المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلمة عجلى



رضوان حمدان
13/02/2007, 05:08 PM
الدكتور الشاعر حسن الأمراني


سعدت أيما سعادة وأدهشت أيما إدهاش وأنا أقلب النظر والفكر في حديقة أشعار الدكتور حسن الأمراني الغناء، سعدت لأني رأيت شاعرا حقيقيا يصدر عن تجربة شعرية متمرسة، ممتلكا أدواته، متحكما بها، يصبها في القوالب التي يراها مناسبة ليسبك منها عملا إبداعيا محكما، تتقلب في أفياء نضرته وتقطف من أثمار نضجه من كل معجِب من بيان القول، وسحر الموسيقى، وسمو المعنى، وجدّة الموضوع ليضعك بعد ذلك في المرمى الذي خطط له ورسمه.. بعيدا عن التكلف أو التصنع أو النظم.. في جزالة من اللفظ وتأنق في الصورة وتألق في الغاية مع صدق في المشاعر. وهذه أركان الشعر التي لا يقوم إلا بها.
وإذا كان الأساس في الشعر العاطفة والوجدان فإن كل شعر الدكتور الأمراني الذي قرأته هذا هو أساسه النابع من عمق الإيمان بالله والإيمان بالقضايا التي يحتمها هذا الإيمان.
وأي عاطفة هي أعمق وأبهى وأنقى من هذه العاطفة الممزوجة بالصدق بل هي الصدق ذاته.
وإذا كان مفتاح النغم في الشعر هو الوزن والقافية فإن الأمراني قد امتطى صهوته وجال فيه وصال بتفرد معجِب، حتى أنك لا ترى قافية مصنوعة أو وزنا متكلفا مجلوبا بالسلاسل.. فالوزن والقافية عنده طوع بنانه وسلسبيل خاطره ونموذج عاطفته الجياشة.. حتى رأيت العاطفة والقافية والمعاني أفراس رهان متحاذيات المناكب في مضمار فسيح غير ضيق ولا مهصور.
ومما زادني طربا في هذا القصيد الحسَني الرائع انعكاس الفكرة والإيقاع والموسيقى في بعضها، فكل قصيدة يناسب إيقاعها وموسيقاها فكرتها. وهل يملك ذلك إلا القابض على الفكرة والإيقاع معاً.
فمن الناس من يؤتى حظا في ميدان علم العروض ولكنه لا يمتلك الطبع والموهبة ولا يمتلك الإلهام والعبقرية الشاعرة.. فيحاول أن يكتب الشعر من خلال ما عرف من أوزان عروضية وأقيسة قوافٍ.. فهل يأتي شعر هذا مثل الذي وجد فيه الطبع والموهبة وأوتي حظا من علم العروض والقوافي، إنه يتكلف وينظم ( لا يشعر ). فما سمي الشاعر شاعراً إلا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، وبالتالي يأتي شعر المتكلف نظم الشعر سمجاً ممجوجاً تنفر منه الأذن ويتأباه الحس الأصيل.
وقد صور هذا أبو فراس في قوله:
تكلفوا المكرمات كداً = تكلف النظم بالعروض
عمدت إلى هذا القول ذلك أني رأيت السوق وقد غصّ بتلكم البضاعة المسجاة التي تجمع بين الغث والهزيل تسيء أولاً إلى أصحابها قبل أن تسيء إلى الفن ذاته.
إن الأدب الإسلامي اليوم وللأسف ليس له من يحمله ويعرضه ويروج له لعدة أسباب أهمها سببان:
· الأول: الهزيمة النفسية أمام الآخر تلك التي هبطت بفكر الأمة وعطائها بمستوياتها المختلفة، وما الأدب الإسلامي عنها ببعيد، ما أدى إلى أن يقدم الأديب الإسلامي رجلا ويؤخر أخرى خوف أن لا يصل بأدبه إلى المستوى المطلوب وفق معايير وضعها الآخر فلا يجرؤ أحد أن يخرج عنها أو عليها.
وحتى نقاد الأدب الإسلامي إنما يحاكمون أدبهم الإسلامي وفق تلك المعايير التي جُلبت لهم، وربما خالفت بعض التصورات المنهجية المهمة في الرؤية الإسلامية، مما وضع الأديب المسلم "المبدع" في فصام نكد بين النظرية التي بها يؤمن ويريد أن يعبر عنها أو يخرجها في إطار أدبي فني، وبين الحكم على أعماله وفق تصورات الآخرين.
ومما ينبغي إدراكه وتوكيده أن الأدب المسلم يجب أن يجمع بين المعنى والروح "التصور الإسلامي" وبين الفنية المنضبطة المنسجمة المتسقة وهذا التصور، بغض النظر عن قوالب النقد الجامدة المصنوعة في الخارج، والتي مع ذلك يمكن أن يحوّرها أصحابها وفق مقتضياتهم هم وتصوراتهم هم من حين لآخر فنبقى ندور في الفلك اللا متناهي ولا نبغي عنه حولا.
ولعل هذه دعوة لنكون نحن أصحاب القيم الفنية والمعنوية والموضوعية ونفرض أنفسنا في الساحة المتسعة بقوة وجرأة.
· وأما الثاني: فهو العطاء الهزيل والمتواضع لكثير من الأدباء الإسلاميين الذين لم يتوفر فيهم أسباب الإبداع كما ذكرنا في البداية.. هذا العطاء الضعيف يعطي انطباعا سلبيا عن الأدب المسلم بعامة.. وتجد من يبرز هذا النوع من الأدب ليقدمه كنماذج يبغي منها ضرب الأدب الإسلامي ومن ثم ما هو أكبر.. على اعتبار أنه واجهة ثقافية ومرآة حضارية لنمط من الحياة والفكر..
لدي ثقة أن هناك نماذج في الأدب الإسلامي يمكن أن تكون بل هي كائنة في الواقع والدكتور الشاعر الأمراني من هذه النماذج البارزة بلا ريب، والقادرة على أن تكون ممن يتقدم المسيرة في إبراز وإنهاض الأدب الإسلامي، بل والقفز به خطوات نحو الريادة، وبخاصة أنه ليس شاعرا حسب بل ناقدا ودارسا ومفكرا أدبيا..
وأنا بدوري أدعوه دعوة جادة لتفكير جاد مع من يتلمس فيهم القدرة والإخلاص للانطلاق دون الالتفات إلا إلى الذات..
إن مما أثار في نفسي الغضب الجراءة على بصمة الأمة وهويتها ووعاء فكرها ومنهجها تنبؤ المسمى بالشاعر العربي الكبير- لاحظوا العربي الكبير- علي أحمد سعيد أسبر المقيم في فرنسا والموسوم بأدونيس بـ "أن اللغة العربية الفصحى في سبيلها للموت" وذلك في محاضرة ألقاها مساء الثالث عشر من هذا الشهر "نوفمبر" في مكتبة الإسكندرية!! ومضيفا بأن "اللغة العربية تتراجع خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير على مختلف الأصعدة في المدارس والجامعات وحتى لو استمعت للشيوخ وخطباء المساجد المعنيين أكثر من غيرهم بالمحافظة على اللغة ستجد هذا التراجع وستجد تقدما للهجات المحلية في الشعر والكتابة" وقد أبدا في حديث خاص مع وكالة الأنباء الألمانية إعجابا بشعراء اللهجة المحلية المصرية.
إذن هي دعوة صريحة لكسر الوعاء الحضاري والعقيدي والثقافي لتنسكب بالتالي كل محتوياته.. هي دعوة قديمة ولن تنتهي. ويقيض الله دوماً للغة كتابه العزيز رجالا ينفون عنها الخَبث والخبائث والزيف والضلال { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }
وقد تلمست بأدب الأمراني الروح الوثابة للحفاظ على لغة القرآن الكريم من خلال الجزالة والسهولة والفصاحة في لغته القادرة على استيعاب الفكرة وتطويع المعنى والتحليق بالصورة بأرشق العبارات والكلمات والتصاوير المشبعة بها لغتنا العظيمة.
وفي ختام هذه الكلمة القصيرة أثبت نماذج من أشعار الدكتور الأمراني كوني لست في مجال الدراسة لشعره الآن بل مقدما له ولصاحبه:

روي أن محمد بن عبد الله بن مسلم أنشد عبد الملك بن مروان لنفسه وهو متنكب قوسه :



وأبكي ولا ليلى بكت من صبابة لباك ، ولا ليلى لذي الود تبذل

وأخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا وإن أذنبت كنت الذي أتنصل


فقال له عبد الملك: من ليلى هذه ؟ لئن كانت حرة لزوجتكها ، ولئن كانت مملوكة لأشترينها لك بالغة ما بلغت ، فقال كلا يا أمير المؤمنين ، ما كنت لأصعر بوجه حر في حرمته ولا أمته ، والله ما ليلى إلا قوسي هذه ، سميتها ليلى ، فأنا أنسب بها .




كن أنت أنت ..




دع ماترسم قبلك الشعراء

واسكب جراحك ، إنهن كفاء


وافتح سبيلا أنت في أكنافها
ألف مخدرة وأنت الياء


واطرق عيون الشعر لم يلمم بها
من قبل لا أوس ولا الخنساء


كن أنت وخل خلفك أمه
ملكتهم الأبواق والأضواء


حسبي بأن الشعر عندي لوعة
يحدو صبابتهم بها القراء
********************************


إلى ليلى صدى الآباد



إلى ليلى ، وبي ظمأ الدهور



ولا ظمأ الرمال على الهجير


إلى ليلى ..صدى الآباد باق
إلى يوم القيامة والنشور


إلى ليلى ..وما ليلى ؟ شهاب
من الرحمان يشرق في الصدور


تجلت بيرقا في يوم بدر
ونجما ثاقبا يوم الغدير


أرى في صوتها الموعود أمي
تهدهد وهي ساهرة سريري


ولؤلؤتين ضوعتا نشيدي
وصاحبة توطئ لي مسيري


وريا واحة قربت وطابت
وراح العمر في الزمن العسير


إذا رضيت فروح من نعيم
وإن غضبت فزوبعة العصور

طارق شفيق حقي
13/02/2007, 09:03 PM
دع ماترسم قبلك الشعراء


واسكب جراحك ، إنهن كفاء


وافتح سبيلا أنت في أكنافها
ألف مخدرة وأنت الياء


واطرق عيون الشعر لم يلمم بها
من قبل لا أوس ولا الخنساء


كن أنت وخل خلفك أمه
ملكتهم الأبواق والأضواء


حسبي بأن الشعر عندي لوعة
يحدو صبابتهم بها القراء



كرمى لهذا الشعر

تنقل للمجلة