المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من واحة الشعراء- عماد العجرش



عماد العجرش
28/03/2007, 06:21 PM
مقدّمه:
الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على خير الهداةِ والمرسلين ، محمّد بن عبد الله r . أمّا بعدُ : يسرُّني كلَّ المسرّة أن أتجوّل بينَ فيضِ الخواطرِ ، وفيض المشاعر عند باب كلِّ شاعرٍ فأطرق قلبهُ كي أتعرّف عليه وعلى أشعاره . مستنجداً في ذلك كلَّ ما منحني الله من قوّة .
فوضعت في هذه الصفحات . حياة الشاعر ، شعره ، بعض الأبيات له فأهدي هذا الصفحات إلى جميع الأخوة القراء .
راجياً منه - تعالى - أن ينفعهم به .








عماد جاسم العجرش










أحمد شوقي
1 285 - 1351 هـ / 1868 - 1932 م

أحمد بن علي بن أحمد شوقي.أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء
مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وأرسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا،



فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف.عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا
أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا
وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا
عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا
















بدر شاكر السّياب

يعدّ السّياب واحد من رواد الشعر العربي المعاصر ، إذ خرج على عمود الشعر وهجر القصيدة التقليدية ، في جانب كبير من شعره .
وُلد السّيابُ في عام( 1344 – 1926م ) ستة وعشرين وتسعمائة وألف في قرية تدعى جيكور في جنوب العراق ، وهي خاملة الذكر ، شأنها شأن كثير من القرى المنسيّة في الريف ، ولكنّها بعد ولادة السّياب ونبوغ شاعرتيه غدت من أكثر القرى العربية ذكراً في أوساط المثقفين بعامّه .
لقد عانى السّياب من حياة اليتم إثر وفاةِ والدته ، سنة اثنتين وثلاثينَ وتسعمئة وألف ، ولم يكن قد جاوز السادسة من عمره فعهدته جدته لأمه ، وقامت على تربيته ، دخل أكثر من مدرسة ابتدائية في جنوب العراق ، وفي عام ثمانية وثلاثين وتسعمئة وألف التحق بمدرسة البصرة الثانوية .
ما إن فرغ من دراسته الثانوية في عام اثنين وأربعين وتسعمئة وألف حتّى التحق بدار المعلمين العالية في بغداد ، كما درس بقسم اللغة العربية وتأثر بآدابها ثم ما لبث أن عرف الشاعرين :[ ت، اس ، اليوت ] .
فُصِلَ السّياب من دار المعلمين العالية في سنة ست وأربعين وتسعمئة وألف بعد أن تزعّم حركة إضراب في الكليّة ،إثر قرار إداري يقتضي بإضافة سنة رابعة إلى عدد سنوات الدراسة. أعيد إلى دار المعلمين في خريف عام ستة وأربعين وتسعمئة وألف ، وقد تخرّج فيها ليعمل مدرّساً - وكان قد تحوّل عن دراسة اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية في إحدى المدارس الثانوية في العراق بسبب نشاطه السياسي - فرّ إلى البصرة ثمَّ إلى إيران وفي عام ثلاثة وخمسين وتسعمئة وألف جاء الكويت وعمل في شركةٍ للكهرباء ثم عاد إلى بغداد وعمل في الصحافة وقد توفّي في المشفى الأميري في الكويت إثر مرضٍ عضال ظلّ ملازمه فترة ثلاث سنوات (1384ﻫ - 1964 م ) .
أثاره ومؤلّفاته :
= أزهار ذابلة .
= أزهار وأساطير .
= أنشودة المطر .
=له ديوان سماه :[ أعاصير ] .
وله قصيدة في الصف التاسع الأساسي بعنوان الوصية 0
الوصيّة
من مرضي000من السّريرِ الأبيضِ000من جاريَ إبهار على فراشهِ وحشرجَا000يمصُّ من زجاجةٍ أنفاسَهُ المُصفِّرة000من حُلُمي الّذي يمدُّ لي طريقَ المقبرة000والقمرِ المريضِ والدُّجى أكتبهُا وصيّةً لزوجتي المُنتظِرة000وطفلي الصّارخ في رقادِهِ : ((أبي ... أبي )) تلمُّ في حروفِها من عمرِي المُعذَّبِ000لو أنَّ موليس وقد عاد إلى دياره000صاحت به الآلهة الحاقدة المدمِّرة
000أن ينشر الشراع أن يضلَّ في بحاره000دون يقينٍ أن يعود في غدٍ لداره000إقبال يا زوجتي الحبيبة000لا تعذليني فالمنايا بيدي 000ولسْت ، ولو نجوت ، بالـمُخلِّد ([1] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn1)) 0




الشاعر الثاني :


أبو القاسم الشابّ‍ي
ولد في قرية اسمها الشابّة على مقربةٍ من توزر في منطقة الجريد ([2] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn2))من جنوب تونس . يوم الأربعاء الواقع في الرابع والعشرين من شهر شباط ألفٍ وتسعمئة وتسعه .
تحوي منطقته على النخيل وأشجار الفاكهة والبقول على أنواعها ، والبساتين هناك خصبة ، أنيقة ، مزخرفة ، يعود الفضل في خصبها إلى مياه الرّي الوافرة وكلُّها ترد من ينابيع ثرة سائغة .
نشأ في أسرة دينيّة ، ومعنى ذلك أنَّ والده ينتمي إلى تلك الطبقة أو الفئة من فئات المجتمع الإسلامي التي تنصرف أكثر ما تنصرف إلى الشؤون الروحيّة والفقهيّة وتجعل همَّها في الحياة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " .
عندما بلغ سنَّ الابتدائية أرسله والده إلى الكتّاب([3] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn3))أخذ عن والده دراسة أصول اللغة ، وقواعد النحو والصرف . انتقل إلى جامع الزيتونة في تونس وأقام هناك سبع سنوات حتى أخذ الإجازة النهائيّة للجامع .
أصبح عالماً دينيّاً وهو في الثامنة عشره من عمره ، لم يكتفِ والده بذلك إنّما حضّه على دراسة الحقوق فأقبل عليها وراح في أثنائها يمارس الأدب ويكتب الشعر ، انضمَّ إلى النادي الأدبي .
أخذت مواهب الشّابّي الأدبية تبرز وتعبر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاضرات أيقظت الناس على صاحبها وهو دون العشرين وكانت باكورة أعماله الخيال الشعري عند العرب .
من أهم أعماله :
- الخيال الشعري عند العرب .
- أغاني الحياة





مقتطفات عن حياة الشّابّي: التجربة الكبرى ([4] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn4))
هناك في حياة الشّابّي تجربة قاسية كبرى ، قلَّ أن يمرَّ بها إنسان دون أن تجعله شاعراً فكيف إذا مرّ بها شاعر مثل الشّابّي. ألا وهي تعلّـقهُ بفتاة ماتت وهي تحبّهُ ، ماتت وهي برعم لم يتفتح ، ماتت وهو يشتاق إلى التمتّع بظلّها .
وكان من أثر هذه الفاجعة في كيانه ، أن تفجّرت في حناياه بواعث العذاب وانطوى قلبه على أسىً لا سبيل فيه إلى عزاء ، واضطرم فكره بمعنى " الموت " وما يؤكّّد هذا المعنى من وحشة وهول وظلام واكتئاب وقلق قوله :
بالأمسِ قد كانتْ حياتي كالسّماء الباسمة واليومَ قد أمستْ كأعماقِ الكهوفِ الواجمهْ
قد كان لي ما بينَ أحلامي الجميلة جدول يجري به ماءُ المحبّةِ طاهراً يتسلسل
هو جدول قد فجّرتْ ينبوعهُ في مهجتي أجفانُ فاتنةٍ أريتنيها الحياة لشقوتي
أجفانُ فاتنةٍ تراءت لي على فجر الشباب كعروسةٍ من غانياتِ الشعرِ في شفقِ السحابِ
وبعد ذلك اضطرَّ أهله إلى تزويجه في سنٍّ مبكرةٍ لينصرف عن أوهامه وتأمّلاته الحزينة ، ويسلو آلامه ، ثم فاجأه الموت بفقد أبيه .
وأصيب كما قرر أطبّائهُ بانتفاخ في القلب جعله ينتقل من مكان إلى أخر ؛ طلباً للشفاء ولكن عبثاً فقد أصاب الدّاء منه مقتلاً ولم يلبث أن فارق دنياه .



ومن أشهر قصائده:


إرادةُ الحياة



إذا الشّعبُ يومـــاً أرادَ الـــحيـــاةَ فلا بُدَّ أن يسـتجيبَ القـــــــــــدرْ

ولا بـــدَّ لليـلِ أن ينـــجلــــــــــي ولا بُـدَّ للــقيدِ أنْ يـــــنـــــكســـْر

ومنْ لــم يعانقْهُ شــــوقُ الحياة تبــخَّرَ في جــوّهــــا وانـــــدثــرْ

فـويل لمن لــــم تشــقه الحيــاة من صــــفعة العــــــــدم المنتصر

كذلك قـالَـــتْ لـي الكائــــــنــاتُ وحـدّثني روحُـــــــهــا المُستـــتِرْ

ودمــدمت الـريح بين الفـجـــاج وفوق الجبـــال وتـحت الشجــــر

إذا مـــا طــــمِحْــــتُ إلى غايــةٍ لركبتُ الـمـنى ، ونـسيت الـحــذرْ

ولـم اتـجـنب وعــورَ الشِّعـــابِ ولا كُبّـةَ الــلّهـــــبِ الـمُستـــعِــــرْ

ومنْ يتـــهيبْ صعـــودَ الجــبالِ يعِشْ أبـدَ الدهـرِ بــيـــنَ الـحُـفـــرْ

فعجّــت بقلـبي دمــــاءُ الشـبابِ وضــجّتْ بصـــدري ريـاح أُخــــرْ

وأطرقت أُصغي لقصـف الرعودِ وعــــزفِ اــــلرّياحِ ، ووقعِ المطرْ










بدر شاكر السيّاب






الشاعر الثاني :


الجواهري
لمحة عن حياته :
وُلد الجواهري في النجفِ سنة تسعٍ وتسعين وثمانمائةٍ وألف ، ظهرت مجموعته الأولى سنة إحدى وعشرين وتسعمائةٍ وألف بعنوان : ( حلبة الأدب ) . تأثّر كثيراً بمخاض ثورة العشرين وظهر ذلك في شعره0
أصدر جريدة الفرات ، ثمَّ أُبعِد إلى البصرة بعدما أمتدح الأمير فيصل بن عبد العزيز نِكاية بملك العراق .
انتُخِبَ عامَ سبعةٍ وأربعين وتسعمائة وألف نائباً معارضاً عن كربلاء .استقرَّ في ( بُراغ ) لسنواتٍ , وأصدرت دور الطليعة الجزء الأول من ديوانه ، ثم أصدرت وزارة الإعلام العراقيّة ديوانه في مطلع السبعينات.
توفّّي الشاعر الجواهري في دمشقَ وفيها دُفن سنة سبعٍ وتسعين وتسعمائة وألف .
قال عنه البيّاتي :
شعرُكَ كانَ الزّادَ والماءَ في عِراقنِا الطّاعنِ في الحبسِ
يُعدّ ألجواهري شاعر الصّواعق القويّة : السخرية ، والغضب في شعره وجهان لعملة واحدة ، فهو شديد السُّخرية بالطّبقة الحاكمة حيث يقول :
ما نهبتم فوزّعوا للحواشي واقطعوا
أمَّا غضبهُ فهيهات أن تجدَ في الشّعر العربي كقوةِ غضبهِ . كما جاء في قصيدته بعنوان " اطبق الدُّجى " فهو يجعل السماء تطبق على الأرض الّتي يرضى الناس أن يعيشوا فيها أذلاء فيقول :
أطبق دجى , أطبق ضبابْ أطبق جهاماً يا سحاب
أطبق عـلى متلبّديـن شكـا خمولهم الذُّباب
بغداد في شعر الجواهري :
على مر الأيام والعصور وبغداد تلهم الشعراء والأدباء المبدعين ، بسحرها وجمالها وأمجادها ، لقد قيل فيها الكثير ، وكتب عنها الكثير ، ولعل نصيبها من شعر الجواهري ليس بالقليل فلقد أنشدها ومنذ بداياته الشعرية وحتى يومنا هذا الكثير من المقطوعات التي تعبق بالشوق والعشق لها وتترنم بألقِها الغابر .
ثمة قصائد عناوينها تعكس هذا الحبَّ والإعجاب وقصائد أخرى لا تخلو من الإشارة إلى بغداد ، تنبض بالشوق والحنين لربوعها وبساتينها وأنهارها وأُناسها :
خذي نفس الصبا " بغــدادُ " إنّي بعثت لك الهوى عرضاً وطولا
يذكرني أريـــج بــات يهدى إليَّ لـــطيمة الريح البليلا
هـــواءك إذ نهش لـه شمـالاً وماءك إذ نصـــفقه شمولا
ودجلة حين تصـقلـها النعــامى كما مسحت يدٌ خدا صقيـلا
وما أحـلى الغصـون إذ تهــادت عليها نكس الأطراف مـيـلا
يلاعبها الصــــبا فتخال كفـا هناك ترقص الظل الظليــلا
ربوع مسرة طابت منــاخـهـا وراقت مربعاً ، وحلت مقيلا
وردت نميرها فـــحمدت بيتـاً لا حمد كاد لطـفاً أن يسيـلا
وَردنا ماءَ دجلة خير مــــاء وزرنا أشرف الشجـر النخيلا
( أبغدادُ ) اذكري كم من دمــوعٍ أزارتـكِ الصبابة والغليــلا

القدس في أحضان الجواهري :
ا لـقـدسُ




بـكـيـتُ 0000 حــتّى انـتـهـتِ الــدّمـوع ْ

صلـيتُ000 حـتـــّى ذابــتِ الشّمــوعْ

ركـعْتُ 0000حــتـّى مـلـنـي الـركــوع

يا قـدسُ0000 يـا مـديـنة ًً تـفـوح أنـبـيـاء ْ

ياأ قصرَ الــدّروبِ ، بينَ الأرضِ والســّمـــاءْ






الشاعر الثالث:


عبد الوهّاب البيّاتي
لمحة عن حياته:
ولد البيّاتي في العراق سنة ستٍ وعشرين وتسعمئة وألفٍ , تأثر بالريف وأغاني القرية ، تعرف على العالم على من خلال الحي الذي عاش فيه بالقرب من مسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد ، ودرس الثانوية في بغداد ، التحق بكلية دار المعلمين العليا ( 1944 _ 1950 ) ببغداد وتخرج منها حاملاً الليسانس في اللغة العربية وآدابها .
صدر ديوانه الأوّل ( ملائكة وشياطين ) في بيروت ، كما أصدر مجموعة من الكتب .
أقام البياتي في القاهرة بعد العدوان الثلاثي ، استطاع أن يزور النمسا عام ثمانيةٍ وخمسين وتسعمئةٍ ألف ليمثل البلاد العربية في مؤتمر الكتّاب والفنانين العالمي الذي عقد في فينّا بدعوة من مجلس السلام العالمي .
عاد إلى العراق بعد قيام ثورة تموز 1958م أسندت إليه مهمة مدير التأليف والترجمة والنشر في وزارة المعارف العربية .
أنتخب عضواً في الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين .
أقام في الاتحاد السوفاتي 1959_1964 وفي عام 1960 ترك العمل في السفارة واشتغل أستاذاً في جامعة موسكو ثم باحثاً علميناً في معهد شعوب أسيا التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية .
وقد ظل البياتي يتطور باستمرار رافضاً السكونية والجمود فجاءت كتبه خلال عقد السبعينيات تحمل تجديداً في اللغة والإيقاع وبناء القصيدة وتعقماً أكبر في الجانب الرمزي والموضوعات المأنوسة وحضوراً أدبياً أكثر نشاطاً للتصوف العربي القديم .
مـختـارات:
بور سعيد
على رخام الدّهر بور سعيدْ0000 قصيدةٌ مكتوبةٌ بالدّم والحديدْ000 قصيدةٌ عصماء … قصيدةٌ حمراءْ
تنزفُ من حروفها الدّماءُ تهدر في رويّها المُنتصِر الجبّارْ000 صيحاتُ فجر الثارْ000 تظلُّ من أبياتها بنادقُ الأنصارْ
وأعينُ الصغارْ000 على جبين الشّمس بور سعيدْ 000مدينةٌ شامخةٌ الأسوارْ000 شامخةٌ كالنّارْ000 كالإعصارْ
في أوجه اللصوص … لصوصِ أوربّا من التجارْ000 من مجرمي الحروبْ000 وشاربي الحروبْ

عبد الوهاب البيّاتي
الشاعر الرابع :


الخنساء
حياتها ونشأتها :
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشَّريد من بني سُلَيم , والخنساء لقبها ([5] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn5)) .
ولدت في الجاهلية وترعرعت في بيت سيادة وشرف فأبوها وأخواها معاوية وصخراً سادات بني سُليم ، وقد عاشت حياتها الأولى متميزة في أدبها وجمالها ولكن الدهر ما لبث أن فجعها بموت أخويها معاوية وصخر فجزعت عليهما وبكتهما أشد البكاء لا سيّما صخر لما اختبرته من كثرة إحسانه وسخائه .أدركت الخنساء الإسلام , ووفدت على النبي r مع قومها وأنشدته من شعرها .
وقد أنجبت الخنساء أربعة بنين ، ولما تهيئ المسلمون لفتح العراق جمعت أولادها الأربعة وحثّتهم على المشاركة في الجهاد ، فخاضوا معركة القادسية واستُشهدوا جميعاً .
توفيت الخنساء في البادية : ( 24ﻫ . 644- 645م ) في أول خلافة عثمان بن عفان t .
شخصيتها :
امتلكت الخنساء شخصية امتزج فيها لين الأنوثة بشدة الرجولة ، وجاء شعرها في الرثاء تعبيراً عمّا تملكه من عاطفة جيّاشة ، ولا عجب في ذلك ففجعتها الكبرى بمقتل أخويها ، ولا سيّما صخر ، ما كانت لتغيب عنها أبداً :
يُذَكَّرني طلوعُ الشمس صخراً وأذكرهُ لكل غروب شمسِ
وتذهب بها العاطفة الجيّاشة إلى أبعد من ذلك فتكاد تقتل نفسها :
ولـولا كثرةُ الباكينَ حـوليْ على إخوانِهم لقتلتُ نفسي
وكيف تنساه وهو الأخ الكريم المفضال التي التجأت إليه حين أتلف زوجها ماله , فمنحها صخر نصف ما يملك وكرر ذلك أكثر من مرة , ولذا انصبت عاطفتها نحوه فكانت حديث القلب المفجوع :
فـلا واللهِ مـا أنساكَ حتّى أُفارقَ مُهجتي ويُشَقَ رَمْسي
فقد ودّعتُ يومَ فراق صخرٍ أبي حسّان لَذّاتي وأُنْسي
والخنساء التي بكت أخويها حتى أفقدها البكاء نعمة البصر فتتحول في الإسلام إلى امرأة صابرة تملك شدة الرجال في تحمل الأهوال ، يأتيها خبر مقتل أولادها الأربعة فتر على الفاجعة المفجعة ردَّ الحكيم تقول : " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجوا أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ".

شِعـرُها :
الخنساء شاعرة مخضرمة ، ويذهب بعضهم إلى أنها جاهلية لأنها كانت تقول الشعر زمن النابغة الذبياني . ([6] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn6))وإلى هذا ذهبت الدكتورة بنت الشاطئ ([7] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn7)), في حين عدّها مؤرخو الأدب مخضرمة لأنها عاشت في الجاهلية ثم أدركت الإسلام فأسلمت وقالت الشعر في العصرين كليهما ([8] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn8)).

بدأت الخنساء شعرها قبل مقتل أخيها صخر وعرفت لها عدّة قصائد تأتي في مطلعها قصيدة رائية تصور مشهد سباق بين أبيها عمرو وأخيها صخراً وفيه يسبق أبوها أخاها ، والموقف محرج ، فان هي مدحت أباها هجت أخاها ، ولكنها تخلصت من الموقف أحسن تخلص بجعل سبق أبيها ليس ناجماً عن عجز أخيها بل إن إجلال الإبن للأب قلل من جراته على أن يسبقهُ .
ومن مراثيها المشهورة فيه مرثية تجمع فيها بين الرثاء والفخر ، تقول في مطلعها :
قـذَىً ([9] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn9)) بعينِكِ أم بـالعينِ عُوّارُ ([10] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn10)) أم ذَرَّفَتْ ([11] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn11))،أم خَلَتْ من أهلِها الدّارُ ؟
كانَّ عَيني لِذكراهُ ، إذا خَطَرتْ فَيْضٌ يسـيلُ عـلى الخَدَّينِ مِدْرارُ ([12] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn12))

مختارات من قصائدها:
يا عَينِ جودي بِالـدُموعِ المُستَهِـلّاتِ السَوافِـح


فَيضاً كَما فاضَت غُروبُ المُتـرَعاتِ مِنَ النَواضِح
وَأِبكي لِصَـخـرٍ إِذ ثَوى بَينَ الضَريحَةِ وَالصـَفائِح
رَمساً لَدى جَدَثٍ تُذيـعُ بِتُربِــهِ هوجُ الـنَوافِح
السَيِّدُ الجَحجاحُ وَاِبـنُ السـادَةِ الشُمِّ الجَحاجِح


الحامِـــلُ الثِقَلَ المُهِمُّ مِنَ المُــلِمّاتِ الفَوادِح
الجابِرُ العَظمَ الكَســيرَ مِنَ المُهـاصِـرِ وَالمُمانِح
الواهِبُ المِئَةِ الهِجــانِ مِنَ الخَناذيذِ السَــوابِح
الغافِرُ الذَنبِ العَظيـمِ لِذي القَـرابَةِ وَالمُـمالِح
ذاكَ الَّـذي كُنّــا بِهِ نَشفي المِراضَ مِـنَ اجَوانِح
ولقد قال لها النابغة الذبياني في سوق عكاظ : لولا أنّ أبا بُصير - يعني الأعشى – سَبقكِ فأنشدني لقلت : إنكِ أشعرُ منْ بالموسم . وسئل جرير مرّة من أشعر الناس ، قال : أنا لولا الخنساء 0




الخنساء




الشاعر الخامس :
حسّان بن ثابت t



نشأته وحياته :
هو حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام ، من بني النجار أحد بطون قبيلة الخزرج .
ولد في المدينة نحو عام ( 60 ق. ﻫ - 563 م ) وهو من الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، وكان يفدُ في الجاهلية على الغساسنة في الشام ويمدحهم كما وفد على المناذرة في الحيرة . ولما جاء الإسلام صار شاعر الرسول r ووقف شعره على الدفاع عن الدين الجديد , والرد على خصومه .
عمّر حسان طويلاً وزادت سِنّه على مئة عام وتوفي أيام معاوية t سنة(45ﻫ-674 م).
شخصيته :
تميز حسان بن ثابت بسرعة انفعاله , وفرط اعتزازه بنفسه وخصاله , والمبالغة في التعصب بقومه وهو , وإن لم يشارك في الوقائع والغزوات مع الرسول r نتيجة ما أصابه من علة منعته من ذلك , أو بسبب تقدمه في السن فقد كان فارساً لا يشق له غبار في ميدان المصاولة الشعرية , وروي أن الرسول r لما أرسل إلى حسان يدعوه إلى مقارعة المشركين قال :
( قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنَبَه ) ([13] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn13)).
شــعــره:
حين نُقَلب شعر حسان بن ثابت نجد المدح والهجاء والفخر في مقدّمة أغراضه الشعرية وهي أغراض لازمت شعره في الجاهلية والإسلام , ولكنّه لم يقصر شعره عليها بل طرق أبواب الرثاء والغزل أيضاً.
ومن روائع شعره في الجاهلية لاميتّه التي يمدح بها الغساسنة ومنها قوله:
يُغْشَونَ ([14] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn14))حتّى مــا تهرَّ ([15] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn15))كِلابُهم لا يسَألـونَ عـن السَّوادِ المُقْبِلِ
بيضُ الوجوهِ كـريمةٌ أنـــسابُهم شُمُ الأُنوفِ مــن الطَّرازِ الأوّلِ
وحسان في هجائه يجمع بين الفخر والهجاء ، من ذلك قوله في هجاء ابن اَلاَسْلَت وهو أحد سادة الأوس البارزين :

أًلا أبـلغْ أبـا قيسٍ رسولاً إذا ألـقى لهــا سمعاً تُبينُ
نسيتَ الجِسرَ يـومَ أبي عقيلٍ وعندَكَ مــن وقائعنا يَقِينُ
فلست لحاصِنٍ إن لم تزرْكُمْ خـلالَ الدّورمُْشعلَةٌ طَحونُ
تَشيبُ النْاهدُ العذراءُ فيهــا ويسقطُ مـن مَخافتِها الجَنينُ
أمّا عن شعره الإسلاميّ فقد وقف المديح فيه على رسول الله r وقصر الهجاء على المشركين الذين كانوا يتعرّضون للرسول r وللإسلام بهجائهم.
ومن قوله يوم فتح مكة يمدح الرسول r ويهجو أبا سفيان بن الحارث:
هجوتَ محمّداً فأجبتُ عنه وعـندَ اللهِ في ذاكَ الجَزاءُ
أَتهَجوهُ و لستَ له بكُفءٍ فَشَرُكُما لِخيرِكُما الفِداءُ
كان شعر حسان مشبوب بالعاطفة ،ظاهر الانفعال، وقد اتجه في الإسلام نحو السلاسة . أجمعت العرب على أنّ حسان بن ثابت أشعر أهل المدر ، قال عنه ابن سلاّم :هو كثير الشعر جيّده([16] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn16)).


الشاعر السادس :

جَميلُ بن مَعْمَر



نشأته وحياته :
هو أبو عمرو جَميلُ بن معمر ينتهي نسبه إلى قبيلة عُذْرة المشهورة بحبها العفيف([17] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn17)).
ولد جَميلُ نحو سنة ( 40 ﻫ - 660 م ) في وادي القرع من شمال الحجاز على مقربة من المدينة ونشأ هناك .
لقي جميل ابنة عمه بثينة فأحبها أخذ عليه مجامع قلبه , ولمّا استحكم الحب في نفسه طلب الزواج منها , ولكن أهلها أبوا تزويجها منه لاشتهار حبّه لها وزوّجوها بآخر , فأضحى يائساً يعاني حرارة الحب , ويندب حظه ويقال إن بثينة انصرفت عنه وتحول قلبها عن حبه فانصرف إلى عتابها دون أن يجد حبها في قلبه متحولاً , وكان لا يجد فرصة في الوصول إلى بثينة ليبثها حبه إلا فعل ، فضاق به أهلها وشكوه إلى الوالي فهدده وتوعده مما أضطره للهرب إلى اليمن ثم ما لبث أن عاد إلى وادي القرى , وأخذ يشبب ثانية ببثينة ويسعى إلى لقاءها فأهدر الوالي دمه مما دفعه للرحيل الشام حيث اتصل ببعض خلفاء بني أمية وانتهى به المطاف آخر الأمر في مصر واتصل بواليها عبد العزيز بن مروان ولكن إقامته في مصر لم تطل فما لبث أن نزل به المرض ثم مات وكانت وفاته : عام (82 ﻫ - 701 م ) .
شخصيته :
جميل عاشق متيم يعصف الحب بقلبه , فيعبر عن هذا الفيض النفسي بسذاجة.
شعـره :
أول ما يطالعنا من سمات شعر جميل صورة الفتى الغزل الذي يقنع مم دنيا حبه بالقليل :
وإنّي لأرضى من بثينةَ بالذي لو بصره الواشي لقرّت بلابلهُ ([18] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn18))
وعلى الرغم من هذي القناعة فحب بثينة يملأ قلبه ويكاد يُتلف نفسه :
لها في سوادِ القلب بالحبِّ ميتتةٌ هي الموتُ أو كادتْ على الموت تشرفُ
وما ذكرتكِ النفسُ يا بثنُ مرةً من الدهر إلا كـــادتْ النفسُ تتلفُ
ولمَ لا يتلف حبُّها نفسه , وهو الذي يتنقل هنا وهناك , وذكراها لا تبرح مخيّلته , وميله لها يزداد حدّة وعنفاً يقول :
ألا ليت شعري هـل أبيتنّ ليلة بوادي القرى إنّي إذن لسعيدُ
وهـل أَلْقَيَن فرداً بثينة مــرّة تجودُ لنا مــن وُدِّها ونجودُ
عَلِقتُ الهوى منها وليداً فلم يزلْ إلى الـيوم يَنْمي حبّها ويَزيدُ
ويناجيها . فوصالها نعيم وجفاؤها كدر وشقاء ، ويقول :
وَدِدتُ علـى حـبّ الحياة لو أنّها يزاد لها في عمرها مـن حياتيا
وأنتِ التي إن شئت كَدّرتِ عيشي وإن شئتِ ،بعدَ اللهِ ,أَنْعمتِ بالِياً
وأنتِ التي ما من صديقٍ ولا عِدىً يرى نِضْوَ ما أبقيتِ إلا رَثَى لِيا
كلّ هذا يشير إلى تعلق جميل ببثينة فهي عنده النساء جميعاً :
يقولونَ جـاهد يـا جميلُ بغزوةٍ وأيّ جهادٍ غيرَهن أريدُ؟
لـكلّ حـديثٍ عندهنّ بشاشة وكلُّ قتيلٍ بينهنَّ شهيدُ
وهكذا كان شعر جميل في بثينة صادق العاطفة ، صادراً عن نفس غلب عليها الشوق وبرّح بها الهوى ، وتتجلى في شعره مزايا العُذريين واضحةً من عِفّة لسان ، وصدق صبابة مشوبة بنغمة حزينة تملأ النفس وتأخذ بالقلب كلَّ مأخذ .


الشاعر السابع:






أبو فراس الحمداني
لمحة عن حياته:
وُلِدَ أبو فراسٍ الحمْداني في الموصل سنة اثنتيَن وعشرين وتسعمئةٍ م ، من أب عربي وأمّ روميّة ، منتسباً إلى أسرة أمراء كانوا في أوج العزِّ والمجد 0 قُتل أبوه وهو طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره فنشأ تحت رعاية ابن عمّه سيف الدولة ، اقتطع لنفسه حمص وحلب 0
أنشأ بلاطاً جمع حوله الأدباء والشعراء والعلماء العدد الكبير وخلق حوله جواً فسيحاً من الثقافة والعلم والبطولة
ترعرع أبو فراس ينهل منه الشيء الكثير ويتدرب على أساليب الفروسية وكان سيف الدولة يعطف على نسيبه الصغير لما توسم فيه من الخصال الطيبة في الشجاعة والأدب حتى إذا قوي ساعده اصطحبه الأمير في غزواته وأراه انتصاراته ، أضرم في قلبه نار الحماسة والشجاعة ، وهو في أثناء ذلك يقول الشعر 0وفي سنة 959 م وقع أبو فراس الحمداني في أسر الروم ، وقد كانت مدّة أسره سبع سنين وأشهراً 0 فكان السجنُ هواءً يبعثُ من خلالهِ آلمَـهُ وأوجاعَـهُ ، يبثّهُ الدموع ، فيتركُ لزمام ِشعرهِ الحريةَ في نعيبِ أعذبِ الألحان التي تجتث ُّ من حبّاتِ الصّدورِ الأحزانَ والمشاعرَ الجيّاشةَ الملتهبةَ0 وشعره يحوي على رقّة العاطفة وصفاء التودّد وتكرار التحيّات ، ومرارة الأشواق والدّعاء الصّادق 0
ومهما يكن من أمر ٍ فعلى الروميّات تقوم شهرة أبي فراس فقد بلغ فيها أسمى ما كانت تؤهل له موهبته الشعريّة 0
فهو الوتر الذي خلّد على الدّهر مجد الألم ومجد الأنين 0000 والأسد الذي استعذب الدمع بعد الزئير ،قضت ا لأيام أن ينتظر من يفتديه من السر فلا يظفر بالفداء 00بعد وقوعه في أسر الرّوم ترك هذه الأبيات وهو كالأسد المأسور يتمثّل أحداث الغابة ويبعث إلى ابن عمّه عتاب المحبين :
تمرُّ اللّيالي ليس للنـفـع مـوضع لديَّ ، ولا للمعـتفين[19] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn19) جنـاب
ولا شدَّ لي سراج على ظهر سابـح ولا ضربت لي في العـراء قباب
ستذكرُ أيامي نميــرٌ وعــامـرٌ وكعبٌ على علاّتِهـا وكِـلاب ُ
أمِنْ بعدِ بـذلِ النّفسِ فيما تـريدُهُ أثـابُ بمـرِّ العتبِ حينَ أثابُ
فليتُكَ تحلو ، والحــياةُ مـريـرة ٌ وليتُكَ ترضى ، والأنـامُ غِضابُ
سقط أبو فراس في ميدان القتال في الرّابع من نيسان سنة ثمانٍ وستين وتسعمئة م وهو في السادسة والثلاثين من عمره يقول الحمداني :
أقولُ و قد ناحتْ بقربي حمامة ٌ أيا جارتاه لو تشـــعرينَ بحـــــــالي
معاذَ الهوى ما ذقْتُ طارقةَ النّوى ولا خطرَتْ منكِ الهمومُ ببــــــــالِ
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قـــــــــــــــوادمٌ على غصنٍ نائي المسافةِ عـــــالِ
أيا جارتا ما أنصفَ الدّهرُ بيننا تعالي أقاسمكِ الهمومَ تــــــعــــــــالي
تعالي تري روحــــاً لديَّ ضعيفةً تردّد في جسمٍ يـــــعـــــــــــــذّبُ بالِ
أيضحكُ مأسورٌ و تبكي طليقةٌ ويسكتُ محزونٌ ويندبُ سالِ
لقد كنتُ أولى منكِ بالدّمع مقلةً ولكنَّْ دمعي في الحوادث ِ غالِ
أبو فراسٍ الحمْداني


الشاعر الثامن :
عُمر أبو ريشة
لمحة عن حياته:
إنّه الشاعر الكبير عمر أبو ريشة ، ولِد أبو ريشة عام 1909 في جرابلس السوريّة ، شمال مدينة حلب ، وكان أبو قائم مقام عليها ، في الأربعينيّات كان الشاعر في طليعة الشباب الوطنييّن المناضلين ضد الاحتلال الفرنسي لوطنهم 0 الأمر الذي كان يعرّضه لمضايقات مستمرّة 000 من استدعاء للمخافر وتوقيف في مراكز الشرطة إضافة على اختبائه في بيوت أصدقائه ومحبّيه في الحياء الشعبيّة 0
لعلَّ جلاء الفرنسيين عن سوريا كان فرحة ً عند أبي ريشة كما كان عند غيره ، في عام 1947 ن فهذه الفرحة جعلته يترك لنا قصيدة مازالت تدرّس في المدارس وهي بعنوان (( عروس المجد )) لا تنفكُّ ترنّ في أذن الشّعب السّوري لتذكّره في هذا الشاعر الكبير الذي انتقل إلى رحمة الله 1990 0
هذا هو الشاعر العربي عمر الذي غادرنا وقد جاوز الثمانين من عمره بعد أن ترك لنا أعذب القصائد الشعريّة التي تعبّر عن حبّه لوطنه 0 يقول أبو ريشه:
يا عـــروساً تــنـــامُ مــــلءَ المحـــــــاجــرِ شيّعي الحلم َو الطّيوفَ السّواحر ْ
آن أن تــــفتحي العــيــون َ إلى النـــّو رِ ، وتـلقــي على الظّلامِ السّتائـــرْ
يا بلادي وأنـــت ِ نـــهـــــلـــةُ ظــــمآ ن ٍ، وشبّابـــة ٌ عـــلى فـــمِ شاعـــرْ
كـــيفَ مـــالــت ْبـكِ اللّيالي وألْوت بـــالبـــقايـــا مـــن العــهــود الــغوابــرْ
كم مشينـا على الخــطــوب كـرامـاً والــرّدى حـــاســرُ الـــنّواجذِ فاغرْ
والـــزّغــاريـد في شفـــاه ِالـغــوانـي تـــدفـــعُ الـــــحـــرَّ لاقتحام ِالمـخاطرْ
وبـــقــايـــا آثـــارِنـــا شــــاهــدات ٌ لو سألـــتــــم في مـــيســــلـونَ الــمقابرْ
وها هو يرسل هذه الأبيات إلى ابن عمّه يطلب منه أن يفكَّ أسره ، مبرزاً فيها بعض الخصال التي يتّصف بها 0 وهذه القصيدة تدرّس في الصف التاسع :
دعـــــوتـــُكَ للـــجفـنِ القريـــحِ المسهّدِ لـــــــديَّ و للـــــنّومِ القـــليـــلِ المشرّد
ومـــا ذاكَ بخــــلاً بــالــــحيــاة وإنـــّهــا لأوّلُ مــــبــــذولٍ لأوّل ِمـــجــتـــدي
ولكنــــــّي اختــارُ مـــــــوت َبــني أبي على صهـواتِ الــخيـــل ِغير ِمسهّدِ
متى تخلف ُالأيّــــّام ُمثلي لكُــــم فتى ً طويـــلٌ نجادُ السّيفِ ، رحبَ المقلّدِ
يــدافــعُ عن أعراضِــكُـــم بلسانــــهِ ويــــضـــربُ عنــكم بالحسامِ المهنّدِ

عمر أبو ريشة


الشاعر التاسع :



نازك الملائكة



الشاعر لمحة عن حياتها:
لا يرد اسم الشاعرة العراقيّة (نازك الملائكة )إلا ّ نادراً في الصفحات الثقافيّة العربيّة 0وقد ظهرت لها آخر مجموعه شعريّة في بغداد بعنوان (يغيّر أمواجه البحر ) 0يقول الكاتب ([20] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn20) ): عرفت نازك الملائكة قبل ربع قرن ، عند ما كنت أزورها في منزلها بالكويت 0 كانت نازك في تلك الفترة أستاذه للأدب العربي في جامعة الكويت ، وكان زوجها د0 عبد الهادي محبوبة رئيس جامعة البصرة سابقاً يشاركها التدريس في الجامعة نفسها 0 ما يزال صوتها الشجي عالي النبرة ، يرنّ ُ في أذني 0

ولدت في بغداد عام 1923 نشأت في رعاية أمّها الشاعرة سلمى وأبيها الأستاذ صادق الملائكة ، هيئتْ لها أسبابُ الثقافة ِ ، فما إنْ أكملَتْ دراستها الثانويّة حتّى انتقلتْ إلى دارِ المعلّمين العالية ، وتخرّجتْ فيها ، ثمَّ يمّمتْ شطرَ الولايات المتحدة ، ودرستْ اللّغةَ العربيّة َ
صدرَ لها ثلاثةُ دواوين :
عاشقةُ الليل في عام 1947 ، شظايا ورماد في عام 9 194 0
قرارة الموج في عام 1957 ، شجرةُ القمر في عام 1968
مأساة الحياة 0في عام 1970 0
صدرَ لها كتابانِ في النّقدِ الأدبي ، أحدهُما قضايا الشّعر المعاصر 962 1 0
وقد أحدثت ضجّةً في الأوساط الأدبيّة والآخر على (( محمود طه )) 0 اخترنا لها هذه الأبيات من قصيدة


مدينةُ الحب

في عمق ِ صحراءِ الحياة ِ، هناك َفوقَ لظَى الرّمالْ
حيثُ الرّياحُ الدّاويات ، مدينةٌ بينَ التلال ْ
في قلبِها نهر ٌ تحيط به المفاوزُ والصّخورْ
وشواطئٌ لا ظلَّ فيها ، لا خمائلَ ، لا عطور ْ
الماء يبدو وادعاً ووراءه الألم العميق ْ
أمواجه السّمُّ الزعاف وإن بدا حلو البريق ْ
إلى أن تقول :
عدْ ، عدْ إلى لهب ِالصحارى وانهج ْمن حممِ المدينة ْ
لا تلق ِ قلبك في اللّظى وأصغ ِ لشاعرةٍ حزينهْ

بعد عام
مرَّ عام ٌ يا شاعري مذ أبصر ْ تك َ في ذلكَ الصّباح الكئيـــب ِ
مرَّ عام لم تكتحل عيني الظمــ ـــأى برؤياك لم يخف َّ قطوبـــــي
الليالي تـــــمرُّ تتـــبعــــها الأيّـــّـ ـــــام في بطـئها الـمملُّ الرتــــيـب ِ
وأنا لـــــهفـــةٌ وشوقي يــــزدا د ُ ، وروحي في عاصف ٍمن لهيب ِ
ظـــــمـــا للحياة يــمــلأ إحسا سي ونــار في دمـــعـــــي المسكوبِ
وشظـــايا كـــآبـة ٍ رسمت فو ق جبــــيـــني غـــلالــةً من شحوب ِ
نازك الملائكة


الشاعر العاشر :

عبد الباسط الصوفي
لمحة عن حياته :
ولد عبد الباسط الصوفي في مدينة حمص سنة 1931 ، ولمّا بلغ سن الطفولة أُدخل المدرسة الابتدائية الخيريّة الأميريّة (( وهي مدرسة المأمون حاليّا ً 0
وبعد أن حصل على الشهادة الابتدائية في عام 1943 التحق بالمدرسة التجهيزيّة بحمص فنال الشهادة المتوسّطة سنة 1946 0
وتابع دراسته إلى أن حصل على الشهادة الثانويّة سنة 1950 ، بعدها عيّن مدرّساً للغة العربيّة في المتوسّطة ، وفي عام 1952 انتسب إلى المعهد العالي للمعلّمين ونال شهادة الليسانس في الآداب سنة 1956 ثم َّ واصل مهنته في التدريس لمختلف المحافظات 0
توفي في كوناكري إحدى مدن غينيا في 20 تموز 1960 0
مات منتحراً في المشفى الذي نقل إليها أثر إصابته بانهيار عصبي شديد سبقه عدّة محاولات انتحاريّة مؤثّرة ، وقد نقل إلى جثمانه بحراً ودفن في مسقط رأسه حمص بعد شهرين من وفاته 0من أشهر قصائده0 00مأدبة للقمر واخترت له قصيدة ً بعنوان يا جفنها 0
التي مازالت تدرّس للصّف الثالث الثانوي الأدبي ،التي يقول فيها :


توهّجت أكوابنا 0000 فأقفز ، إلينا ، يا قمر ْ! 0000 فجّرت هذا الليل ينبوعي :
ضياء ، وصور ْ 000000 وانزلقت أقدامك 0000 البيض ُ ،
على رأس الشجرْ 0000 من الكوى ،من فرجةِِ 00000الباب ،
تلمس منحدر ْ 000000واسقط حبال فضّةٍٍ 0000 معزولة ً ، من الشّرر000000
فاكهة الصيف على 0000 شبّاكنا معلّقةً000000 ومن عناقيد الكروم 0000 خمرنا معتّقهْ 00000 هذي سلالُ وردنا 0000 مضفورة ٌ مزوّقة ْ 00000عنّا أحاديث الهوى 0000 يحكونها منمّقة ْ0000 فقصّة ٌ صادقة 0000 وقصّة ٌ،ملفّقة0
قالوا سرقنا من قميص00000 الفجر منديل غزل ْ00000 واحترقت ضيعتنا 0000وهج عناق ٍ وقبل ْ0000 واختبأت أسرارنا 0000خاف ضلوع ، ومقل ْ00 واللّيل 000آه اللّيل في00000عيوننا ، ما أعمقه !
قالوا : خلقنا من صبا بات ٍ000 ومن لفح شغف وتحيا المواعيد على00000 شفاهنا، وتقتطفْ0000ومن جديل المرج عر زالٌ 0000 لنا ، ومنعطفْ000ونطعم ُالحياةَ من000000 قلوبنا ، الممزّقةْ0000 كآبة الشتاء ، تلقينا على جمر القلق ْ 000 ويلقف التراب من أكفّنا دامي المزقْ 00000عناصر الأرض جلبناها 0 بأيدينا 000عرق ْ0000وأنت في أحلامنا000000بحيرة مصفّقة0
فاهبط على سطوحها 0000 واقفز،إلينا يا قمر ْ! 00000 عشّاقنا ،لو زرعوا00000
الضيعة أهواء َ((غجر))ْ00000 فنحن في الأرض صراع ْ 000 راعف ٌ، مع القدر ْ0000
حتّى تعود من يدنيا 00000000 جنّة ً، مغرورقهْ 0
يا رحلةً ، غامضةَ 0000 الأسفار ،في دنيا البشر ْ000 0 تسلّق التلة واحمل ْ0000 من ليالينا ،خبرْ000000 واصعد، على جدارنا00000 إلى اللّقاء ، المنتظر ْ000000توهّجت أكوابنا
0000 وخمرنا معتّقه ْ000000فاكهة الصيف ن على شبّاكنا، معلّقهْ 0




يا جـــفـنـهـا
لملمتني ، يا جفنها ، وسرحت َ بالطيف المضيءِ
دعها تنم ، يا جفنُ ، لا تقلق ْعلى الحلم البريء ِ
**************
أنا 000حلمها ، أغمض عليَّ، واطبق ِالهُدب َالمرنّحْ
واغمس لهيبك ، في فمي ، أنا في فمي ، نغم ٌ مجنح ْ
أنا 000 اقطف النّجم ا لبعيد ، واستفيق على وجودي
فارقد ْ000على ثغري ، ولا تقلق ْعليَّ من الشرود
***************
غنّيت 000فانتفض الخيال ُ ، وراح ينثر ُ في موجه ْ
وسكنت 0000فالتفت الشعور ، يهزّني في كلِّ خلجةْ
***************
ضمَّ السكينة َ، ضمّني ، واسفح عليَّ الوهم كلّهُ
هي حيث ُمدّ الله في شفتي ، وفي هدبيك ظلّهْ 0

عبد الباسط الصوفي

الشاعر الحادي عشر:
محمود سامي البارودي
نشأة متميّزة :
ولد الشاعر البارودي عام 1839 في أسرة جركسيّة 0 ولقبه البار ودي نسبةً إلى إيتاي البارود ، التي التزم لها أحد أجداده ، وتعلّم في المدرسة الحربيّة التي تخرّج فيها برتبة با شجا ويش 0 وكان لمّا ورثة عن آبائه الجراكسة من نبل وكرم وشجاعة وميل إلى العلوم والآداب والفروسيّة أثر بيّن في ثقافة الجربيّة والأدبيّة وفي مذهبه السياسي والشعري 0
لاشكَّ أنَّ بيئته الاجتماعيّة ودراسته لدواوين الشعر العربي القديم على يد أستاذه وصديقه فيما بعد (( حسين المر صفي ))وصلاته بكبار رجال اللغة العربيّة وآدابها والمراتب التّي شغلها قد هيّأت له المناصب الهامّة 0
لقد شبَّ البار ودي في عهد ٍ عطلت فيه الخديويّة النّهضة التي كان محمد علي باشا قد بدأها فدفعه طموحه في السفر إلى تركيّا حيث تقلّد منصباً في وزارة الخارجيّة، لكنّه عاد إلى مصر كأحد أفراد حاشية الخديو إسماعيل ، ليبدأ ترقيته في المراتب العسكريّة ، وليخوض فيما بعد حروب الدّولة العثمانيّة مع الجيش المصري في البلقان ، مرّة ً ضد ّالكريتيّين ومرًّ ضدَّ روسيا 0
وقد تركت تلك الفترة بصماتها في شخصيّته وشعره 0
من هذه القصائد النونيّة الشهيرة ، التي قال فيها النّقاد : إنَّها كفيلة ٌ بتخليده حتّى لو لم يكن له غيرها ، ويقوم بناؤها على التصوير الدقيق والذي لا صنعة فيه للمعركة وحوادثها ، كما عكستها (( عينه )) وبأسلوب يمتاز بالقوّة والمتانة 0
أخذ الكرى بمعاقد الأجفان وهفا السُّرى بأعنّة الفرسان
والليل منشور الذوائب ضارب ٌ فوق المتالع والرّبا ، بجران
بعد الحرب يقضي البار ودي اثنتي عشرة سنة ً قريباً من الخديو إسماعيل ثم َّ يرّقى مستشاراً له ، ثمَّ كاتماً لسرّه يختلط الغزل بالخمرة والنساء غرضا ًفي شعره كما اختلط الحماسة في والفخر قبلا ً 0
يجمع البار ودي ف شعره بين الذاكرة القويّة والقدرة الفائقة ،فتأتي قصيدته كما يصفها :

مخدّرة ، تمحو بأذيال حسنها أساطير من قبلي ، وتُعجز من بعدي




الشاعر الثاني عشر:
الأصمعـــــــــــــي
لمحة عن حياته:
122- 216 هـ / 740 - 831 م
عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد الأصمعي.راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان. نسبته إلى جده أصمع. ومولده ووفاته في البصرة.كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها، ويتحف بها الخلفاء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة. أخباره كثيرة جداً. وكان الرشيد يسميه (شيطان الشعر).
قال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي. وقال أبو الطيب اللغوي: كان أتقن القوم للغة، وأعلمهم بالشعر، وأحضرهم حفظاً.
وكان الأصمعي يقول: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة.
وللمستشرق الألماني وليم أهلورد Vilhelm Ahiwardt كتاب سماه (الأصمعيات-ط) جمع فيه بعض القصائد التي تفرد الأصمعي بروايتها.
تصانيفه كثيرة، منها (الإبل-ط)، و (الأضداد-ط)، و(خلق الإنسان-ط)، و(المترادف-خ)، و(الفرق-ط) أي الفرق بين أسماء الأعضاء من الإنسان والحيوان.
صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ هَيَّجَ قَلبِي الثمل
الماءُ وَالزَهرُ مَعاً مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ
وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي وَسَيِّدِي وَمَولى لِي
فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي
قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ
فَقالَ لا لا لا لا لا وَقَد غَدا مُهَرولِ
وَالخُوذُ مالَت طَرَباً مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ
فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت وَلي وَلي يا وَيلَ لِي
فَقُلتُ لا تُوَلوِلي وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي
قالَت لَهُ حينَ كَذا اِنهَض وَجد بِالنقَلِ
وَفِتيةٍ سَقَونَنِي قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمتُها بِأَنَفي أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ
فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي
وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي
طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي
وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي وَالرَقصُ قَد طابَ لِي

شَوى شَوى وَشاهشُ عَلى حِمارِ أَهزَلِ
يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ كَمَشيَةِ العَرَنجلِ
وَالناسِ تَرجم جَمَلِي فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع خَلفي وَمِن حُوَيلَلي
لَكِن مَشَيتُ هارِباً مِن خَشيَةِ مُبَجَّلِ
يَأمُرُ لِي بِخَلعَةٍ حَمراء كَالدَم دَمَلي
أَجُرُّ فيها ماشِياً مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ
أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ
نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي
أَقولُ فَي مَطلَعِها صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ













جَميل بُثَينَة
? - 82 هـ / ? - 701 م
جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، أبو عمرو.
شاعر من عشاق العرب، افتتن ببثينة من فتيات قومه، فتناقل الناس أخبارهما.
شعره يذوب رقة، أقل ما فيه المدح، وأكثره في النسيب والغزل والفخر.
كانت منازل بني عذرة في وادي القرى من أعمال المدينة ورحلوا إلى أطراف الشام الجنوبية. فقصد جميل مصر وافداً على عبد العزيز بن مروان، فأكرمه وأمر له بمنزل فأقام قليلاً ومات فيه:
إِنَّ المَنازِلَ هَيَّجَت أَطرابي وَاِستَعجَمَت آياتُها بِجَوابي
قَفراً تَلوحُ بِذي اللُجَينِ كَأَنَّها أَنضاءُ رَسمٍ أَو سُطورُ كِتابِ
لَمّا وَقَفتُ بِها القَلوصَ تَبادَرَت مِنّي الدُموعُ لِفُرقَةِ الأَحبابِ
وَذَكَرتُ عَصراً يا بُثَينَةُ شاقَني وَذَكَرتُ أَيّامي وَشَرخَ شَبابي


ابن زيدون
394 - 463 هـ / 1003 - 1070 م
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، أبو الوليد.
وزير، كاتب وشاعر من أهل قرطبة، انقطع إلى ابن جهور من ملوك الطوائف بالأندلس، فكان السفير بينه وبين ملوك الأندلس فأعجبوا به. واتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد فحبسه، فاستعطفه ابن زيدون برسائل عجيبة فلم يعطف.
فهرب واتصل بالمعتضد صاحب إشبيلية فولاّه وزارته، وفوض إليه أمر مملكته فأقام مبجّلاً مقرباً إلى أن توفي باشبيلية في أيام المعتمد على الله ابن المعتضد.
ويرى المستشرق كور أن سبب حبسه اتهامه بمؤامرة لإرجاع دولة الأمويين.
وفي الكتاب من يلقبه بحتري المغرب، أشهر قصائده: أضحى التنائي بديلاً من تدانينا.
ومن آثاره غير الديوان رسالة في التهكم بعث بها عن لسان ولاّدة إلى ابن عبدوس وكان يزاحمه على حبها، وهي ولاّدة بنت المستكفي.
وله رسالة أخرى وجهها إلى ابن جهور طبعت مع سيرة حياته في كوبنهاغن وطبع في مصر من شروحها الدر المخزون وإظهار السر المكنون.
إِنّي ذَكَرتُكِ بِازَهراءَ مُشتاقاً وَالأُفقُ طَلقٌ وَمَرأى الأَرضِ قَد راقا
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
يَومٌ كَأَيّامِ لَذّاتٍ لَنا انصَرَمَت بِتنا لَها حينَ نامَ الدَهرُ سُرّاقا
نَلهو بِما يَستَميلُ العَينَ مِن زَهَرٍ جالَ النَدى فيهِ حَتّى مالَ أَعناقا
كَأَنَّ أَعيُنَهُ إِذ عايَنَت أَرَقي بَكَت لِما بي فَجالَ الدَمعُ رَقراقا


معروف الرصافي
1294 - 1364 هـ / 1877 - 1945 م
معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي.شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق)، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب.
ولد ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها.
وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.
ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني.
وانتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سنة (1918)، ورحل إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل يومية سنة (1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر، وانتخب في مجلس النواب في بغداد.
وزار مصر سنة (1936)، ثم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد فكان من خطبائها وتوفي ببيته في الأعظمية ببغداد.
له كتب منها (ديوان الرصافي -ط) (دفع الهجنة - ط)
(محاضرات في الأدب العربي - ط) وغيرها الكثير.
سيروا إلى العلم فيها سَير معتَزِم ثم أركبوا الليل في تحصيله جَمَلا
أن كان للجهل في أحوالنا عِلَل فالعلم كالطبّ يَشْفي تلكم العِللا
جودوا عليها بما دَرَّت مكاسِبُكم وقابلوا باحتقار كل من بَخِلا
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا حتى نُطاول في بنيانها زُحلا
لا تجعلوا العلم فيها كل غايتكم بل علّموا النَشء علماً ُينتج العملا
هذي مدارسكم شَروَى مزارعكم فأنبتوا في ثراها ما علا وغلا
لا تتركوا الشَوك ينمو في مَنابتها أعني بذلكم الأهواء والنّحلا
وأسّسوها على الأعمال قائمة مُمهِّدين إلى المَحْيا بها سُبُلا



كَعبِ بنِ زُهَير
? - 26 هـ / ? - 646 م
كعب بن زهير بن أبي سلمى، المازني، أبو المضرَّب.
شاعر عالي الطبقة، من أهل نجد، كان ممن اشتهر في الجاهلية.
ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام يشبب بنساء المسلمين، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم، دمه فجاءه كعب مستأمناً وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وخلع عليه بردته.
وهو من أعرق الناس في الشعر: أبوه زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير وابنه عقبة وحفيده العوّام كلهم شعراء. وقد كَثُر مخمّسو لاميته ومشطّروها وترجمت إلى غير العربية.
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعا ليلُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ
أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليل
يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ
عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ
كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ
تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ











أضحى التنائي
هو أشهر صوت شعري انطلق في ربوع الأندلس، مغردًا، مردّدًا أحلى القصائد والمقطوعات، شاعرًا ووزيرًا وعاشقًا مستلهمًا، وسجينًا وهاربًا ومطاردًا، وساعيًا من بلدة إلى بلدة ومن حاكم إلى حاكم، وأتيح لشعره من الذيوع ما لم يتح لغيره من شعراء الأندلس- ذلك هو ذو الوزارتين: الكاتب الشاعر الرقيق: ابن زيدون عاشق ولاّدة بنت المستكفي، ويجتري الغرب في رأي الكثيرين- تشبيهًا له ببحتريّ الشرق- في رقة تعبيره وروعة أساليبه وانطلاق خياله وأصالة فنه وقدرته على التحليق الشعري.
ولد ابن زيدون في قرطبة قرب ختام القرن الرابع الهجري- سنة ثلاثمائة وأربع وتسعين- وبها تثقف وأتقن فنَّ الأدب: شعره ونثره؛ ثم اتصل بابن جهور وصار وزيره وكاتبه الأول حتى كان حبه لولادة ومزاحمة ابن عبدوس له في حبها، ومكيدته له عند ابن جهور التي انتهت بسجنه، ومن السجن يرسل ابن زيدون أنات مستعطفة وقصائد مليئة بالشكوى والمرارة والرجاء، فلا يلتفت إليه أحد، وينجح ابن زيدون في الفرار من السجن ومغادرة قرطبة، ثم يعود إليها بعد أن تُوفي أبو الحزم بن جمهور وتولى الحكم ابنه الوليد، الذي يعيده إلى سابق مكانته ومنزلته ويجعله سفيرا بينه وبين ملوك الطوائف.
لكن الحسد والحقد والدسائس تُلاحق ابن زيدون من جديد، فينقلب عليه الوليد، ويضطر إلى الفرار من قرطبة ثانية، ويتنقل في الأندلس، حتى يُلقى عصا التسيار لدى المعتضد كاكم إشبيلية، ويموت المعتضد، فيصبح ابن زيدون وزير ابنه المعتمد الذي كان شاعراً، فيعلي مقام ابن زيدون، ويتأنق نجمه، وتلتمع مواهبه وتزكو شاعريته، وتدور بين الأمير ووزيره مطارحات شعرية كثيرة، ثم يتم للمعتمد الاستيلاء على قرطبة موطن ابن زيدو وينتقل إليها ويجعلها عاصمة ملكه.. وتثور في أشبيلية فتنة طائفية بسبب اليهود فيرسل المعتمد ابن زيدون لتهدئتها بما له من منزلة في قلوب الأشبيليين، لكن الشاعر الذي كان قد هرم وشاخ أنهكه المرض لا يكاد يصل إلى أشبيلية حتى تلح عليه الحمى ويموت فيها سنة أربعمائة وثلاث وستين من الهجرة.
هذه الحياة العاصفة المتقبلة، وهذه الأحاديث الجسيمة المتتالية، صقلت وجدان ابن زيدون وألهبت قدرته الشعرية، وانعكست في شعره تفننا في الشكوى والحنين والتأمل والنظر في مصائر الأيام وتقلب الزمان. لكن أبعدها غورا في نفسه هو حبه لولادة بنت المستكفي، التي كانت تُقرّبه حينًا ثم تقرب غريمه ومنافسه ابن عبدوس حينًا آخر. ومن أجل ولادة كتب ابن زيدون نونيته الرائعة-أشهر قصائده على الاطلاق- والتي عارضها أحمد شوقي وهو يعاني بدوره مرارة النفي والاغتراب في أسبانيا بنونيته التي مطلعها:
يا نائح الطلح أشباه عوادينا نأسى لواديك أن نشجي لوادينا
والتي جعلت الكثيرين من المولعين بالمقارنات يتوقفون عند القصيدتين، تأملا وتحليلا وتقييما ومقارنة، كما توقفوا عند السينيتين: سينية البحتري وسينية شوقي للسبب نفسه.
يتميز شعر ابن زيدون بالعذوبة وتوفر النغم الموسيقي والسهولة، كما يتميز بالانسياب والاسترسال والتدفق في طواعية ويُسْر، ودون جهد أو إعنات، شأن الشاعر المطبوع الذي يمنح من معين صاف لا ينضب، وشعره في الغزل يتميز بالنعومة والبراعة في التصوير، تصوير خلجات النفس ومكنون أسرارها، ولوعة المحب الصادق في معاناته ومكابدته، كما يتميز بمزجه الغزل بوصف الطبيعة، مما أعطى لقصائده في الحب إطارها الطبيعي المشرق، وجعلها شبيهة باللوحات المصورة، الناطقة بالفن الرفيع والشعور الحي المرهف، والوجد المتقد المبرح..
يقول الدارسون لحياة ابن زيدون وشعره، إنه كتب نونيته هذه وهو هارب من السجن بعد أن يئس من اقناع ابن جهور بإطلاق سراحه، وأصبح يعيدًا عن مركز الوزارة المرموق، وتلفت يبحث عن ولادة فألفى نفسه بعيدا عنها أيضًا..ولقد عادت إليه حريته بالهرب من السجن، ولكنه ما يزال يعاني غربتين أو معضلتين، الوزارة التي يصبو إليها، والتي يعتبر عودته إليها تصحيحا لمسار حياته وتكريما لذاته، وولادة التي بذل لها نفسه وعصارة قلبه وخلاصة شعره والتي يخشى أن يفقدها إلى الأبد..
إن الشاعر العاشق يستعطف محبوبته وضالته ويُذكرها بأيامها الماضية، لعلها ترقُّ وتلين، فيعود ثانية ما كان بينهما من ريق الوصال، وأنيس الوداد..
يقول ابن زيدون مخاطبًا ولادة..
استهلال وتوجع:


أضــحى التنائي بديلاً عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا

ألا، وقد حان صبح البين، صبحنا حينٌ، فقام بنا للحين ناعينا

من مبلغ الملبســتينا بانتزاحـهمو حزنا مع الدهر لا يبلى ويبلينا

أن الزمان الذي ما زال يضـحكنا أنسا بقربهمو قد عاد يبكينا

غيظ العدا من تساقينا الهوى، فدَعوا بأن نغَصَّ فقال الدهر آمينا

فانحلَّ ما كان معقـــودًا بأنفسـنا وأنبت ما كان موصولاً بأيدينا

وقد نكون وما يخشـــى تفرقنا فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
شماتة الحساد:


يا ليت شعري، ولم نعتب أعاديكم هل نال حظًّا من العتبى أعادينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم رأيا، ولم نتقلد غيره دينا

ما حقنا أن تقروا عين ذي حســد بنا، ولا أن تسروا كاشحا فينا

كنا نرى اليأس تسلينا عوارضـه وقد يئسنا فما لليأس يغرينا
وفاء على العهد:


بنتم وبنا، فما ابتـلت جـوانحنا شوقا إليكم ولا جفت مآفينا

نكاد حين تناجـيكم ضـمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

حالـت لفقـدكمـوا أيامنا فغدت سودًا، وكانت بكم بيضًا ليالينا

إذ جانب العـيش طـلق من تآلفنا ومورد اللهو صاف من تصافينا

وإذ هصــرنا فنون الوصل دانية قطافها، فجنينا منه ما شينا

ليسق عهدكمو، عهد السرور، فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينا

لا تحسـبوا نأيكـم عنّا يغــيرنا إن طالما غيَّر النأي المحبينا

والله مـا طـلبت أهــواؤنا بـدلاً منكم، ولا انصرفت عنكم أمانينا

ولا استفدنا خليلا عنك يشـغلنا ولا اتخذنا بديلا منك يسلينا
تحية واستعطاف:


يا ساري البرق غاد القصر واسـق به من كان صرف الهوى والود يسقينا

وأسألك هناك هل عني تذكرنا إلفا تذكره أمسى يغنينا

ويا نســيم الصـبا بلغ تحيتـــنا من لو على البعد حيا كان يحيينا

فهل أرى الدهر يقضينا مساعفة منه، وإن لم يكن غبًّا تقاضينا
صورة وصفية لولادة:


ربيب ملك كأن الله أنشــأه مسكا، وقدر إنشاء الورى طينا

أو صاغه ورقا محضا، وتوجه من ناصع التبر إبداعًا وتحسنا

إذا تأود آدته رفاهــــية توم العقود، وأدمته البرى لينا

كانت له الشمس ظئرا في أكلته بل ما تجلى لها إلا أحايينا

كأنما أثبتـت في صــحن وجنته زهر الكواكب تعويذا وتزيينا

ما ضر أن لم نكن أكفاءه شـرفا وفي المودة كاف من تكافينا

يا روضة طــالما أجنت لواحظـنا وردا جلاه الصبا غضا ونسرينا

ويا حـياة تمـلينا بزهــرتها منى ضروبا ولذات أفانينا

ويا نعـيما خـطرنا من غضـارته في وشي نُعمى سحبنا ذيله حينا

لسنا نسـميك إجلالا وتكرمةً وقدرُك المعتلى عن ذاك يغنينا

إذا انفردت وما شوركت في صفة فحسبنا الوصف إيضاحا وتبيينا

يا جنة الخلد أبدلنا بســدرتها والكوثر العذب زقوما وغسلينا

كأننا لم نبت والوصــل ثالثــنا والسعد قد غض من أجفان واشينا

إن كان قد عز في الدنيا اللقاء بكم في موقف الحشر نلقاكم ويكفينا

سران في خاطر الظلماء يكثمـنا حتى يكاد لسان الصبح يفشينا

لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا


قيس وليلى

أغلب قصص الحب المشهورة حدثت في صدر الإسلام، وأشهرها على الإطلاق حكاية ليلى والمجنون .. والمجنون هو قيس بن الملوح ابن عم ليلى، يلعبان في الصبا، ويرعيان الغنم معا في البادية العربية، كان ذلك في القرن الأول الهجرى، في وقت كانت البادية العربية تعيش في عزلة نسبية .
لقد انتشر الاسلام، واثر في نفوس البدو، وغير من مفاهيمهم الاجتماعية، وبدأت العلاقة بين الرجل والمرأة تتخذ شكلا جديدا، الحياة كلها اختلفت صورتها عن أيام العهد الجاهلي القريب . لقد جاء الاسلام فرفع منزلة المرأة العربية . لم تعد واحدة من أساليب اللهو التى اعتاد عليها البدوي ليحقق وجوده الضائع في الصحراء المترامية الأطراف إلى جانب الخمر والميسر، إن الدين الجديد يحرم عليه الخمر ويحرم عليه الميسر، ويفرض عليه قيودا دينية واجتماعية وخلقية . ولكن الفراغ قاتل .. والشباب مارد في الجسد يود أن ينطلق، ونافذته القلب .. وكل شئ من حول الشباب يدعو للحب ويطالب به، فينظر حوله، ولا يرى إلا بنات أعمامه، أنهن رفيقات اللعب في الصبا، واول من يتعرف اليهن من نوع الانثى .. ويختار الشاب احداهن .. تسحره نظرة منها أو التفاتة أو كلمة عابرة .. ويميل القلب نحوها ولكن فجأة تختفي بنت العم تماما .. لقد حجبتها التقاليد داخل خيمتها، لا تخرج منها إلا بصحبة حارسة، وإلا للضرورة القصوى، انها الآن تعد لدخلو الحياة الزوجية لا لعب برئ ولاضحكات طفولية ولا دعابات متبادلة بل صمت .. وإحساس مرير بالوحدة ..
هذه الظروف ما هى إلا تربة خصبة لنمو العاطفة واشتعالها .. فيستبد الوجد والشوق إلى المحبوبة ويزداد التعلق بها، وتسيطر صورتها على خيال الحبيب ولا يفكر الا فيها .. إن حياته كلها أحلامه وأشواقه تتقطر وتتركز في نقطة واحدة : أن يراها . ويتحول الشاب الذى كان يزهو بفتوته بين أقرانه، إلى شبح هزيل يجبو الصحراء، تتقاذفه العلل والاوهام، يردد أبيات شعر رائعة عن حبه وعن ذكريات طفولته ويذكر فيها ليلى بنت عمه كثيراً ..
أخيراً يتقدم قيس إلى عمه طالباً الزواج من ابنته ليلى .. وبدلا من أن يفرح العم ويرحب، إذا به يرفض، ويصر على الرفض . لماذا ؟ لأن التقاليد تمنع العرب من الموافقة على زواج ابنته من رجل تشبب بها أى تغزل فيها في شعره !!
وتتزوج ليلى من فتى من قبيلة ثقيف.. صحبها معه إلى الطائف، ولعل ذلك الحل كان بوحى من أبيها الذي شاء أن يبعدها عن مسرح الاحداث .
ويترك قيس وحيدا، فيصاب بالجنون . ولا شك أن عقله عجز تماما عن فهم أو تقبل ذلك المنطق الذي خضع له عمه، وكل القبيلة .. التي لم يحاول أحد فيها أن يلين من صلابة رأس ذلك الرجل، أو يوفق بين الرأسين في الحلال ..
ولا شك أن ذلك العم كانت لديه أسباب عديدة .. لكن أحدا لا يخبرنا عنها . أننا نعرف فقط أن التقاليد العربية في ذلك الوقت هي التى أملت عليه كلمة لا، وأن هذه الكلمة تعلقت بلسانه، وسدت أذنيه وأغمضت عينيه فلم ير ابن اخيه يهيم في الصحراء، ولم يرق قلبه وهو يستمع لأرقى الشعر يردده كل الناس بعد قيس، يصور فيه لوعته ويذيب شبابه الغض قطرة قطرة على رمال الصحراء التى لا ترتوي . ثم يلقى حتفه في واد مهجور، بعيداً عن أهله، وليلى التى عذبته بحبها .
ولاشك أنه كان شخصية فريدة من نوعها .. أو لعلها المبالغات التي يولع بها الناس فيزينون بها قصص الحب تعبيراً عما تختزنه قلوبهم من كبت وحرمان يقولون : إن قيساً كان يغمى عليه كلما ذكر اسم ليلى، وسواء كان الحديث عنها بمكروه أو بخير فهو يغشى عليه بمجرد سماعه اسمها ! ويقولون إنه وقف ذات يوم يتحدث إلى ليلى وفي يده جمرة من نار فأخذت النار تحرق رداءه حتى أتت عليه ووصلت إلى جسمه وقيس لا يشعر ! وفي أواخر أيامه حكي عن قيس أنه عاش مع الوحش فأنس إليه وفضله على بنى الإنسان، وأن الوحوش أيضاً صارت تأنس إليه ! أى أن قلوبهم رقت لحاله، بينما ظلت قلوب أهله كالحجر الذى لم يتفتت ولم يذب لسماع أشعار قيس الرائعة.

من هذه القصص الشهيرة حكاية قيس آخر، هو قيس بن ذريح الذي عشق لبنى في زمن معاوية .
كان قيس ابن أحد أثرياء البادية، وكان أخا من الرضاعة للحسين بن علي، وذات يوم حار كان يسير في الصحراء فشعر بالعطش الشديد، واقترب من إحدى الخيام طالبا ماء للشرب .. فخرجت له فتاة طويلة القامة رائعة الجمال ذات حديث حلو هي لبنى بنت الحباب . أسقته لبنى، فلما استدار ليمضى إلى حال سبيله دعته لأن يرتاح في خيمتهم قليلاً ويستبرد . فقبل دعوتها وهو يتأملها باعجاب شديد .
وتقول الحكاية أن أباها الحباب جاء فوجد قيسا يستريح عندهم فرحب به وامر بنحر الذبائح من اجله واستبقاه يوما كاملاً، وعندما عاد قيس إلى ابيه حدثه في أمر زواجه من لبنى، لكن الأب ذا الثراء العريض كان يريد ان يزوجه واحدة من بنات أعمامه ليحفظ ثروة العائلة .
لم يجد قيس بن ذريح أذنا صاغية لدى والده، فلم ييأس وذهب إلى الحسين بن علي، أخيه من الرضاعة، وشكا له حاله، فتدخل الحسين لدى العائلتين وتمت النهاية السعيدة : تزوج قيس من لبناه، لكن القدر لم يشأ للعاشقين أن يتحولا إلى زوجين عاديين ممن يقتلهما السأم، ولعل حكمته في ذلك ان يستمر الشاعر قيس بن ذريح في نظم اشعاره الجميلة . ظل الزوجان معا، لعدة سنوات دون ان ينجبا، ودون تردد أشعات الأسرة أن لبنى عاقر .
ولما كان أبو قيس تواقا لذرية تتوارث ثروته الطائلة، فقد ألح على ابنه أني تزوج من أخرى لتنجب له البنين والبنات .
لكن قيسا أبى .. لقد أشفق على حبه القديم لبنى من ضرة تشقيها وتعذبها . وظل الأب يلح ويسوق عليه كبار القوم، دون جدوى وامعانا في الضغط عليه اقسم الاب ألا يظله سقف بيت طالما ظل ابنه مبقيا على زواجه من لبنى .
كان قيس شديد البر بوالده فلم يشأ أن يتركه يتعذب في الهجير، واضطر اضطرارا لأن يطلق لبنى .
إلا أنه ظل العمر كله نادما على فعلته مشتاقا للقائها يردد في أسى :
يقولون لبنى فتنة كنت قلبهــا بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائى وعصيت ناصحى واقررت عين الشامت المتملق
ووددت وبيت الله أنى عصــيته وحملت في رضوانها كل موثق
وكلفت خوض البحـــر والبحـــر الزاخر أبيت على إثباج موج مفرق
كأنى أرى الناس المحبين بعـدهـا عصارة ماء الحنظل المتفلق
فتنكـر عينى بعــدها كل منظـر ويكره سمعى بعدها كل منطق
ولم يتوقف قيس عن ملاحقة لبنى بعد الطلاق . فاضطر أبوها إلى أن يشكوه الى معاوية، فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم يهدر دم قيس إن هو تعرض للبنى .
سمعت لبنى بذلك فقبلت الزواج من رجل آخر يدعى خالد بن حلزة، لكى تجبر قيسا على الابتعاد عنها وتحميه من القتل . فعلت لبنى ذلك وهي ما تزال تكن كل الحب لزوجها السابق قيس .
كان قيس يعرف ذلك ويعرف أنها تحبه بمقدار ما أحبها، فركب راحلته وذهب إلى خيام أهلها وهناك راح ينشد الشعر وهو ينشج :
إن تك لبنى قد أتى دون قربها حجاب منيع ما إليه سبيل
فإن نسـيم الجـو يجمـع بيننا ونبصر قرن الشمس حين تزول
وأرواحــنا بالليل في الحـي تلتقي ونعلم أيا بالنهار نقيل
وتجمعنا الأرض القـرار وتوقنا سماء نرى فيها النجوم تجول
وقد روى الاصفهاني في كتابه " الأغانى " أن أشعار قيس لحنها الملحنون وغناها المطربون فاشتهرت وذاع صيتها وسمع بها زوج لبنى فثار عليها، لكنها لم تعبأ بثورته وطالبته أن يطلقها إن شاء . وأدرك الزوج ألا خطأ لها ولا ذنب، فهدأت ثائرته، ويقال انه أراد أن يصلحها فأحضر الجواري من المدينة ليغنين لها أشعار قيس !
حكاية لبنى تختلف كثيراً عن صاحبتيها ليلى وبثينة، فالقدر هو الذي فرق بينها وبين قيس بن ذريح، ولم يكن بوسعها أن تفعل شيئا وليومنا هذا مازال الاتهام يحاصر الزوجة أولا إذا لم تنجب، فإذا ثبت أن الزوج هو السبب نصحت بأن تضحي من أجله وتبقى معه، أما إذا ثبت أن الزوجة هى العاقر فلا أحد يطالب الزوج بأي تضحية، ويصبح من حقه أن يتزوج هى العاقر فلا أحد يطالب الزوج بأي تضحية، ويصبح من حقه أني تزوج عليها أو ان يطلقها . وحكاية الاصفهاني تدلل على ان لبنى لم تسلم قلبها للزوج الثانى الذى فرض عليها فرضاً، وظلت حزينة مجروحة الفؤاد تبكي بحرقة كلما تذكرت قيسا، أو كلما سمعت أشعاره الحزينة ترددها الجواري في مجالس الغناء . ظلت لبنى على هذا الحال حتى ماتت . فبكاها قيس وأنشد على قبرها :
ماتت لبينى فموتها موتي هل تنفعن حسرتي على الفوت
وسوف أبكي بكاء مكتـئب قضى حياة وجدا على موت
ويقال انه فقد عقله، وظل طريح الفراش حتى لحق بها، فدفن إلى جوارها .
وهكذا لم يستطع تحكم الأهل ولا سيطرة العرف والتقاليد، ولا احتجاب لبنى عن حبيبها، أو ابتعادها أو زواجها من رجل آخر أن يحملوا قيسا على نسيانها . بل لعل هذه الأمور مجتمعة كانت وقودا أشعل نار الحب في قلب شاعرنا . وجعلها تزداد اضطراما مع الايام، كما كانت جذوة الهبت موهبته فانطلق يقول أعذب الشعر .
ويبقى سؤال هل كان قيس بن ذريح سيقول كل ذلك الشعر الجميل لو لم يلتق بلبنى ولم يحبها ولم يجبر على فراقها ؟!
يقولون أن أعذب الشعر أكذبه . وهم يعنون أن أروع الشعر ما يلجأ إلى الخيال ولا يرتكن إلى الحقيقة، ولكن حكايات العشاق تجعلنا نصدق أن عاطفة ما، كانت وراء تلك الابداعات وأن ظروفا معينة لابد أن تحدث للشاعر كي تتولد طاقته على الابداع فما هى هذه الظروف … ؟!
جميل وبثينة
في العصر الأموي وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان أو الخليفة الوليد بن عبد الملك حدثت قصة جميل وبثينة .
كانت بثينة فتاة من بني الأحب، وهم من رهط بنى عذرة، وكذلك جميل، كان من رهط آخر من بني عذرة هم رهط عامر، وبني عذرة كانت تنزل في البادية العربية شمال الحجاز، في وادي القرى الذي يقع على مقربة من الطريق التجاري بين مكة والشام . وهو واد خصب، استقرت به تلك القبيلة، وكانت مشهورة منذ العصر الجاهلي بالقوة والمنعة والشرف.
وقد دخلت بنو عذرة الاسلام في السنة السابقة للهجرة، وشارك أبناؤها في غزوات الرسول وفي الفتوحات الإسلامية .
وإلى بنى عذرة ينسب الحب العذري، وهو نوع من الوجد يستبد بالعاشق فيسيطر عليه خيال محبوبته، ويظل يفكر فيها ليلا ونهارا، ممتنعا عن العمل والطعام حتى يصل إلى درجة من الهزال قد تفضى به إلى الموت !.
حدث هذا الشاعر جميل عندما رأى بثينة وهو يرعى إبل أهله، وجاءت بثينة بإبل لها لترد بها الماء، فنفرت إبل جميل، فسبها، ولم تسكت بثينة وإنما ردت عليه، أى سبته هى أيضاً.. وبدلا من أن يغضب أعجب بها، وتطور الإعجاب إلى حب، ووجد ذلك صدى لديها، فأحبته هى أيضاً، وراحا يتواعدان سرا. وكلما التقيا زادت أشواقهما، فيكرران اللقاء حتى وصل الخبر إلى أهل بثينة. وبدلاً من أن يقبلوا يد جميل التى امتدت تطلب القرب منهم في ابنتهم رفضوها، وتوعدوه بالانتقام، ولكي يزيدوا النار اشتعالاً سارعوا بتزويج ابنتهم من فتى منهم.
وتقول الحكايات أن جميلا لم يستسلم، بل راح يتحدى أهل بثينة، ويهزأ بهم، ويهددهم منشولو أن الفا دون بثينة كلهم غيارى، وكل حارب مزمعلحاولتها إما نهارا مجاهرا وإما سرى ليل ولو قطعت رجكان جميل فارسا شجاعا يعتز بسيفه وسهامه، فلم يتأثر حبه لبثينة بزواجها، ووجد السبل إلى لقائها سراً في غفلة من الزوج. ويعلم الزوج باستمرار علاقة بثينة بجميل ولقاءاتهما السرية، فيلجأ إلى أهلها ويشكوها لهم، لكى تتوقف اللقاءات فترة، ثم تعود أقوى وأشد مما كانت .. !معنى ذلك أن بثينة لم تكن تعبأ بما قدي فعله زوجها أو أهلها لقد أرغموها على الزواج بمن لا ترغب، وعليهم أن يتحملوا وزر فعلتهم ..
ولكن ما نوع تلك اللقاءات المتكررة بين جميل وبثينة ؟ هل كانت لقاءات بريئة كما يؤكد بعض الرواة ؟! ولكن كيف نصدق تلك الروايات وجميل نفسه يؤكد لنا في أشعاره أنه كان يقضى الليل كله بصحبة بثينة . مضطجعا بجوارها، أحيانا لمدة ثلاث ليال !! فإذا ما أسفر الصبح أو كاد، تشفق بثينة عليه، وتلح عليه أن ينصرف فيأبى معتزاً بسيفه وسهامه ولكنها تلح حتى ينصرف .. !
ونتابع أخبارهما .. !
تقول لنا الروايات أنهما اضطجعا ذات مرة فأخذهما النوم، وفي الصباح جاء غلام لزوجها يحمل إليها اللبن فرأى جميل بجوارها، فأصابه الفزع فجرى لينبئ سيده، وفي طريقه التقى بواحدة من صاحبات بثينة عرفت منه الحكاية، فأسرعت تحذر صاحبتها، ودخلت على العاشقين فحذرتهما، واستطاعت وبثينة أن تقنعا جميلاً فنام، ووضعتا عليه من الوسائد والفرش ما أخفاه. واضطجعت صاحبة بثينة إلى جانبها وتظاهرت بالنوم … فلما أقبل زوج بثينة وأبوها وأخوها لم يروا جميلاً بل رأوا المرأتين فانصرفوا خجلين وقضى جميل يومه مع بثينة !!
وحكايات بثينة مع جميل لكثيرة، وهى تجعلنا نتوقف لنتساءل أى نوع من النساء كانت ؟! هل كانت تحبه حقا، أم أنها كانت أكثر ولعا بأشعاره عنها التى ذاع صيتها حتى وصل إلى أولي الأمر من بنى أمية ؟!
ولنرى كيف يصفها والد جميل، وهو يحاول أن ينصحه بالابتعاد عنها : " يابنى حتى متى أنت عمه في ضلالك لا تأنف من أن تتعلق بذات بعل يخلو بها وأنت عنها بمعزل، ثم تقوم إليك فتغرك بخداعها وتريك الصفاء والمودة وهي مضمرة لبعلها ما تضمره الحرة لمن ملكها، فيكون قولها لك تعليلاً وغروراً، فإذا انصرفت عنك عادت إلى بعلها على حالتها المبذولة " .
بعض الروايات تؤكد أن جميلاً كان مستهتراً ماجنا، وبعضها الآخر يؤكد أنه كان عاشقا مدلها، نصحه أهله بالابتعاد عن امرأة متزوجة، وهددوه بأن يتبرءوا منه، ولكنه لم يستطع أن يبرأ من حبه لبثينة.
ويروى أن رجلا احتال على جميل كي ينسيه حبه لبثينة فزين له سبع بنات، فكن يتصدين له متبرجات ويحاولن التقرب منه، ولكنه فطن للحيلة، وصد عنهن جميعاً .
وراح ينشد :
أيا ريح الشـمال أما تريني أهيم وأنني بادي النحول
هبي لي نسمة من ريح بثن ومني بالهبوب إلى جميل
وقولى يابثينة حسب نفس قليلك أو أقل من القليل
وتروى الروايات أن أهل بثينة شكوا جميلا إلى الخليفة فأهدر دمه، واستدعى بثينة ليسألها فكان بينهما مزاح ! ويسمع جميل بأمر إهدار دمه، فيفر إلى اليمن ويلبث بها فترة، ثم يعود ليجد أن أهل بثينة قد رحلوا إلى الشام.
ولا يثنيه ذلك عن عزيمته، فيرحل وراءهم، وهناك يلتقي ببثينة عدة مرات، ثم يصيبه اليأس أخيراً فيشد رحاله إلى مصر، ويظل بها فترة يبكي حبه، وينشد الأشعار في الحنين إلى أيامه مع بثينة شوقه لها حتى يموت بمصر.
لقد شك الدكتور طه حسين في قصة جميل وبثينة، ونعتها بأنها متكلفة منحولة، وأنها تخلو من النفع والفائدة وتناقض الحب العذرى.


كثير وعزة

كان كثير شاعرا كبيرا يقارن بجرير والأخطل والفرزدق . ذات يوم كان يرعى بغنمه . فمر على مجموعة من النسوة، أرسلن إليه فتاة صغيرة لتطلب منه أن يبعهن كبشا، ويأتمنهن على ثمنه حتى الغد . نظر كثير إلى الفتاة الصغيرة فسحرته عيناها، ومن أجل خاطرها قبل الصفقة، وأعطاها الكبش ثم مضى في طريقه . عند عودته التقى كثير بالنسوة، فأرسلن إليه ثمن الكبش مع إحداهن، فراح يسألها عن الصبية التى جاءته في المرة السابقة وعرف اسمها، عزة . وصار يتغنى بها . وكما يحدث لكل العشاق، فكر كثير في الاقتران بحبيبة القلب، ولكن المحظور كان قد وقع .. لقد وصل أمر تشببه بها إلى أهلها، فرفضوا، على عادة العرب أن يزوجوها له . أما عزة فكان لها شأن آخر، لقد أحبت كثيراً، ورضيت أن تلتقى به سراً .
وكان كثير يروي قصص لقاءاتهما في أشعاره، وأكثر من ذلك حتى أن البعض تشكك في صحتها، وتشكك آخرون في إخلاصه لعزة . ومما رواه كثير، ويشبه الاعتراف، أنه سار ذات يوم خلف امرأة منقبة تميل في مشيتها، وظل يطاردها ويطالبها أن تتوقف وتتحدث معه وتعرفه بنفسها .
قالت المرأة المنقبة : ويحك ! هل تركت عزة فيك بقية لأحد ؟!
أجاب كثير : بأبي أنت، والله لو إن عزة أمة لي لوهبتها لك .عندئذ أسفرت المرأة عن وجهها، وكانت المفاجأة المذهلة :
إنها هي عزة بدمها ولحمها ! ويقول كثيراً لخلانه إنه ندم أشد الندم وراح ينشد :


ألا ليتنى قبل الذي قلت شيب لي عن السم خضخاض بماء الذراح
أقسمت ولم تعلم على خـيانة وكم طالب للريح ليس برابح

قيس ولبنى
فى نفس الوقت الذي شهدت نجد فيه مأساة مجنون ليلى شهد الحجاز مأساة أخرى من مآسى الحب العذرى بطلاها قيس بن ذريح وصاحبته لبنى.
أحب قيس بن ذريح لبنى بنت الحباب، وهو مضرى من كناية، وهى يمنية من خزاعة، تجمع بينهما صلة نسب من جهة الأم، فقد كانت أم قيس خزاعية. وكانت منازل كنانة فى ظاهر المدينة، ومنازل خزاعة فى ضواحى مكة.
وفى إحدى زياراته لأخواله الخزاعيين رأى قيس لبنى وقد مر بخبائها، فاستسقاها فسقته، وأعجبته فأحبها. ثم تردد عليها وشكا لها حبه فأحبته. ومضى إلى أبيه يسأله أن يخطبها


له فأبى.
لقد كان أبوه غنيا كثير المال، وكان قيس وحيده، فأحب أن لا يخرج ماله إلى غريبة، وقال له: بنات عمك أحق بك. فمضى إلى أمه يسألها أن تذلل له العقبة عند أبيه، فوجد عندها ما وجد عنده. ولجأ قيس أخيراً إلى الحسين بن على - وكان أخاه فى الرضاع، أرضعته أم قيس معه - ووسطه فى الأمر. وكان طبيعيا أن تكلل وساطة الحسين بالنجاح. لقد مضى الحسن إلى الحباب والد لبنى، ثم مضى إلى ذريح والد قيس، واستطاع أن يجمع بين العاشقين برباط الزوجية المقدس. وتحقق لقيس أمله.و ضمه ولبنى بيت الزوجية السعيد، ولكن القدر أبى عليهما سعادتهما ولم يمض عليها سوى سنوات قليلة. لقد كانت لبنى عاقراً، وخشى أبواه أن يصير مالهما إلى الكلالة، فأرادا له أن يتزوج غيرها لعلها تنجب له من يحفظ عليهما مالهما.
ورفض قيس أن يطلق زوجه الحبيبة، وتحرجت الأمور بينه وبين أبويه، إنهما مصممان على طلاقها، وهو مصمم على إمساكها. وأقسم أبوه لا يكنه سقف بيت حتى يطلقها، فكان يخرج فيقف فى حر الشمس، ويأتى قيس فيقف إلى جانبه ويظله بردائه ويصلى هو بالحر حتى يفئ الظل فينصرف عنه، ويدخل إلى لبنى فيعانقها وتعانقه، ويبكى وتبكى معه، ويتعاهدان على الوفاء. وأزمنت المشكلة، وساءت العلاقات بين طرفيها، واجتمع على قيس قومه يلومونه ويحذرونه غضب الله فى الوالدين، وما زالوا به حتى طلق زوجه.
ورحلت لبنى إلى قومها بمكة، وجزع قيس جزعاً شديداً، وبلغ به الندم أقصى مداه، وتحولت حياته إلى أسف لا ينتهى، وندم لا ينقطع، ودموع لا تغيض، وحسرات لا تقف عند حد، ولم يجد أمامه سوى شعره يبثه أسفه وندمه ودموعه وحسراته.
يقول مرة:
يقولون: لبنى فتنة كنت قبلها بخير، فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائى، وعاصيت ناصحى وأقررت عين الشامت المتخلق
وددت، وبيت الله، أنى عصيتهم وحملت فى رضوانها كل موبق
وكلفت خوض البحر، والبحر زاخر أبيت على أثباج موج مغرق
كأنى أرى الناس المحبين بعدها عصارة ماء الحنظل المتفلق
فتنكر عينى بعدها كل منظر ويكره سمعى بعدها كل منطق
ويقول أخرى:
وفارقت لبنى ضلة فكأننى قرنت إلى العيوق ثم هويت
فيا ليت أنى مت قبل فراقها وهل ترجعن فوت القضية ليت
فصرت وشيخى كالذى عثرت به غداة الوغى بين العداة كميت
فقامت، ولم تضرر هناك، سوية وفارسها تحت السنابك ميت
فإن يك هيامى بلبنى غواية فقد، يا دريح بن الحباب، غويت
فلا أنت ما أملت فى رأيته ولا أنا لبنى والحياة حويت
فوطن لهلكى منك نفسا فإننى كأنك بى قد، يا دريح، قضيت
ولم يطق قيس عن لبنى صبرا، واشتد حنينه لها، وشوقه إليها، فعاود زيارتها، وشكاه أبوها للسلطان، فأهدر دمه إن ألم بها، وحيل بينه وبينها مرة أخرى. ومرة أخرى لا يجد أمامه سوى شعره يبثه أحزانه وآلامه:
فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها مقالة واش أو وعيد أمير
فلن يمنعوا عينى من دائم البكا ولن يذهبوا ما قد أجن ضميرة

غلى الله أشكو ما ألاقى من الهوى ومن كرب تعتادنى وزفير

ومن حرق للحب فى باطن الحشى وليل طويل الحزن غير قصير

سأبكى على نفسى بعين غزيرة بكاء حزين فى الوثاق أسير

وكنا جميعاً قبل أن يظهر الهوى بأنعم حالى غبطة وسرور

فما برح الواشون حتى بدت لهم بطون الهوى مقلوبة لظهور

لقد كنت حسب النفس لو دام وصلنا ولكن ما الدنيا متاع غرور

ومع ذلك فقد كانت تتاح للعاشقين - من حين إلى حين - فرصة لقاء يائس حزين تزداد معه "حرق الحب" تأججاً واشتعالا، ويتجسم بعده الشعور بالحرمان، والإحساس بالحسرة والندم.وساءت حال قيس، واعتلت صحته، وأصابه هزال وذهول شديدان، وأشار قومه على أبيه أن يزوجه عله ينسى حبه القديم.وتزوج قيس كارها زواجاً لا سعادة فيه، وبلغ الخبر لبنى فتزوجت هى أيضاً زواجا لا سعادة فيه، ورحل بها زوجها إلى المدينة، وكأنما شاءت الأقدار أن تقرب لبنى من قيس لتزيد من ندمه وأسفه وحسراته. واشتد جزع قيس، ولم يلبث أن استطير عقله ولحقه مثل الجنون. وضاقت السبل فى وجهه، ثم خطر له أن يلجأ إلى يزيد بن معاوية ليتوسط له عند أبيه حتى يلغى أمره السابق بإهدار دمه. ونجحت وساطة يزيد، وعفا معاوية عن قيس، فعاود زيارة لبنى.وانتشر أمر قيس فى المدينة، وغنى فى شعره مغنوها ومغنياتها، "فلم يبق شريف ولا وضيع إلا سمع بذلك فأطربه وحزن لقيس مما به".
وساءت العلاقات بين لبنى وزوجها، لقد غضب الزوج وأنب زوجته، وغضبت لبنى وطلبت من زوجها الطلاق.
وعادت الأمور تتعقد فى وجه قيس، وازداد همومه وأعباؤه، وأخذت صحته فى الانهيار، والأدواء والأسقام تلح عليه إلحاحاً عنيفاً، يقول تارة:
إذا ذكرت لبنى تأوه واشتكى تأوه محمود عليه البلابل

يبيت ويضحى تحت ظل منية به رمق تبكى عليه القبائل

قتيل للبنى صدع الحب قلبه وفى الحب شغل للمحبين شاغل

ويقول تارة أخرى:
سلا كل ذى شجو علمت مكانه وقلبى للنبى ما حييت ودود

وقائلة قد مات أو هو ميت وللنفس منى أن تفيض رصيد

أعالج من نفسى بقايا حشاشة على رمق،والعائدات تعود

فإن ذكرت لبنى هششت لذكرها كما هش للثدى الدرور وليد

أجيب بلبنى من دعانى تجلدا وبى زفرات تنجلى وتعود

تعيد إلى روحى الحياة، وإننى بنفسى لو عاينتنى لأجود

ثم تكون النهاية التى اختلف الرواة حولها، فمن قائل إن زوجها طلقها فأعادها قيس إلى عصمته ولم تزل معه حتى ماتا، ومن قائل إنهما ماتا على افتراقهما،وعلى ذلك أكثر الرواة. ثم يختلفون بعد ذلك، فمنهم من يقول إنه مات قبلها وبلغها نعيه فماتت أسفا عليه، ومنهم من يقول إنها ماتت قبله، فخرج ومعه جماعة من أهله، فوقف على قبرها،ثم أكب عليه وظل يبكى حتى أعمى عليه، فحملوه إلى بيته وهو لا يعى شيئاً، ولم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب حتى مات بعد ثلاثة أيام، فدفن إلى جوارها، وأسدل الستار على مأساة أخرى من مآسى الحب العذرى.















[/URL]([1]) ديوان السّياب .

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref1)([2]) معناها بلاد النخيل

1- مكان يتعلم فيه أبناء القرية قراءة القرآن وكتابة الحروف العربية

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref3)2- ديوان الشابي .

([5]) الخنساء : من الخنس وهو تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة , وهي صفة مستحبة أكثر ما تكون في الظّباء وبقر الوحش.القاموس المحيط . للفيروز آبادي (مادة : خنس).

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref5)([6]) الشعر والشعراء . ابن قتيبة. (1/261).

([7]) سلسلة نوابغ الفكر العربي – الخنساء .(9).

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref7)([8]) تاريخ الأدب العربي . عمر فرّوخ.(1/260).

([9]) قذَىً : القذى : الشوائب في العين دليل الرمد .

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref9)([10]) عُوّارُ : العوار : أثر العُود إذا طرفت به العين .

([11]) ذَرَّفَتْ : التذريف كثرة البكاء من الحزن .

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref11)([12]) مِدْرارُ : المدرار الكثير المتدفق .


([13]) أخرجه الأمام مسلم ، رقم الحديث ( 4545 ) .

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref13)([14]) يُغْشَون : يأتيهم الضيوف بكثرة .

([15]) ما تهرّ : لا تنبح .

(http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref15)([16]) حسان بن ثابت . حياته وشعره .د.إحسان النص .

([17]) ينسب الغزل العفيف إلى قبيلة عُذرة لأن شعراءها أكثروا من التغني به ونظمه , وشعراء الغزل العذري طائفة آثرت العدول عن شهواتها ملتزمة بقوله تعالى :{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } .النور.[33] .انظر العصر الإسلامي .د.شوقي ضيف .ص.(359).وتطور الغزل بين الجاهلية والإسلام .د. شكري فيصل . (248).

[URL="http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref18"] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref17)([18]) البلابل : الوساوس. قرت : سكنت .

[19] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref19) العتفي : طالب المعروف والفضل 0

[20] (http://www.merbad.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftnref20) جهاد فاضل كاتب لبناني 0

طارق شفيق حقي
29/03/2007, 12:18 AM
سلام الله عليك

هل تحب أخي الكريم أن نحول لك هذه الزهرات لكتاب إلكتروني يفيد الجميع
؟