحتجزين امام المحاكم الفيدرالية. ناهيك من إبطال مفعول قرار المحكمة العليا بعدم قانونية المحاكم واللجان العسكرية، وعدم شرعية نظرها لقضايا المعتقلين.
لقد أبقى القانون الجديد على السجون السرية، التي كان انكشاف أمرها أخيرا فضيحة جديدة للادارة الأمريكية، كما أتاح للمحققين الأمريكيين استعمال «أساليب شديدة» في استنطاق واستجواب المتهمين ـ غير الامريكيين بطبيعة الحال ـ والاصرار على منع التعذيب الجسدي بالجرح او البتر أو الاغتصاب، في حين أجاز استعمال «وسائل تقنية» اخرى قاسية وغير مألوفة للحصول على المعلومات. وترك القانون للرئيس الامريكي حق تحديد ما هي الأساليب المتبعة في هذا الصدد. وقد أوضح البيت الأبيض أن جزءا من التقنيات المسموح بها، أن القانون يسمح بمحاكمة المحتجزين أمام محاكم عسكرية خاصة، وأضيف انه لا يسمح للمتهمين باستئناف الاحكام امام المحاكم الفيدرالية، بل إن القانون يذهب الى أبعد من حيث انه يسمح باعتماد «الوشاية او الاشاعة او الافادة من شخص آخر»، إذا رأى رئيس المحكمة العسكرية ان لها مصداقيتها (وهو الامر الذي ترفضه بشدة المحاكم الامريكية العادية) ـ وفي ظل تلك الرخصة بات متاحا للأجهزة الأمنية الرسمية إفادتها الخاصة امام المحاكم العسكرية، وألا يكون هناك مجال للطعن في سلامة ذلك الاجراء، بحيث تعتمد تلك الافادات في الإدانة، التي لا مجال للطعن فيها بأي حال.
الخلاصة ان مضمون القانون، وهو يطلق يد السلطات الامريكية في محاكمة المشتبهين والمحتجزين، فانه يهدر على نحو مدهش كافة الضمانات التي كفلتها القوانين لحمايتهم اثناء التحقيق، أو توفير محاكمة عادلة لهم.
(لم يكن الامر سهلا، ولكن الإدارة الأمريكية خاضت لأجل تمرير القانون معركة شرسة استمرت طيلة الأسابيع الماضية، قادتها منظمات الحقوق المدنية، وشارك فيها عدد غير قليل من السياسيين والعسكريين البارزين، الذين حذروا من خطورة مضمون المشروع، ليس فقط على منظومة الحقوق المدنية، ولكن أيضا على السمعة الاخلاقية للولايات المتحدة ـ اذ هي بهذه الخطوة لا تشوه صورتها وسمعتها في العالم فحسب، وإنما أيضا تحدث ثغرة خطيرة في القوانين والمعاهدات الدولية، وبمقتضاها يرخص للدول الكبرى أن تهدر مضمون تلك القوانين والمعاهدات، وتفتح الباب للعبث بالتزاماتها بحجة «توضيحها».
تورط الادارة الامريكية في هذه الفضيحة الجديدة دفع وزير الخارجية السابق كولن باول الى الخروج عن صمته، والجهر بانتقادها، وهو الذي كان عضوا في الحكومة الى ما قبل 20 شهرا خلت. فقال في مقابلة تمت معه قبل عشرة ايام، «ان العالم بدأ الارتياب في الاساس الاخلاقي لكفاحنا ضد الارهاب»، وسجل اعتراضه على إعلان الرئيس بوش عن ان الولايات المتحدة ليست مرغمة على الالتزام بقواعد معاهدات جنيف في تعاملها مع المشتبهين في الضلوع في الإرهاب، مضيفا أن ذلك الموقف من شأنه أن يرسي سابقة بالنسبة للدول الأخرى، قد تعرض القوات الامريكية ذاتها للخطر (في حالة وقوع بعض أفرادها في الأسر وتعرضهم لمثل ما يتعرض له المحتجزون في الولايات المتحدة من تعذيب وإذلال. وتساءل باول أيضا: ماذا يكون موقف الادارة الامريكية لو ان بلدا مثل كوريا الشمالية او اية دولة أخرى سارت على نهجنا في «توضيح» واعادة تعريف بنود معاهدة جنيف، التي تمنع انتهاك الكرامة الشخصية والمعاملة المذلة للسجناء؟).
جديد هذا التطور بالنسبة لنا ولأمثالنا في العالم الثالث لا يتمثل في ممارسة التعذيب وعدم التردد في اهدار الكرامة الانسانية لغير الأمريكيين، ولكنه يتمثل في أمرين، أولهما إضفاء الحماية القانونية على تلك الممارسات والانتهاكات، وثانيهما سقوط الولايات المتحدة رسميا في اختبار الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، وفي الوقت ذاته سقوط كافة الدعاوى الامريكية التي تزعم انحيازا للديمقراطية والحرية.
هذا الوجه القبيح للممارسات الامريكية التي لا تتردد في انتهاك مختلف القيم والمبادئ في عوالم السياسة والقانون والأخلاق، إذا ما وقفت عثرة في طريق تحقيق المصالح والمطامح الأمريكية، يعرفه جيدا كل متابع للسياسة الامريكية منذ حرب إبادة الهنود الحمر وحتى احتلال العراق، مرورا بالممارسات البشعة في امريكا اللاتينية والتواطؤ على تركيع الشعب الفلسطيني وتسويغ قتله بواسطة الاسرائيليين.
وقعت اخيرا على نص محاضرة نشرتها مجلة «وجهات نظر» المصرية «عدد اول سبتمبر (ايلول)» للسفير البريطاني السابق كريج موري عن تجربته فى أوزبكستان التي عمل بها في الفترة ما بين عامي 2002 ـ 2004، وكان قد ألقى تلك المحاضرة في جامعة يورك الانجليزية، وقدم خلالها شهادة مثيرة للدعاية الامريكية الخاصة لنظام الرئيس كريموف، الذي لم يتخل عن أساليب التعذيب البشعة، التي كانت متبعة في العهد الستاليني، وقد وصفه السفير موري، بأنه احد اكثر الديكتاتوريين شرورا في العالم (عدد المعتقلين السياسيين يتراوح بين 10 و40 الفا)، ولأن للولايات المتحدة قاعدة عسكرية فى أوزبكستان تؤدي دورا مهما في وسط آسيا، فان الرئيس كريموف اعتبر أحد أبطال الحرية في العالم المعاصر، في خطاب ألقاه وزير الخزانة الامريكي ادنيل أثناء زيارته للعاصمة الاوزبكية طشقند في عام 2002، كما انه نزل ضيفا على الرئيس بوش، وشرب معه الشاي في البيت الأبيض، وقدمت له واشنطون مساعدات مالية سنوية وصلت الى 500 مليون دولار، وهو رقم يتجاوز بكثير ما تقدمه الادارة الامريكية لكل دول غرب افريقيا.
استوقفني في محاضرة السفير البريطاني ـ الذي قال انه طرد من عمله بسبب موقفه ـ أمران أولهما انه روى وقائع متعددة عبرت عن تواطؤ سفراء الدول الغربية في طشقند، وعدم مبالاتهم بالفظائع التي تجري في أوزبكستان، لمجرد أن الرئيس كريموف حليف للولايات المتحدة، وبلادهم بدورها حليفة لواشنطون. اما ثانيهما فحوار السفير كريج موري مع نظيره الأمريكي في طشقند حول التعذيب البشع الذي يتعرض له سجناء الرأي في أوزبكستان، وتبرير الأخير لتلك الانتهاكات بأنها موجهة ضد المسلمين، بما يعني أن ذلك يعد سببا كافيا يسوغ استباحتهم ما يرتكب بحقهم، ثم قوله ان الولايات المتحدة لا تمارس التعذيب لكنها لا تستطيع ان تمنع اصدقاءها من ممارسته لكسب المعركة ضد الارهاب. وهو كلام يستحق الان ان يراجع من جانب السفير الامريكي، لان بلاده اصبحت في ظل القانون الجديد رائدة في تقنين التعذيب، وبعد ان ظلت تلقننا حتى عهد قريب دروسا في الحرية والديمقراطية، فإنها أخذت عنا بعض رذائلنا وزايدت علينا بهذه الخطوة البائسة، ومن ثم اعلنت الانضمام رسميا الى نادي جمهوريات التعذيب في العالم المعاصر.
............................................
*الشرق الأوسط ـ في 4/10/2006م.

د. حسين علي محمد
24/04/2007, 06:15 PM
إنهم يستحضرون العفاريت.. ثم يطالبوننا بصرفها!

بقلم: فهمي هويدي
.....................

بعد خمس سنوات مما سمي بالحرب العالمية ضد الإرهاب، قرأنا تقريرا لرئيس وحدة مكافحة الإرهاب في بريطانيا (بيتر كلارك) أعلن فيه أن الموقف في بلاده «مقلق جداً». أيد ذلك الانطباع تقرير لجنة الاستخبارات والأمن البريطانية. وذكر أنه في عام 2001 قدر جهاز الاستخبارات الداخلية عدد المسلمين المشتبه فيهم بحوالي 250 شخصا. هذا الرقم تضاعف سنة 2004 حتى وصل الى 500 شخص. وفي العام الذي تلاه تزايد عدد المشتبهين من المسلمين الى 800 شخص. أما بعد تفجيرات لندن عام 2005 فقد وصل عدد المشتبهين المسلمين الى آلاف لم يتم حصرها بعد، أو لا يراد الإفصاح عنها في الوقت الراهن. هذا التزايد في أعداد المشتبهين تزامن مع تزايد مماثل في أعمال واحتمالات العنف في بريطانيا، والتي أعلنت عنها الأجهزة الأمنية، إذ بعد تفجيرات القطارات التي شهدتها لندن في يوليو (تموز) عام 2005، أعلن في شهر أغسطس (آب) من العام الحالي عن القبض على مجموعة من 20 شخصا قيل إنهم ضالعون في مخطط تفجير طائرات متجهة الى الولايات المتحدة. وقبل أيام قليلة في (2/9 الحالي) تم اعتقال 16 شخصا جديدا تطبيقا لقانون الإرهاب. وحسب توجيهات المصادر الأمنية، فان هذه المجموعات مستقلة، ولا علاقة بين بعضها البعض، الأمر الذي استنتج منه الخبراء أن ثمة تعددا في الخلايا التي يشتبه في إقدامها على عمليات إرهابية داخل بريطانيا.
لم تكن المنظمات الإسلامية في بريطانيا وحدها التي أعلنت أن سياسة حكومة بلير في الشرق الأوسط، بوجه أخص منذ مساندتها للولايات المتحدة والاشتراك معها في غزو العراق، كانت من بين الأسباب التي فجرت مشاعر التعصب بين الشبان المسلمين في بريطانيا، ذلك أن هذا التحليل أصبح محل اتفاق بين أغلب المثقفين الإنجليز الذين عبروا عن آرائهم في هذا الصدد في العديد من التعليقات الصحفية والبرامج التلفزيونية، بل إن هذا هو أيضا رأي المسؤولين عن أجهزة الأمن، وهو ما تجلى في التصريح الذي أدلى به لهيئة الإذاعة البريطانية بيتر كلارك رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة اسكوتلانديارد، وتحدث فيه عن تعلق الشبان المسلمين الإنجليز بالحاصل في العراق، وكان من الخلاصات المهمة التي خرج بها مراسل «بي بي سي» بعد أن حقق في الأمر طيلة عام كامل، أن الصراع في العراق هو السبب الرئيسي لتطرف الشبان المسلمين هناك.
بشكل مواز، أعلنت الشرطة الألمانية أن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام والتي نشرتها الصحف الغربية، كانت الدافع الرئيسي وراء المحاولتين الفاشلتين لتفجير قطارين غرب ألمانيا خلال شهر يوليو الماضي، أثناء استضافة ألمانيا لبطولة كأس العالم لكرة القدم، بحسب ما ذكرته صحيفة «فيست دويتش» الألمانية في (2/9)، إذ نقلت الصحيفة تصريحات لرئيس الشرطة الفيدرالية الألمانية، يورج زيركير قال فيها إن المشتبه فيه الرئيسي في الهجمات، يوسف الحاج ديب، اعترف خلال التحقيقات بأنه بدأ التخطيط لتفجير القطارين بعد تواتر نشر الرسوم المسيئة للرسول في العام الماضي، حيث شرع فريقه في مراقبة مواعيد القطارات تمهيدا لتفجيرها وتوصيل رسالة الاحتجاج والغضب الى المجتمع الغربي.
ما الذي يعنيه ذلك؟
لا يحتاج المرء الى بذل جهد كبير للإقرار بأن ما سمي بالحملة على الإرهاب حققت فشلا ذريعا. ليس ذلك فحسب، وإنما كانت سبيلا الى توسيع دائرة الإرهاب وتعميمه، وهي خلاصة مهمة. يستغرب المرء كيف أن أصحاب القرار في الدول التي أعلنت تلك الحرب المزعومة لا يريدون الاعتراف بها، ويصرون على استمرار السياسة نفسها التي أوصلت الأمور الى ما وصلت اليه، وتتضاعف دهشة المرء حين يقرأ وسط هذه الأجواء كلاما صدر عن الرئيس بوش، قال فيه انه إذا لم يتم دحر الإرهاب في بغداد، فانه سيتعين على الأمريكيين وقتئذ محاربته في شوارعهم. في إشارة موحية تثير الشك في مسلك المسلمين الأمريكيين، وفي الغرب عموما.
لابد أن يلاحظ في هذا الصدد أن العالم الإسلامي شهد خلال الفترات الخمس الماضية ما لا حصر له في الإجراءات والمراجعات التي يفترض أنها تعبير عن التجاوب مع الحرب المفترضة ضد الإرهاب. وبصرف النظر عن رأينا في جدوى ومدى الصواب في تلك الإجراءات، فالشاهد إنها حدثت، في حين أننا لم نجد خطوة واحدة في الجانب الآخر، موحية بأن ثمة مراجعات من جانبهم، سواء في السياسات والمواقف التي استفزت الضمير الإسلامي وأهانته، أو في الخطاب الإعلامي الذي ما برح يجرح المسلمين ويستثير المشاعر ضدهم، مرورا بمناهج التعليم التي ما زالت تحمل أصداء وبصمات الحروب الصليبية بما تضمنته من تحريض واستثارة ضد المسلمين كافة. وذهب بعض الساسة الغربيين الى أبعد، الأمر الذي تجلَّى في استخدام الرئيس بوش لمصطلح الفاشية الإسلامية، اشك في انه يعرف المدلول الحقيقي لكلمة الفاشية كما حدث في إطلاقه وصف الحروب الصليبية عنوانا للحرب ضد الإرهاب. تجلى ذلك التحامل أيضا في غمز رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الثقافة الإسلامية وتحقيرها من جانب برلسكوني رئيس الحكومة الإيطالية السابق.
استمرار هذا الموقف لا يبشر بالخير، ذلك أن من شأن تلك التعبئة المعادية للمسلمين والجارحة لهم أن توقظ لدى المواطن الغربي شعوره بالتوحش والبغض إزاء المسلمين، خصوصا المقيمين منهم في الغرب،
(عددهم في أوروبا والولايات المتحدة بين 25 و30 مليون مسلم). ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك الى تعميق الفجوة بين المسلمين والمجتمعات المحيطة بهم ونحن لا نتحدث عن افتراضات لأن ذلك حدث بالفعل ليس فقط في الولايات المتحدة التي يتحدث ممثلو المنظمات الإسلامية فيها عن تزايد مستمر في مظاهر الكراهية للمسلمين في مختلف الولايات، ولكن ذلك حاصل أيضا في أوروبا، التي كنا الى عهد قريب نعتقد أنها اقرب الى العالم العربي والإسلامي، ومن ثم اكثر فهما له وتجاوبا معه. ورغم أن ذلك الانطباع لا يزال صحيحا الى حد كبير، إلا إننا ينبغي ألا ننكر أن مظاهر الخوف والقلق زحفت الى بعض القطاعات، حتى في بريطانيا التي لها رصيدها المعتبر في احترام تعدد الثقافات.
وفي إسبانيا التي تحتل مكانة خاصة في الذاكرة العربية، بحسبانها صديقة للعرب والمسلمين. في هذين البلدين بوجه أخص تعددت في الآونة الأخيرة وقائع النفور من المسلمين والتوجس منهم، الى الحد الذي دفع بعض ركاب الطائرات الى الامتناع عن الصعود اليها لمجرد أن بين الركاب عددا من المسلمين!
في هذه الأجواء تصبح مسألة التعايش بين الجاليات المسلمة والمجتمعات الغربية في خطر، ولا يغدو هناك محل لأي حديث عن حوار الحضارات، لكن أخطر ما في الأمر أن المناخ سيظل مهيأ لمزيد من مظاهر العنف، الذي قد يدفع اليه نفر من أبناء المسلمين الذين اصبحوا مواطنين في تلك الأقطار.
ما العمل إذن؟
للأسف، لا يبدو أن في الأفق حلا ممكنا لذلك الإشكال، فالعالم العربي والإسلامي لا يملك الكبير الذي يمكن أن يفعله، في الوقت ذاته فان السياسيين الغربيين الذين نسمع أصواتهم في الأقل، ليسوا على وعي كاف بأن السياسات الغربية في المنطقة هي العامل الأكثر تأثيرا في تفجير مشاعر الغضب بين شباب الجاليات المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة؛ وبالتالي فانهم لا يرون جذور المشكلة ويصرون على التعامل مع تداعياتها وأصدائها، ولا يريدون أن يعترفوا بان إصرارهم على قهر المسلمين وإذلاهم هو المفجر الأول للمشاكل التي يعانون منها. وأية عوامل أخري اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية، تأتي تالية في الترتيب، على الحاصل في فلسطين والعراق من جرائم لها امتدادها التي تابعناها في أفغانستان ولبنان.
إننا نقرأ تصريحات للرئيس بوش يتحدث عن ضرورة التعامل مع جذور المشكلة، وذلك كلام طيب، لا نلبث أن نكتشف في نهاية المطاف أن التعامل مع الجذور يراد به التسليم بالحلول التي تريدها إسرائيل وتستجيب لطموحات الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
لقد بحت الأصوات في العالم العربي من كثرة الحديث عن نبذ العنف وضرورة الاعتدال. والالتزام بالوسطية والتسامح و...و.. الخ لكن تبين أن هذا كله لا يمكن أن يحقق مردوده داخل العالم العربي أو خارجه طالما استمر إرهاب الدولة الإسرائيلية ليس فقط في فلسطين وإنما وجدناه في لبنان مؤيدا من قبل الدول الغربية الكبرى، وطالما استمر الاحتلال في العراق.
في الأمثال العامية المصرية أن الذي استحضر العفريت هو الذي يتعين عليه أن يصرِفَهُ، لكن الغربيين في حالتنا هذه يستحضرون «العفاريت» ثم يطالبوننا نحن بصرفها!
............................................
*الشرق الأوسط ـ في 6/9/2006م.

احمد خميس
25/02/2008, 07:32 PM
http://www.swahl.com/up/m120/swahlcom_22287.gif

د. حسين علي محمد
28/02/2008, 05:07 AM
شكراً للأستاذ أحمد خميس،
مع تحياتي.

احمد خميس
28/02/2008, 02:02 PM
دمت بكل خير
احمد خميس
مصر
مطروح

د. حسين علي محمد
29/02/2008, 02:04 PM
شكراً جديداً للأستاذ أحمد خميس،
مع تحياتي.