المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مآجيج الألم



طارق شفيق حقي
09/03/2007, 11:57 PM
مآجيج الألم


أحسست أن العمر قصير وأن الحب أطول من عمري... حينها تمنيت لو أحسست بكل العاشقين..كانت مسحة منه لشعري تجعلني اعترف لدفاتري...ربما أخشى أسراري...أسرار الحب , والحب سر كبير يفقد سحره حين يباح, سأحكي لكم قصة حب واحدة


في الثلاثين من شهر تشرين , شارع كريم آغا
أخر بناية لو دخلتها تجد لصاقات على الجدران ما أكثر الشعارات في الشوارع الفقيرة , وستجد درجاً يأخذك للأعلى ودرجاً يأخذك للأسفل

في الأسفل ستجد حتى الدرجات مكسورة وإذا دخلت معي المنزل في القبو , لن تجد إنارة في الخارج.
إذا فتحت باب الغرفة الداخلية لا تكترث لقبضتها المكسورة :كان الأب يدخن وهو يشرب الشاي المسخن أكثر من مرة , الأم توشك أن تنهي خياطة سترة الابن الصغير: يا عمري كان البرد يقتلك طيلة هذه الفترة ,البرد نخر عظام جسدك ,فداك جسدي , كانت السماء في الخارج توحي بالمطر وتراني انظر من النافذة أحملق في الغيم المتجمع وانظر في الأم تقرب السترة وتقطع بأسنانها الخيوط الهاربة من هذه السترة,قلبت السترة بين يديها نفضتها وقالت فرحةً: مسعود تعال وقس سترتك, كان الولد قريباً متسمراً يقرض أظافره ينتظر السترة , يقول في ذاته ستكون أجمل سترة في الصف وأجمل من سترة ابن المدير,قفز قاطعاً أحلامه يلبس سترته الجديدة والأم تدعو للأب :

الله يرزقك يا أبا مسعود , الله يقلب التراب بيدك ذهباً..الله..... كان الأب يفكر غارقاً بطريقة لجلب النقود ويسكت هذه البطون الجوعى .... وهسيس الفكرة لا زال يجول بقلبه , اليوم كان قاسياً عليه ولقمة العيش مغموسة بالذل , ذهب لورشة الحمالين,صاحب الورشة يأخذ ثلاثة أرباع عرقهم: أيها اللص تسرق تعبنا ,نظر في الوجوه من حوله كانت تقول مقاله لصاحب الورشة ,فصمت واستكان على مضض أسكتته الحاجة, لا بد أن اشتري لولدي قطعة قماش تخيطها أمه سترة, لم استطع النوم البارحة من سعاله البرد نخر عظامه , جاء دوره في التحميل , أخذ يحمّل أكياس البطاطا ينقلها من المخزن للشاحنة , وبدأت حبات العرق تتفصد من جبينه المجعد , وبدأت بعض حبات البطاطا تتدحرج جانباً

,كان يحمل الكيس يسرع به للشاحنة رغم سرعته تراه ينظر جانباً لحبات البطاطا هنا وهناك كأنه يحفظ مكانها واحدة واحدة,يقول في ذاته حين أنهي التحميل سأجمعها ,ستطبخ منها أم مسعود غداء اليوم وربما تكفينا لأكثر من يوم... كان يضع الكيس ويسرع لحمل الأخر , إذا بقيت بإذن الله أعمل عند هذا الرجل كل يوم, سأوفر البطاطا دائماً للمنزل إضافة لأجرتي, تعثر بأفكاره وكاد يسقط هو والبطاطا , صاح به الرجل : ما بك أيها الحمال انتبه لعملك.

-لا تكترث ذلك حقه . كان يقول : هذا ماله وهو حر فيه ويجب أن يحرص عليه , بالطبع لن ينتقد جمعي لحبات البطاطا , استرق النظر إليه فشاهد قدم الرجل تدفع حبة بطاطا , كاد أن يصيح فيه دعها لمسعود سيفرح بها,وضع الكيس وقال : ربما لم ينتبه إليها بكل الأحوال هو صاحب المال , بعد أن أنهى تحميل الأكياس وقف وهو يمسح جبينه , كان يخفي مشاعره بمسح عرقه , مسح وجهه بعناية كبيرة وأطال... كان يسترق النظر للرجل ثم همت السيارة بالانصراف حاول أن يمشي لجمع الحبات ووضعها جابناً , صاح به الرجل
: هيا اذهب وحمل السيارة الأخرى , بسرعة

مشى أبو مسعود يجلد ذاته مرة أخرى يقول: إنه صاحب المال وله الحق أن يأمرنا.. وأكمل عمله وانتهى من السيارة الثانية , في طريق عودته لم ير الرجل, أين ذهب كنت أنوي أن أستأذنه... لا لا لن أدخل الحرام على بطن أولادي , لعن الله المال الحرام ,ثم قال سأجمعها وأضعها في البيت وأنبه أم مسعود كي لا تطبخ منها حتى أستسمحه ,

وحين وصل للنقطة التي كانت حبات البطاطا تنتظره ,شاهدها لكنه شاهدها مهروسة من عجلات سيارة المالك , كانت كل حبة قد انهرست وافترشت الأرض على حجم صحن طعام تماماً, عد الحبات واحدة واحدة , اعتصره قلبه وجمع البطاطا المهروسة يضعها في مكان لا تدوسها الأقدام ويقول إنها نعمة نعمة.

هيا يا مسعود قبل يد والدك هيا... أسرع الولد يقبل يد والده, سعيداً بسترته الجديدة ثم راح وجاء بها , ابتسم الأب رغماً عنه وتقافزت الضحكة على وجه أمه وهي تدعو لأبي مسعود, ركض الولد ليريها لإخوته سحب الباب , لفرحته لم يدري كيف علقت السترة بقبضة الباب المكسورة ولسرعته مزق المسمار السترة وامتزج صوت تمزيق السترة بصوت الرعد حينها , وجمت الأم وانقلب وجهاً احمر ورفعت يديها لوجنتيها ... تقدمت نحو الطفل تضربه , أخذ الطفل بالبكاء لا يعرف أيبكي من ألم الضرب أم من تبخر فرحته,

ثم أخذت الأم السترة وبكلمات مبهمة متلجلجة راحت تقنعهم تقول:

سأصلحها لا عليكم يمكنني إصلاحها... كانت تحاول أن تنظر للأب تمنعها دمعات ساخنات وانهمكت تصلح السترة, كان الأب يريد الصراخ نهض وترك المنزل حينها كان المطر يهطل غزيراً وقف عند مدخل البناية التي إذا دخلتها ترى درجاً يأخذك للأعلى, ودرجاً يأخذك للأسفل , وأخذ يدخن أكثر ودخان سيجارته يتصاعد ,وتذكر حين أخذ أجرته من صاحب الورشة كلام معاونه يقول: أتعرف يا معلم , لقد كتبوا في التقرير أن خضروات المخزن تعرضت للتلف وشكلت لجنة إتلاف رسمية ,سخر صاحب الورشة قائلاً : أولاد حرام. وازداد هطول المطر.



11/1/2007

أنس الساهر
10/03/2007, 12:13 AM
عجباً لك أبا شفيق ..
دوماً تأخذني كل كلمة بل كل حرف
ليلقيني للكلمة التالية ومن ثم السطر التالي ،
وثم النهاية .. لأجد نفسي
على أجنحة المتعة والروعة ،
عجباً لغابات روحك الفتية والغنية


http://www.merbad.org/vb/attachment.php?attachmentid=194&d=1171627898

طارق شفيق حقي
10/03/2007, 07:21 PM
عجباً لك أبا شفيق ..

دوماً تأخذني كل كلمة بل كل حرف
ليلقيني للكلمة التالية ومن ثم السطر التالي ،
وثم النهاية .. لأجد نفسي
على أجنحة المتعة والروعة ،
عجباً لغابات روحك الفتية والغنية








سلام الله عليك

سعيد بكلامك الجميل

سررت بك حقاً وتقديرك لللحرف

خليد خريبش
11/03/2007, 02:08 PM
لعل ما أثارني عندما أكملت قراءة هذه القصة الموضوع المتناول حيث لأول مرة أقرأ نصا لطارق شفيق حقي يصب في الاتجاه الواقعي يحاول أن يصور لقطات من المعيش والدخول في تفاصيل حياة الغلبة، أثارني العنوان كذلك،بالضبط كلمة مآجيج وقد بحثت عن أصلها فلم أعثر على صيغة مثلها في القواميس والظاهر أن الكاتب صاغها من فعل أج المضعف أو أجج ثم المصدر مأج مصدر ميمي ولا يمكن أن تكون لفظة مأج اسم زمان أو اسم مكان فمعنى الفعل بعيد عن ذلك،ثم جمعت على صيغة منتهى الجموع.
أعود إلى علاقة العنوان بالقصة ،يبدو أنه يشير إلى مغزى القصة.وبالنسبة لي أعجبتني عبارة-أولاد الحرام -كعنوان أو- أبو مسعود-
المقدمة أو الاستهلال:ملاحظتي في هذا الشأن هي مالاحظه الكاتب عن نص لي معنون بموت أحد المهلوسين حيث أني استغرقت في الإبهام بعيدا عن موضوع القصة والكاتب اشتغل في هذا الشأن حيث نشر بحثا قائما بذاته حول الاستهلال .فإذا أخذنا مستهل النص وكتبناه على الشكل التالي.


أحسست أن العمر قصير
وأن الحب أطول من عمري...
حينها تمنيت لو أحسست بكل العاشقين..
كانت مسحة منه لشعري
تجعلني اعترف لدفاتري...
ربما أخشى أسراري...
أسرار الحب .
والحب سر كبير
يفقد سحره حين يباح

يصير المستهل أبياتا نثرية جميلة .
أحس أن الكاتب هنا استقى هذا الشكل من الشعر العربي الأصيل فقبل الدخول إلى الموضوع يحاول الكاتب هز كيان القارئ ووجدانه يريد أن يشاركه المتلقي همومه وأحاسيسه والأمثلة كثيرة.

سأحكي لكم قصة حب واحدة
.وأعتقد أن هذا النص القصصي لا يخلو من المغامرة والتجديد.
هناك كذلك إدخال عنصر الطبيعة كمتغير فاعل لإضفاء طابع درامي لمعاناة أسرة الحمال.
توفق الكاتب في قفلة القصة كما يحلو للأخ طارق أن يسميها .
وهذه بعض العبارات التي ربما عاقت رسالة النص.
يا أبو مسعود -يا أبا مسعود منادى مضاف منصوب بالألف لأنه من الأسماء الخمسة.
كان الأب يفكر غارقاً بطريقة -كان الأب يفكر غارقا في طريقة.
وهسيس الفكرة لا زال يجول بقلبه -وهسيس الفكرة لازال يجول في ذهنه
كانت تقول مقاله لصاحب الورشة -كانت تقول ما قاله.
جاء دوره في التحميل-استعمال الفعل حمل بدون تشديد الميم أحسن.
يقول في ذاته -يقول في نفسه أحسن لأن الذات لها معنى عميق
الأخر-الآخر
تعثر بأفكاره -تعديل هذه العبارة أحسن.
كان أن يصيح -كان يصيح
أدخل الحرام على بطن أولادي -أدخل الحرام إلى بيته أحسن
وحين وصل للنقطة التي كانت حبات البطاطا تنتظره -وصل إلى نقطة حيث كانت تنتظره حبات البطاطا.
لأبو مسعود-لأبي مسعود مجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة.
وجمت الأم وانقلب وجها احمراً -أحمر -ممنوع من الصرف والممنوع من الصرف ممنوع من الجر والتنوين وانقلب وجهها أحمر أحسن.
تقنعهم تقول-تقنعهم وتقول أو تقنعهم بقول.
دمعات ساخنات -دمعات ساخنة أسهل.
كما أشير إلى مسألة كيفية توظيف علامات الترقيم فهي تلعب دورا مهما إبراز معاني النص.

طارق شفيق حقي
11/03/2007, 03:12 PM
الشكر كل الشكر للأستاذ خليد خريبش
فقد استطاع بجهده تحليل بعض الأمور في مفاصل النص
أما عن مآجيج الألم فقد ذكرتها في قصة زهد وقبح من سلسلة الغريب
وقد كانت ولادتها من عبارة يأجوج ومأجوج:


أخذ الغريب يزفر ويزفر أخذ غليان قلبه يزداد وهو نائم تشتعل ذراته بعد أن تفلت الألم في غيابه.. كم كنت جباراً أيها الغريب تمسك شعوب يأجوج ومأجوج الألم .

وها قد أنهد السد وتصدع ... هدته مأجيج الألم , استباحت ذراته وعظامه وأخذته حمى شديدة وسال العرق غزيراً, أخذ يزفر ويشهق حتى زفر زفرة اهتز لها الكهف وتساقطت صخرة عظيمة سدت باب الكهف.


القصة ربما أجدها لا تصل للتجديد أو المغامرة , اللهم إلا في عنوان النص
رغم قوة تأثيرها علي., ربما لم أعرف ماهية المغامرة التي قصدت.
الاستهلال للنص لا أجده مبهماً بل يلقي بسبل النص , وقصص العشق التي لا نعرفها , ولا أخفيك أحب كثيراً أن أدخل هذا المدخل للقصة
أما عن بعض العبارات فقد أجدت وسيتم التصحيح , لكن هناك بعض الملاحظات عليها:

-وهسيس الفكرة لا زال يجول بقلبه – قصدت تماماً قلبه, لأن التفكير القلبي أعمق بكثير من العقلي.
-كانت تقول مقاله لصاحب الورشة – كذلك مقاله عنيتها تماماً
-جاء دوره في التحميل - لا ضير فيها هكذا

-يقول في ذاته – كذلك عنيت الذات تماماً
-تعثر بأفكاره - هذه الجملة من أجمل الجمل فالتعثر كان رائعاً.
-كان أن يصيح - هذه يجب أن تكون كاد أن يصيح

-أدخل الحرام على بطن أولادي – ( وصف الرجل ولغته لكن بشكل بعيد عن العامية الحوشية سنجدها في دعوات الأم كذلك)

-وحين وصل للنقطة التي كانت حبات البطاطا تنتظره – وحين وصل إلى النقطة حيث كانت تنتظره حبات البطاطا ( ربما أصلح مع تعريف النقطة)
دمعات ساخنة كذلك لا ضير فيها

تقنعهم تقول – هذه تعلمتها من ال ق . ق . ج

شكرا لك عزيزي