المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شنطة سفر



إيلي سويد
04/02/2007, 09:24 PM
شنطة سفر :


رأيته متهالكاً تعباً يلعن يومه الكئيب وحظه العاثر, يسير عصبيَّ المزاج بين النافذة والباب وكأنه ينتظر حدثاً ما ... يتمناه أن يأتي, أو رنين هاتف ينقل إليه خبراً يؤكد الحدث, عيناه ضائعة في كل زاوية من زوايا البيت تتسمر أحياناً على صورة طفولية يبتسم لها حانياً يلتقطها بين راحتي كفه ويلمس وجهها الزجاجي بحنان لا يوصف ودمعة تحاول أن لا تخرج من مستقرها فتنساب قلقة في أخدودها المعتاد, حيرة تأخذه بعيداً لتغيب عيناه في مكان ما من ذاك الماضي البعيد, شعرتُ بيده تمتد وكأنها تحاول أن تمسك بيد أخرى تقوده إلى حيث يركض بحرية غير مقيدة في رياض حقوله المفتوحة أمام مستقبله الواعد أو هكذا تخيل أن يكون, حقول خضراء يرويها عرقُ الجباه السمر في كل مكان تخطو به قدمه الصغيرة, يركض فرحاً وصرخات طفولته الضاحكة تملأ المسامع ونظرات الحب تخترق قلبه الصغير فيزداد ترنحاً كسكيرٍ يعرف الخجل, صبايا الجرار الحمر بفساتينهم الملونة كفراشات الربيع الزاهي يتراقصن طرباً على وقع أغنيات تراثية لا زالت تصدح في الآذان فتملأ قلوبنا فخراً بما كان, ترانيم جميلة ترافقهن إلى ذاك الينبوع سر حياتهم الطيبة مصدر مياههم غير الملوثة بسموم اعتادتها دنيانا الحديثة, ورجالٌ على مدّْ النظر يعملون بكد وجد لتبقى تلك الأرض المعطاء محتفظة بردائها الأخضر الجميل وتبقى مصدر نعمة حقيقية لأهلها الطيبين, ولكن هيهات أن يبقى صغيراً أنه مجبر على أن يكبر ليواجه الحياة بكل ما فيها كما غيره, ترك الماضي مرغماً إلى حاضرٍ لم يستطع الأعتياد عليه لأنه غير ما يحب أو يجب أن يكون ..!! شعرتُ بالأسى يغمرُ قلبه وهو محبط الفكر والعزم لا يتوانى عن التفكير بواقع فاشل لا ذنب له فيه وإنما واقعُ أجبره أن يكون كما هو حاضراً, طرقات خفيفة تناهت إلى مسامعه فعاد من غيبوبته راكضاً إلى باب البيت ليتلقى رسالة تفيده بأن كل شيء أصبح جاهزاً وما عليه إلا أن يكمل ما بدأه من مدة, خفقة قلب تسارعت دقاتها في قلبي الحزين فعلمت بأن الآن قد حان ولم يعد هناك مجال للشك بأن الفراق آتٍ لا مُحال, شنطة سفر لعينة أصبحت جاهزة أو كانت جاهزة دائماً منذ أن ترك طفولته وراء الزمن ... شنطة السفر تلك كنتُ عاجزاً أمامها فانتصرت ... ملعونة هي وستبقىَ ... ولكن .....؟؟؟؟

قبل أن يغيب فتحتُ له ذراعي لأضمه إلى قلبي قبل أن يـُغادر شددته إلى صدري لأشعر بأنني أحميه كما كنتُ أفعل وهو صغير, ونسيتُ لوهلة بأنه يحملُ شنطة سفره بينما يمسكها بكل قوة لكي لا تـقع فيعود أدراجه ... أبعدني بيده الأخرى برفقٍ ومسؤولية وعينيه الدامعتين تقول لي بإصرار بأنه سيعود ... صدقته وتركته يفعل ... وحال أمه كحالي ... ربي عساه ينجح ...؟؟؟



(( إلى متى يا وطني ستبقى شنطة سفرهم هي الأمل ... إلى متى ...؟؟؟ ))


حبيب العمر


?<.. ?<.. ?<..

خليد خريبش
05/02/2007, 09:59 PM
نص قصصي رائع محكم ,لغة أدبية سليمة, وعي بفن القص.
اختيار العنوان كان صائبا ,شنطة سفر, تدل على الفراق, الرحيل, الحسرة على فراق قريب, تحياتي إلى الأخ إيلي ملاحظة بسيطة جدا وهي الجملة الأخيرة



(( إلى متى يا وطني ستبقى إلى شنطة سفرهم هي الأمل ... متى ...؟؟؟ ))


سنستنتجها نحن القراء

إيلي سويد
06/02/2007, 07:22 PM
الأستاذ خليد خريبش :


شكرا ً لك تواجدك معي في شنطة سفر, كما يسعدني رأيك في خاطرتي, لا شك سيدي الكريم إن استنتاج الهدف من خاطرتي هو سهل لكل مـَن يقرأ ويعي تماماً ما هو المراد ولكن ذكري للجملة الأخيرة كانت ضرورية بالنسبة لي فهي صلاتي لأن يتحقق أمل الأهل بأولادهم بعيدا ًً عن الاغتراب فالأرض أولىَ بأبنائها ......



إيلي سويد


:idea: :idea: :idea: