المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقيق الضفدع رواية



صلاح والي
27/03/2007, 03:49 PM
نقيق الضفدع

رواية
صلاح والي
1983
الطبعة الأولى1988 الرواية العربية /الهيئة المصرية للكتاب ـــ 1 ـــ
غرس الرجل مديته ما بين الكتفين، لف ساقيه علي بطنها سار بها في الخلاء الوسيع متجها إلى المقابر سالكا وسطها إلى القرية، كانت تئن تحت آلام الغرس ، مطأطأة الرأس سارت بإرادة الرجل...قاده الرجل حتى باب المنزل ووقف أمامه ، طرق الباب عدة طرقات عجولة فتحت زوجته بعد أن علمت من الطارق ، دخل الرجل وأقفل نصف فتحة الباب بكل الحذر إلي البيت، دخل الرجل وهو يمسك بالمدية ويزيد غرسها ما بين الكتفين...أقفل الباب تاركا ما يسمح بدخول يده ، سحب يده بسرعة البرق وأتم إقفال الباب...زعقت الأتان وجرت في طرقات القرية ثم تحولت إلي سحابة وتبددت في السماء.
كنت مخنوقا بدخان الفرن ،لا أتابع حكايات جدتي عن (أحمد الجديد) فقد سمعتها وغيرها ، وجدتي لا تمل أن تحكي.
أحسست أن قريتنا هي الوحيدة الموبوءة بالعفاريت والجن واللصوص ، والسمسار،و بائع الأقمشة الرخيصة، وصبيحة المجنونة.
كانت البلاد الأخرى والقرى غير ذلك، فلم أذهب إليها ولم أسمع حكايات فيها، وكنت أحس أن قريتنا ربما ملعونة فأحس بخيبة الأمل والذل...
كانت أمي قد أوقدت الفرن من عصر ذلك اليوم ، وما إن هدأت النيران في جوفه حتى ووضعت إبريق الماء الأسود الكبير في فتحة الفرن وإبريقين صغيرين أمام الإبريق الكبير ليصبح الماء دافئا لنا وللجدة ... كان الدخان ينتشر في جو الحجرة صانعا طبقة زرقاء تحجب نصف زجاجة لمبة ( المصباح الكيروسين) المعلق في منتصف الحائط..
أحسست بالدوار فتمددت ونمت بعيدا عن جدتي ، صاح الديك فلم أجد أحدا بالغرفةـ مظلمة كانت الغرفة ، علي الحائط ثلاثة خطوط طولية متوازية وستة بقع دائرية من الضوء.
أخذت الإبريق الأسود ذا الماء الدافئ من فتحة الفرن وقضيت حاجتي في الخارج ثم غسلت ووجهي ،
كانت الشمس ساطعة، في الخارج كانت أمي وجدتي واخوتي البنات في الشمس يخرجن بذور القطن من أبراجه البيضاء ،
وقفت مدلي اليدين ، قالت أمي (كل ) ودفعت بالمشنة ناحيتي
استدرت علي عقبي ولم أتكلم ، سحب كتاب التاريخ ، علي سطح منزلنا وسط القش كنت أبحث عن أسباب فشل الثورة العرابية العربية ، نزلت من سطح الدار ضيق الصدر ـ كان البط في الباحة حول إناء الماء قد حوّل الأرض إلي مستنقع من الوحل والروائح القذرة، بصقت عليهم وسرت إلي خارج البيت ، فأنا لا أحب المدرسة ، أغيب يوم حصة اللغة العربية للشيخ (خطاب) الذي يعطينا دروس الإنشاء
ــ أحمد ، خطاب من أبيك
كنت قد تجاوزت الباب الخارجي لمنزلنا ، وكان أبي في قرية (أبو هور ) جنوب الشلال منفيا لاشتراكه في جماعة الإخوان المسلمين.
عدت بالخطاب إلي أمي ، قبلت الخطاب ، توقعت أن يحمل نقودا أو البشري بالنقود ، كان يفيض بالشوق والألم والشوك، أحسست بالدموع والمرارة تصعد من قدمي حتى محاجر عيني فخرجت مسرعا خارج البيت ، كنت أهوي في فضاء سحيق وليس به مخلوق غيري.
ولكن خلف الغيم وخلف سواد الليالي وجوه ملثمة تتآمر علي قتلي.
شوارع القرية متربة، أزقتها قذرة، أكوان السماد مرقشة ببراز الأطفال ، جُمعت كل مخلفات العالم وألقيت في شوارع قريتنا دون قري العالم ،، قناة صرف المجاري من مراحيض الجامع تمر من أمان بيتنا طافحة علي الجانبين ، كان لا بد من الخوض فيها حتى أمر إلى الجهة الأخرى، يمتد طرف القناة الآخر ليصرف المجاري في مصرف القرية بمياه الراكدة، تنتصب على جسره مواقد الغسيل ، جماعات النسوة كشفن عن سيقان هزيلة ، يغسلن في مياه المجاري الملابس المتسخة ، حولهن الأطفال حليقي الشعر، جلباب واحد قصير علي الجسد الناحل لا أسفله ولا أعلاه، تمر عليه الفصول لا يخلع إلاّ ليلة العيد الصغير للاستحمام و ليلة العيد الكبير لاستبدال ما بقي منه بثوب آخر.
كانوا على شط القناة يصنعون العرائس والحمير والأحصنة و الديكة والجمال من طين القناة ، تعلوهم جماعات من الذباب كالطير الأبابيل سوداء.. هباب المواقد أسود...الطين أسود...ملابسهم سوداء ..الذباب أسود، أحس أنني أود التقيؤ ، مصاب بالدوار معدتي تؤلمني.
واصلت السير كانت بيوت القرية ساكنة ، كل شيء ساكن لا حراك فيه ، بيوت الطين متلاصقة محنية الظهر مغمضة العينين، فتحات الأبواب ضيقة ، الأبواب ل تحمى شيئا ، كأنما استحى صانعوها من عمل أبواب سميكة لا لزوم لها فجعلوها أبوابا ولكن عليها أقفالا كبيرة.
شجرة الصفصاف منكسرة محنية كظهر القط الأليف/أحس بالاختناق/ غيرت طريقي واتجهت إلي المقابر... جلست علي أحد المقابر،إلي البعيد أنظر...عود سرو وحيد منتصب لكن بأعلى هامته انحناءة بدأت في الظهور.. كأنما استسلم بعد طول مقاومة.
كانت القبور المهجورة قد قذفت بعظامها وجماجمها خارجها ، ولم يعد أبو المجد بعد موته يكسو أولاده من أكفان الميتين ، كانت القبور مملكتي المريحة ، أحصيها، أقارن بين تميزها ، أعدد ألوان المطلي منها بالجير والطيني .
مالت الشمس إلي المغيب، طوابير المواشي العائدة من الحقول تجر في حبالها الفلاحين يجرون أقدامهم كطوابير الأسري ، سرت معهم لم ينظروا إليّ يعودون إلي بيوتهم كحمار( التتريب) يحمل السماد في الذهاب والتراب في العودة ، لا يستريح دورا واحدا ، يعود آخر النهار مكدودا ، يدخل البيت بلا أدنى صوت إلي الحظيرة مباشرة للنوم ، يذهبون إلى المسجد يغسلون تعب وعرق يوم ، يصلون كيفما اتفق، يخرجون وهم يحملون على جباههم ترابا من الأرض وأعواد من ( الحلفا) التي فرشت بها أرض المسجد ويتمتمون بالأدعية وختام الصلاة.
كان الظلام يتعقبني وأنا أعود إلي البيت وسط كل هذا السكون الذي احتل كل شيء بينما الدخان يتصاعد من حجرة الفرن والكلب الأبيض فوق السطح بجوار الطاقة منتظرا أن ينتهي الدخان وتقفل بالقش حتى ينام فوقها مستدفئا من الحرارة المتصاعدة من الغرفة ، جلست القرفصاء...لمت أطراف الرداء حول قدميها قالت :ــ شرفت ؟ تعال كُلْ
ــ ماذا آكل يا جدتي؟
ــ بسارة
ـــ لأ... مش بحب البسارة
ـــ البسارة؟! عجايب!
ــ يلعن أبو البسارة..
ــ ايه ؟... حرام عليك هذه نعمة ربنا
ــ لأ ، اللحمة فقط هي نعمة ربنا..
ــ استغفر يا بني النعمة تزول
ـــ تزول
ــ تعالي ابنك كفر ... لسانه سيهلكه
خرجت أمي علي صراخ جدتي ، عيونها كلها ترقب واستعطاف وانكسرت فيها عزة الشموخ القديم
ـــ حاضر....تعال يا أحمد سأجهز لك بطاطس
ـــ بطاطس ... سوف تجهزون ؟ لن آكل
الشارعـ الظلامـ فم تنين يبتلعني ، تلف خطواتي في أحشاء الطرق القذرة ، رائحة روث البهائم ، حارة الواطية تلك البيوت التي تراصت بجوار بعضها كأنها قطط رابضة تتحفز للوثوب ، اخترقتُ الأزقة إلى الشارع الكبير / داير الناحية/ الذي يلف القرية من ناحية الحقول .
كانت بيوت قريتي كلها قد أعطت ظهرها للحقول كأنها غاضبة منها ، منكفئة على شيء تخفيه،أرعشني البرد الذي قابلني من فوق سطح الحقول في ميعاد مروره الليلي ، دخلت الزقاق المعاكس انتهى بي أمام بيتنا.
دفعت الباب
ــ من ؟
أقفلته خلفي ولم أتكلم ، كنت أعرف أنه صوت أمي ... تلمست طريقي في الظلام إلي حجرة الفرن ، دخلت..
ــ تعال يا حبيبي الأكل جاهز...تعال
ألقيت نفسي في حضنها وبكيت ، وأحسست أنني مهزوم ، وظللت أبكي لا لسبب أعرفه ولكنني كنت أبكي ...
ــــ 2 ــ
ــــ كانوا يبحثون عن أسلحة
ــ حرام عليك ...
ـــ لا تغرك دقنه ... إنه سياسي..
ـــ ياراجل
اخترقت الكلمات آذاني وأنا أمر من أمام دوار العمدة في الظهيرة عائدا من المدرسة .
بعد سهرنا حتى الصباح فقد قامت المباحث باقتحام منزلنا ليلا و إفراغ محتوياته في الشارع ، وشق المراتب، والبحث في حجرة التبن والحظيرة وأخذوا كتب والدي...
كانت أمي ملفوفة في جلبابها الأسود وطرحتها البيضاء ، وجدتي علي الفرن تبكي مغطاة بالبطانية ، اخوتي السبعة قد أعطوا وجوههم للحائط بينما وقفت أنا رجل البيت وكبيره مدلي اليدين مذهولا مما يحدث، فقلت للرجل ذي النجوم ::ــ عايزين ايه؟
دفعني الرجل بعيدا عن طريقه كأنه لا يراني بينما واصل الرجال ذو الشوارب والبلاطى التفتيش ،كسروا الزير وجرة الدقيق فبكت أمي فبكيت وأمسكت بجلبابها
قال الرجل ذو الشارب للرجل ذي النجوم
ــ تمام يافندم ، لا يوجد يا سعادة البيك
ــ فتش تاني يا شفعي
ـــ حاضر يا أفندم
قال الرجل ذو النجوم لأمي
ــ من الأفضل أن تدلينا على مكان الأسلحة، في المرة القادمة سنأخذك والصغير معنا..
قلت له من بين دموعنا:ــ لا يوجد
فدفعني من أمامه:ــ نام... نام
ــ يا ابن الكلب
أطلقتها وعدت جريا إلي حجرة الفرن أبكي...
خرجوا وجاءت أمي تبكى.. وظللنا نبكي حتى الصباح
كنت أعرف أن الرجال أمام دوار العمدة يقصدون أبي سرت منكس الرأس ، حاولت ألا أنظر ناحيتهم ولكني نظرت، كان بودي أن أجري ولكن كنت أحس أن قدمي لا تقويان على حملي .. دخلتُ حارتنا وخضت في قناة الصرف والمجاري واتسخ حذائي ، فلعنت العالم كله ، ضاقت الدنيا في وجهي ، ضباب يكتسح كل شيء ، عند دخولي من باب بيتنا تعثرت قدماي ووقعت على الأرض ، تناثرت الكتب والكراسات ، بكيت ، لم أستطع القيام من مكاني ، جاءت أمي تجري من داخل البيت ، وأقامتني سألتني عن سبب بكائي .
كانت حروف اللام وحلقات كثيرة في حلقي تمنعني عن الكلام .
ــ رشاد
ــ رشاد من ؟
ــ كانوا عند دوار العمدة يتكلمون علينا ...
ــ رشاد بن من ؟
ــ أخو توفيق بتاع الذرة الصفرة ...
ــ ماذا يقولون ؟
ــ عن أبي (بابا)
( ونحن أولاد المدرسين المتعلمين الوحيدين في القرية نقول بابا وباقي الأولاد يقولون آبا وكنت أحب أن أقول آبا ولكن لا أعرف لماذا نطقتها بابا )
ــ معلش
أخذتني أمي إلى الداخل .. لكن كان رشاد مازال يتكلم في أذني ...
- 3 –



( أ )
قريتي لا تنام

اتفقت بيوت الطين أن تتراص في حلقات مقفلة دائرية يخترقها شارع واحد ، أن تكون أبوابها وشبابيكها في اتجاه هذا الشارع، وأن يدخل هذا الشارع هذه الحلقة وسط باحتها ويخرج إلى حلقة أخري، فترصد البيوت التي تراصت بأبوابها وشبابيكها كالقطط المتحفزة أي شيء يمرّ في باحتها وتسلمه إلى حلقة أخري .
وتعمدت البيوت في هذا التكرار للباحات والحلقات أن تمر الشوارع الموصلة إلى بيوت ترقبها أيضا وأن تكون الشوارع ضيقة ومتعرجة ورفيعة لا تكفي إلا لشخص أو شخصين بالكاد .
وانخفضت البيوت من الداخل بحيث يصبح المار في الشارع في مستوي نظر القابع داخل المنزل لسهولة المراقبة ...
تواصلت الأزقة و الحارات وأفرزت شوارعها لتصب في الشارع الكبير (داير الناحية) الذي يلف البلدة من الخارج .
وأوصت البيوت في صمتها المزعج ، وأنينها المكتوم أن تعطي ظهرها للحقول ترقب داخل القرية قانعة أن ما تخافه قادم من داخلها ..
لكن لم يفتها أيام كانت قطعا من الطين وحفنات من الماء وأكواما من الرمل وأشجارا من الخشب ، وأن تقسم أعمال الحراسة بينها فأوصت بأن ينفر ويشذ في كل مسافة في شارع (داير الناحية) بيتا يخالف كل البيوت بحيث يصبح وجهه ناحية المزارع ولا تكاد تلمحه بصعوبة لتميزه وإذا لمحته فتراه نشازا عن باقي سيمفونية الطين والقهر، وكانت هذه البيوت المتفقة على الاختلاف هي (الناطورجي) أو المراقب والحارس للحقول المرتقبة للأفعال فيما يأتي والمديرة ذلك الحوار السري مع القمر والليل، والمبتلعة فرحة شروق الشمس وقدوم الفجر، كما أقسمت البيوت بنار الأفران الموقدة أن تتراص على مسافة كافية حول البيت الكبير ترقبه صامته وتنشر رسالتها السرية من خلال جدرانها لكل أطراف القرية وقت حدوثها ، ويوم أن مات (بن أبي المجد) مريضا بالليل وقبل أن يصحوا أهله ترحمت عليه البيوت التي في أطراف القرية ,وأوسعت له مكانا في القبور كما اتفقت في حزم أن تطرد خارجها بيوت المنشقين عنها .
فلوحظ في السنوات الأخيرة ، أن امتلأت الحقول بعدد غير قليل بالبيوت المبنية بالطوب الأحمر واقفة في المزارع منفردة بعيدة عن بعضها غير متلاصقة، كما أعطت البيوت الطينية تكليفا بالمراقبة للبيوت النشاز التي في داير الناحية أن تراقب هذه المفردات في الحقول، كما اتفقت أيضا مع شبابها في الحقول، وحرافيشها أن ينفضوا عنهم تعب النهار إذ جاء الليل إلى منتصفه وأن يخرجوا في شوارعها في دفعات يشقون وجه الليل بالنداءات الليلية على الليل والزمن يرسلون خلال نداءاتهم وتوجعاتهم و آهاتهم فيرددها الليل ويبعث بها إلى القرى المجاورة حتى إذا ما قارب الليل على الانتهاء ودخل في جزئه الأخيرة أوي الفتية إلى مضاجعهم، فتولي الشيوخ مهمتهم فقاموا بالسعال المتصل والبصق بصوت عال والخروج خارج البيوت بحجة التبول أو التبرز ولكن في الحقيقة كان خروجا متفقا عليه ..
حتى إذ ما أخذ الليل يلم أطرافه مستأذنا البيوت المراقبة سامحا للفجر أن يدخل متسللا إلي القرية ، دخلت نوبة الحراسة التالية للحيوانات والطيور ففي هذه الساعة تبدأ الأبقار والجواميس في الخوار تتبعها الحمير بالنهيق ، فيتولى بعدها صياح الديكة معلنا أن فترة المراقبة قد انتهت وأن النهار على وشك البزوغ ، فتطارد الكلاب في نباحها المستمر أشباحا تخيلتها كانت ترصدها طوال الليل . فتبدأ بوادر الشمس في البعيد قادمة ، يقابلها على الطرق الفلاحون في طريقهم إلى الحقول ، وتبدأ دورة الصباح التي ظن البعض أنها كانت بعد هجوع القوم بالليل ونوم القرية كلها ، لكم تغيرت القرية خلال عشرين عاما ، تمتم لنفسه صامتا .


(ب)
في بعض الأيام صعب على القرية أن ترصد حركة سريعة سرية خارجة من بعض البيوت إلى البيت الكبير ، صعب عليها رغم تواصل الجدران والعهد بينها أن تفهم ما يدور ، فاتفقت أن تتخلى عن هذا البيت وتطرده من بين صفوفها ، فنزعت البيوت المجاورة / في الظهيرة/ جدرانها المشتركة ، وأزاحت عروق الخشب ، وسدد البوص ، وجريد النخل من على حواف جدرها فسقط سقف البيت وانهارت جدرانه الداخلية .
هرع أهله إلى كل مكان ليأويهم، ولأنهم كانوا في الحقيقة خدما للبيت الكبير فقد ألقوا بالإسطبل ينامون فيه وسرت إشاعة قوية عن عزم صاحب البيت المنهار في إعادة بنائه فاعتذر الفلاحون عن المشاركة في العمل بحجة حرث الأرض وتخطيط ومسح الأرض والخطوط وزراعة القطن وبعد القطن امتد حبل للحجج اللجوج /الذي لا ينتهي بأن جمع القطن قد أزرف وأن الاستعداد لزراعة البرسيم والفول علي الأبواب امتد الحبل وبعُد الأمل في البناء/ ..
اتفقت القرية في تلك الفترة دون مهرجان أو حوار معلن على أن تلقي بقاذوراتها في هذا البيت المنهار ، فامتلأ المكان بالزجاجات المكسورة وريش الفراخ ، والفئران الميتة ، كما أوصت بيوت القرية صبيتها الصغار أن يفرغوا محتويات أمعائهم في هذا المكان، ودفعت حقول القرية وبيوتها كميات لا بأس بها من الفئران والعرس وأبناء أوي ليسكنوا هذا المكان .
نظر صاحب البيت إلى بيته المنهار وما آل إليه تأكد مطلقا أنه لن يستطيع ، نظر إلى البيوت الصامتة والمتماسكة ، ودار حول نفسه وتأكد أنها عرفت، كانت البيوت الطينية تنظر إليه من تحت جفون شبابيكها وترقبه صامته ..
في الثلث الأخير من الليل عوت الكلاب ونبحت باتجاه خارج القرية ودفعت أسطح البيوت وبتون الحقول بقطع من الطوب والطين ودفعت الشوارع بروث الماشية باتجاه خارج القرية ، عادت الكلاب وقبعت مجهدة أما بيوت المراقبة وفي فمها أجزاء من جلابيب لرجال ونساء، وسرت رسالة سرية بين جدران البيوت وبعث بالرسالة إلى الأرض إلى مضاجع الأولاد والبنات والنساء والرجال ففهمها المتيقظ وسرت في عروق النائم فتمتم واعتدل في نومه .
كانت الحجج كثيرة ، فقد توقفت النساء عن إلقاء القاذورات والزجاجات المهشمة والفراخ الميتة في البيت المنهار
، كما توقف الأطفال عن إفراغ محتويات أمعائهم ، وأنهم ما عادوا صغارا ليجلسوا مكشوفي العورة هكذا ...
ورغم تجهيز الأرض لزراعة الموسم الشتوي . إلا أن البيوت الطينية تشاورت فيما بينها – وفرت الوقت – واقترحت إعادة البناء لتزويج أحد الشباب في المنزل ، بعد أن اختفي صاحبه وأسرته ،ارتفعت السواعد الهزيلة تزيل الأشجار وجذوع النخيل والأتربة وسدد البوص وقطع الزجاج وبقايا الجدر الوسطي ، ولم يجدوا وسط هذه الخرائب فأرا واحدا أو ابن أوي وكأنه ما أشيع عنها كان كذبا .
وفي ركن من أركان البيت وجد (زير) لمياه الشرب وجد سليما لم يكسر، وعند محاولة نقله للخارج كان ثقيلا كأنما بداخله شخص، كشف أحد الرجال الغطاء فوجد بداخله كلب ميت ألقي الزير بالكلب خارج المكان .
استمر العمل ...
وصل خبر يفيد أن صاحب البيت قد مات في القرى البعيدة.
اكتمل البناء ، تلاصقت الجدران مرة أخرى، عاد البيت إلي رفاقه، تواصلت الرسائل مرة أخرى ، تزوج الشاب.
في صباح يوم زواجه تلكأ الفلاحون في الخروج إلي الحقول فقد أرسل ساكن البيت الكبير بعض الغرباء الذين يعملون في خدمته طالبا شابا للعمل عنده ، وأن تعمل زوجته في خدمة( الست) السيدة زوجنه ، رفض الشاب ، انتشر الخبر بين أهل القرية، صدرت الهمسات والرسائل السرية الليلية بأن الغد لا يحمل أنباء طيبة ، واستعدن فرق العمل الليلي.
عمل الفلاحون في الحقول والأجران، دخلت الغلال كلها إلي مخازن صاحب البيت الكبير إلاّ النزر اليسير الذي لم يدخل الأجران أصلا أو الذي بقي للفلاحين بعد القسمة غير العادلة ...
تساءل أحول العينين : لماذا كل أولاد الخدم في البيت الكبير يشبهون صاحب البيت الكبير ( وأرفقها بأني أخاف الله )
خشعت بيوت الطين ، تأكدت من رفض الشاب للعمل عند صاحب البيت الكبير.
في اليوم الثالث استدعى الشاب للبيت الكبير!
قال أحول العينين ربما لا يعود
توقفت الأيدي عن العمل لحظة، نظرت العيون في عمق العيون ، عاد الشاب مثخنا بالجراح مجلودا رقد علي بطنه وسرت أنهار الخل فوق جروحه لتندمل، سار ساكن البيت الكبير ببغلته البيضاء رافعا رأسه إلى أعلى باصقا أمام بيت الشاب متوعدا إذا لم يأتى للإسطبل فسيجلد البلدة كلها .
دق باب البيت الكبير في الصباح ، لم يكن صاحب البيت وساكنه موجودا ، استقبلت زوجنه (بربش) الأعمش الأعرج ، فقد نقدم للعمل بالإسطبل .
قال بعض شباب القرية أنهم شاهدوه وهو يستحم في الترعة ، وأنه حوبى أثناء الخليقة بشيء غير عادة فيما بين ساقيه.....
رفض صاحب البيت أن يعمل بربش عنده ،
أصرت الزوجة على عمله ، فإن لم يكن صالحا للعمل في الإسطبل فهو صالح للعمل في المطبخ ، وهي تري أنها بحاجة إليه دون غيره..
شب حريق في أجران التبن ، تعالت أعمدة الدخان كأنها أنفاس أهل القرية تخرج زفيرها اللافح في وجه صاحب البيت ، قال بعض السذج أنه من فعل فاعل ، شدت بيوت الطين على أيدي بعضها اندملت جراحات الشاب المجلود، لبس الأعرج ملابس جديدة ، خلع الطاقية هزل جسمه أبيض لونه ، صارت الشقوق السوداء في كعبيه أكثر وضوحا وإن كانت أقل سوادا، شدت بيوت الطين على أيدي بعضها مرة أخري .
مر على بلغته متعبا يفكر حتى أنه لم يهدد ولم يتكلم فدخن البيت نزل من على بلغته ، وجد الأعرج أمامه جالسا فى حديقة المنزل نظر إليه رفسه وبصق عليه وضربه بعصا الخيل جري الأعرج إلى المطبخ، ارتفع الشجار سمع كل من المنزل ليس لك الحق في إيذائه أنه يعمل معي أنا التى أقوم بتهذيبه ، أكل الأعرج دجاجه بأكملها وزوج حمام، لم ينجب منها صاحب البيت رغم معرفته التامة بقدرته على الإنجاب كانت تتهمه في رجولته .
علا صوتها عليه ، سافرت بعد أشهر إلى البندر لتوعك في بطنها رغم أن صحتها تحسنت في الأيام الأخيرة وامتلأ جسمها لكن كانت كثيرة القيء تشكو من الدوار .
قال صاحب البيت مريضة بالطحال شدت بيوت الطين على أيدي بعضها – طأطأ صاحب البيت ، سار على قدميه متفكرا .
أخرجت الرجال في الظهيرة جثة الأعرج غريقا في حوض الإسطبل دفن في المقابر أجهشت الأصوات بالبكاء ، عادت الزوجة من البندر شفيت من مرضها ، أمطرت السماء مطرا غزيرا ..


(جـ)
ارتفع الشجار بالليل .. لم تطلب بعد الأعرج أحدا للعمل في المطبخ، كثرت زياراتها للمدينة ،ألقت بيوت الطين اللوم على بعضها ، ظلت جثة الأعرج تلف الشوارع بالليل ، تطرق أبواب البيوت ، تشارك في نوبات الحراسة وفي آخر الليل تدمع وتقف صامته ثم ترحل .
اختلفت أمزجة صاحب البيت الكبير ، طالب بنساء القرية ليقمن على خدمته ، أرسلوا له الرجال ، طردهم ، جن الرجل واختفي كثيرا من القرية ، يعود آخر الليل متعبا ، ينام حتى الظهيرة .

كان الخدم يدخلون ويخرجون دون إذن ، يوم غير عادي ، صحت القرية في الصباح ، إشاعة سرت بأن الرجل متوعك ، عند الظهيرة قيل أنه مريض ، في المساء قالوا أرسلوا لأقربائه ، سهرت القرية كلها حول بيت الرجل ، في الليل الأول قيل أنه مات ، نزع أحد الخدم نتيجة الحائط ، واحتفظ بورقة ذلك اليوم ، علق أحد الخدم النتيجة كما كانت ، حضرت زوجة الرجل من البندر ، فتح أحد الخدم المذياع دون قصد فسرت إشاعة أن شيء ما حدث في مصر .

حضر رجال ذو سترات صفراء بنجوم صفراء ، ورجال ذو سترات سوداء ونجوم صفراء وبدأ كل فريق في الحصر والتحقيق لكن أحدا لم يفهم شيئا ..

قالوا سيوزعون الأرض ، يكسونهم بالحرير ، يشترون لهم الأبقار والحمير ، يلبسونهم الملابس الصوفية ، لم يفرح الفلاحون ظلوا يسألون من قتل صاحب البيت الكبير ؟

سافرت جثة الرجل إلى بلاده لم تفرح بيوت الطين المتلاصقة قالت في رسالتها السرية " نحن نحس بالقهر ، ما حدث أخّر ما كنا نرتب له " " أضاع ما أنضجناه في السنوات الماضية " .

وُزعت الأرض على الفلاحين ، تناثرت البيوت ، هدم بعضها، أسرار أبيحت ، أفلتت بيوت من الصفوف المتراصة بقيت أعداد قليلة من البيوت المتماسكة .

تمايلت هامات النخيل كثيرا ، طاولتها هوائيات المذياع ،اختفت هوائيات المذياع وأصبح أصغر حجما وصغر شكله ، وقل وزنه وزاد عدده ، واصبح يكتب في اللغة الراديو دون أن يكون بين قوسين وسافر بعض الشباب بعيدا للحرب .

(د)

الشموخ والعظمة التى تحسها جدران البيت الكبير عن بيوت الطين والتى تستطيع بسهولة أن تري أسطح تلك البيوت الطينية لم يمنعها من الخوف والرهبة إزاء تكتل هذه الكتل الطينية المتراصة وإزاء هذا الهمس والأزيز المتواصل أثناء الليل ، كانت هناك أحاسيس دائمة بأنه لا شيء ينفذ من وإلى البيت الكبير عبر الأرض الواحدة إلى ومن بيوت الفلاحين ..

تفرد البناء بأحجاره الحمراء وازدهي وبالغ في التيه بطلائه الأبيض والأصفر لكن الإحساس بالعزلة لم يفارقه ..

كان صوت الخيل يجعلها تحس بالعظمة وصوت خوار البهائم يجعلها تحس بالخير والثراء ، وصوت الكلاب المدللة يجعلها تحس بعدم الراحة، ترتفع روائح الشواء واللحم والمرق والحلوى من جدران وطاقات المطبخ مطبخ البيت الكبير فتحس الجدران مرة أخرى بالرفاهية ولكن في أخريات أيامها كانت تحس أنها تهوي روائح المش والجبن القديم ..

الجدار .. المواجه لعروسة الصلب التى جلد عليها الشاب – تشقق عنه الطلاء وسقط فجأة وكشر الجدار عن أنيابه دفعة واحدة ..

كانت النوافذ التى في كل اتجاه ترقب الفلاحين ، ترقب البيوت الواطئة فتعلم أنها تنطوي في خشوع وخوف دائم منها . لكنها عرفت في آخر أيامها بعد سقوط بيت الرجل الخدام أنها لا تنطوي على الخوف فقط ، لكن هناك أشياء أخري تنطوي عليها هذه البيوت فكرت الجدران كثيرا لكن لم تصل إلي يقين بعد .

اعترف حوض الإسطبل بأنه حوى جثة الأعرج في جوفه وشهد شهقته الأخيرة ، مدفوعا من صاحب البيت الكبير بالليل ، شهد ضغط القدم على الرأس بعد أن أيقظه الماء البارد في الحوض من النوم ..

كما اعترفت جدران حجرات النوم أنها أول من شاهدت عري الأعرج وعرقه وانهاكه فوق الفراش أعلى سيدة البيت لكن كانت البداية حيث حكت جدران الحمام ، الاوامر القاسية التي أطلقتها سيدة المنزل على الأعرج بالدخول للحمام ليزيل أوساخه حتى لا تتسرب تلك الرائحة لجدران البيت ، ألقت الملابس الجديدة , أقفلت عليه الباب بالمفتاح لكن ثقب المفتاح كان قد طبع حدقة عين السيدة وهي تتلصص على الأعرج من دخوله حتى خروجه كما سجل صدر الباب وبلاط الأرضية التي أمام الحمام الحركة غير المتوقفة للقدمين للسيدة و الإفساحة التي ما بين ساقيها والتخلص من الحذاء والقبض بيدها اليمني لما بين فخذيها عاليا حنينا رائعا يتهادى ثم قويا قابضا عنيفا ولا تفارق عيناها ثقب باب الحمام، العرق الغزير ،الانهيار والجلوس على الأرض أمام الحمام . وتؤكد الجدر الملاصقة لباب الحمام أن الأعرج لحظة خروجه ورؤيته سيدته قد فزع فأشارت إليه بعدم الكلام وأشارت بحملها إلى حجرتها لكن الصالة الرئيسية للمنزل تقسم أنها ما رأت شيئا من هذا ولكن الصالات والممرات الفرعية التي أكدت مشاهدتها لمنظر الحمل وأنها قد فتحت عيونها دهشة قد سمعت أيضا صوت لحم الفخذين وهو يلعق ساعدي الأعرج .

أقسمت جدران حجرة النوم أن الأعرج حاول الخروج لكن السيدة أفهمته أنها انزلقت وأن قدمها اليمني قد التوت وأشارت إليه بقفل الأبواب وتدليك مكان الانزلاق . استفسر الأعرج بيده عن مكان الألم وعندما يضع يده على الكعب تأتي الإجابة بالنفي إلى أن حددت له الإجابات مكان الألم الحقيقي فهم الأعرج أنه لا علاج له باليد .

اعترض لكنه خاف ، وطأطأت الثريات خجلا من عريهما ووارت النوافذ خجلها في الستائر ، تشهد الصالة الكبيرة أن الأعرج كان يسير منهكا باتجاه المطبخ وأن الطباخ قد زجره لكنها تشهد أيضا أن الأعرج كثر تردده علي تلك الحجرة وغيرها .

تؤكد السيدة كبيرة الوصيفات أن سيدتها لم تكن تأكل هكذا في الليل أو النهار / الا أنها قد فتحت شهيتها هذه الأيام ومن العجيب أنها تأكل في حجرتها / وأن كميات الحمام والبط والدجاج التى أكلتها من يوم وصول الأعرج إلى يوم موته أكبر من أي كمية دخلت البيت من يوم وصولها إلى يوم حضور الأعرج . وأن سيدتها تتفاءل بالأعرج وتقول أنه يفتح شهيتها وأنه رجل بركة / ولم يشاهد أحد الأعرج وهو يأكل إلا مرة واحدة يوم وصوله أو بعده بيوم / إلى أن خرج محمولا على أكتاف أهل القرية ..

ولكن الحديقة ونجيلها وحشائشها كذبت هذه الأخبار وأدعت أنها صاحبة السبق والمرة الأولي ، كانت السيدة في الحديقة على كرسيها الوثير عندما حضر إليها الأعرج ينط بساقه التي تقصر عن الأخرى فيتأرجح ما بين فخذيه ، كانت ملابسة الرثة القصيرة الصفراء اللون تداري ركبته أمرته بالجلوس بعيدا عنها وأمامها مباشرة ، جلس الأعرج علي بعد متر منها ، جلسة القرفصاء كأسري الحروب مظهرا دلائل الخضوع ولما كان ثوبه القصير لا يداريه تماما ، انزاح الثوب قليلا أثناء الجلوس فظهر أن هناك شيء غير عادي برز بشكل كمثري مدفوع الحافة إلى الأمام أفسح له الأعرج بين ساقيه أثناء الجلوس . أحست الحشائش ثقل هذا الكم عليها وحرارته ونبضه ، وقالت الحشائش أن عيون صاحبة البيت لم تنزل عن ذلك الشيء ، وظلت معلقة به تتفحصه جيدا بينما أسئلتها تتأكد أن الأعرج حميد السيرة خاصة فيما يتصل بالنساء، وأنه غير متزوج وأن له من القوة ما أن حمل جوالين من القمح لحملهما ...

قالت المشايات حتى باب البيت الكبير :ـ أن الأعرج سار خلف السيدة إلي الحمام/ لهذا كان للحديقة سبق الرصد لتلك الأحداث/.

لكن مهما اختلفت البدايات والأحداث وتناقضت فإن حجرات النوم والحمام والأسوار الخارجية والحديقة /ليلا/ والاسطبل وحجرات التبن لها حكايات كثيرة حول هذه الموضوعات.

لكن جدران البيت الكبير يبدو أنها من طول ترقبها للأحداث أحست أنها شاخت فقد حدث بعد مغادرة السيدة للمنزل إلى المدينة إثر مرضها الذي أدى إلى انتفاخ البطن وأعقبه موت الأعرج أن تساقطت أجزاء كثيرة من الطلاء. وحين تعددت زياراتها للمدينة بعد مقتل الأعرج فقد تساقط قيشاني الحمام وبياض سقف حجرة النوم ، واهتزت بلاطات كثيرة في البيت ، وقيل أنه في غضون موت صاحب البيت تردد همس قوى له رائحة النشادر: أن جدران المنزل قررت ترك أماكنها بالهجرة والعودة إلى الأرض ..

قال عرق من الرمل في باطن الأرض ( يصل ما بين البيت الكبير وبيوت الطين ) في إحدى الليالي/قبل موت صاحب البيت ، قبل موت الأعرج/ صدرت إحدى الأنات والرسائل السرية ما بين البيت الكبير وأحد بيوت الطين تطلب منها الود والأمان وأنها ستوصلها بأحداث هامة ، وكانت الأخبار تحذيرات من عرق الرمل إلى بيوت الطين من مصير الأعرج .

أحست البيوت الطينية بصدق الرسائل خاصة أن الأعرج لبس الملابس الغالية ، وهزل جسمه ، وخلع الطاقية ، لكن بيوت الطين كانت تريد أمرا مؤكدا. تريد شيئا علي قدمين أمام صاحبة البيت كما يسير أولاد الخدم – الذين يشبهونه اتصلت الرسائل وتساءلت بيوت الطين بحذر إن كانت البيوت الحجرية من الطين أيضا ؟ أجابت البيوت الحجرية أنها في سالف العصر قد خلقت من الطين أيضا لكن النيران في أفران الحرق قد بتت جذورها عن الطين وأصابتها بتصلب في القلب وحفرت على وجهها علامات الوشم لصاحبها وأنها قد اهتزت ذاكرتها ولم تعي ذلك إلا الآن وأنه قد حان الوقت للعودة ولمشاركتها في التراص والترابط بينها . حذر أحوال العينين من أن عرق الرمل هذا ليس من الطين وربما دس وسط الطين لهذا الغرض . دارت مباحثات تسأل عن أصل عرق الرمل هذا . فأفادت أنه موجود من زمن بعيد قبل بناء البيت الكبير ، تنفست بيوت الطين الصعداء لكن أحوال العينين عاد بشكوكه يسأل إن كان عرق الرمل نظرا لتفرده بحس بالانتماء إلى البيت الكبير . انقطعت الرسائل فجأة إذ علم عرق الرمل ، انكمش على نفسه بلله ماء العرق والحمي والدموع حتى أن أحد الفلاحين أثناء حفره لدفن كلب ميت وجد عرق الرمل مبللا بالماء. وعندما علمت بيوت الطين بالخبر وراجعت نفسها كان صاحب البيت قد مات، تأملت بيوت الطين فيما حدث وانبرت تسأل عرق الرمل الذي افاد أنه حمل في جعبته رسائل لهم في الأيام الماضية لكن ما حدث جعله لا ينقل الرسائل إليهم، دفعت بيوت الطين برجالها ونسائها وأطفالها جهة البيت الكبير وقالوا أنهم جاءوا لاستطلاع الخبر والمشاركة في واجبات العزاء والدفن، لكن كان هناك رجال بسترات صفراء ونجوم صفراء ورجال بسترات سوداء ونجوم صفراء وأوراق تكتب وأشياء تعد وأماكن تقفل وشمع أحمر على الأبواب، كانت أحجار البيت الكبير فى كثير من واجهاته قد تخلت عن بعضها نظرا لشكوكها فيمن اتصل بالبيوت الطينية .
قالت سلالم الرخام أنها حذرت من ذلك حينما دب الخلاف بين أحجار الواجهات وقالت في كثير من الفخر أنها تختلف كثيرا عن البيوت الطينية وأنها للسادة بينما الخدم والعمال للبيوت الطينية، لكن كان كلامها في زمن قد فات والفرقة قد دبت بين الأحجار وبدأت تتباعد وتظهر بينها شقوق كبيرة ، قال عنها الرجال ذو السترات ، أن البيت يتصدع وقال أهل القرية حزن المكان على من فيه ......


- 4 –

(أ)
ظلام الليل معطف الرجل العادي ، دوائر من السيسل حول يده ممسكا بها ،غليظة تقوده في الظلام مع العينيين البراقتين ، رأس الحقل مقصده كوخ الحراسة لا غير ، علامته مع المنتظرين اخماد النيران ..
كانت الفجاءة للرجل فقط بملابسه الثقيلة ، كممه العاري من خلفه أوثقه بالحبال ، ربط عينيه بمنديله القديم ، كانت المرأة زوجة الرجل قد تعرت تماما ( تعرت تماما) ، أطفأ النيران المشتعلة انتهي من مضاجعة المرأة التي تعرفه وتعرف مذاقه ، سمع صفيرا حادا من آخر الحقل جري عصاه في يده ، لبس ملابسه في المصلي بعد الاستحمام في ترعة النصرانية وكان قد عبر إلى الجهة الأخرى ، سمع صراخ المرأة وعويلها في الحقل سأل الرجال الخارجين من القرية جريا ، ما هذا؟ ، قالوا ... لا نعرف استغاثة من حقل أبي السعود ، جري معهم وصل إلى هناك كان النهار على وشك أن يهزم الليل ، فك الرجال الذين سبقوه قيد الرجل سألهم ماذا حدث ؟ قالت المرأة هاجمنا رجال اشداء ، وأوثقوا زوجي وضربوني ضربا مبرحا وفروا ، سألها .. لماذا ؟ قالت أنها اكتشفت سرقة الخيار من الحقل ...
ــ ثم ماذا يا عم حفني ؟
تمهل الرجل قليلا وقال .. لا شيء مرض أبو السعود ورقد في البيت وظلت زوجته تحرس الخيار بمفردها ..
ــ ألم يسرق يا عم حفني ؟
ضحك الرجل – لم يسرق ولم يخلع أحمد الجديد ملابسه ثانية .

نزل أحمد الجديد من على النخلة – كًرّم الجريد – قطع سباطات البلح .
قال لأمي .. كل عام وأنت بخير
قالت : وأنت، انتظر لتأخذ حقك ..
انتظر أحمد الجديد وهو يلم مقلاعه وشرشرته والبلطة .
مر رجل من البلدة – ألقي السلام – مبروك يا جديد كده أحسن ( كان أحمد الجديد قد تزوج امرأة أبي السعود بعد موته )
لم يرد أحمد الجديد وكأن ما قيل لا يعنيه ، أخذ نصيبه من البلح والعراجين القديمة والجريد وسار ..
انطلقت اشاعة قوية أن أحمد الجديد مريض ، في الصباح كان حقل الرجل الذي مر بنا قد التهمته النيران عن آخره ، دق ضابط المباحث بيت أحمد الجديد ، فتحت زوجته وهي تبكي ورأي الضابط أحمد مريضا وبعض أهل القرية حوله .


(ب)
اختلفت الدنيا معه ولم يختلف معها – أخذت منه ساقيه وساعديه وتركت له بدلا منها عهدة قديمة لا تعمل ، لم يعرها انتباها وتزوج وأنجب ، حفظ القرآن ، تفتحت له أبواب البيوت وحجراتها رتل فيها القرآن ، احتل قاعة رجل غني في ليالي رمضان ، تدفقت الغلال والأقمشة والفراخ على منزله ، بني حجرة كبيرة جمع فيها صبية القرية ليعلمهم القرآن ، زاد التدفق بالخير على بيته ، حدد معلوما شهريا عن كل طفل ، اشتري حمارة لركوبها زاد سلطانه عندما تدخل في حسم ليلة الزفاف لكل شاب من أهل القرية دفعوا له قبل الليلة الموعودة ، صاحب الجن وفتح الكتاب ، ذاع سيطه فى القرى المجاورة ، وفود من النساء والرجال ذوي الحاجات في مسيرة الذهاب والعودة وهو المقصود دائما ، نطلق عليه لقب سيدنا ..
حوائط الصلب السميكة بين الرجلين . لا أحمد الجديد يلقي بالسلام لسيدنا ولا سيدنا يحب سماع سيرته .
كنا نتعجب من هذا الشيطان أحمد الجديد كيف يتمرد على سيدنا وهو الذي بيده العقد والحل ويرتجي منه الأمر العسير ، هو الذي له الحق فيما يشاء من النقود والأغنام والحبوب والتمر ، ويري ويلمس من أجساد النساء ما يشاء ، يمسح بطن العاقر ويمررها فوق الاناء ذو الماء الفوار فتلد يضع بنفسه صوفه الحمل فيها فتحمل قال العم حفني :
نحن لا نعرف السبب ، لكن الذي حدث ، كان يوم جمعه ، سيدنا راكبا حمارته متجها إلى المسجد ، أتاه أحمد من الخلف قائلا له دون أن ينظر إليه ، وكان في محاذاته :ـ
ابتعد عني يا راجل .. تركت لك البلدة تلعب بها كما تشاء فابتعد واتركها وإلا .............!
ــ سأجعل عفاريت الجن والانس وعفاريت الأرض تلبسك .. لن أدعك تأخذها ولو على حياتي
ــ ماذا ستعمل بها يا كومة العظم ؟، هي تريد رجلا هل سمعتني ..؟ هذا آخر ما عندي
ــ أنا أرجل منك ومن أبيك
طار في الهواء كتلة غير مترابطة ، هوي على الأرض تصحبه طقطقة عظامه ووضع أحمد الجديد قدمه على صدره ونظر إليه ولم يتكلم، ثم ضرب الحمارة بقدمه في مؤخرتها فرفعها عاليا فانطلقت تعدو في القرية ..
يمر الرجال إلى القرية ويشاهدوا ما حدث فلا أحد يستطيع التدخل اما خوفا من الجديد أو تشفيا في سيدنا ..
نفض أحمد يديه وسار إلى المسجد ..
مرض سيدنا وازدادت حوائط الصلب بين الرجلين ولم يقل أحد منهما شيئا للآخر .


(جـ)
لا يدخن – لا يشرب الشاي ، لا ينقطع عن المسجد ، لا صديق، وحيدا اتخذ بيتا منفردا في أول القرية على أطرافها .
لا يعرف أحد من أين أتى ، أو كم عمره ، لا تمر عليه السنون، يقولون أنهم ذات صباح وجدوه بينهم ، لا يعرف أحد اسمه بالكامل .. لا يتحدث مع أحد، إذا سار ينظر إلى الأرض أو إلى البعيد ،لا يزور أحدا وإذا زاره أحد فهو الأكرم ، لا يرد سائلا ،أمام بيته يجلس القرفصاء وحيدا ، صامتا ، يتنهد بين الحين والحين لا يستطيع أحد أن يسأله عن سره.
إذا ضاع جمل أعاده ، إذ وقعت بقرة في الساقية أخرجها، إذا دخل شقي إلى القرية أمسكه ، إذا سرق شيء من القرية (وهذا لم يحدث من يوم أن سكن القرية) أعاده .. إذا مات أحد رجال القرية انشقت الأرض عنه ، حفر القبر ، أدخل الميت ، ردم القبر /أخذ عزاء المعزين وقف في وسط المأتم يؤدي واجب العزاء كأنه أحد أصحاب الميت ، في الأفراح موجود ، بعد أن يتم كل شيء يختفي صامتا ، يظهر لا يدعوه أحد ويختفي لا يودعه أحد .
لم يحدث أن تناول طعاما في بيت أحد أو شرب شايا أو حتى ماء في بيت أحد ..
قال لي ضاحكا : أنتم أعز ما أملك في هذه الدنيا ..
ــ كيف يا أحمد يا جديد ؟
لم يرد وأطرق إلى الأرض وابتسم، وشرب بقية فنجان القهوة وقام .


(د)
لم يكن ما حدث يستدعي كل هذا !!

جاءوا بسيارات زرقاء متوسطة الحجم وسيارات كبيرة خضراء ، السيارات الخضراء بها جنود بسترات سوداء وعصي جلدية سوداء ودروع زجاجية لا تكسر ، كثيرون أكثر من عدد البلدة ، نزل أول فوج منهم أمام الجبانة عصر اليوم الثاني عربة زرقاء بها ضابط بملابس زرقاء ونجمة على كل كتف وضابط بملابس زرقاء ونجمتين على كل كتف ، والفوج الثاني في نفس الوقت عند صهاريج المياه في شرق القرية ، والفوج الثالث في نفس الوقت عند حقول (الزواهره) شمال القرية ، والفوج الرابع غرب القرية بين شرشيمة وبين السكاكرة (قريتنا) . وتوجهتْ إلي دوار العمدة عربة بثلاثة ضباط يحمل أحدهم علي كل كتف نسرا ونجمة والآخر نسرا فقط والثالث بملابس مدنية والسائق لا شيء على أكتافه .
لم يكن ما حدث يستدعي كل ذلك !!
أخذوا قبل هذا شباب العائلتين ، إلى المركز شحنوهم ، وقيل أنهم يسبحون في برك من دمهم ..
رغم أن ما حدث لم يكن يستدعي كل هذا !!
قسموا الشوارع على الأفواج الأربعة ، لم يصل الناس صلاة العشاء ، أقفلت دكاكين القصب ، والسريع (عصير القصب المتخمر) كذلك البقالة والحلاقة .
قال عم حفني : أنهم مثل الكترابنت ، ماذا حدث ، إنه بسيط ولم يستدع كل هذا !!
عدّ الأولاد والبنات في خوف ودهشة جريد النخل في تعريشة البيوت وهم مستلقون على ظهورهم مفتحي العيون .
دخلت النساء والرجال إلي الحظائر لقضاء حاجاتهم , قالت النساء في اليوم الثاني هذه بلد ليس لها كبير ولا عمدة ..
ماذا حدث ، إنه يحدث كل يوم ؟!
تنهد الرجال وأصبحوا مبكرين إلى الحقول بالعيون الخفيضة الذليلة يحاذرون في العودة أن تكون بعد المغيب ..
آذانهم تتسمع الخطو الثقيل في الشوارع ، قلوبهم ترتجف لكنها عقدت العزم بينها على كراهية العمدة .. نداء الحناجر الهامس على سيدنا وبركاته وجنه فلم يحدث شيء ..
جلد السيد الأعمش عند خروجه ليلا لقضاء حاجته ، وبات سعيد أبو سليم في الحقل لتأخره في العودة قبل المغيب وضاعت إوزة ، وجديان ، وأربعة فراخ ، وحمارة لأن أحدا لم يبحث عنهم وحاصرهم الغروب خارج المنازل .
كانت الأقدار الثقيلة ترسم في دروب القرية حالة من الرعب ، وهي تدب لليوم الرابع .
لم يستطيع أحد الفلاحين فتح الموضوع من أحد أطرافه مع الآخرين .
ماذا يحدث لو كانت الماسورة والمعدية من أمام بيت السيد أو أمام بيت عبد الحميد ، قامت الدنيا ولم تقعد .
تدخل أحد الخفراء فألقاه المتقاتلان في الترعة ، جرحت كرامة الخفراء ، فجرحت كرامة العمدة ، استدعي البوليس ، وأرسلوا له ضابطا صغيرا ومخبرين فعاموا في الترعة ولعبت العيال بعد شجار قصير بنجوم الضابط ، وضغط (ابن العقر) على نفير السيارة حتى جعلها تطلق بوقها بلا ضغط .
قامت الدنيا ولم تقعد رغم أن ما حدث لم يكن يستدعي كل هذا !!
قامت الدنيا وجاءوا بجنود كثيرة فضرب الأهالي الجنود وصنعت (ست الناس) بنيات حمام من خوذات الجنود ، وتمني سيدنا أن يحصل على عصا جلدية .. ووجد أن عربة الجنود أصبحت عجلاتها إلى أعلي فرمت عليها (سعاد البسه) لمبة جاز مشتعلة فارتفعت النيران عاليا ، لما حدث هذا كان ما حدث يستدعي أكثر من هذا . لهذا جاءوا بالأفواج الأربعة وأرغموا القرية على النوم من مغيب الشمس حتى شروقها .
نادت القلوب الواجفة في اليوم السابع أحمد الجديد ، عاد متأخرا بعد المغيب ، ناداه الجنود ، اعتدل في مشيته وسار في طريقه اقترب منه جنديان ، ثلاثة نادوا عليه ، أمروه بالتوقف ، استمر في سيره رفع أحد الجنود عصاه وهوي بها فوق أحمد الجديد لكن الرجل استدار سريعا وتلقف العصي وانتزعها من الجندي بشدة ألقته أرضا .
وصل الضابط ذو النجمتين وهوي بكفه على وجه أحمد الجديد .. نظر إليه طويلا صامتا صمتا مميتا جعلت الضابط ينزل عينه إلى الأرض ثم استدار واضعا يده على مكان الصفعة وعاد إلى منزله .
انتقل الخبر في أنحاء القرية ، مرض أحمد الجديد ، لم يخرج من بيته الحراسات تتبدل والجنود والضابط تذهب ويأتي غيرها لم تحفظ ذاكرة قريتنا اسما لأي غريب إلا فاروق سعيد ذلك الضابط الذي ضرب أحمد الجديد ، سألوا عنه ، نهرهم العمدة ، سأل العمدة الضابط الكبير قال إنه مات من يومين ..
في الصباح سار أحمد الجديد في دروب القرية ، العيون معلقة عليه ، وقف أمام دوار العمدة ، وضع يده مكان الصفعة نظر طويلا إليه ، قال العمدة ، أهلا يا جديد تفضل ، حمدا لله على سلامتك ، بصق أحمد الجديد وسار في طريقه ، لف القرية والحقول . عاد إلى بيته عصرا ، في المغيب قيل أنه مات تدفقت الرجال والنساء في الصباح إلى بيته ، أثناء اعداده للدفن ، وجدوا في جيبه تذكرة قطار من القاهرة إلى ههيا والتي تبعد حوالي خمسة كيلو مترات عن قريتنا وسبعة جنيهات وأربعون قرشا ..
ــ ثم ماذا يا عم حفني :
ــ لا شيء ... عادوا من حيث أتوا
ــ وأحمد الجديد
ــ له حكايات كثيرة سأقصها عليك .


(5)

(أ)
لم تكن عربات النقل التي سارت في اتجاه خارج القرية محملة بكل الأثاث هي العربات الأولي التي تخرج في ذلك اليوم ، لكن كانت قد سبقتها عربات أخرى محملة بالخيل والحمير والأبقار والجاموس والدواجن والملابس ، أعلنت صاحبة البيت عن حاجتها لبيع الأرض والبيت ، بيوت الطين لا تملك النقود (النقود التي لا تأتي إلا من بيض الدواجن أو بيع الدواجن أو بعض مما تبقي من المحاصيل القليلة ، النقود لشراء لوازم الزواج والجلباب السنوي ، لكن بيوت الطين قد اتفقت مع الحقول أنها ستجعل القليل من المحاصيل الباقية لها من صاحب البيت يكفيها حتى دورة الحقل الثانية ، كما اتفقت مع البط والدجاج والأوز أن ترقد فوق البيض وان ينجح كل الفقس ، لا يموت فرخ ، وتبدأ الدورة الثانية للرقاد مباشرة وأن فراخ ودواجن وأرانب الشيخ كانت تلد وتبيض مرتين في الدورة الواحدة ، كما اتفقت مع الترع والمصارف أن تدفع لها بأسماكها التي تكفيها ، ورغم أن القراميط قد وافقت على ذلك إلا أنها أضمرت الهرب فطاردها الفلاحون أثناء الجفاف في الطنابيش والسواقي ومواسير المشايات وأكلوا لحمها ، لهذا كانت النقود موسمية) .
ولهذا وافقت السيدة على إيجار الأرض وقفل البيت أيضا .
رجل غريب عن القرية ، جاء يلبس الجلباب الرصاصي والبالطو الأصفر والطاقية البنية وفي يده عصا خيزران رفيعة .
سافرت السيدة بعد أن أقفلت البيت وتركت حجرة كانت ملحقة بالاسطبل لهذا الغريب الذي أصبح ناظرا لإيجار الأرض . ويشهد الفلاحون أنها لم تنزل القرية إلا مرتين الأولي عندما حدث خلاف بين الناظر والفلاحين وعندما عاد بعض الشباب الجنود من البلاد البعيدة بنقودهم الكثيرة واشتروا أفدنة قليلة من الأرض ، وبيع باقي الأفدنة للناظر الذي لبس العباءة والجلابيب الصوفية وأصبحت عمته (عمامته ) أكبر عمامة وفتح حجرات في البيت الكبير وأحضر النساء وأطفال لكن لم يعرفهم أحد .
تابعت حجرات البيت الكبير وردهاته استعادتها لصور الماضي، احتل الأعرج والشاب المجلود معظم هذه الرؤى . لكن الخلاف أصبح أكثر عمقا بين الأحجار وبعضها من جهة وبين الأحجار والطلاء من جهة أخرى ، فاتحا بذلك مجالا لمزيد من الشقوق لتسري فيه كما تحب ونمت الحشائش البرية في الحديقة ، وزادت نموات النجيل البلدي عن النجيل الفرنساوى حتى دفنته أسفله واستطالت الحشائش ، واستعرضت حتى أنها أقفلت نهائيا أحواض الزهور ، إلا أن بعض الزهور البرية كانت قد نبتت بشكل حاد حاملة معها أشواكها ومستعدة لشيء ما ، زادت حركة تأخر البيوت عن الالتصاق مع غيرها ، إلا أن الحزمة القليلة من بيوت الطين المتلاصقة ظلت متماسكة ترقب في فزع ما يدور ، وكانت ترسل بين الحين والحين اشارتها من خلال الجدران والأرض وأشجار السقف إلى البيوت المجاورة والبعيدة فتسمع أخبارا جديدة ، أو لا تصل الرسائل . كانت الأخبار دائما عن بعض البيوت التي أعلنت عصيانها وأخرها هذا البيت الذي هدم وبني واعتلى صاحبه دور آخر وطلي بالجير واللون وسافر صاحبه إلى بلاد النبي وعاد يلبس الملابس البيضاء والطاقية البيضاء الشبيكة ويمسك بالمسبحة في يده ، ويقرض الناس الربا من بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء أمام المسجد .

اهتزت الحزمة الباقية من المنازل الطينية لدي وصولها خبر موت أحد أبنائها الجنود في البلاد البعيدة ، وتساءلت عن هذه البلاد ؟ كانت الآمال معقودة علي نقودهم لاستكمال بناء صف آخر من بيوت الطين لهؤلاء الشباب العائدين بآمال الزواج ليزداد تماسك البيوت الطينية كما كان الحلم طموحا لبيوت الطين أن تشتري بالنقود أرضا بجور أراضيها توحدها ، تزرعها معا وتقسم محاصيلها عليهم .
وصل رجل بملابس مدنية في سيارة سوداء أمامها عربة المركز، بالسيارة السوداء رجال بملابس مدنية (وملابس عسكرية ) ، سلموا أهل الجندي الميت (الشهيد) مظروفا أصفرا مقفلا ولكن لم يعدوا باحضار الجثة .
تدارست البيوت وقررت أن ترسل رسائلها إلى أرض تلك البلاد البعيدة تسألها عن جثث أبنائها ، لكن برزت بشكل واضح كحد السكين إن كانت البلاد البعيدة معهم على نفس الأرض ، سؤال بارز كعظام (قتب أبو فاسيخة) ذلك الذي صرخ أن بيننا وبين تلك البلاد بحرا ، وأنها ليست من أراضينا، تحدد نصل السكين بشفرتيه الحادتين القاطعتين يغرس في الصدور ولماذا ذهبنا إلى هناك ؟
عدل أحول العينين طاقيته فوق رأسه قال :ـــــ الرئاسة ، الرئاسة ........ قالت هي بلاد صديقة جاءتها ساعة ضيق وذهبنا و ....... وكفي أقوال الرئاسة ....... هذا كلام – الراديو –
خمن كل منهم وتخيل شكل الرياسة بأنياب وأظافر وفم مثل صهريج المياه وصدر كبير هو البيت الكبير وذراع قوية هي كالنخيل ، تعبوا من التخيل ولكنهم وافقوا في أذهانهم أنها ربما الرجال ذو السترات ولكنهم تسائلوا ذو السترات الصفراء أم ذو السترات الزرقاء ، تعبوا ، ولكن جاءهم الفرج ، وكاد أحدهم يوشك أن يسأل قال أحول العينين ، مساء الخير يا رئاسة ، الرئاسة .........
قالها في تهديد أرعبهم وأوقف تخيلهم .
لكن واحدا منهم تذكر أن كلمة الرياسة هذه سمعها مقرونة بدوران الجوزة ودخان المعسل و ..... وكلما بدأت دورتها أطلق حاملها .........
ــ مساء العسل يا رئاسة ......
وأنهم يشربونها بلا مساء وبلا رياسة ، ولكن في حجرة الرجل الغريب كان المعسل بروائح طيبة ومقرونا بالمسا والرياسة لهذا جذب إلى حجرته بعض من أصحاب البيوت الجديدة المفردة .


(ب)
كان الولد الذي أقسمت بيوت الطين فيما بينها أن ترسله إلى المدينة ليتعلم ويصبح كبيرا بين السادة، والذي كان كثيرا ما يجلس تحت أشجار التوت والجميز والسنط ، ويستحم في الترع وكم صلي في مصلياتها المنتشرة كثيرا علي جانبي الترعة ،ذلك الولد الذي عمل بحقولها ، نجا من الموت بأعجوبة في عام الكوليرا حيث ولد بعد خمس بنات ، نجا من الموت فحمد والده ربه كثيرا وسماه أحمد ، وأصبح فتى يركب الحمارة وعليها الزاد ويسكن المدينة ويتعلم في مدارسها ، وفي الصيف يشارك الفلاحين العمل بالحقول، ويقرأ في أوقات فراغه في مصلياتها ، كان قد فهم الرسائل السرية ، وله منها رسائل خاصة ، وأصبح له مكان خاص.
في أثناء وجوده بالمدينة حلت علي القرية فرقة من ذوي السترات الصفراء والبيضاء بنجوم صفراء ، وأشرطة علي الكم كراس الشعبة تشبه قرون الماعز بيضاء وسوداء ، فتحوا حجرات البيت الكبير ، علقوا يافطة( نقطة شرطة) تركوا بها عساكر وشاويش ومكاتب وكراسي وسلاح ومخزن لا نعرف ما فيه ، وعلقوا صورة ذلك الرجل الأسمر بملابسه العسكرية ، ثم صورة له بملابسه المدنية وقد أدار رأسه ناحية اليسار قليلا.
بدأوا في ترميم البيت ، وكتم التصدع ، وسميت أطفال صغار باسم ذلك الرجل صاحب الصورة ، اسمه كثيرا يأتي في الأغنيات وفي الكلام العادي في المذياع وفي بعض الأحوال يأتي هو شخصيا في المذياع بصوته القوي الحنون الحازم ليقول كلاما جميلا لا تفهم كثيرا منه ولكنهم يقولون أنه دائما يبتسم .
امتدت الأيدي واقتطعت أجزاء من الأرض الزراعية في نهاية القرية ورشقت في قلبها أعمدة الأسمنت والكهرباء ومواسير المياه وقالوا (وحده مجموعة) ووعدوا بتوصيل النور والماء إلى القرية ، لكن مر زمن طويل قبل أن تدخل المياه والنور بيت العمدة ممتدتان في داخل شوارع وحواري القرية واجتاحت في مسيرتها البيوت الطينية المتماسكة وكأنه عز عليهم أن تبقي متماسكة .
تتبدل بشكل سريع وغير عادي ، أجهزة الراديو في بيوت كثيرة جرائد عليها صورة الرجل متجها جهة اليمين يراوده الأمل في الاتجاه جهة اليسار ، وخرجت من معقلها الكلمات التي لا تخرج إلا بالليل ، وليس في كل الليل ، ولكن في الليالي البهية ما بين الرجل ،الرجل وزوجته ، خرجت وأصبحت خبزا يوميا ، أو استعملت مدلولاتها ، تبدلت الملابس ، طلق كثير من الشباب الطواقي وأطالوا شعورهم ، تركت النسوة الجلابيب السوداء مفتوحة الصدر وضاعت الطرح وأسقطت بجوارهن وبجوار بعضهن ونقص طول الجلابيب فبانت سمانات الأرجل للنساء والبنات كما خرجت بعض النساء جهارا بملابس ملونة إلى الشارع ، ولوّنت بعض الغريبات ( من النساء زوجات الذين سافروا إلى الخارج وتزوجوا من خارج القرية ) خدودهن ووجوههن بألوان ذات بهجة فتمرد رجال كثيرون على نسائهن ولونت بعض نساء القرية وجوههن كذلك، وكثرت الزوجة الثانية القادمة من خارج القرية في قريتنا، تعطل العمل في الحقول اضطر الشيوخ إلى الذهاب إلى الحقل ، خرجت شائعات كثيرة خيم الحزن على القرية ، وبشكل محدد على بيوت الطين التي بقيت بعد تعديل الشوارع قال الشيخ ، الغد لا يحمل ريحا طيبة .
قال أحول العينين نحن في نعيم مقيم .


(جـ)
وقفت بأعداد كبيرة ، وفوهات مفتوحة ، يلقي بالشباب فيها حتى يقفل فاها الوسيع ، فترحل ، أخذت ما بين مجند ، أو من سرح من الخدمة أو من عاد من حرب البلاد البعيدة ، يدقون الأبواب ، يسألون عن الرجال يدفعونهم في جوفها ، فترحل .
نساء ، بنات ، عجائز ، شيوخ ، فتيان ، خفراء ، عمدة ، أغراب ، أحول العينين ، هذا ما تبقي من القرية بعد أن حملت العربات الشباب إلى البعيد .
فهمت بيوت الطين أنها ربما المقصودة دون غيرها بأخذ شبابها أرسلت رسائلها إلى كل البيوت عامة ، قالت جري علينا ما جري عليكم .
وكان السؤال الثاني ــ إلي أين ؟
صرح أول العينين أنه رأي في المدينة راديو يري فيه صورة الناس وهى تتحدث وتأكل وتشرب ، يشبه السينما التي بالوحدة المجمعة ، والتي عرضت لهم فيلم عن البلهارسيا .
البيوت الجديدة استعاذت بالله من الشيطان الرجيم ، واستعاذت بالله منه ، والبيوت الطينية قالت احتمال ولم يغرها الأمر بالمناقشة .
ــ ورغم ما جري وتجمع الخلق حول الراديو وغناءهم المتصل فرح بعض الفتيان صغار السن وأحول العينين إلا أن البيوت الطينية كانت متحرزة للأمر وإن كانت تتمنى نجاحه .
في ليلة تاليه سمع صوت دوي هائل من جهة البيت الكبير وقام الناس من رقدتهم ، كان الخلاف قد وصل بين أحجار البيت الكبير إلى أقصاه فلا ينفع معه ترميم أو إصلاح فانهار معظمه ، أنقذ عساكر الشرطة من موت محقق ، قال أحول العينين سيأتي هذا الخبر في الراديو لكن الرجل الأسمر قال شيئا مهينا ومحزنا ، فتساءل الناس عن مصير أبنائهم وتساءلت الزوجات عن مصير أزواجهن . وبرز السؤال . ما العمل الآن ؟


- 6 -

( أ )
علا صوت الرجل بطربوشه وعمامته ، وزاد انفراج طرفي الجبة وشد حزامه حول جسمه مرات ، أرغي وأزبد وكان نصيبي الرذاذ المتطاير من فمه في وجهي ، كنت أول الجالسين في الفصل صفق بيده منشدا …
( محلاها عيشة الفلاح ….. )
كانت تمر أمامي مخاضة الجامع وصرفها في شارعنا ، أنا أخوض فيها بحذائي الثقيل ( القديم ) ، تمر من أمامي على رأس الشيخ خطاب وهو يشرح موضوع التعبير .
الناموس يهاجمنا كل مساء ، تشعل كومة التبن باتجاه الريح ، تطفئها، الدخان يملأ المكان ، محاولات أمي لطرد الناموس مستمرة ، الفلاحون بألوانهم الشاحبة وفرحهم المهزوم بأنهم أكلوا ليلة الأمس طبيخا، وغمزاتهم حول قيامهم بواجبهم الليلي ، واحتفالاتهم اللانهائية بليلة العيد حيث سيأكلون بالتأكيد الكرشة والكوارع أو لحم الرأس كنت أراهم يصلون أو يستحمون في الجامع وقد علقوا سراويلهم على باب الحمام مليئة بمخلفات البراغيث وقد تحول لونها الأبيض إلى الأصفر وباتت عراقيبهم الحادة التي تشبه سلاح المحراث مصفوفة متجاورة في صفوف الصلاة ، عادة يأخذون في المستشفي شربة الملح وحقن الطرطير ، تورمت عروقهم من كثرة الحقن ، سراويلهم مليئة ببقع الدم ، عندما يصل الواحد منهم ثلاثين عاما تسمع صراخه عند التبول ، يمشي فاتحا ما بين ساقيه منتفخ البطن يعجز عن العمل رويدا يسير إلى المقابر .
هم دائما في الحقول بجهدهم الخارق رغم الموت ، يجعلونها تنتفخ وتنتفخ الأرض بالخضرة وتتعتق مصفرة مذهبه ، في الجرن يأخذ الغرباء لصاحب البيت الكبير كل شيء ، لا يبقي لهم إلا القليل ، يحوزون الصفر بإعجاب مذهل رغم مجهودهم الخارق ، تبدأ دورة الديون والزراعة .
يقعون في دائرة الحاجة ، يطأطئون رؤوسهم ، يدميهم القهر ، يهربون إلى أحضان زوجاتهم ، تزداد الأطفال والديون ، تزداد عمليات الطرد يتحولون إلى عمال باليومية ، يندفعون إلى المقابر قبل نهاية أعمارهم، يرحلون في عربات النقل إلى بلاد بعيدة ، يسمون ترحيلة ….
منهم من يتمرد يخرجون عن طوق الأرض، يكسرون دائرة المجهول ، يفكون قيود الأرض عنهم ، يطلقون نكاتهم وضحكاتهم ينهشون كذئاب ضارية الأرض والسماء والبيت الكبير محلقين مع المعسل و الجوزة والدخان حتى ينتهي بهم الأمر إما إلى القرى المجاورة للسرقة ويدخلون السجن ،أو إلى مستشفي الصدر الذي لم يعد منه أحد تسري رعدة من النجاة والأمل عندما يساق أحدهم إلى السجن أو الجيش حيث الطعام موجود يوميا ولا يهم ما بعد ذلك .
لم أر أحدا ممن عاد من الجيش أو السجن إلا وقد زاد وزنه ولمع شعره و احمرت وجنتاه واتسع كم جلبابه ، لبس الساعة بالأستيك الأصفر اللامع، تكلم كاهل البندر البعيد .
وعادة يتطوع من يذهب إلى الجيش ، يعمل من خرجوا من السجن في بيع الحشيش أو خدمة أهل البندر ، أو في عمل ما بالمدينة ويصبحون خطأ جديدا أفلت من القبر، وتميز عن باقي القرية ولم ….
ــ فاهم ــ المهم الأمانة .. لقد شرحت ووضحت وأنت في العسل مع الملائكة ..
زعق الشيخ خطاب في وجهي بعد أن ضرب بيده على الدرج ضربة واحدة مفاجئة كسرت القلم الرصاص وألصقت الكراس على الدرج .
ــ فاهم ــ موضوع الريف .. فاهم ..
قلت ذلك متلعثما محاولا البحث عن قلبي الذي فر هاربا من صوت ضربة الشيخ خطاب ..


( ب )
لم يبق إلا أنا ، لم تبقى في يده إلاّ كراسة واحدة ، لم يناديني باسمي ، حملق كذئب عقره كلب ، عوى….
ـــ أين الزفت؟
طارت الكراس عليا ، حمامة فرت من صيّادها ، أطلق خلفها
ــــ صفر على عشرة
حاولت الوقوف … كانت الطلبة بالمقاعد تتأرجح ، والشيخ خطاب يلعن وأنا أحاول الفهم ، حاولت ، حاولت أن أتكلم ، طردني من الفصل ، أخذت كراسي معي ، خارج الفصل أقف ، الصفر يملأ المكان وتتواري أسفله العشرة ، أبكي ، على أطراف أصابعه جاء ، العصا تتقدمه…
ـــ لماذا أنت خارج الفصل؟
سأل ناظر المدرسة والعصا تستعد في يده… فردت الصفحة المزدانة بالصفر وأنا مستمر قي البكاء ، أخذ الكراسة ، قلّبها ، قرأ من أول الموضوع ، أرخي العصا ، أكمل القراءة ، تنهد، بحث عن مبرر للصفر فلم يجد /هكذا كان قلبي يقول /، سار أمامي خلفه أسير ، دخل حجرة المدرسة ووقف بداخلها ونظر وقال :ــ أستاذ سليمان ، صحح هذا الموضوع مرة أخري.
دق جرس الفسحة ، مازلت انتظر ، دخلت الفصل ،عدت إلى قريتنا ـ كان الصفر يملأ المكان ، قريتنا صفر ، وبرز داخلي تحدى، خطاب هو الصفر.

(ج)
وقفوا في صفوف ، تكلم الناظر ، ادعي أن هناك مسابقة سيجريها ليعرف مقدرة الطلبة على تذوق اللغة ، ومعرفة الأمانة والصدق في التعبير.
قرأ المدرس الأول موضوع إنشاء عن الريف /كنت أحس الشيخ خطاب هو الذي يتكلم/، والطلبة يتكلمون معا ويدقون بأرجلهم ، ينظرون إلى معاصمهم ، الملل يستبد بهم وكذا المدرسين.
انتهى من قراءة الموضوع ، صفق الطلبة بفتور ، ومن في الصفوف الداخلية لم يصفق ، ولم أصفق أنا..
قرأ الأستاذ سليمان موضوعي
كانت قريتنا تحتل المكان ، يبتعد المكان رويدا، رويدا وتحتل قريتي المدرسة بكاملها ، هنا مخاضة الجامع ، هذا المصرف ، هناك بعيدا الجبانة ،الناموس يتنقل ، الإوز والبط ، أكوام السماد ، أحس أنني أتنفس ، أنظر إلى الطلبة، صامتين ، شاردين ، المدرسون تتعلق عيونهم بالأستاذ سليمان ، لا يتحركون ، لا ينظرون إلى معاصمهم ، انتهى الأستاذ سليمات من القراءة، لحظات رهيبة من الصمت والسكوت بجلال الموت تحضر الآن فوقنا ، فجأة انطلقت عاصفة من التصفيق ، عاصفة من الدموع مني ، استمرت العاصفة ، قاطع الناظر التصفيق
ــــ كلا الموضوعين حصل على الدرجة النهائية
ثم أذاع اسمي واسم الطالب الآخر ، استلمت الكراس من الناظر قبلني وأنا أبكي ، ينصرف التلاميذ ، يقف الأستاذ سليمان بجواري يبصق الشيخ خطاب أمامي ويغادر المدرسة

( د )
عم البلاء ، والمرض أهل الأرض
تدبروا أمرهم
أرسلوا وفدا إلى كبير الآلهة
سافر الوفد علي أشعة الشمس
ملايين السنين
خلق بأشكال عجيبة
معهم وقف الوفد الأرضي
كان كبير الآلهة يكتب باستمرار
البياض الثلجي غطي رأسه تماما
تدلت لحيته طويلا
وقف الوفد الأرضي ملايين السنين
لم يتوقف عن الكتابة
ناداه كبيرهم مرات كثيرة
لم يتوقف عن الكتابة
صرخ …….
توقفت الريشة عن الكتابة
رفع رأسه المتعب
قال كبير الوفد
لقد عم البلاء والمرض أهل الأرض
وجئنا لتحل لنا أمرنا
فأرفع عنا هذا
ذوي عينيه قليلا
نظر في الأفق الأبعد
حاول أن يتذكر
قال هامسا : أعتقد أنني خلقت شيئا مثل هذا
ثم استأنف الكتابة مرة أخري
البياض الثلجي يغطي رأسه
الريشة لا تتوقف
انتهي الأستاذ / أنيس من ترجمة القصيدة ، ضحك ، نظر ناحيتي
ــ أين أسئلتك يا فيلسوف ؟
لم تكن لدي أسئلة ، كنت مذهولا ، أبحث عن طريق آخر ، وقد دق جرس الحصة ، وما زلت اسأل ملايين السنين ؟
لماذا لم يحلوا مشاكلهم ؟ ماذا حدث بعد ذلك ؟ أيمكن أن يكون قد نسيهم تماما ؟
عدت أنتظر ، الأسئلة تفرخ ، كل يوم أنظر إلى القصيدة ربما كنت معهم لا .. لا .. لم أكن معهم …
أنتظر الأستاذ أنيس ، غدا يأتي ، الحصة الثالثة لا أستطيع الانتظار مضي دهران ، حصتان ، دخل مدرس جديد ، الأستاذ عبد العزيز مدرس اللغة الإنجليزية ، سألته :
ــ أين الأستاذ أنيس ؟
ــ قريبك ؟
ــ لا
ــ في أسوان ــ نقل
ــ نريد أن نكمل القصيدة
ــ أنا مدرس إنجليزي مش عربي
ــ القصيدة المترجمة ؟!
ــ اجلس ــ افتح الكتاب ــ أنا ملتزم بالمقرر بلاش موضوع الأستاذ / أنيس ثاني
( لا أفهم ، لا أحب ، لا أسمع ، فقط أين أسوان ، أبي بعد محافظة أسوان أبي جنوب الشلال ، الأستاذ أنيس في أسوان هل الأستاذ أنيس إخوان مسلمين ، أبي يعرف أسماء الأدوية فقط لا يقرأ ولا يكتب بالإنجليزية ولا أمي ولا جدتي ، يقرؤون القرآن فقط)
القصيدة بلا شرح ، ظلت هكذا لكنها كانت دائما معي ، أكتبها كل عام في كراستي الخاصة ، أسأل عن الأستاذ / أنيس ، أذهب إلى المكتبة ، أبحث عن الكتاب لا أجده أجد كتبا أخري، صديقي الكتاب يشاركني في كل شيء ، لا يشاركني في حل واجب المدرسة ، عثرت عليه ، واحد فقط ، اثنين ، ثلاثة فقط يتحدثون وكأنهم من قريتنا ، قصصهم ورواياتهم ممتعة أخذوا مني كل شيء قروشي القليلة ، ووقتي ، وأخذت العقاب لإهمالي حل الواجبات وسكنت المكتبة ، وسكنتني العفاريت ، أتكلم أثناء النوم
سارحا دائما ، قالت جدتي : ده ملبوس لازم له شيخ .
قلت لها : طز في الشيخ ، طز ، طزين
وقمت خارجا إلى الشارع ..




- 7 -

( أ )
انشغل الفلاحون في تجهيز الأرض لزراعة البرسيم والفول ، قلت درجات الحرارة بشكل ملحوظ ، حذر أحد الفلاحين من انتشار الآفات ، زعم أحد الفلاحين أن هناك أوامر لزراعة الأرض بالطريقة الحديثة ، تساءل الفلاحون عن الطريقة الحديثة ، حسم أحوال العينين الأمر ، الزراعة على الريشة الغربية ، وتخطيط من الشمال إلى الجنوب ، جفلت الفؤوس وحبات الفول ، حبات الفول لن تخرج بكاملها نباتا لأن الحرارة قليلة أصلا ، الجهة الشرقية تدفئها ، أما الجهة الغربية تقتلها .
أحس أحول العينين أنه قال خطأ ، فأخرج من جيبه ورقة عليها صور لنبات الفول ، بهي طويل مليء بالقرون والفول ، وكتب أسفله كلاما ، قال عنه أحول العينين ،هذا ما قلته لكم سابقا .
قال أحد الفلاحين : الرياح لا تحمل الخير ،وهي غير مستقرة ، كأنما هناك من يحركها على هواه .
قال أحول العينين : ماذا أعطتنا الجهة الشرقية ، أقل القليل فلنجرب الزراعة على الريشة الغربية .
قال أحد الفلاحين : أعطتنا ما يقيم أودنا لكن الريشة الغربية ستعطينا التبن أو الحصرم .
قالت جدتي ، لا يأتي من الغرب شيء يسر القلب .
قال فلاح لآخر : انظر ( أشار إلى البيوت الطينية القليلة ) إنها قد قربت من الأرض ، انحنت كامرأة فقدت عائلها ، قصم الحزن ظهرها ارتفعت مؤخرتها عن رأسها ...
في المساء ، جروا في كل مكان ، تجمعوا في كل مكان ، بكوا ، أحسوا أنهم منفردون ، الجدران لا تحميهم ، شقت النسوة في البيوت الطينية ملابسهن ، جفلت البيوت الجديدة ، صمت أحول العينين ، ُعلق شريط أسود على صورة الرجل الأسمر بملابسه المدنية ، سقطت طفلة صغيرة في مجاري الجامع ، أخرجوها بين اليأس والرجاء .
خرجت النباتات سريعا ، كبيرة وطيبة وريانة ، سيطر أحول العينين على كل شيء ، سخر من الشيوخ ، لعن الخبرة القديمة ، داعب أوراق النباتات قالت بيوت الطين ، ريح نتن تهب ، من فتح لها الباب ؟ وقف الرجل ذو البزة العسكرية وأرغي وأزبد ، وادعي أن الضباب يسيطر على كل شيء .
قال الفتي بعد عودته من الحقل وهو يستعد للسفر إلى المدينة أنه جس أحد قرون الفول ولم يجد بها حبوب .
أرغى أحول العينين وأحضر قرونا بحبوب كبيرة .
قالت بيوت الطين ، صدقت ، وصدقت أنت الآخر ، ولكن الحصاد آت .
كان الصباح يدخل ككل صباح ، لوحظ أن الشمس تأتي على استحياء بيوت الطين تحبس أنفاسها ، فرحت بيوت الطين بخوف ، أعادت حكايات تحكي ، تمايلت رؤوس النخيل نشوي ، إذا دهنت ألوان الجير الكالح على البيوت ، رقصت المحاصيل في الحقول ، قيل أن منازل قد عادت ، وأرضي قد آبت ورجال قد ماتت ، وحقا قد عاد ، وعدوا قد ولي ..
كثرت الجلابيب البيضاء ، واللحي ، ارتفعت الأكف بالدعاء ، لكن ريح الغرب كانت قد أمالت النباتات في الحقول .
قال موسم الحصاد أن التبن قد غطي أماكن الدراس ولكن الفول قليل ،الفول القليل نخر فيه السوس .
قال فلاح لأحول العينين ، الريشة الغربية تبن .
قال أحول العينين ، هناك خطأ منكم ، وعلى كل حال فالتبن لا غني عنه للمواشي ..
قال ــ أضربت المواشي عن تبن القمح وتبن الفول لا يصلح إلا للحرق ، أو بناء بالطين ..
ولما كان البناء قد شاع بالأسمنت ، فلا فائدة ترجي من تبن الفول .


( ب )
سافر أحول العينين إلى المدينة وعاد مع الرجال ذوي القبعات ، كالطاعون انتشر الخبر بالقرية لم يصدق أحد ، جرّب ثلاثة من الفلاحين ، عادوا قبل المغيب بالجنيهات ، تزاحم الفلاحون أمام دار أحول العينين ، أرسلهم إلى ذوي القبعات ، حفروا الأرض الزراعية في مدخل القرية صاحبها أخذ الجنيهات الكثيرة واختفي ، هجر الفلاحون الحقول ، تعثرت حركة الزراعة قل الإنجاب ، عمت مقولات القلة من الأطفال ، قالت بيوت الطين ، هذا شر مقصود ، جرم ينفذ ، لا عاصم لنا إلا بالتماسك .
عاد الفتي إلى القرية حمل إليها رسائله السرية وأخذ منها رسائلها السرية عن وإلى المدينة .


( جـ )
زادت أسعار الحاجيات ، قلت القروش القليلة في أيدي النسوة ، اشتكي الفلاحون من قلة الأجر والمحاصيل ،أكلت فلاحة بطتها التي ماتت ليلا ولم تدركها بالسكين ، قلّت القطط والكلاب في القرية ، الرجل ذو البزة العسكرية في مشتاه ، يستدفئ بالشمس في الجنوب ، الرياح الباردة تجتاح كل شيء ، النباتات تتضاءل أمامها وتهلك ، الكتل الأسمنتية ترتفع شامخة ، خوازيق تخوض في بطن الأرض .
دفعت البيوت الطينية ردودها على كل الرسائل بإجابة واحدة [الآن] ، انتفضت الأرض ، تشققت قشرتها ، في كل مكان البركان يصعد من شقوق الأرض ، يهدر ، يمتد ، ينمو بشرا ، يكتسحون بحناجرهم القوية كل أراضي الوادي ، أمعائهم تطالب بالعدل ، أيديهم بالقروش والحق ، عقولهم بحريتها ، وصل البركان إلى أقصاه .
غضب الرجل ذو البزة العسكرية ، ابتسم ، اعتذر بأنه لا يدري ، أخرج أنيابه ، تلوي بجسد الأفعى ، أنشب مخالبه في ورود الحديقة الغضة ، سال بحر الدماء حارا على الأرض ، أقفلت أبواب كثيرة بمزاليج كبيرة ، على جموع غفيرة بينها الفتي ، تصاعدت أغاني شجية وقوية ، وحزينة ..
قالت بيوت الطين ، أنه لوي زمام مهره وخان ..
طالت مدة غياب الفتي عن القرية ، سجل الطريق الرئيسي وشارع داير الناحية لقاءات له مع رجال وشباب من خارج القرية ، اطمأنت لها البيوت الطينية وجفلت منها البيوت الجديدة ، قبل ذهابه إلى المدينة ..
كما أخبرت شجرة التوت أشجار السنط، والكافور و الكازورينا أن أباه قد انتظره طويلا ، انتظر القطار كثيرا تحت ظلها قلقا ، سافر إلى المدينة وعاد يجرّ رجليه بحمل ثقيل كثقل الحزن الذي خيم على المدينة حين رأي باب الشقة مقفلا بالقفل والشمع الأحمر ..
أطلق أحول العينين كلاما مؤداه أن الرجل يبحث في البلاد البعيدة عن ابنه في سجونها ، كذّب الرجل أحول العينين ، قال كأنما يعلن سرا اضطرته الظروف لإذاعته وهو في الأسر ، ابنه مريض في المدينة في مستشفاها الكبير .
لوحظ تردد أحول العينين على البيوت المنفردة في الحقول كما لوحظت أسئلته عن أشياء لا تعنيه ، واحتذا حذاء جديدا بدلا من حذائه القديم وملابس جديدة ، طويلة ، واسعة ، بألوان زاهية .
تعود السكوت في وسط الكلام، أو في أول الكلام، أو السكوت نهائيا مطلقا في كل جلسة أخبارا جديدة غير مؤكدة ، مدعيا أنه عليم ببواطن الأمور .
ولم تكن للأمور بواطن عادية تختفي ، ولا سرية تكتم ، فقد وضح كل شيء ، لكن التردد والرؤية القليلة ، والرعب من النتائج أعطي الفرصة لأحول العينين أن يصول ويجول .
سرت رعشة المفاجأة ، ضحكت ، اشتاقت إليه ، قلبت الرسالة التي وصلتها وفهمت بيوت الطين محتواها ..


( د )
ناحلا ، براق العينين ، قليل الكلام ، عاد ، ذهب إلى أشجار التوت والجميز والسنط ، أقسم للطين والماء والأشجار ، توترت حركة الماء في الترع والمصارف ، زاد كمية الماء طأطأت أشجار كثيرة ، أعطته الأرض سرها ، ومع هذا لم يفهم سر تلك العربات الكثيرة التي تفرغ حمولتها من الزجاج والألومنيوم والقيشاني العادي والملون بجوار الرمل والزلط ، وسط كتل الأسمنت ، والخوازيق المدقوقة من الأرض إلى السماء .
لم يفهم معني هؤلاء الرجال الأغراب الذين يحضرون ويحفرون الأرض بعد أن يرسموا عليها دوائر مستطيلات ومربعات بالجير، لم يفهم تكالب الفلاحين عليهم للعمل ، لم يفهم قبعاتهم التي على جانبها نجوم وخطوط زرقاء وحمراء . وتساءل كثيرا .
وسمع أنين الحقول لكنه لم يفهم .


( 8 )

( أ )
كنت واحدا ، وكان واحدا ، وكانوا تسعة ، يخافونه ، ويرهبونه يسلط عليهم يديه ، ويسرق ملابسهم عند الاستحمام في الترعة .
كنت واحدا لا أخافه ، كان اسمه فتحي ، واسمي أحمد ، الآخرون متعددو الأسماء ، كان اسم أمه مثل اسم أمي ، أمي تفوقها في الطول وأمه تفوق أمي في الحجم والاكتناز ، تتشابهان في البشرة كان جده لأمه نجارا وجدي لأمي مزارعا يملك حدائق الفاكهة ، كان جده لأبيه وأبواه غير معروفين فكني باسم أمه ، كان جدي لأبي فلاحا ذا أصول إقطاعية ، منح هو وأخوه الأرض الزراعية والأرض البور ، أمام منازلهم مساحات شاسعة ، أخذوها بوضع اليد عليها ، استأجروا العمال في الحقول وفي البيوت الكثيرة المليئة بالأغنام والماعز والجاموس والأبقار والأفران والكوانين التي لا ينقطع دخانها .
وبلا أي سبب ربما القراءة في الآتي ، سمحوا للآخرين أن يبنوا البيوت في المساحات الشاسعة وفي الأرض البور ، ُبنيت البيوت بشكل شيطاني التهمت المساحات كلها ، تأخر منزلنا عن مواجهة الطريق الزراعي ، أصبح في وسط القرية ، زادت ارتفاعات بيوت الأجراء عن بيوتنا ، زرعوا ما شاءوا ، امتنعوا عن العمل في حقولنا ، ماطلوا في الاتفاق على شيء، قرر جدي لأبي وأخوه أن يفعلا شيئا حاسما فماتا ..
ولما كانت زوجة جدي العم لا تنجب فقد رحلت إلى قريتها الإبراهيمية تحمل معها حمل بغلين من السبائك الذهبية ، وباعت الأرض بالقليل وأجرت جزءا منها ، واتخذت من إسماعيل التركي ناظرا عليها وباعت البيت لأبي . هدم أبي البيت وحفره كله ، ربما بحثا عن كنز مدفون وأعيد البناء ، دفعتني أمي إلى الحياة في عام الكوليرا ، وتحديت الموت وبقيت وختمت بظهري الطفل جميع حوائط المنزل ، كانت أمي تدثرني بملابس أخواتي البنات القديمة ، تلفني في ملابس أبي ، تتركني على الحائط ، تساعد أبي في البناء والتجهيز .
وكان جده لأحد أقربائه يبني لنا المنزل اسمه على النجيحي وكان فتحي مستأنسا لي ، أذهب معه إلى أشجار التوت ، يصعد عليها يهزها لي .
يذهبون جميعا إلى مدارس ههيا ، وحدي أذهب إلى أبو كبير، كان هذا يؤرقهم ويزيد وحدتي ، كانوا مجموعة يذكرون ، فأذكر أنا في مقابلهم ..
كان أخا لأخت واحدة ، وكنت أخا لخمسة أخوات بنات ، وأخوين أولاد كلنا أشقاء ، لم تستطيع فرحة أمي بي أن تستمر ، ولدت يوم جمعة في السادس من العام السادس بعد الأربعين في مسيرة تمام القرن العشرين ..
فقد نافستني في فرحة أمي بي الأحزان ، هم بناء البيت ، الكوليرا التي تتنفس في كل مكان ، يطاردني الموت ، وأقبض بكل عمري على الحياة ، لهذا نشأت طفلا منزويا في أركان البيت أو أمام الباب .


( ب )
بعد عامين من ولادتي ذهب والدي باختياره متطوعا إلى الشام للحرب ، أطلق لحيته ، عاد يلبس الملابس البيضاء ، المسبحة في يده ، ما بين المغرب والعشاء يقول الحديث الديني في المسجد ، يجمع الفقراء و البسطاء ليعلمهم أمور دينهم ويصلي بهم ، ويخطب لهم الجمعة ويحل مشاكلهم . لبست أمي الطرحة البيضاء وفتحت المذياع حتى آخره للقرآن الكريم ،عملت أخواتي البنات في أعشاش الطيور وتربية الماشية والدواجن وفي إعداد الطعام .
توقف القرآن فجأة ؟.. وأذيع أن شيئا رهيبا حدث في مصر، أحسست أنني أريد أن أراه ، سمع أبي بحذر ..
عامان وأنا أتابع خطو والدي وأوزع الماء بين المغرب والعشاء على الجالسين في المسجد من الدورق البلوري من ذلك الكوب البلوري، ذلك الدورق التي رسمت عليه برقوقة ونصف برقوقة حمراء وورقة خضراء ، في عامين .. حدثت أشياء كثيرة ، أخذوا والدي ليلا في عربات كثيرة قلبوا البيت رأسا علي عقب ، فاجأتنا الحياة المرة القاسية ، الأم ، الأب الحزم الخوف كل هذا في امرأة واحدة ، الشرطة أحاطتنا بسياج من القهر ، والاقتحام وقتما يشاءون .
ذهبت إلى بعض الأصدقاء لكن آباءهم حذروهم ، أقفلت الأبواب، تبخر الأصدقاء لا أحد إلا فتحي كان دائما على مصطبة بيتهم يرسل للأصدقاء فيأتون رغم معارضة أهليهم .
جلست جانبه في هذا اليوم ، كان أكثر توهجا ، واحمرارا ، أرسل إليهم ، لم يحضر أحد ، اغتاظ وأمسك بنصف قالب من الطوب وقذف به النخلة الوحيدة التي كانت أمام منزلهم لاعنا آبائهم ، ناعتا أمهاتهم بصفات تخجل منها النسوة جهرا ، وتضحك لها سرا .
قمت معه إلى الداخل وسألته : لماذا لم يحضروا ؟
صرخ : اسكت يلعن أبوهم وأبوك أولاد كلب .
وانخرط في بكاء حار ــ وكانت أول مرة أري فيها فتحي يبكي ، على صوت بكائه .. جاءت ، طيبت خاطره ، أنامته أمه وسحبت عليه اللحاف وسحبتني إلى الخارج ، وأوصتني بالسلام لأمي ولا أعود إلا بعد شفائه ، المصلون يخرجون من المسجد ، أمي أقفلت المذياع بعد الانتهاء من الصلاة، قطع البطاطس البيضاء أخذت رؤوسها في وسط بركة الماء الأحمر في الأطباق متجاورة مع أطباق الأرز ، الطبلية تحمل كل الأطباق كلنا حولها ، قمت دون أن آكل ، نمت على الكنبة ، قلت للحائط لن آكل .
قالت نظرات أخواتي لماذا ؟
كان الحائط ينزّ بدموع فتحي ، وجهه الأحمر الملتهب ينام بجواري على الحائط . قطع المؤذن صلاة العصر ، عوت دقات الطبول تعلن موت أحد ..
إلى الخارج جرت أختي ، إلى الداخل وجع يدخل عظمي ، رأسي تؤلمني .
قالت أختي العائدة لاهثة من الخارج:ـــ فتحي مات !!
الهواء البارد يقابلني ، أجري بكل عمري لعليّ ألحق به قبل أن يأخذه الموت، الجلابيب السوداء كتل من الحزن المتراص المتماسك ، لا أستطيع اختراق هذا الحشد ، صراخ واستجارة إلى السماء ، لكنه كان قد مضي .
خرج النعش من الباب وسط الولولات و التعديدات والعواء ، صرخت أمه وكررت أخته الصراخ :ــــ علي فين يا فتحي ، وأنا وحيدة يا رب ، دا واحد وأنت واحد ، هوه عشرة ، أروح فين يا رب ؟
كانت أسئلة بلا إجابات ، أجابت عليها فوهة القبرة التي استقبلت الأسئلة بالصمت وكذلك الجسد الأبيض الذي لف شوارع وحواري القرية ، أطبقت فوهة القبر عليه وانسحبت إلى الداخل وأهالوا عليه التراب ، كنت متأكد أنه عند عودتي سأجد فتحي ينتظرني على المصطبة ، لكنني عدت إلى بيتنا مرورا بالبيت الكبير لجدي الذي هجره وتشقق ، وأصبح مرتعا للبوم والخفافيش ، تنطلق منه بالليل الجنيات وأم إبريق ، وأبو رجل مسلوخة ، وصبيرة ، وأم سعيد ، أرض الشارع أمامه بالليل تصبح نحاسا تسمع دبة القدم في قلبك ، دخلتُ أرتعش أخذتني أختي إلى الداخل ، وأرقدتني على السرير ، وسحبت فرقي الأغطية ، فبلت على نفسي ، جاءت وأبدلت ملابسي ، وأرقدتني على الكنبة ، وسحبت عليّ بطانية ولحاف قائلة:ــ من فتحي ، عدوه ، يا رب لا تفضحني ، أطل في عمره ، أبوه غير موجود ، أنت أعلم بالحال ، ثم تنخرط في بكاء حار ، وتمنع أخوتي بحزم من البكاء !!


( جـ )
كانت الأمطار التي انهمرت في السنوات السابقة قد رسمت بتسربها بين ألواح الخشب وعروقه نافذة من الطبقة الطينية من السطح أشكالا وبقعا كانت تسجل حركة الماء في الخشب ضد ومع الجاذبية الأرضية ، إلا أنني كنت أراها تتحرك ، كانت الساعات التي أقضيها وحيدا في الفراش تجعلني أدقق النظر كثيرا في هذه الرسوم ، تحملني إلى بلاد بعيدة تفتح فيها طاقات كبيرة للولوج إلى عالم الحيوان والجن .
كانت رؤوس الكلاب والطيور الفزعة من مطاردة الكلاب ، فلا تجد أمامها إلا الاحتماء بالبحر ، فتظل على سطح الماء ، بعضها غير سابح ، يظل معلقا في الفضاء مجهدا ، يدفع جناحيه بحدة في الهواء يواصل السير لا يسقط في البحر يتمزق ويتلاشى في الفضاء .
أما الطيور التي يعجزها الهواء والبحر والبر فتنهشها الكلاب الضارية ، والطيور الجوارح، خلا البر من كل شيء من الطير الأليف،خلا ، بقت فقط الضواري والطيور الجوارح.
كانت الدماء تنزف من النعامة التي أتعبها الجري والمسير ، وأشبعتها الكلاب والجوارح نهشا ، وبقي على الرمال والصخور هيكلها العظمي شاهدا على احتدام المعركة، كانت الكلاب والجوارح تهاجمني في الليل وتتعقبني بالليل في ساعات وحدتي، محاولة نهش مؤخرة رأسي أو نقر عيني ، كانت تسير فوق السرير أحس بثقلها فوق بطني وصدري ، و أحسها وهي تسير تحت المخدة ، وأحس أنفاسها وصوت تنفسها، وكلما هممت بالصراخ كشّرت عن أنيابها أو فردت أجنحتها في حدّة ضاربة وجهي بكل ضراوة وقسوة ، فأصرخ بكل قوتي الواهنة فتجري أمي واخوتي ، أكون غارقا في عرقي وشحوبي ، كانت الطيور تقف في هذه الحالة منتصبة فوق أعمدة السرير ، الكلاب قابضة على شباك السرير بأسنانها ، وعندما أشير عليها لأمي تقول لاشيء وتمرر يدها فوق الأعمدة والشباك فتبتعد الطيور والكلاب إلى أن تمر يد أمي ثم تعود ، تغطيني أمي وتقول :ــ أنت تحلم …
كنت أحس أنهم أيضا يخافون الكلاب والطيور الجوارح تلك التي أكلت النعامة وتريد أن تأكلني.
كان الرجل الطويل جدا الذي خرج من البحر بذيل سمكة في نهاية نصفه الأسفل يتقدم ناحية البر، كانت ملامحه الغريبة وأسنانه البارزة الخارجة من فمه لدرجة أنه لا يستطيع قفل فمه ، وأذناه المتدليتان حتى كتفيه ورأسه الكبير الأصلع وعيناه النافذتان كالخنجر من تحت حاجبيه الكثيفين ، كان هذا الرجل ما يزال يتقدم من البحر إلي البر إلي أم اختار ركنه المعهود في مواجهة السرير ، لم يكن يتحرك بعد ذلك لكنه كان يملأ الفراغ حتى العرش، لا يغير نظرته إليّ وكنت لا أستطيع النظر إليه ، لاحظت أنه بلا ذراع أو بالأحرى بلا ذراعين ، لم يكن ذلك ملحوظا للتناسق التام بين أعضائه جميعا .
كان يحس بما يدور في خاطري، أخرج لسانه الكبير والطويل جدا والتقط من على السرير ومن أعلي رأسي ذراعيه القويتين، ركبهما بلسانه في كتفيه ثم تمايل متعاجبا ، مد يده إلى الحائط المجاور فشققت الحائط كشقوق الزلازل وخرجت منها مجموعة كبيرة من رؤوس الكلاب المتزاحمة النابحة اللاهثة ، الكلاب متزاحمة تحاول الخلاص من هذا الشق لتنطلق ، كادت أن تفلت مهرولة ناحيتي ، صرختُ برعب مدوي، أمسك بالكلاب تحت إبطيه ، مال بها ناحيتي من فوق السرير وكنت أحس أنها لا تعوقه ، مال بها ناحيتي حتى كادت أنوفها أن تلمس وجهي وكان يبتسم، حفرت في الفراش هوة رعب بظهري ، وفي السقف هوة رعب بصوتي ، أتت أمي مسرعة ،كان قد أدخل الكلاب في شقوقها واستطال حتى نفذ من السقف ، وحدقتُ في مكانه فلم أري شيئا ألا الحائط أمامي وكأنه قد تبخر ، أخبرت أمي بكل شيء ، فلم تقاطعني بل أخذت عصا طويلة وضربت الركن الخالي، ومع أني كنت أراه خاليا ألا أنني استرحت، وأحسست بالراحة والنصر ، زعقت أمي :ــ من ينادي لنا الأوسطي محمد ليعطيه حقنة
شدت الأغطية وخرجت من الحجرة
أحسست أن شيئا يعبث في شعري ، ظننت أنها المخدة أو أعمدة شباك السرير ، كان العبث يمتد حتى جبهتي ، حجب الضوء عن عيني شيء ما ، استدرت إلى الخلف كان الرجل البحر يقف مبتسما ابتسامه المخيفة ويده على وجهي ، أحسست أنها بثقل الجبل تكتم أنفاسي ، حاولت الصراخ ، مد أصابعه داخل حلقي وأخذ الصرخة من داخله،أحسست بذراعي مثبته ، وشيئا يقرصني ، ثبت نفسي تماما ، ودفعت بيدي الأخرى الرجل البحر ، فحطمتُ زجاجات الدواء ، وسقطتْ من الشباك الذي بجوار السرير ، قال الأوسطي محمد:ــــ بالشفا إن شاء الله
( 9 )
( أ )
خرجت من المرض أقل وزنا ، وأكثر طولا ، وأشد شحوبا،ويسكنني الصداع ، متخلفا عاما بكامله عن رفاقي، لم تقم جسور بيني وبين الرفاق الجدد، سكنت مكتبة المدرسة ، لاحظت أمي أنني أسهر بعد الدراسة كما في أيام الدراسة ، وسألت ، لكن لم تعرف
قالت أختي :ـــ روايات وشعر
تنهدت أمي :ــ صرنا ملاحقين بلعنة الكتب والمباحث ، وتنهدت مرة أخري ونظرت ناحيتي تقرأ المستقيل
ــــ كفاك يا ولدي ، يكفي أبوك ، أهو قدرنا ؟
حكيت لها قصصا كثيرة وأشعارا جميلة
…..


( ب )
أخرج الحاج صديق أبا مندور من منزله .. أخذ منه بعض حاجياته ليكمل سداد الدين وفوائده ..
قلت له وسط الجميع والشمس على وشك المغيب والمساء يحاول أن يحتل الوسعاية – حرام عليك يا حاج ..
ــ اذهب لأمك لتصرف عليك .. عيب يا ولد .. إذا كنت رجلا ساعدها .
مد ذلك الحاج أصابعه الفولاذية وانتزع قطعة من جراح القلب .. نزفت وزادت الأسئلة ..
وبتربع المساء يدخن غليونه فوق القرية فينتشر ضبابا أسود اللون يلف العالم ويظلم الطرق .


……

( جـ )
كنت ألاحظ أن أمي تستبدل الأواني النحاسية بالأواني ( الألومنيوم ) .
قالت للجارة : إنه خفيف ولا يصدأ ، وهو ( الموضة ) لكنها في حديث هامس مع أختي سألتها عن فرق السعر( وكانت أختي قد عادت من سوق الأربعاء بعد أن باعت نحاسا واشترت ألومنيوم ) ووزعت أختي فرق السعر على ما اشترته من حاجيات ودست في يد أمي الباقي . ظهرت صورة الحاج صديق / أمك بتصرف عليك ./
لعنت الحاج صديق وخرجت إلى شوارع القرية أبحث عن أبي الذي رحل ليلا ولم يعد .


- 10 -

( أ )
ظل البناء يرتفع ، تكهنت البيوت الجديدة بأنها بيوت جديدة، أو مشاريع للتصدير والاستيراد ، بينما البيوت القديمة الطينية ظلت متماسكة آملة أن يكون مستشفي .
نُشر على حبال الدور الثاني الذي اكتمل قبل باقي الأدوار- ملابس ملونة ، ومنسوجات شفافة لم يستطيع أحد التكهن باستعمالها ،اكتمل الدور الأول فكان مخزنا كبيرا به الأسمدة والبذور والمبيدات في عبوات لامعة كتبت عليها أحرف أجنبية .
وجزء آخر من الدور الأول سوي بالرخام وحبس خلف زجاجه الداخلي رجال وشبان وشابات يبتسمون في وجه الداخل بوجوه حمراء ملونة .
سأل أحد الفلاحين شيخ المسجد – هل حوريات الجنة مثلهن ؟
ــ لو كان… لصام الواحد منا أبد الدهر .
كان الرجل في قميصه الملون بمكتبه الأنيق يحصي عدد الأفدنة التي رهنت و الأفدنة التي تم الحجز عليها ..
زادت العمال الشغيلة التي بلا أرض ، وزادت مساومات أحول العينين في توريد العمال إلى البلاد البعيدة .
تعودت النسوة على غياب أزواجهن . ومن التراحيل يعودون/ أما مرضي أو جثثا / في زيارات قصيرة ، يلقون لزوجاتهم بالقروش القليلة وتضمهم ليلة واحدة وأفعال متعثرة متعبة .


( ب )
فجأة غاب أحول العينين عن البلدة ، افتقدته البلدة كثيرا قال أحد الفلاحين –: نحن من غيره كالعرب بلا كلب .
دخلت عربة إلى القرية ، ليس دخول عربة بالشيء الهين صحيح أن عربات النقل تأتي إلى المبني الجديد حاملة الأكياس المعبأة والصناديق المقفلة وصحيح أيضا أن سكان الدور العلوي يحضرون في عربات ملاكي ولكن الخفراء يضربون الأولاد الذين يتابعون العربات ولو على بعد . وصحيح كذلك أن إحدى زوجات أحد الشباب الذي عاد من بلاد بعيدة قد مرضت ويذكر التاريخ المنقول سيرا وحكايات أن زوجها أحضر لها سيارة حمراء اللون نقلتها إلى الطبيب طبيب المركز .
لكن هذه العربة التي دخلت القرية عليها حقائب !. جالت في شوارع القرية ولم يستطيع أحد أن يخمن وجهتها ، ولكنها وقفت أمام بيت أحول العينين .
تابعها الرجال وتابعتها النسوة وتعلق الأولاد بها ، لكن وقوفها في حد ذاته لم يكن مفاجأة ، المفاجأة وقوفها أمام منزل أحول العينين .
ــ ربما أقرباء له من بلاد بعيدة .
ــ ليس له أقرباء فهو مقطوع من عامود تليفون ليس له فروع أو أقرباء .
نزل من العربة رجل بجلباب أبيض وعقال أبيض عليه من أعلي حلقة سوداء ونظارة على عينه . وأدار المفتاح في قفل الباب تقدم رجل من القرية ليسأل الغريب ، إن كان قريبا لأحول العينين ( بربش ) لكنه صرخ :
ــ أحول العينين !!
رد عليه
ــ الحاج محمد أبو العينين .
ــ بربش حمد لله على سلامتك
ــ اسمي الحاج محمد أبو العينين …..
أعاد المفتاح ، استنجد الحاج محمد أبو العينين ( أحول العينين ) بالرجل لإحضار وعاء به كيروسين لغمس المفتاح به .
عدة محاولات حتى لأن القفل .
نظفت امرأة شاب يجاور أحول العينين منزله ، ودخل أحول العينين بعد استراحة قصيرة في منزل جاره .
واعدا هذا الجمع بأن يحكي له عن سفره إلى البلاد البعيدة وأدخل حقائبه وألقي بعلبة فارغة للسجائر حمراء اللون عليها صورة القط الأسود .
في الصباح جلس أحول العينين مع جاره الشاب ( الذي جلد) وأخرج من جيبه ورقة مالية وطلب سكرا وأخرج كيسا ملفوفا شايا أسود اللون ذا أوراق عريضة وعلبة سجائر حمراء وبيضاء على ظهرها صورة القط الأسود ..


( جـ )
قال أنه لم يكن يعرف شيئا عن هذا . ولكن رجلا من الذين يعطونه العمال في الجزيرة قال له عن السفر . جمع المال من تعبه ومن العمل مع رجال البنك والمقاول و سافر للعمرة ظل مطاردا من الشرطة حتى حصل على عمل هناك ، مد إقامته وظل حتى عاد يحمل مالا يشتري البلدة كلها ..
أطلق خبيث لم ُيعرف بعد إشاعة أن أحول العينين ذهب خادما مع رجل من رجال المقاول، ولكنه لم يبق كثيرا في خدمتهم لمغازلته زوجة الرجل فطرده وجلس أمام المساجد يشحذ الصدقات في موسم العمرة والحج حتى حصل على عمل في البناء ، بعدها اتفق والمقاول على توريد العمال ، فأحضر معه خمسين عقدا وزيادة يبيعها الواحدة بألف جنيه وهكذا أصبح أحول العينين الحاج محمد أبو العينين .
قال الشاب المجلود : هل وضعت نقودك في هذه الحقائب كلها ؟
ــ البنك
ــ مش فاهم
ــ في البنك بالدولار
ــ مش فاهم
ــ طبعا / الدولار أغلي من الجنيه – الجنيه بلا رصيد – البنك يبيع ويشتري بالقليل – السوق السوداء وبور سعيد بها البيع والشراء بالغالي والكثير / نضعها ودائع فتربح البنك مقسم كل قسم له أقفال ، كل قفل له مفتاح مع مدير البنك ، يضع نقود كل واحد في مكان حتى لا تختلط مع بعضها . كل بنك له فروع في البلاد البعيدة . أعطيها النقود أو الشيك أو المستند ، يرسلونه في الحقيبة ذات الأرقام، نقودك ملفوفة، عليها اسمك ، توضع في القسم الخاص بك حتى إذا فاض بالنقود أرسلوا لك ابحث عن بنك آخر .
قال له كيف تربح النقود وهي لا تعمل ؟
شرب آخر رشفة في كوب الشاي وألقي بالسيجارة في الشارع ونفض جلبابه وأطلق زفرة ببسمة ساخرة ..
ــ غدا تعرف .
ثم مال على أذنه أريد عشرة شبان أقوياء كل واحد معه ألف جنيه ليقوموا بالعمل معي ويعودون بأقسام لهم في البنك قد فاضت فيه النقود .
ــ ألف جنية !!!
ــ هذا ثمن فدان أرض !، لا أحد يملك فدان في بلدتنا .
مشي أحول العينين ، أقفل بابه بالمفتاح بعد أن أدخل كيس الشاي وترك علبة السجائر وما بقي فيها للشاب .
قال للشاب – أنا لا أريدك أنت .. لكن شبان من أي بلد من البلاد التي حولنا ..
قال الشاب – أريد أن اذهب معك .. سأعطيك هناك من عملي يا حاج .
سار أحول العينين بجلبابه الأبيض وعقاله فوق رأسه خارج القرية وسار الشاب في أثره يلهث – والنبي يا حاج .


( د )
نظر الشاب في عمق عينيه ، كان ثابتا كالصخر بحجمه الصغير ولونه الأسود على ظهر علبة السجائر كان القط محدقا . رأي في عينيّ القط البلاد البعيدة ، تلال الذهب والمال ، القسم الخاص به في البنك ، أنهار العسل ، النسوة الجميلات ، رأي أحول العينين يسير على البعد ، خلفه طابور طويل من العمال ، يتوقفون ، يحفرون يعبأون الحقائب بالذهب صرخ الشاب :ـــــ فلتكن لي وحدي .. الحقائب لي وحدي .
اقترب الشيخ منه :
ــ السلام عليكم .. ماذا يا ولدي ؟
ــ الذهب ، الفلوس ، لي ، لي وحدي
ــ الذهب ! الفلوس ! وماذا بك ؟ ( ثم أمسك الشيخ بعلبة السجائر من يده ) ما هذا ؟
أفاق الشاب خجلا من حلمه وإن كان يتمني أن يعود الحلم .
ــ لا شيء ..
قال الشيخ – يقولون حضر أحول العينين ، هل هذا صحيح ؟
قال الشاب متلعثما – نعم لكن الفدان الأرض …
ثم فجأة :،، لكن يا شيخ كم تساوي داري ؟ ، ألف جنيه ؟ أليس كذلك ؟ أو أقل قليلا ، لا بأس سأبيع
قاطعه الشيخ :ــ ماذا بك يا ولدي؟، أتريد بيع بيتك ؟ لم يفعلها أحد بالقرية ، وإلى أين ستذهب؟
قال الشاب أنا أبيع مؤقتا ، وعند عودتي أشتري الأرض والدار
قال الشيخ :ـ وإذا لم توفّق في سفرك؟ هذا من عمل أحول العينين
أفاق الشاب وكأنه يبصر الحقيقة للمرة الأولي

(11)
ــــ بلدنا هي الوحيدة التي بلا مئذنة.. كل البلاد مسجد ومئذنة ، البلدة مسجد فقط … ما رأيك يا حاج؟
قال الحاج أحول العينين كأنه لا يسمع :ــ أريد عشرة شبان أقوياء … كل واحد معه ألف جنيه
يتدخل واحد :ــ ألف جنيه ثمن فدان أرض
ـــ المئذنة الحاج يبنيها على حسابه
قال الحاج :ـــ أنا أريد أن أخدم فقط ، كل عام عشرة شبان ، بعدها تصبح البلاد غنية
احتج شاب :ــ نحن نعرف كيف نذهب إلي هناك
قهقه أحول العينين:ـــ هل تعرف البسبور ؟ هل تعرف الفيزا ؟ ، هل ركبت طائرة، إذا كنت لم تركب حمارة في حياتك ، ثم قبل هذا وبعد هذا هل تعرف ( خيرك يا زلمة )؟ ، ثم وهنا مكان السر هل تعرف أين مكان النقود ؟اذهب / دفعه في كتفه/ لا تنتظر ..اذهب ..
ــ المئذنة يراها الناس على البعد ، فيعرفون البلدة ، كل مئذنة لها شكل خاص ، ولكن كيف يبصرون المسجد ، لو كانت مصلي ولها مئذنة أشرف من مسجد كبير بلا مئذنة… ما رأيك يا حاج؟
نفض أحول العينين جلبابه ، هب واقفا لابسا خفا جلديا قائلا :ــ يبيع فدان يعود ليشتري عشرة ، أنا لن آخذ شيئا كله للسفر ، لقد قدمت لكم خدماتي حتى لا يأتي اليةم الذي يقال فيه لن يخدم أهل قريته ..
سار أحول العينين من وسط الجلية دون أن يلقي لهم بالسلام الذي ينتظرونه منه.
تبعته العيون … (سار) … سقطت العيون في عمق العيون ….(ابتعد) …. ارتفعت الصدور ولم تهبط ، حلم كل منهم بالجنيهات الهابطة من السماء ( اختفي أحول العينين تماما) حلم كل واحد منهم بالعربة تدخل القرية ، بالجلباب الأبيض ، بالعقال ، بالحقائب ، بزوجة مثل موظفات البنك حورية من الجنة ( أطبقت الأصابع على الجنيهات الوهمية ، توقف الزمن وظلوا يتابعون الحلم)
قالت البيوت الطينية :ـــ أولادنا لغيرنا … احضني يا أرض كل الجذور حتى الجاف منها.

(12)

رأي ميزانا كبيرا قد نصب .. هو الميزان العظيم .. القرية كلها في كفّة الميزان ، و هاهو جبل النقود في الكفّة الأخرى ، تراقص الميزان ثم رجحت كفّة القرية ، تقلّب الساب المجلود في فراشه ، كان الميزان فارغا ، حمل النقود يهبط مرة أخرى في كفّة الميزان ، في الكفّة الأخرى نامت زوجته وطفلته ،همّ أن يخطف ابنته ولكن يده امتدت إلى جبل النقود...كانت النقود صلبة ككتلة من الأحجار ، ارتمي عليها وجد نفسه معلقا في الهواء في سماوات السكاكرة وقد رجحت كفّة زوجته وابنته ، قامت زوجته واحتضنت طفلتها وغادرت كفّة الميزان ، فارتفعت الكفّة الأخرى إلى أعلى وأطلقته قذيفة في أعالي النخيل ثم هوت الكفّة بالنقود على الأرض وهو يسقط من هذا العلو الشاهق صرخ ، كانت صرخته لا تخرج ، حاول أن يمسك في شيء فأيقظته زوجته :ـ مالك؟
كان قابضا بكلتا يديه على خصيتيه وما بين أفخاذه حتى أحس أن نارا تندلع فيما بين ساقيه .. اعتدل في نومه .. جفّف عرقه .. قام إلى خارج الدار وبال بجوار الحائط .. دخل إلى فراشه كانت زوجته ترضع الطفلة .. شرب من القلة .. جلس مفتوح الساقين ينظر إلى طفلته وثدي زوجته وزوجته، مدد جسده ونام على ظهره.. تحت رأسه شبك ذراعيه .. نامت عيناه في طبقة ضبابية كانت عربة التاكسي تخترق شوارع القرية هو يجلس فيها هبط منها .. أنزل الحقائب .. فتح الحقيبة لأولي كانت بها جثة زوجته فجلس القرفصاء وأخرج علبة سجائر عليها صورة القط وفتحها كان بداخلها جثة ابنته تركها وفتح الحقيبة الثانية كان بها جثته هو ..
قام فزعا خرج من الحجرة إلى خارج الدار ، نظر إلى السماء رأي رؤوس النخيل تتمايل كانت تنظر إليه .. استقامت إحدى النخلات ورمت ظلها عليه ففزع وكان القمر يمر من خلفها .. عوت الذئاب في البعيد فردت عليها الكلاب من أمام البيوت وخرجت تجري في كل اتجاه ..
قالت بيوت الطين إنه الطوفان .. يلقي بالنفايات لكن تبقي الجذور .
سار الشاب عدة خطوات أمام منزله لكنه أحس أن النخيل لن يدعه يمر .. أحس بالحصار .. عاد إلى داره .. جلس فوق الفراش ولكنه لم ينم .


( 13 )

( أ )
تعجبت بيوت الطين المتلاحمة مما يحدث في بيت أحول العينين الحاج محمد أبو العينين وقررت أن تفعل شيئا . لكن غياب الفتي عنها جعلها بعد تلك الأحداث السريعة والغريبة لا تستطيع أن تقرر شيئا ..
أوفدت بيوت الطين والد الفتي إلى المدينة .. طالت مدة الانتظار، تحسس الفتي في خطواته الأولى تراب القرية ورائحة الفول والبرسيم والهواء البارد .. وتعجب كيف بَعُد طوال هذه المدة عن تلك الروائع .. قالت شجرة الكافور يبدو أنك تنسي ؟
وهو الذي يميز كل الروائح في الظلام وقد حكي يوما لشجرة التوت أنه يحس أن الأيام مختلفة عن بعضها فكل يوم له رائحة ولون ووزن خاص بخلاف اليوم الآخر . وأنها ليست متشابهة كأسلاك البرق . أمنت شجرة التوت على كلامه وقالت نحن نحس بالألم بالجفاف وسكون العصارة ، في الربيع نحس بالحياة كأنثي تحمل وتخرج البراعم حاملة كل الشوق للحياة، لكن براعم الورق لا تعطي كل شيء فهي تحوّر البراعم الورقية إلى براعم زهرية تحمل الأزهار ثم تأتي أيام التلقيح والإخصاب وتتفتح البويضات أنها تكون الثمار ، ثم تكون ذات طعم قابض ومر ، ثم يرهقها أنها ستُبصق من فم من يأكلها فتنضج الثمار نفسها ، فتزداد حلاوة، وانتظر كشجرة عاشقة مرور الفلاحين وأولادهم مع زوجاتهم فألقي لهم بالثمر الحلو فوق رؤوسهم . احتفظ لنفسي في أطرافي وفي أعلي قمتي بأشهى الثمار لمن يركبني ويصعدني فيأخذ حلوي كله ، أو أنفخ بداخله بذوري،أو ألقيها في مواسمها بجواري فتنبت جيلا أرعاه لتستكمل مسيرتنا معكم قال الفتي : اتركيهم للصدفة .
قال شجرة التوت : الصدفة !!
لك أن تعرف أنه ما أن يتم تكوين البذور بداخل ثماري إلا وأرسل رسائلي السرية في باطن الأرض للفلاحين وقوفا كانوا أو نيام بأن موعد زراعة التوت قد آن . كما أغري الأطفال أن يقطعوا أفرعي ويغرسوها على شواطئ القنوات والمصارف والترع فيحتضن الطين نهاياتها وينبت جذ ورها ويمدها بكل سوائل الحياة فتحيا براعم وفروعا وأزهارا وثمارا .
قال الفتي : هو الاستمرار إذن .
قالت شجرة التوت ، الزحافات ، أيدي الفؤوس ، القصابيات ، النورج كلها من التوت ، ولم تسمع أن أحدا قد قتل آخر بعصا من التوت .


( ب )
قبض الرجل على ذراع الفتي قائلا :
ــ لماذا توقفت ؟ ما زال الطريق طويلا ..
اجتازا مدخل القرية ودروبها ، توقف الفتي أمام بيت أحول العينين أخبره والده بالحكاية كلها ..
تعجب من نفسه ، تعجب من القرية ، لكنه لام نفسه أولا ..


( جـ )
تعجب الفتي حين أوي إلى فراشه أن الشيخ كان معه الحديث رغم صرامة عينيه، كلماته القاطعة تحمل أكثر مما تحمل الكلمات ، وأعمق من الآبار لكنها بسيطة كل البساطة .
أفلتت الصرخات في آن واحد من جميع بيوت القرية ، حذرت بيوت الطين أن الأمر ليس سهلا ..
قال أحول العينين .. العين لا تعلو على الحاجب
هب الفتي من نومه ، خرج أمام المنزل محاولا أن يفهم السر
ــ ضابط النقطة صفع الشيخ ..
دق الباب كان خلف الباب ، ثقيل الصمت ، ينظر في البعيد
ــ ما الخبر ؟
ــ لا شيء ..
خرجت الكلمات بين الزفرات الحارقة بعد جهد جهيد بطيئة تسقط عميقة ومدببة تدمي القلب ..
ــ كنت في البنك ، سألت عن حساب الأرض راجعت الموظف في الحساب أوضحت له أنني أسدد فوريا ، كيف أكون مديونا للبنك بألف جنيه ؟
أصر على قوله ــ راجعته مرة أخرى ــ فصرخ في وجهي ، توجهت إلى مدير البنك فأمرني بالخروج هدد بالحجز على الأرض لم أخرج قلت لهم أن نجوم الظهيرة أقرب لهم من لمس أرضي ، استدعوا ضابط النقطة الذي كلم المدير ولم يستمع إلى حاولت إفهامه جرني إلى الخارج ، امتنعت عن السير معه فـ …


( د )
ما العمل ؟

ــ أترك هذا الموضوع الآن .
أقفل باب الحديث أمام الفتي ..
قام من فوره أخذ يدور ويلف في شوارع القرية حتى خرج من شارع داير الناحية إلى الحقول ، دارت رأسه لرؤية البيوت المتنافرة جلس تحت شجرة التوت ، نظر إلى حقول البرسيم والفول سألها بصوت عال: ــ ما العمل ؟
قال أحول العينين: ــ كنت أود أن أراه قبل سفري ، لكنه مريض لم تعرفه العافية من يومها .
تأهب الشبان العشرة للسفر ، رهنت وبيعت ، بيوت وزوجات وحقول .. في الصباح لاحظ الفتي أن أحدا لم يقابله في شوارع القرية ؟
سار في اتجاه خارج البلدة فوجد أن الطريق الإسفلتي قد ازدحم بكتل من البشر لا حصر لها . كانت تحيط بنقطة الشرطة وقف بينهم حاول أن يسألهم ، لكنه لاحظ أن كثيرا منهم يدخلون فرادي ويغيبون كثيرا ويخرجون والدموع في مآقيهم وقد تهدلت عمائمهم وتورمت أقدامهم .
ــ هل جئتم لوداع أحول العينين ؟
ــ الضابط قتل
فزع الفتي ونظر ناحية القرية كانت رؤوس النخيل تتمايل في دلال كعروس ليلة زفافها نادي الضابط الآخر على الفتي .
دخل .. قال لهم أنه لا يعرف أي شيء عن الموضوع ، وأنه عادة من المدينة ..
قالوا له نحن نعرف كل شيء عنك
عشرة أيام والقرية في حصار والتحقيق مستمر ، زار خلالها الشيخ كان أكثر إشراقا وبهاء ،عيونه ضاحكة لكنه مريض ، وعندما جاءوا للتحقيق معه وجدوه في النزع الأخير ..، سمع أصواتا ترددها جدران بيت الشيخ :
يعود الكل إلى واحد يتوحد في طمي الأرض ، في الأشجار ، في بيض الأطيار يمتد مع الترع والحقول ، يعطي للنباتات طعم الكبرياء .
قام الفتي في حيرة من أمره ..
يفهم ولكنه لا يصدق يحاول ، يدور في شوارع القرية .. حاول مناقشة الأمر مع أبيه ، تذكر بربش الذي مات في حوض الإسطبل امتد به حبل ذكرياته ..


( 14 )
تلتف القشور فوق بعضها فيزداد الليل سوادا .. التفت كورقة الكرنب في الحقل ارتفعت على ساق قصيرة ، خطوطها الأرضية تتواري من كبرها وتجاورها معلنة أنها قد نضجت، ولما يأست من إعلان نضجها انفجر من باطنها شمراخ زهري يخترق الأوراق والحجب ليعلن أن أوانا جديدا قد بدأ وأن عهدا قد ولي وأننا نكوّن البذور الآن ، وأن الأوراق تتساقط واحدة تلو الأخرى فاتحة مجالا للشمراخ الزهري للثبات والتفرع وبدأ الليل يسحب قشوره رويدا، رويدا فتقل كمية السواد فوق القرية وأن آخر القشور هذه رطبة، تعلن أن آخر هذه القشور يشقها فجر رطب دامي الألوان.
هبت معه نسمات الصباح فأمالت شواشي الزرع في الحقول، وأطفأت جذوة نار السهاري في انتظار الفجر في الحقول ،وأعلنت أن الشمس على وشك البزوغ .
لكن شيئا من هذا لم يحدث !!
استطال الليل وكمش النهار ورغم ظهور الشمس ، كما لاحظ الساهرون في ورديات الحراسة الليلية أن الفجر قد دخل القرية متسللا على استحياء وأن الشمس كانت تخفي وجهها خلفه النخيل ،وأن الفتي الذي ظل ساهرا حتى احمر بياض عينيه لم ينم وأن شيئا غير طبيعي بالمرة قد حدث، وأن الفلاحين في أثناء سيرهم للحقول تلفتوا إلى القرية أكثر من مرة وتكاسلوا في الخروج إلى العمل ، وأن البيوت الطينية القديمة المتماسكة كانت تئن ولم ترسل رسائلها السرية لكن شيئا ما مكتوما ظل يجوس في طرقات القرية الداخلية وفي الحوائط وجذوع الأشجار كما وقفت النخيل مبهورة الأنفاس واتسعت عيونها بالدهشة وتصلبت أوراقها .
عند الظهيرة رفع الفلاحون رؤوسهم ناحية الشمس .. استقامت ظهورهم ، نادي كل منهم الآخر فتحت الأفواه والأحداق، دهش القوم وبسملوا فقد توارت الشمس كسوفا خلف قرص معتم في وضح النهار، حوقل القوم وبسملوا واستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم لكن النسوة في القرية أحست كل واحدة منهن في آن واحد برجفة في الجسد وانقباض في القلب وتململت الأجنة في بطون النساء والمواشي ، عوت الكلاب ولم تنبح كعادتها خارت البهائم في الحقول توقفت عن الحرث والري ومع هذا لم يرفع أحد من الفلاحين يده بالعصا ليجبرها علي السير ، لكن صوتا حادا رفيعا سري في آذان أهل القرية كلهم في آن واحد ، حتى الذين ذهبوا إلى المدينة في ذلك اليوم سمعوا نفس الصوت في نفس اللحظة .
هرولت النساء ناحية الصوت ، كان بيتا من تلك البيوت الطينية القديمة المتماسكة قد سقط وأن أشجار وعروق الخشب التي كانت عرشا له قد التصقت بالأرض وأخذت تغوص بكاملها داخل الأرض .
هرول كل الفلاحين إلى البيت الساقط لكن تخلف عنهم فلاح واحد ، قطع كرنبة من الحقل وأعطاها لزوجته فقذفت بها أمام الباب معلنة أنها لا تصلح للأكل وأن بذورها لم تكتمل للحصول على البذور منها ، جلس غاضبا أمام بيته الجديد ينظر إلى الكرنبة الملقاة .
في تلك اللحظة كان الشاب المجلود الذي لم يسافر مع أحول العينين يحاول مع الفلاحين اللحاق بالأخشاب الغائصة في قلب الأرض لكن بلا جدوى قالوها بلا اتفاق ولا صوت ، الشيخ والد الفتي والفتي عندهم الحل .
ذهبوا طابورا طويلا إليهم ، دخلوا باحة الدار المفتوحة وكان الفتي قد أدرك الأمر برمته فترك الباب مفتوحا وكان الشيخ يرقد ملفوفا في ملاءة بيضاء ، كشفوا عنه الغطاء، كان مغطي بعباءته ، كشفوا وجهه وجدوا أن الرجل قد مات .
رأوا كلهم ، كلهم لكن يبح أحد منهم للآخر بشيء .. فهموا كلهم ..صمتوا كلهم .. كلهم لم يدروا ماذا يصنعون ..
دفعة واحدة نظروا كلهم للجسد كان يرتفع رويدا رويدا من على الفراش إلى الهواء . معلقا ذلك الجسد ، طاف بأنحاء وأركان البيت ، أعلي من رؤوسهم .. صار .. خرج من البيت ،حاصرتهم الحيرة والتردد ، تابعوا سير الجسد ، طاف بأنحاء القرية كلها وقفت النساء والأطفال والكلاب والمواشي خرساء عند مرور الجسد، طأطأت النخيل هاماتها، سقطت شجرة الكافور العتيقة ، ماتت سبع حمامات في الهواء أثناء طيرانها، وخرج الجسد إلى الحقول يلف عليها، توقفت المياه عن الجريان ،قفزت الأسماك الهاربة ميتة من الماء ، تشققت الأرض وزرفت نارا فذبلت النباتات ، تمهل الجسد قليلا عاد إلى البيت
اجتمع الرجال والنساء وأعدوه للدفن .


( 15 )
قال ــ يعني كم العدد ؟
قلت ــ ثلاثة آلاف …
ــ إذن ستبني المئذنة ، بلدتنا هي البلدة الوحيدة في وسط الثلاثة بلاد التي بلا مئذنة .
ــ ماذا تقصد ؟
ــ سوف تعرف أننا أيضا أولاد بلد ، بينما ينتهي هذا العام بثلاثة آلاف عند البائعين تكون قد كتبت ثلاثة آلاف أخري أو ثلاثمائة وهكذا ، لو بيع الواحد بقرش فسوف يكون لديه آلاف الجنيهات خلال أعوام قلائل، ونحن لا نريد كثيرا ألف جنيه واحد لا غير .
ــ الحكاية ليست بهذه البساطة ، ثم أنه كتاب واحد مطبوع منه ثلاثة آلاف نسخة ثمن النسخة الواحدة عشرون قرشا تكلفت طبع وما إلي ذلك عشرة قروش، ويأخذ الموزع نصف الثمن أي لو بيع كل الكمية أحصل على ما دفعته في الطبع وهو بالتالي رهن حجرة الصالون .
ــ لا تخف من الحسد أنت من أولاد الأصول ، أعطيني المبلغ وأنا سأرتب لك الأشياء ، لقد فرحنا والله عندما كتبت اسم قريتنا في الكتاب .. أصيل ..
ــ اسمع سوف أشرح لك أكثر ..
حاولت قدر طاقتي أن ُأفهم ( حنكش ) ماذا يعني طبع كتاب ولكنه رفض الفهم، ولما كان حنكش زميلي في الكتّاب ولما كان أحول العينين أيضا، ولما كان أعرجا وأعمشا فقد كان يمثل نوعيه خاصة من القرية بالرغم من عدم جذورها إلا أن لها القدرة على التأثير كما أنها انعكاسا للواقع المباشر وغير المباشر في جانبه الوضيع.
همّ واقفا واضعا خفه تحت إبطه قائلا
:ــ يعني .. لا نقود ، ملعونة هذه القرية ، كل من لبس فيها بدلة هرب منها ، طز في كل الأفندية والمتعلمين .
خرج حنكش وأنا أعلم تماما ما سيفعله حنكش .
فهو الذي أفهم أهل القرية بأنه من العار أن تكون قريتنا الوحيدة التي بلا مئذنة، وأنه من العار أن يصعد دعائنا إلى الله منخفضا وفي وقت طويل للوصول ، حيث أن كل القرى الأخرى بها مآذن والدعاء من أعلي المئذنة بلا مقابل ، موهما أهل القرية بجمال صوته ، مدعيا أنه كان يقرأ في الحرم النبوي الشريف القرآن الكريم في الفترة التي غاب فيها عن القرية .
في حين أن بعض الأفراد الذين عادوا من هناك قالوا أنه كان يجلس ليشحذ أمام المسجد ، ولما كنت أعرفه وأعرف كلامه وسحره فقد قررت الذهاب إليه ..
في الصباح كان قد سري مفعول حنكش في القرية ، فلا أحد يلقي السلام ولا أحد ينظر ناحيتك، وتري سياج العزلة ينمو شيئا فشيئا بينك وبين أهلك وأحبائك وقد وقف حنكش ليرقص طربا مخرجا لسانه لك على سياج العزلة .
قلت فليكن المساء .
كانت أصوات البهائم عائدة إلى حظائرها والحمير محملة بالبرسيم، ومواكب المساء تحمل الفؤوس المتعبة تدخل في رحم الليل محملة بروائح الروث والطين متعطشة إلى الراحة في أن تتمطى على الأفران فوق الحصير في قاعات الفرن ، دخلت عليه بيته ، قام نصف وقفة ، أهلا…. أصر على الصمت بيننا حاولت إفهامه قال قاطعا كالسيف ..
ــ الدفع أولا
ــ لا أملك شيئا
كان ساهما في البعيد لا يسمعني يطل بربع عينيه الباقية على مساحات الطين المفرود على الحائط، محاولاتي كلها يكللها الفشل .
حنكش يملك الصمت والقرية ، دلو الإنقاذ والاتصال بالقرية يملكه حنكش .
كانت خطواتي إلى الخلاء لا تصل إلى الأرض أحس أنني أهوي في ضياع وأن سائلا لزجا يكتم أنفاسي وينزّ عليّ كلي .
كنت قد وصلت إلى خارج القرية ، كانت حقول الفول تتمايل في كبر ودلال ونوارات الفول تنظر إليّ بعيون كعيون القطط ، تنظر إليّ ولا أستطيع النظر إليها ، استطالت سيقان الفول وركبت فوق بعضها مكونة مآذن عالية لا تطاولها أي مئذنة ، كانت تميل ناحيتي .
" اسمعيني يا حقول الفول والبرسيم ما قلته لحنكش هو الصدق لماذا لا تصدقوني وشوشت حقول الفول والبرسيم بعضها ولم تتكلم وظلت تتمايل .. صرختُ .. صدقيني أيتها الحقول ماذا تريدين مني ، أأصبحت غريبا عنك إلى هذا الحد ، وأصبح حنكش قريبا إلى هذا الحد .. لا يتكلم أحد منكم بالنميمة في حقي ،قلت الحق فقولي يا حقول الفول والبرسيم " سرت حول حقول الفول حتى ركن مثلث الكوبري الحديدي ، كانت ذراع آخر حقل للفول تمتد مشيرة إلى البعيد، تابعت إشارة الذراع كانت تنتهي عند طرف المثلث بمنطقة صغيرة من البور في نهايتها شجرة صفصاف كالقوس ساكنة كجنية الليل ناشرة شعرها في ضوء القمر ، زادت كمية الحزن في قلبي فبصقت على شجرة الصفصاف لكن راعني أن ظلي يطابق ظل شجرة الصفصاف ، وأن البنايات الأسمنتية ترتفع في قلب حقول الفول والبرسيم ، سرت في طرقات القرية وحيدا حزينا . نفس الحزن الذي قهرني يوم موت والدي .
ألم يكن هذا حنكش الذي أطلق الحكايات عني قال يومها أن البنك أرسل لنا أنه لا يريد نقودا منا وأنه قد اكتفي في حين أن البنك قد أرسل لنا إخطارا بالحجز إذا لم نسدد ما سحبناه من نقود لتعليم وزواج اخوتي .
من يأخذ بخاطري ، من يمنع عني هذا القهر والعجز، يا أيها الناس ارحموني ردي لي صوتي يا نخيل، قولي يا بيوت الطين فتاك المعذب ينتقل عبر الدروب يمسك المستحيل، من يومها حين كنت أمر بالمضيفة أوزع السجائر والقارئ يرفع صوته ويخفضه كانت لمبات الكهرباء يتفجر من داخلها النور يرسم خطوطا مستقيمة تخرج من نقطة واحدة إلى عدة نقاط ترسم أشعة كأشعة الشمس في الصباح ، تلك التي كنا نحاول أنا و حنكش الهرب تحتها من الكتاب كنا نحاول أن نصطاد شعاعا واحد ندخله في أعيننا وننظر فيه كان حنكش لا يجد صعوبة في ذلك لم يكن يملك إلا ربع عين فهو لا يصطاد ولا يدخل لها إلا شعاعا واحدا بينما كنت أجهد نفسي لاصطياده، كانت الكرات الحمراء والزرقاء والصفراء والخضراء تسبح وتسبح في السديم تنتظم في بعض الحالات عقدا حول رقبة إحدى نساء القرية التي كانت تتلصص علينا ونحن نستحم بعد الهروب من الكتاب ومن سيدنا ..
قال حنكش ونحن على طرف الترعة ــ اخلع
ــ قلت له : سيعرف
ــ من يقول له ؟
ــ العلامة
ــ الصق عليها مشمعا
ــ لا ……. لا
ــ يا بن الأفندي أنتم تستحمون كثيرا ، قل له أمي غسلتني أمس ..
ــ لن أكذب .. فأنا لم أستحم أمس
ــ يا بن الأفندي … ثم دفعني في الماء فجأة ..
أمسكته من قدميه وحاولت إلا أنزل الماء ، ثم قلت له .
ــ لست خائفا ..
خلعت ملابسي كان حنكش يلعب في عورته ، ويضع عليها التراب فعلت مثله قفز أمامي في الماء ، غاب تحت الماء ، ظهر من الجهة الأخرى ، خرج إلى الشط وقف ينتفض أمامي ، بجانبي مياه الترعة بلونها البني تسير ناحية الشمال في موجات صغيرة متتابعة، ارتفعت في الهواء ، ينهض الماء كجدار صلب يقابلني ويحتويني داخله محدثا صوتا عاليا ، تغلبت على خوفي وسبحت ثم ظهر رأسي فوق الماء كان حنكش بجواري ، قلت له .
ــ لن أكلمك بعد اليوم ،لماذا تدفعني هكذا؟
ــ أمسكني من عنقي وقال سوف أقتلك يا بن الكلب ، أنت جميل وتحبك الناس والنساء ، ماذا تفعل مع خضرة وفاطمة أم على، لماذا يأخذونك إلى دورهم ويطردوني ماذا تفعلون في غياب أزواجهن ، والله سأقتلك .
خلصت نفسي من قبضته وخرجت سريعا إلى الشاطئ أخذت ملابسي وأخذت أعدو في اتجاه القرية عاريا .
أنت تعرفين يا دروب القرية أنني بريء ، لم أكن بريئا كليا فخضرة وفاطمة أم علي يحببنني ، تأخذني الواحدة في حضنها تبدأ هي أنا لا أعرف شيئا ولا ما يحدث معهن.
كنت قد وصلت إلى باب دارنا ، ليس فيها أحد قالوا لي الشيخ قد مات .


( 16 )
24 ، 25 ، 26 ، 27 ، ………………. 52 تمام يا أفندم
ــ منتصف الليل .
25 ، ………….. ، تمام يا فندم
ــ الرابعة صباحا
كانت تحت أقدام 25 ، 26 ، ……. في برجه الكبير ، المعتمد بشكل كلي على عامود ضخم من الأسمنت ، يمسك بشدة أحجارا كبيرة من الدبش الأبيض الممتد في شكل بيضاوي ، أو حلقي ، مكونا سورا ضخما .. كانت تحت أقدامه قناة بها قليل من الماء ، يستمر بها طوال الليل نقيق الضفدع !!
أدمنت وحدة قلبي ، سأمت النقاش ، أتمتع بهذا الأسى الشفيف الذي يغزوني دون سبب واضح أدركه ..
أتابع نقيق الضفدع ، موسم التزاوج هو ، ينادي الذكر علي أنثاه ليلقحها ، تختار من يترنم لها بالغناء ، التلقيح موافقة ، كانت الضفادع تنق بشكل غير عادي يفزعني عند مروري على الطريق الزراعي المؤدي إلى قريتنا .. ثم اعتدت هذا النقيق ، حتى أصبح غريبا ألا أسمعه ..
خمنت أنه ربما الساعة السابعة ، كان المساء قد حضر أثناء نومي ، وسيطر على المكان ، لا أحد حولي ، لكن كان الضفدع ما زال ينق .
آه يا جدتي ما زالت آثار الضرب على ظهري سياطا من لهب وأنهارا من دم ، أكنت يا جدتي تدركين أنه بضربك لي تبدئين صفحة العذاب الأزلي ، وتكتبين وثيقة القهر ، لماذا يا جدتي ؟ لم يكن هناك ما يستدعي كل هذا !! ماذا حدث بهذا العالم عندما اتسخ الجلباب قلت لك يا جدة وأنا بين يديك ، بين الخوف والرجاء ، قلت سقط الجلباب رغما عني ، صدقيني يا جده ، لقد وضعت طرفي الجلباب في سروالي من الأمام ومن الخلف أيضا ، غصت بقدميّ في الطين ، نزلت إلى المياه ، كان الوقت ليلا ، الضفدع لا يكف عن النقيق ، أريد أن أعرف ما يقول ، حاولت اصطياد الضفدع فتحت عيني عن آخرها ، الجلباب ما زال عاليا يا جده ، كانت الحدقتان تبرقان في الليل ، مددت يديّ بعد أن جعلتها فخا ، بكل الهدوء جعلتها على وجه الماء ، رويدا اقترب يا جده ، سأمسكه يا جده ، يرفّ وجهك وكلماتك ، ارتعشت ، ارتجفت ، سقط الجلباب في القناة ،كنت أعرف أنك لا تكنين كل هذا الإعزاز للضفادع ، لكن قلت لي أن القناة بها ثعبان بقرون ، خفت يا جده أن يكون ما أصطاده ثعبانا . يقتلني يا جده ، ارتجفت ، سقط الجلباب صدقيني ما كنت أريده أن يسقط ، ماذا حدث ، كل الفلاحين يعودون في المساء وحتى في الصباح وملابسهم متسخة ، لماذا لا تضربهم زوجاتهم أو حتى أمهاتهم ، كل الأولاد متربون ومتسخون ، لماذا يا جده... حرام يا جده قلت لك هذا وأكثر ، وعندما وجدتك مصممة علي ضربي قلت لك يا جدة لو تركتني فستزورين بيت الله الحرام ، سيقول لك الناس يا حاجة ستلبسين الملابس البيضاء ، ستضعين يدك على شباكه وستقسمين للناس بحياة من وضعت يدك على شباكه .. ارحميني يا جده آه ، … ستحجين ، اتركيني ، .. حرام يا جده لكنك لم تسمعيني يا جده ، رضيت بضربي ولم ترضي ببيت الله الحرام لماذا تصلين إذن ارحميني يا جده .. آه ، ارحـ…
جمعتني أمي من تحت أقدام الجدة .. ، متعبا مقهورا كارها للجدة .. صامتا .. لا أقوي على الوجع الذي اقتحمني أخذتني أمي في حضنها .. كنت قد بولت على نفسي ، خلعتْ عني ملابسي ،كانت ملابسي الداخلية ملتصقة بجسدي بالدماء كنت نازفا شهقتْ أمي صرختُ ، بكتْ ، فبكيتُ ، أخذتني أمي إلى حجرة الفرن مسحت دمائي وغسلت رأسي بالماء الدافئ من الإبريق الأسود ، ألبستني ملابس أخرى كنت مستمرا في البكاء .. غسلت لي وجهي ويديّ وقدميّ ،
ــ يلعن أبوها ..
ــ عيب ..
ــ لأ .. يلعن أبوها .. لماذا تضربني الآن ..وأبي ليس موجودا ؟" يا حبيبي يا بابا " .. يلعن أبوها كافرة ..
طيبتْ خاطري .. أعطتني البيضة .. بيضاء دافئة ، جميلة احتضنتها في كفي ، استلقيت على الحصير فوق الفرن ، أحسست أنني أريد أن أبول، فوق الفرن وقفتُ ، بولت من فوق الفرن أسفله خلف باب الحجرة ، أعقب البول رعشة سرت في جسدي رغم الدفء جلست وشددت البطانية عليّ أتأمل البيضة ، أعدّ جريد النخل في السقف ، قلت في الصباح سأحضر قفصا من جريد النخل وأصطاد الضفدع .. رأيتني بالليل في القناة أسبح متسللا وفي يدي قفص الجريد .. أحاول اصطياد الضفادع وعندما سقط الضفدع في القفص .. ظهرت الجدة من وسط القناة .. ألقيت بالقفص وصرخت فزعا .
… بسم الله الرحمن الرحيم .. ماذا بك يا حبيبي كنت أريدك أن تنام .. قم .. قم النهار طلع من زمان .. نظرت حولي كنت على الفرن والبيضة مهشمة .. اختلط القشر بها كنت أبحث عن شيء يجعلني أبكي .. نظرت إلى البيضة المهشمة وظللت أبكي .
قالت أمي لا تغضب سأحضر بيضا كثيرا ..
أخذتني في حضنها .. وأنزلتني من على الفرن .. وأخرجت الإبريق الأسود ، غسلت رأسي ووجهي ، مشطت شعري وأنا جالس أمامها .. خرجت إلي خارج المنزل، جلستُ علي القش تحت الشمس في الضحى ، أعطتني أمي المشنة بها الخبز وطبق به لفت مخلل، وبيضتان مسلوقتان ، حضرت الجدة ،جلست بعيدا… لم تتكلم ، نظرت ناحيتي ، استدرت إلى الجهة الأخرى ، ألقيت قشر البيض قريبا منها ، نظرت ناحيتي وبصقت وتمتمت بكلام لم أسمعه.
رأيته كان هناك على الأرض قريبا مني ، تركت المشنة في صمت رأيت أنه مناسب لوجه الجدة نزلت من على كومة القش ، أمسكته في يدي ، كان ينبض بين أصابعي وفي كفي ، كانت تنظر في الجهة الأخرى ، ناديتها ، نظرت ناحيتي .. بكل قوتي وآلام جسمي ألقيته في وجهها ، صرختْ ، كان الحجر قد فتح في وجهها أنهارا من الدم ، جريت بكل عمري في دروب القرية ، آلاف الأيدي خلفي تحاول الإمساك بي .. ملايين الأقدام خلفي تحاول اللحاق بي .. الدروب طويلة وضيقة أحس بنار العالم تنبعث من وجهي ، لفحني الهواء البارد وامتدت أمامي مساحات خضراء .
27 ، 28 ، ……… ، تمام يا أفندم
الصباح على وشك البزوغ ……
كان نقيق الضفدع قد سكت لكن ليس تماما .. فمازالت هناك أصوات مازالت تنق ؟


( 17 )
تمددوا على الأرض ، العيون العشرة متجهة إلى السقف ، جاحظة .. يحاول الجفن أن يطبق على العينين ، يتحاشى سهام الضوء النافذة إلى قاع المخ ، جاعلة آلاف المطارق تعمل بلا توقف ،كان اليوم الرابع قد دخل فُتح الباب ودفعوا بآنية الطعام كعادتهم ، لكن لم يتحرك أحد .. كانت الغلالات البيضاء تزداد تكاثفا أمام عينيه ، أحس أنه يغرق في بحر بعيد، حاول أن يمد يده يلمس أحد الرفاق ، كانت المسافة القريبة – البعيدة – والتي بطول ضعف ذراع بعيدة كالمسافة بين الأرض والشمس ، حاول جاهدا أن يحرك هذا العضو الساكن – تقبل الحركة هو – أحس بدبيب النمل يسري فيه – حاول أن يرفعه ، أزاحه جانبا بعيدا عنه ، لمس يد رفيقه باردة متصلبة حاول أن يبحث عن أصابعه ، سرت حركة من يد صديقه تلاقت أصابعهما ، شدت الأصابع على بعضها ، تبعتها التنهدات الميتة الخفيضة ، سرت رعشة الكهرباء في الجسدين ، ارتفعت المياه من أعماق الآبار إلى العيون، فاضت المياه فتساقط الفيضان من زوايا العيون الخارجية ، أقفل بصعوبة عينيه ، أزاح كمية الدموع التي في محاجر العينين ، تراءت له البيوت المتراصة ، الحواري الضيقة ، مكتبته المتزاحمة ، الأطفال المتربين ، سمع في أذنيه صوت أمه .
ــ يا حبيبي يا ابني …….
تعجب فتح عينيه – أمه ماتت منذ سنوات – كانت بملابسها البيضاء وطرحتها البيضاء جالسة في سقف الزنزانة ، تلقي في المسجد درس العصر وحولها حلقات من النسوة ، شارحة بيديها معني ما تقول …آه يا أمي .. أين أنت الآن ؟؟ .. ليس صحيحا في هذا الزمان ما تقولين !! كيف أغير هذا المنكر بيدي ؟ يا أمي السوق الآن لعديم الضمير والمرتشي ، والكاذب ،والمنافق ، يا أمي لم ينصلح حال الدنيا كما وعدتني، ولا وجدت بنت الحلال التي حلمتُ بها طوال العمر ويبدو أننا نسير في طريق واحد ، بدأه الوالد بالنفي ما بين مصر والسودان ، وأنقذه السد العالي بمياهه المخزونة في البحيرة وأعاده إلينا ، فمن ينقذنا ولا سد عالي ولا نيل ولا مياه لكنه الجمر .
آه يا أمي من هذه الدنيا التي لا تسمع، عشرة شهور طويلة لم أر قريتي لم أتحدث مع من أحبهم، لم أسمع صوتا ، من يومها يا أمي ، يوم أن طرقوا الباب بليل /غُيّب فيه القمر / بيوم لا ينسي ، يوم جاءوا كالسيل الذي لا يرحم ، صدقيني هم مصريون يا أمي ، لكني كنت أحس أنهم غير ذلك أن تلك الملامح لا تنتمي لي ، أنه تنتمي لشيء آخر ، يحمل رائحة نتنة يبيح ويبيع كل شيء ، صدقيني ما تعودت أن أكره أحدا ، أنت تعرفينني عشقت كل شيء ، كم كتبت رسائلي للحقول والأشجار والأطيار ، أن هذه العيون التي بلا رموش ، هذه الأذان التي استطالت حتى أصبحت كآذان الحمار ، هذه الأقدام التي تتبعك ليل نهار ، ليست منا .
كانت الريح تعوي في الخارج والبرد يجتاح الشارع ، فتحت الباب بملابسي الخفيفة ، خارجا من حضن الفراش ، يومها كنت قد نمت قليلا استغرقت كل الوقت ، لكنهم دقوا الباب لم أعرف من أتوقع دفعني تيار الهواء البارد والسيل الذي لا يرحم .. قلبوا كل شيء في طريقهم .. اجتاحوا كتبي وملابسي .. انتزعوا صورتها من فوق مكتبي (صباح) تلك التي عرفتك عليها ، قلت يومها أنها جميلة ومدهشة ، هكذا يا ولدي تفوز بزوجة تريحك، من يومها لم أرها ، لم أسمع عنها إلا ما قاله الأصدقاء يوم الزيارة الرابعة ، رغم أن صورتها لم تفارقني وأنا بالسيارة إلى البعيد كنت أراها واقفة بحزم معك أثناء عذابي ، وحزني ، في لحظات كثيرة كانت تأتي من النافذة تجلس معي تمسح عني تعب اليوم تطيب جراحاتي ، كنت أحس يومها أن شيئا ما يغزو قلبي وأن سكينا يغوص بعمق وأنني حزين بأضعاف حزن الشر ، لم أكن أجد مبررا لهذا الحزن ، الأصدقاء والأهل أراهم في الزيارة ومن لم أره أسمع أخباره ، وكنت دائما أتوقعها في كل زيارة لكنها لم تأت إلا أن ما قاله الصديق يومها كان كافيا لأن يكلل بهجتي في يوم الزيارة بأحزان وأكاليل شوك .
ــ أبي يصر على زواجي ، لا تغضب مني ، قد تطول غيبتك ، والدي يخشى ربط مصيري بك ، أكتب لوالدي بامتناعك عن كل شيء سيسعى لدي المسئولين ، يخرجك ، ينقلك إلى وظيفة أريح ، وأربح لها مكانة .
لم تكن الكلمات تحمل إلا معني الخيانة ، وبدأ الطريق واضحا والأمور ليس لها احتمالات كثيرة ، ولما كنت قد اخترت مسبقا فإنني أدرك أنه الفراق .
لم سمع عنها شيئا ، ولا أريد ، كفانا طعنا في أرق وأرقي ما نملك، كان قلبي الذي ملأته الجروح يحتضن بكل قوته تلك الأزقة والبيوت القديمة .
أنت تعرفين يا أمي محبتي للشيخ ، لم أدرك يوم فاتحته بالزواج منها رده بأبعاده .. أري الآن عيناه الواسعتين القويتين وصمته المطبق
:ــ دقق أولا ، أوصيك بالتأني ، إنها واحدة ، في حياة واحدة ،
كان الرد قاسيا مؤلما كالجراحة شافيا من كل خطيئة لكنني لم أدرك كنهه إلا هذه الأيام .
كنت يا أمي في لحظات ضعفي أنتظرها ، ليتها تهلّ من الشباك ، لكنها لم تأت ..
بددت الأيام ذاكرتها وذكرياتها ، آه يا أمي من الأيام والليالي التالية للزيارة ، آفاق المستحيل تفتحُ غرفة التذكارات ، أراها تخطر نحوي في لهفتها ، منتظرة ميعادي بثوبها البنفسجي ، ما بين فرعي النيل كنت أراها كنفرتيتي تجلب الخير والحب والجمال ، قلت لها وقلت .. كانت بوابات القلب مفتوحة على مصراعيها لتدخل ،تكوّن جزءا غاليا من عالمي لكنها نزعت نفسها بالدم ، خرجت تاركة خلفها بقعة دامية ، كانت هذه البقعة قد بدأت في الإدماء يوم قابلت والدها ذلك الرجل ذو المنصب والجاه ، يوم أحببتها لم أكن أعرف ابنه من هذه، ولا كان يعنيني هذا لكن أفزعني فيها ضعفها ، كانت شروط الرجل قاسية تفتح بابا واحدا للفرار وتقفل كل الأبواب، كنت صريحا مع الرجل شارحا له ظروفي وآمالي في المستقبل، أفزع الرجل ونزلت بيننا حوائط الصلب ، لم يكن لدي ما أتنازل عنه فلم أتنازل ، تعود الرجل من الجمع التنازل ، التصقت بي ،عجبتُ، وفرحتْ بي ، قالت أبي معجب بك ومشفق على ظروفك .
و ……. لم تكمل ، لم أعطها الفرصة لتكمل ، ليتني تركتها تكمل لعل ذلك كان قد وفّر عليّ هذه السنوات من الارتباط بها ، عندما تكلم الشيخ معي بهذه الطريقة اتهمته بعدم الفهم ، وكررت في دخيلة نفسي فرق السن وصراع الأجيال وتناسيت في غمرة فرحي خبرة الرجل .
صدقيني يا أمي لست نادما عليها لكن كيف فاتني وأنا أخضع كل شيء للعقل وللاحتمال أن لا أضعها تحت الاحتمال والتحليل ؟؟
هل لأنها كانت (كما أرها) النسمة التي تظللني في هجير رحلتي .
هل لأنها كانت البهجة الكاسرة ، والفرحة المباغتة في أيام كسرت فينا الفرح ، وباعتنا للحزن ؟ كنت متأكدا من زمن قبل لقائها أن الفرح لا يسكنني ولم أكن متشائما ثغرات كثيرة لم أكن أراها وأنا لاصق عيني بالصورة ظهرت لما بعدتْ وبعدتُ ..
كانت الغلالات البيضاء تزداد خفوتا ويدخل المساء محللا كل شيء .
قطعوا النور عنا ، تقلب أحدنا ..
ــ عطشان .. أسناني تؤلمني ..
رد أحدنا ــ اصبر .. سيبدءون في التفاوض
ــ قد تنصركم غمضة عين صبرْ
دخل عنترة في ظلام الحبس أسأله كيف تنتصر على عدوك ؟
قال : نتبارز بالسيوف حتى تتكسر النصال ، ويطيح كل بسلاح الآخر نبدأ بالمصارعة يأخذ إصبعي تحت أسنانه وإصبعه تحت أسناني أكاد أصرخ لكني أقول لنفسي صبرا سيصرخ هو أولا، حتى إذا ما صرخ أفلت إصبعي من تحت أسنانه ، وأعض علي إصبعه بكل قوتي فأهزمه .
دفع الباب ، دخل ضابط الدور ..
ــ المأمور يريد واحدا منكم ليعرف طلباتكم
ــ ليس هنا واحد ــ كلنا ــ الطلبات عنده في عريضة مقدمة
ــ لا يستطيع أن يتفاهم معكم جميعا
ــ الطلبات عنده ، أو فليأت للحديث هنا
ذهب ولم يعد
فجأة أتي الضوء المقطوع ، بعدها بيوم استجابوا لكل مطالبنا كنا دخلنا يومنا السابع ،
فرحنا كثيرا ونحن نلبس الملابس الجديدة ونستحم ، الماء غريب عن جلودنا اكتشفنا أننا بعظام بارزة حديدية ، فرحنا ونحن نحلق ذقوننا ، نخلع ملابس السجن ، ويعودنا الطبيب ، نوبات من الإسهال والصداع وآلام الأسنان والتبول نقل ثلاثة منا إلى المستشفي .
كانت مرحلة قاسية عشرة شهور بسجن وسبعة أيام إضراب إن المدة لاشك طويلة وأطول منها ما يأتي لأنهم يريدون الاحتفاظ بنا وإلا لتركونا نهلك .
كانت الجرائد لا تحمل أخبارا تفهم ،لم تصل أخبار عن زملائنا في المستشفي فقط بعد رحيلهم بيومين ، أتي جنديان أخذوا كل حاجياتهم .
عدت من دورة المياه وجدت صديقي الباقي معي يلم حاجياته ، قلت له خيرا .
ــ ذاهب إلى المستشفي
قالها وهو يضع وجهه في الأرض ولا ينظر نحوي ، والجندي الذي على باب الزنزانة يبتسم ،والمسجونون العاديون يصرخون من خلف زنازينهم في الأدوار المقابلة ..
ــ إفراج يا سياسة ..
لم أكن أعرف أنه مفرج عنه ..
قلت له ــ سلم على الزملاء هناك
أحسست مدي اتساع الزنزانة ، وكان المساء يريد أن يدخل مبكرا ، جلست وحيدا لم أتناول الطعام ، حاولت الصعود إلى الفتحة الوحيدة في الزنزانة ولكنها كانت عالية ..
كنت أرقب النافذة بالليل ، نفس هذا الليل يلف قريتي الآن أبحث فيه عمن أحبهم .
على حين فجأة ارتفع نقيق الضفدع .


( 18 )
ضغط على الجرس كثيرا ، تخيل أنه ربما أقام عدة أبواب خلف باب الشقة ، ضغط مرة أخرى لاشك أنه أخطأ في العنوان ، كانت اللافتة النحاسية تعلن غير هذا ..
التعب والإرهاق يسيران ببطيء في عظامه أحس أنه غير قادر على الانتقال من مكانه، وتخيل المدى المميت لهبوط خمسة أدوار دفعة واحدة ،ضغط على الجرس مرة أخرى سمع عزف بيانو رقيق ، ولا أحد ، تنهد ، أراح الحقيبة التي ازدادت ثقلا،
أخذ نفسا طويلا ، سمع صوت احتكاك قدم بصدر الأرض . تخيل أنه آت من الشقة لكنه قدمه هو . رائحة العرق جعلته يتقزز من نفسه ، ملابسه المتسخة والوسيعة عليه بشكل ملحوظ حمام ساخن ــ حلاقة الذقن ــ غذاء جيد ــ أغسل ملابس ــ أجعلها بعد التعديل لائقة ــ نوم جيد وهادئ ــ العودة إلى القرية أو ربما أحد الأصدقاء يحضر زجاجتين من البيرة على الغذاء لا بأس علبه تبغ بكاملها أجاب عن كل هذه الأمنيات رنين الجرس ، وباب الشقة المقفل كل هذا وهو لا يريد أن يهبط . قال لا يهم أجرة الطريق فقط إلى القرية .
نظر إليه عم إبراهيم صانع العطور ولم يتعرف عليه
ــ السلام عليكم يا عم إبراهيم
ــ سلام ورحمة الله .. من .. أحمد ــ أهلا وسهلا
ــ كنت أسأل عن الدكتور
ــ في شهر العسل في أوربا .. عقبالك (تنهد الرجل)
ــ منذ مدة طويلة ؟
ــ حوالي شهر
ــ سوف أترك رسالة له معك ــ وأريد جنيهان ــ وسوف أكتب له أن يعطيهم لك أو ربما أعود بعد أسبوع (قاطعة الرجل)
ــ ليس لدي مانع من توصيل الرسالة (ثم نظر إلى الأرض) لكن ، لا تؤاخذني الدكتور لم يعد يعرف أحدا .
ــ أنا أحتاج للنقود للسفر إلى البلدة ، أوقع لك إيصالا
ــ لا تؤاخذني (نظر إلى الأرض ، فتح درجه ، خذ جنيه)
ــ لا ينفع
كانت السكين تغوص رويدا .. رويدا داخله ، حلقه يجف ، الدنيا تغيم من حوله انحني العم إبراهيم حتى لا تصطدم رأسه بالفترينة وغاب خلف الحاجز الخشبي .
سار دون أن ينتظر خروج العم إبراهيم ، ضاق الشارع كثيرا ، زاد ثقل الحقيبة كاد يغمي عليه هو في حاجة إلى هواء نقي .
ــ أستاذ أحمد .. أستاذ أحمد ..
استدار .. كان العم إبراهيم يجري خلفه ، توقف ذوي عينيه نظر إلى الرجل احتضنه العم إبراهيم ومد يده في جيب بنطلونه ووضع لفافة من الورق في جيب قميص أحمد وبكي وهو مازال في حضنه .
ــ لا تغضب مني ، الدنيا مازالت بخير ..
ود لو يبكي معه ، لكنه جف دمعه في الليالي البيضاء ، كانت الشعيرات البيضاء قد احتلت رأس الرجل ، ترهل الرجل ، ترهل ، سلم عليه واستدار .
أين أيامك يا عم إبراهيم ..!!
كان الليل يفتح بابه عند الانتصاف فتراص حلقة غير مكتملة أمام الدكان في الحلقة سيقان الأزهار المقطوفة قاماتنا ، الدكتور أعلانا صوتا ، أنا أكثرهم استماعا، باقات ورد في صدر الليل تخرج ضحكاتنا ، تزيح من الليل جزءا سميكا تنتظم الحلقة في نهايتها حول الطعام وزجاجات البيرة ، نجمع النقود من الجميع إلا العم إبراهيم .
أزّ بجواره صوت سيارة ، انطلق السائق يلعن أبناء وأباء المواشي الذين يفطرون فولا ويسيرون كالمغمي عليهم ، أدار وجهه للسيارة كانت تمرق بالرقم الجمركي في ساحة المسجد الكبير ، وقف على الرصيف المقابل نظر طويلا إلى مآذن المسجد والنقوش التي عليه ، قرأ (ادخلوها بسلام آمنين) ، ولكنه قرأها (ادخلوها بالسلام آمنين) اغرورقت عيناه بالدموع ولكن فجأة انتابته نوبة من الضحك المر (دخلنا خائفين بالحديد والسياط تعلوها مآذن كثيرة وقباب كبيرة وفي أسفلها كان القتل ولم تكن قلعة لكنه الموت) نظر بعيدا من بين بنايتين كانت مآذنها واقفة كأسياخ الحديد المحمي وقبابها لامعة كبيرة كبطون الحوامل ، وقد ظهر باقي جبل المقطم كظهر جمل برك نهائيا في خشوع .
لف حول السياج الحديدي ، الجنود الفلاحون في ملابسهم السوداء بعصافيرهم على جانبي الوجه ، يقفون ثلاثة ، ثلاثة ، في نهاية الميدان عربة كبيرة خضراء اللون زيتية لتحميل الجنود واقفة .. والسائق يدخن سيجارته .
إن هذا اللون الزيتي رآه منذ عشر سنين على الضفة الأخرى كان يرقب ظهوره، بيديه بندقية تلسكوبية ، فوق الأشجار اتخذ مسكنا مختفيا يقتنصه إن ظهر، لم ينتظر المكافأة ، لكنه كان يحس بالراحة وبأن الخطوات قد اقتربت أكثر كلما صرع واحدا منهم . ثم رآهم منذ خمسة أعوام يسيرون في الدقى وفي شوارع القاهرة ، أفزع تماما حاول أن يقول شيئا لكن نام فوقه ليل ثقيل وسياط من لهب وبحار من دم ، تفجر جلده ، وحُرم السير في شوارع مدينته التي يحبها ..
ركب الترام الأزرق إلى باب الحديد ، جلس وحيدا ، أخرج لفة النقود التي دسها له العم إبراهيم فتحها ، جنيهان ، وخمسة وعشرون قرشا ، ثلاثة ورقات فئة العشرة قروش ، قطعة فضية بخمسة قروش ، رتب النقود وضعها في جيبه تاركا الخمسة قروش الفضية في يده ( يبدو أن هذا كله حصيلة يومك يا عم إبراهيم )
أعطي قاطع التذاكر النقود ، أعطاه ورقة من فئة القرشين ولم يعطه الباقي .
(قال سهوا) :
صعدت من إحدى المحطات نسوة يلبسن السواد تلك الملابس البلدية التي تضج برائحة العيال ، جلسن على المقعد الطولي المواجه ، فهم من حديثهن ومن الأجولة والأكياس التي معهن أنهن في طريقهن إلى الجمعية ..
صعدت فتاة في السابعة عشرة صارخة المكياج تظهر بوضوح ملابسها الداخلية الضيقة جدا من تحت ثوبها الشفاف وكان يشير لها بغل سمين في سيارته المرسيدس مودعا وردت عليه الإشارة .
كان في عمر أبيها .
وصل الترام إلى محطة باب الحديد ، اتجه إلى محطة القطار كانت أفواج من البشر يسيرون في أشكال دائرية تتقاطع معها عاليا بأشكال دائرية أيضا حركة السيارات ثم يهبط عليك في أسفل السلم طوفان من البشر تلقي بهم كباري المشاة .
نظر إلى كباري المشاة وجد أنها تحيط تماما بتمثال رمسيس ظن أنها للإحاطة برمسيس خوفا من فراره ، نظر إلى رمسيس ليسأله وجده محاطا بألواح من الخشب ولم يبق منه ظاهرا إلا أعلي تاجه ناداه .
( أيها المحارب المنتصر حتى أقصى الشرق لماذا دخلت التابوت )
دفعه طوفان البطون الجائعة إلى كل اتجاه ، سأل عن القطار المتجه إلى الزقازيق ، علم أنه يتحرك بعد خمسة دقائق .
كانت تقف في صفوف متراصة متوازية ، تحت القبة الهائلة الملونة بالزجاج الملون والنقش الإسلامي البديع ، وصوت مكبرات الصوت الأنثوية تعلن عن القطار المتجه إلي الإسكندرية .
أشار له رجل في زي المصلحة عن قطار يدور محركه محدثا أزيزا عاليا ، مرق من خلال الباب الحديدي إلي الرصيف أحس أن العالم مشغول بغيره ، كل يغوص في همه ، الناس يتحركون آليا ، سار على الرصيف يستعرض القطار فهي عادته القديمة ويبحث له عن مكان خال ..
ــ أحمد .. أحمد ..
توجه ناحية النداء ، كان أحد أصدقائه جالسا يطل من نافذة القطار ،
ــ حمدا لله على سلامتكم .. متى عدت ؟
ــ …….. من أين ؟!
ــ من الخارج ..ألم تكن مسافرا ؟
ــ نعم …….
( كنت مسافرا إلى الداخل )
تركه ومضي ، دخل إلى الدرجة الثالثة المزدحمة يبحث عن مكان وجد ما بين بابين وسط القفف والمقاطف مكانا لقدمه ، نظر إلى ارفف القطار وجد اللون الزيتي يحتل الجنود والأرفف ..
أوسع له مكانا على الأرض جلس وأسند ظهره إلى ظهر مقعد بعد أن أقفل الباب الذي ليس علي الرصيف وأزاح القفف خلفه ، اشتري من بائع السجائر ستة سجائر وعلبة ثقاب ، ازدحم المكان ببائعي العرق سوس والسفن أب ، والبيبسى و يس ، والأمشاط ، أشعل واحدة ووضع العلبة في الحقيبة بين ساقيه ألصق بطرف لسانه أماكن الخلل من جسم السيجارة ، والفلتر ، سحب نفسا عميقا . تحرك القطار في الثانية وعشر دقائق ، ازدحمت طرقة القطار بالواقفين وأحاديثهم رأي ساقين عاريتين ممتلئتين أمامه ، نظر إليهما مليا ، وتحركت الشهوة فيه صعد ببصر بطيئا إلى أعلى ، زادت شهوته ، جاء طرف الثوب بخط مائل ليقطع نصف الفخذ الأمامي وتداخل الفخذان يواريان بعضهما وتوارت الرجل اليسرى بنصفها خلف اليمني ، تمني لو انحني ورأي قليلا ، كانت اهتزازات القطار ترجرج الفخذين بشكل سافر ، المقعدة ممتلئة والوسط يلفه معانقا حزام ، أعلاه كتب وحقيبة .. حاول أن يصعد ببصره إلى أعلى ، نار ما بين السبابة والوسطي ، ألقي بعقب السيجارة التي لسعته ، ثم داسه تحت نعله ، أسند رأسه إلى الخلف ، كانت هالة الشعر الفاحم حول البدر بمساحيقه وغمازتين على الجبين وبصمة حسن على وسط الذقن كتوقيع فنان ماهر وشهادة ميلاد الجمال .
كانت تنظر إليه ، وقع في بؤبؤ عينيها ، ابتسمت ، حاول أن يتحاشى نظراتها ركز نفسه في نفسه حاول أن ينام على اهتزازات القطار لكنه كان غير متأكد أنهم لن يأخذوه ..
( ربما لو نام قليلا لصحي على سياط تلهب ظهره وأسئلة متلاحقة لا يعرف شيئا عنها ، كان يصرخ بأنه لا يعرف ، أخيرا قالها في استسلام مهين كجندي فرغت ذخيرته وأحاط به العدو من كل جانب ، ماذا تريدون حاول أن ينصب لهم فخا ، اكتبوا ما تريدون وسوف أوقع عليه ، لكنهم أصروا على أن يقول ، ولم يقل .
أجلسوه على كرسي معدني وبينما هم يحققون معه ، أنذروه بأنهم سيجلسونه على الكرسي الكهربائي إذا لم يقل ، كان يدرك أن الإنسانية مازالت بخير ، وأن هذا لن يحدث ، وإلا لماذا لا يقتلونه بدلا من الإبقاء عليه حيا ، اشتعلت النار وفتحت سعيرها من كل جانب في آن واحد على كل جسده ، لم يحس إلا وهو طائر فوق رؤوس مستجوبيه ، اصطدم بالحائط .
في اليوم الثالث أفاق كان كل جسمه يدمي ، أحس أنه مريض بالحساسية ، كان يود أن يهرش بشكل لا آدمي في كل جسمه حتى الإدماء خاصة الرقبة وما بين فخذيه ، ما هذى الملايين من القارصات التي تسعي تحت جلده ، أخذ يحك ، كل أجزاء جلده حتى الإدماء .
في اليوم الرابع أحضروه قدموا له كوب لبن وبسكويت وكوب ماء وعلبة تبغ وكوب شاي وعلبة ثقاب على صينية واحدة ، كان قد عزم على عدم تناول الطعام حتى الموت لينهي عذابه ، من يوصل صوته إلى أصدقائه ؟، ألف سد وسد ، ألف حائط من الرصاص وبينهما آلات تعذيب وعيون وآذان ، وخوف السقوط .
قالوا .. يعرفون أنه لا علاقة له بأي شيء ، لكن أسماء أصدقائك وما طبيعة العلاقة بينكما . كانت عيونه وكل خلايا جسمه تشرب الشاي والماء واللبن والسجائر والبسكويت لم يستطع مقاومة الحياة كاد أن يمد يده ..
أعادوا عليه السؤال قال لا أعرف ، أصدقائي كثيرون أنا لا أقفل بابي في وجه من يطرقه ، توالت الصفعات عليه ، سحبوا من أمامه صينية الطعام ، علقوه من تحت إبطيه على الباب ، كانت الدنيا تغيم والألم يسري في عضده والنار تلتهب تحت إبطيه وجسمه يستطيل إلى أسفل عظامه توجعه ، حاول أن يتكلم ، كانت غلاله من العدم تغلف العالم ، أحس أن له جناحين كبيرين ، وأنه يطير بعيدا . يحتضن الحقول والقرى ، قريته تستقبله آلاف الأطفال ينتظرون حكاياته ، آلاف الأسئلة على كل فم تنتظر إجابة .. ابتسم ) .
فتح عينيه ، حركة حوله،كانت حدة الزحام قد خفت حوله . حاول البحث عن الفتاة الجميلة لم يجدها .. اعتقد أنها كانت حلما .
ــ أستاذ .. مكان خال ..
اتجه إلى حيث أشار الرجل،كان المكان خاليا وأمامه رجل بشارب قصير وشاب يحمل كتبا، تحرك القطار من المحطة التي وقف فيها ..
ــ تذاكر … تذاكر …
الزقازيق
ــ مد يده بخمسة وعشرون قرشا .
ــ باقي خمسة قروش
أعطاه عشرة قروش فأعطاه قاطع التذاكر ورقة غرامة وتذكرة بثلاثين قرشا ولم يعطه الباقي ..
( هي عادة إذن )
توقف القطار في محطة الزقازيق ..
مدخنة المصنع ــ فندق عرابي ــ أعلى بيوت الحسينية ــ مبني الأحزاب ــ كازينو الزهراء ــ مئذنة مسجد رضوان )
دخل في الممر وخرج إلى الميدان . كان أحمد عرابي مازال راكبا حصانه شاهرا سيفه يتجمع حوله جيش من ماسحي الأحذية ومنتظري ركوب سيارات المدينة الداخلية والمتسولين . أشعل سيجارة وأحس بحاجته إلى الطعام .. وسار في طريقه إلى الكوبري الجديد ، ضاربا بحذائه وجه الإسفلت مجتازا حلقة السمك ( لم يبق أحد في الحلقة إلا رائحة السمك ، وسمكة مسحوقة في عرض الطريق ) ..
بدأت الأضواء في الظهور لتبدد ظلمة المساء القادمة من أعلى البيوت وعمق الشوارع .
ركب تاكسي جماعيا إلى قريتهم حيث يمر عليها التاكسي ..
أعطي السائق جنيها فأعطاه خمسة وستون قرشا تعجب كيف ارتفعت أجرة الركوب إلى هذا الحد ، نبه السائق أنه سوف ينزل عند نقطة المرور كانت الأشجار تولي هاربة في جحيم المساء ولاحظ انتشار مساحات جنونية متراصة في عمق المساء معلقة فوق الحقول . خمن ربما شبابيك مساكن عمال السكة الحديد ( عمال الدريسة ) لكنه وجدها متكررة بشكل ملحوظ ، وقفت السيارة أمام نقطة المرور نزل من السيارة ومعه حقيبته علقها على كتفه وسار . هذا صهريج المياه ، لكن ما هذه البنايات التي ارتفعت في عنان السماء عن اليمين وعن اليسار ؟. كانت لافتات كبيرة تعترض الاتساع .
كانت البنايات تعلن في وقاحة عن اغتيال قطع كثيرة من الأرض الزراعية ، وعلى ضوء لمبات الكهرباء القليلة على الطريق لاحظ أن الحقول مجزوزة الشعر والعجز محلولة الإزار والبنايات ترشق أعمدتها الخرسانية في ضمير الحقول ، حاول أن يفهم ولكنه لاحظ أن أحدا من القرية لم يستقبله لا رجالها ، ولا شبابها ، ولا كلابها .
( أعود إلى بيت الأسرة ، أغسل ملابسي ، استحم ، أحلق شعري وذقني ، آكل أنام ، أدخن ، أنا لم آخذ شيئا من ميراث العائلة تركته لأخي كنت أقرأ في المستقبل وقد جاء اليوم ، أخي الآن هناك مع زوجته وسوف يستقبلني جيدا بعد كل هذه الشهور كان بودي أن أعود إليه نظيفا لكن شقتي بالقاهرة أخذها زملائي أو قل رفاقي وتزوج أحدهم فيها ، أي لا مكان لي إلا هنا ) ..
كانت بقايا الحقول والقنوات مستسلمة راضخة لشيء مجهول مضطجعة بخدر كالفأر لحظة افتراس القط له .
كانت لافتات تعلن عن وجوده خلف الكوبري مباشرة ، اجتاز الكوبري ، كانت شرفات مضاءة على حبال الغسيل ملابس ملونة وتساءل من يسكن هناك ؟
سمع في مبني من هذه المباني الغريبة صوت موسيقي ينشر أجنحته يحتل المكان، نظر ناحيته شاهد على الزجاج أشباحا ترقص وأخرى بيدها الكؤوس كأنها مطبوعة على زجاج الشباك المقفل الزجاج ، واجهته القبور في وسط القرية ، كانت منذ مدة وجيزة في أول القرية ، لكن تجاوزتها البنايات غير الشرعية ، لاحظ أن أشجار (دقن الباشا) الثلاثة قد قطعت ولم يبق إلا الجميزة العتيقة ومقام سيدي أبو خليل العسكري وعلى الطرف الغربي مقام سيدي إبراهيم البرهتى ، وفي الناحية الشرقية ، حجرة مقام الشيخ طلبه ، تعرف على منزلهم ــ منزل أخيه ــ بصعوبة دق الباب ،أشجار الحديقة تغط في نوم آسن ، لا ضوء في البيت ، مازال الليل في أوله وتعلم أن يخمن ساعات الليل حوالي الثامنة أو السابعة والنصف .
ــ الأستاذ سافر ، زوجته تقيم عند أهلها
ــ سافر إلى أين يا عم السيد ؟
ــ بره بلاد بره .. من أنت ؟
ــ أحمد
ــ أحمد ؟! كيف حالك ــ حمدا لله علي سلامتك ، متى خرجت ؟
ثم تركه بعد برهة وسار في طريقه دون أن يكمل حديثه ..
قال ليس أمامي إلا شقيقتي فهي متزوجة في البلدة ، أنام حتى الصباح ربما أجد المفتاح عندها .
دار حول المنزل بالليل ، جوعه وشوقه للإنسان .. أي إنسان أن يحادثه ، أن يستريح جعله يدق الباب .
جاءه الصوت حادا بعيدا قادما من أعماق بئر .
ــ من ؟
ــ أنا أحمد يا زينب ..
ــ من ؟
ــ أنا أحمد
ــ اذهب الله يسهلها لك لا تخرب بيتي ، أقسم زوجي بالطلاق إذا دخلت البيت ، ما ذنبه أن يذهب إلى المركز ، ويبيت ثلاثة أيام يضرب فيها حتى يعود وقد ضاقت عليه ملابسه ورما ..
وجد نفسه يبتعد كثيرا ويلف في شوارع القرية ثم إلى شارع داير الناحية
( تعذب الناس بسببي )
اعتصره الألم .
( وليس أمامي إلا هو صديق العمر والطفولة والشاب )
دق الباب جاءه الصوت خشنا دافئا
ــ من ؟
ــ أنا أحمد يا عصمت
ــ أحمد من ؟
كان سؤال تلكؤ ، همس يدور في الداخل يصل القليل منه .
:ــ أولادك ــ حرام عليك ــ والله لن أدخل بيتك مرة أخري
كأن صوت زوجته يحذره ويهدده ..
أحس أنه طاعون أو جدري ، مرفوض ممن ذهب بعيدا من أجلهم ، ومن أجل ما يعتقد أنه الصحيح .
أطفأت الأنوار في المنزل ، بكي طفل ، سار بعيدا بحث عن البيوت القديمة المتماسكة وجدها قد حلت نفسها وأضغمت في بنايات جديدة ..
( لا يريد أن يعرفني أحد .. ولكني أحبهم )
سار في طريقه خارج القرية ، على البعد أضواء نقطة المرور ومصابيح متفرقة في الطريق لاحظ أنه لم يستمع إلي نقيق الضفدع وعلى حين غرة سمع نقا ضعيفا ، اجتاز القناة في قفزة واحدة ، بحث في وسط بقايا الحقول عن قناة ، وجد العينين الجاحظتين تنظران إليه فرح كثيرا علق حقيبته في كتفه الأيسر وضع يده بعد أن كورها في داخل جيبه والأخرى في الجيب الآخر ، أفسح مكانا لقديمه بين نباتات الحقول ، ثبت نفسه جيدا ، أخذ نفسا عميقا ، ثم انطلق ينق مع الضفدع الصغير تصبب العرق منه ، مسحه في كمه ، سكت ليأخذ نفسا عميقا ، سمع نقيقا كثيرا حوله وكثرت العيون الجاحظة في القناة ، استمر في النقيق عاليا رافعا رأسه لأعلى ، رافعا رأسه لأعلى راقبا نجما وحيدا يلمع في البعيد .
صلاح والي



1983
صدر للمؤلف
ـــــــــــــــــــــــ
1ـــ نقيق الضفدع 1988
2ــ ليلة عاشوراء ــ دار الهلال 1992
3ـــ عائشة الخياطة مختارات فصول ـ ط أولي1996
ط ثانية مكتبة الأسرة 2001
4ــ كائنات هشة لليل ــ هيئة قصور الثقافة 200
5ــ الرعية ــ اتحاد الكتاب 2002
6ـ فتنة الأسرـــ ميريت 2003

صلاح والي
08/04/2007, 03:31 PM
ارجوتحويلها الي النشر الالكتروني ةرفعها من المشاهدةالمحانية

طارق شفيق حقي
12/04/2007, 05:17 PM
ارجوتحويلها الي النشر الالكتروني ةرفعها من المشاهدةالمحانية


سيتم ذلك وعذراً عن التأخر

صلاح والي
18/04/2007, 04:50 PM
سيتم ذلك وعذراً عن التأخر

اشكركم على الاهتمام صلاح والي

د. حسين علي محمد
25/04/2007, 08:29 AM
شكراً لنشر هذه الرواية الجميلة، للصديق الروائي / الشاعر صلاح والي.

طارق شفيق حقي
25/04/2007, 09:11 PM
شكراً لنشر هذه الرواية الجميلة، للصديق الروائي / الشاعر صلاح والي.



أكرر العذر لكلا العزيزين

وذلك بسبب السفر

قريباً جداً

طارق شفيق حقي
28/04/2007, 06:17 PM
نقيق الضفدع (http://up.9q9q.net/up/index.php?f=A95Y0xYxu)

رواية
(http://up.9q9q.net/up/index.php?f=A95Y0xYxu)صلاح والي (http://up.9q9q.net/up/index.php?f=A95Y0xYxu)

حملها الآن (http://up.9q9q.net/up/index.php?f=A95Y0xYxu)

صلاح والي
02/05/2007, 11:28 AM
الي كل القراء
أنا لست بدعا من الناس حتى تخافون من التعليق على أعمالي ، فقط نتحاور ويسمع بعضنا بعضا صلاح والي

طارق شفيق حقي
02/05/2007, 06:45 PM
الي كل القراء
أنا لست بدعا من الناس حتى تخافون من التعليق على أعمالي ، فقط نتحاور ويسمع بعضنا بعضا صلاح والي


سلام الله عليك

أعتقد ان الموضوع في المنتديات يختلف عن النشر في الصحف والمجلات الورقية
فالردود تاتي اكثر ما تأتي بعد الاحتاك والتفاعل مع الكاتب

وظاهرة ترك عمل والبحث عن ردود اعتقد بحكم مراقبتي لم تجد ردوداً

بكل الأحوال لدينا كما ترى في قسم القصة , اختيارات شهرية لأفضل كاتب خلال شهر
والأستاذ خليد خريبش يقدم نقداً لكل القصص
حياك الله

صلاح والي
02/05/2007, 11:29 PM
رواية نقيق الضفدع هي الرواية الأشهر لصلاح والى وليست لطارق شفيق كما نري في شريط اعلان دار المربد للنشر فلذلك لزم التصحيح صلاح والي

طارق شفيق حقي
03/05/2007, 12:01 AM
رواية نقيق الضفدع هي الرواية الأشهر لصلاح والى وليست لطارق شفيق كما نري في شريط اعلان دار المربد للنشر فلذلك لزم التصحيح صلاح والي


أخي الكريم ما حسبته سرقة لعملك هو أمر طبيعي

يظهرفي شريط الاعلان اسم الموضوع ثم اسم أخر من رد على الموضوع

يعني لو كتب الجاحظ رداً سترى
رواية نقيق الضفدع الكاتب الجاحظ

لا يعني أن الجاحظ هو صاحب الرواية , لكن الذي رد أخر رد على موضوع الرواية

أرجو أن يكون الموضوع قد اتضح ,
كي تتاكد راجع المواضيع التي في الشريط أعلاه

ثم شخصياً لا أحب فن الرواية حتى

تحياتي لك

عبدالوهاب موسى
13/01/2008, 11:31 PM
أعانق
ثم أصافح
حرفك المعطار
كى تتعطريمناى
التى تنمنم إبداعى فيتعطر.
دام ابداعك
لك ودى.

ملكة
11/05/2008, 09:46 AM
شكراً لنشر هذه الرواية الجميلة،