ابو خليل
24/03/2007, 04:33 PM
بقلم : محمد كريشـان
احتفالات الجزائر بالذكري الخمسين لانطلاق ثورتها المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي كانت يمكن أن تكون أروع لو أنها شهدت مصالحة بين الجزائر والمغرب تنهي عقودا من الشك المتبادل والخلافات المستفحلة التي لم تزدها السنوات إلا استعصاء. وعوض هذه المصالحة المأمولة رأينا وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسي يزور القاهرة طالبا وساطتها بين الرباط والجزائر مما يعني عمليا نفض اليد بالكامل من إمكانية إيجاد قناة اتصال مباشرة بين البلدين الجارين ومزيدا من التهميش لاتحاد دول المغرب العربي الذي يضم إلي جانب البلدين المتخاصمين كلا من تونس وموريتانيا وليبيا والذي تحتضن العاصمة المغربية مقر أمانته العامة.
لا ندري بالضبط ما الذي يمكن أن يجعل وساطة مصرية أكثر نجاعة من وساطة تونسية مثلا علي اطلاع أفضل بالخلفيات التاريخية وكل التفاصيل أو ما الذي يمكن أن تبتكره الدبلوماسية المصرية من حلول خلاقة أكثر مما سعت إليه الأمم المتحدة طوال سنوات عبر مبعوثين كثر وقرارات أكثر لم تجد أيا منها طريقه للتطبيق جراء عقدة أساسية: المغرب يري أن مشكل الصحراء هو تحديدا مشكل ثنائي بينها وبين الجزائر بينما تنكر هذه الأخيرة ذلك ولا تري الأمر إلا من زاوية ما تقول إنه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير كآخر حلقة من مسلسل تصفية الاستعمار في القارة السمراء.
عديدة هي المحطات التي ظن فيها كثير من المراقبين أننا علي قاب قوسين أو أدني من تسوية نهائية أخوية لهذه المعضلة القائمة منذ 1975 سواء بعد اجتماعات قمة مفاجئة بين الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد والملك الراحل الحسن الثاني أو عند قيام اتحاد المغرب العربي بداية 1989 أو إبان وصول الرئيس المغدور محمد بوضياف إلي الحكم بداية التسعينات أو حتي عندما حضر الرئيس بوتفليقة جنازة الحسن الثاني وما تبع ذلك من مؤشرات انفراج في العلاقة بين العاصمتين ولكن أجواء التفاؤل سرعان ما تتبدد في كل مرة تاركة المجال من جديد للمماحكات والحملات الصحافية وعودة كل طرف للتمترس من جديد وراء كلام قيل ألف مرة.. وحتي مبادرات حسن النية المحدودة مثل إلغاء المغرب تأشيرة دخول الجزائريين إليها لم تنظر إليها الجزائر إلا بسوء نية. ومع ما كان لدول أجنبية مؤثرة وذات علاقات وثيقة مع كل من الجزائر والمغرب من مساع واتصالات عديدة مثل فرنسا وإسبانيا فإن أي حلحلة ولو محدودة ظلت مستعصية باستمرار.
قضية الصحراء الغربية من آخر مخلفات الحرب الباردة في إفريقيا حين كان ينظر للجزائر علي أنها من المعسكر الموالي للإتحاد السوفييتي وكذلك جبهة البوليساريو في مواجهة المغرب الموالي تقليديا للولايات المتحدة، ومع ذلك لم يستطع أي من الفرقاء حتي بعد أن انهارت كل هذه التصنيفات أن ينزع عقلية سنوات الحرب الباردة للإنكباب علي البحث عن حل مبتكر يستطيع أن يطمئن الجميع بأن لا أحد يمكن أن يخرج مظفرا بالكامل من أي تسوية كما لن يسمح في المقابل أن يخرج أي منهم يجر أذيال الخيبة. هنا تحديدا عجز الجميع بشكل أو بآخر عن إيجاد مثل هذه المعادلة محل الإجماع.. وحتي حين اعتقد مبعوث الأمم المتحدة وزير الخارجية السابق جيمس بيكر أنه وجدها فإنه وجد معها من وضع له العصي في الدواليب.
لا أحد يدري إلي متي يمكن أن تتحمل الأمم المتحدة تعنت الأطراف المعنية بنزاع الصحراء الغربية وإلي متي يمكن أن تستمر في تجديد عمل بعثتها في هذه المنطقة كل ستة أشهر مع غياب أي بادرة أمل في انصياع هذه الأطراف لما توصلت إليه هيئاتها من قرارات، كما أنه من غير المعروف تماما المدي الذي يمكن أن تصله مساعي مدريد أو باريس أو أوراق الضغط التي يمكن أن تكون لهما في هذا السياق، لكن الأكيد أن لا حل يمكن أن يخرج أفضل مما يمكن أن تصل إليه الرباط والجزائر حين يقررا بإرادة صادقة ضرورة التوصل أخيرا لحل مشرف لهذه المعضلة دونما إهمال لجبهة البوليساريو ولكن أيضا دونما تجاهل لمدي التأثير الجزائري في هذه الجبهة وتوجهاتها.
وكلما استمر التسويف علي هذا الصعيد وتحرك آخرون بأجنداتهم الخاصة ازددنا بعدا عن أي تسوية مهما كانت مما سيزيد ختما من تكلس القضية ومعه تزداد علاقات الجارين سوءا وحلم المغرب العربي الواحد ـ حتي كفضاء اقتصادي ضروري في التعامل مع أوروبا الموحدة ـ ابتعادا علي ابتعاده الحالي.
http://alarabnews.com/alshaab/2004/05-11-2004/5.htm
احتفالات الجزائر بالذكري الخمسين لانطلاق ثورتها المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي كانت يمكن أن تكون أروع لو أنها شهدت مصالحة بين الجزائر والمغرب تنهي عقودا من الشك المتبادل والخلافات المستفحلة التي لم تزدها السنوات إلا استعصاء. وعوض هذه المصالحة المأمولة رأينا وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسي يزور القاهرة طالبا وساطتها بين الرباط والجزائر مما يعني عمليا نفض اليد بالكامل من إمكانية إيجاد قناة اتصال مباشرة بين البلدين الجارين ومزيدا من التهميش لاتحاد دول المغرب العربي الذي يضم إلي جانب البلدين المتخاصمين كلا من تونس وموريتانيا وليبيا والذي تحتضن العاصمة المغربية مقر أمانته العامة.
لا ندري بالضبط ما الذي يمكن أن يجعل وساطة مصرية أكثر نجاعة من وساطة تونسية مثلا علي اطلاع أفضل بالخلفيات التاريخية وكل التفاصيل أو ما الذي يمكن أن تبتكره الدبلوماسية المصرية من حلول خلاقة أكثر مما سعت إليه الأمم المتحدة طوال سنوات عبر مبعوثين كثر وقرارات أكثر لم تجد أيا منها طريقه للتطبيق جراء عقدة أساسية: المغرب يري أن مشكل الصحراء هو تحديدا مشكل ثنائي بينها وبين الجزائر بينما تنكر هذه الأخيرة ذلك ولا تري الأمر إلا من زاوية ما تقول إنه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير كآخر حلقة من مسلسل تصفية الاستعمار في القارة السمراء.
عديدة هي المحطات التي ظن فيها كثير من المراقبين أننا علي قاب قوسين أو أدني من تسوية نهائية أخوية لهذه المعضلة القائمة منذ 1975 سواء بعد اجتماعات قمة مفاجئة بين الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد والملك الراحل الحسن الثاني أو عند قيام اتحاد المغرب العربي بداية 1989 أو إبان وصول الرئيس المغدور محمد بوضياف إلي الحكم بداية التسعينات أو حتي عندما حضر الرئيس بوتفليقة جنازة الحسن الثاني وما تبع ذلك من مؤشرات انفراج في العلاقة بين العاصمتين ولكن أجواء التفاؤل سرعان ما تتبدد في كل مرة تاركة المجال من جديد للمماحكات والحملات الصحافية وعودة كل طرف للتمترس من جديد وراء كلام قيل ألف مرة.. وحتي مبادرات حسن النية المحدودة مثل إلغاء المغرب تأشيرة دخول الجزائريين إليها لم تنظر إليها الجزائر إلا بسوء نية. ومع ما كان لدول أجنبية مؤثرة وذات علاقات وثيقة مع كل من الجزائر والمغرب من مساع واتصالات عديدة مثل فرنسا وإسبانيا فإن أي حلحلة ولو محدودة ظلت مستعصية باستمرار.
قضية الصحراء الغربية من آخر مخلفات الحرب الباردة في إفريقيا حين كان ينظر للجزائر علي أنها من المعسكر الموالي للإتحاد السوفييتي وكذلك جبهة البوليساريو في مواجهة المغرب الموالي تقليديا للولايات المتحدة، ومع ذلك لم يستطع أي من الفرقاء حتي بعد أن انهارت كل هذه التصنيفات أن ينزع عقلية سنوات الحرب الباردة للإنكباب علي البحث عن حل مبتكر يستطيع أن يطمئن الجميع بأن لا أحد يمكن أن يخرج مظفرا بالكامل من أي تسوية كما لن يسمح في المقابل أن يخرج أي منهم يجر أذيال الخيبة. هنا تحديدا عجز الجميع بشكل أو بآخر عن إيجاد مثل هذه المعادلة محل الإجماع.. وحتي حين اعتقد مبعوث الأمم المتحدة وزير الخارجية السابق جيمس بيكر أنه وجدها فإنه وجد معها من وضع له العصي في الدواليب.
لا أحد يدري إلي متي يمكن أن تتحمل الأمم المتحدة تعنت الأطراف المعنية بنزاع الصحراء الغربية وإلي متي يمكن أن تستمر في تجديد عمل بعثتها في هذه المنطقة كل ستة أشهر مع غياب أي بادرة أمل في انصياع هذه الأطراف لما توصلت إليه هيئاتها من قرارات، كما أنه من غير المعروف تماما المدي الذي يمكن أن تصله مساعي مدريد أو باريس أو أوراق الضغط التي يمكن أن تكون لهما في هذا السياق، لكن الأكيد أن لا حل يمكن أن يخرج أفضل مما يمكن أن تصل إليه الرباط والجزائر حين يقررا بإرادة صادقة ضرورة التوصل أخيرا لحل مشرف لهذه المعضلة دونما إهمال لجبهة البوليساريو ولكن أيضا دونما تجاهل لمدي التأثير الجزائري في هذه الجبهة وتوجهاتها.
وكلما استمر التسويف علي هذا الصعيد وتحرك آخرون بأجنداتهم الخاصة ازددنا بعدا عن أي تسوية مهما كانت مما سيزيد ختما من تكلس القضية ومعه تزداد علاقات الجارين سوءا وحلم المغرب العربي الواحد ـ حتي كفضاء اقتصادي ضروري في التعامل مع أوروبا الموحدة ـ ابتعادا علي ابتعاده الحالي.
http://alarabnews.com/alshaab/2004/05-11-2004/5.htm