المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خصائص حرف الغين



طارق شفيق حقي
07/01/2007, 12:54 AM
من كتاب




خصا ئص الحروف العربية ومعانيها

الباحث :

حسن عباس


حرف الغين

الرابط : لتحميل الكتاب
http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=4453 (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=4453)
11- حرف الغين:
مجهور ، رخو. قد اتفق العلايلي والأرسوزي على أنه (لغؤور المعنى والغموض والخفاء). وهذا هو أقلُّ من واقعه الصوتي.
فظاهرة الغؤور والغموض في حرف الغين، انما هي مستمدّة من طبيعة صوته. فهو لا يوحي بالغموض فحسب، وانما بالامِّحاء والعدم أيضاً.
إن صورته الصوتية وهو يدغدغ سقف الحلق عند خروجه، لهي أشبه ما تكون بدغدغة محسَّة من حديد تزيل غباراً عالقاً بجلد بعير. وإذا خُفف صوته قليلا، كان أشبه بحفيف ممحاة من نسيج خشن تحكُّ خطوطا طباشيرية مرسومة على لوح أسود، ويتطاير الغبار.
فهذه هي حكاية حرف الغين: صورة صوتية يقابلها في الطبيعة صورة تمثيلية: اهتزاز واضطراب وبعثرة نفَس في صوت الغين ، ودغدغة محسّةٍ أو ممحاة ، أو راحة كفِّ خشنة، وغبارٌ يتناثر في الهواء . هذه هي الخصائص الإيمائية في صوت الغين، فماذا عن خصائصه الإيحائية؟.
ماذا يوحي لنا صوت (غ-غ-غ..)؟.
لا شيء قطعاً إلاَّ غرغرة الموت والامِّحاء. فصوته عندما يخرج من فوَّهة الحلق، إنما يخرج مخربّا ممحوّ الألوان مجلببا بالسواد. وهكذا نسمع صوت هذا الحرف مثلما نرى الليل المظلم البهيم.
فما رصيد الخصائص الإيمائية والإيحائية في صوت الغين من الحقيقية على واقع المعاجم اللغوية؟.
بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئة وخمسين مصدراً تبدأ بحرف الغين. كان منها اثنان وعشرون مصدرا تدل معانيها على الاضطراب والبعثرة والتخليط، بما يماثل الاهتزاز في صوت الغين، وبعثرة النفَس عند خروجه. منها:
الغُبار (لبعثرته). الغثَر (ما يعلو الثوب كالوبر). غثم الشيء وغثمره (خلطّه).
الغُثاء (رغوة القدر). أغدق المطر( كثر قطره). غدرم الكلام (اختلط ). غربل الحَبَّ (نقَّاه بالغربال من الشوائب، لظاهرة الاهتزاز في هذا الحدث). غرغر الرجلُ (ردَّد الماء في حلقه). تغسّر الأمر (اختلط والتبس). الغصن (ما تشعَّب من ساق الشجرة ، دقيقه وغليظه). غلت الشيءَ (خلطه). غليان القدر. غيد (تمايل وتثنَّى في لين ونعومة).
وكان منها ثلاثة مصادر لمشاعر الغضب، في تماثل بين ظاهرة الانفعال النفسيِّ في حالاته وبين ظاهرة الاضطراب في صوت الغين، على شيء من الغيبوبة في الوعي هي: غضب. غاظ. غذفر.
وكان منها سبعة مصادر لأصوات تحاكي ما في صوت الغين من غرغرة وغمغمة هي:
غرِد الطائر (رفع صوته بالغناء وطرَّب فيه). غطفت القدر وغقّت (صوَّتت في غليانها). غقفق الصقر (رقَّق صوته). غمغم (صوّت من فزع). الغوغاء (الصوت والجلبة). الغُنَّة (صوت يخرج من الخيشوم).
وهكذا بلغت نسبة تأثر معاني المصادر التي تبدأ بالغين بخصائصه التمثيلية(21%). كما كان منها خمسة عشر مصدرا تدل معانيها على الظلام والسواد بما يتوافق مع موحيات صوت الغين. هي:
غبس الليل (أظلم). غبش الليل (خالط بقية ظلمته بياض الفجر). أغدق الليل (أرخى سدوله). الغِربيب (الشديد السواد، أسود غِربيب). غسق الليل وغسا وغشي، وغسم وغطش ( أظلم). غضف الليل (أظلم واسودَّ). غضا الليل (عمّ ظلامه كلَّ شيء). غطا الليل ( أظلم وسترت ظلمتُه كلَّ شيء). الغلَس (ظُلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح). الغيهب (الظُّلمة). تغيَّق بصره (غشيته ظُلمة فأظلم).
وكان منها تسعة وثلاثون مصدرا تدل معانيها على الخفاء والستر والغياب. منها:
غبَّت الحمىّ فلانا (أخذته يوماً وتركته آخر). غتَّه في الماء وغطّه وغطّسه (غمسه فيه).
غربت الشمس (اختفت في مغربها). غرا السِّمن قلبه غَروا (لصق به وغطاه). غثر الشيء (ستره). تغلغل في الشيء (دخل فيه). الغِلاف. الغمد. أغلق الباب. غَلَم الإنسانَ (غطّاه ليعرق). غمت الشيء وغمّه (غطاه). غمره (علاه وستره). اغمض عينيه . غاص. غاط في الشيء غوطا وغيطا (دخل فيه وغاب). غمى البيت غموا وغميا (سقفه). غار الماء. غاب. الغيم. غانت السماء (غامت).
وكان منها اثنان وعشرون مصدراً تدل معانيها على غيبوبة وجدانية أو نفسية أو عقلية . منها:
غبغب (خان في بيعه وشرائه). غبنه في البيع (غلبه ونقصه). غبيَ الشيء عنه (خفي عليه فلم يعرفه). غدر فلاناً وبه (نقض عهده وترك الوفاء به) . غرّ الرجل (جهِل الأمور وغفِل عنها). الغرام (التعلق بالشيء تعلقاً لا يستطيع التخلص منه). غشم فلانا (ظلمه أشد الظلم). غشمر فلان (ركب رأسه في الحق والباطل لايبالي ما صنع). غطرس ( أعجِب بنفسه). المغفَّل (من لا فطنة له). غفا غفوا (نام قليلا). غفي غفا (نِعس). غلط (اخطأ وجه الصواب). غنجت المرأة (تدللت على زوجها بملاحة كأنها تخالف وليس بها خلاف). الغَوْل (ما ينشأ عن الخمر من صُداع وسُكر). غوى ( أمعن في الضلال). غطرف (عبث واختال وتكبر)
وهكذا بلغت نسبة المصادر التي تأثرت معانيها بخصائص الغين الايحائية (51%). لترتفع هذه النسسبة مع خصائصه الايمائية إلى (72%)، مما يؤهله للانتماء إلى زمرة الحروف القوية الشخصية، ما دامت المصادر التي تدل على أصوات ومشاعر الغضب، قد تأثرت بالخصائص الإيمائية والإيحائية لحرف الغين ، كما مرَّ معنا.
ولكن ماذا عن هذا الحرف في نهاية المصادر؟
بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على أربعة وستين مصدراً جذراً تنتهي بالغين. كان منها خمسة عشر مصدراً تدل معانيها على الاهتزاز والبعثرة والتخليط ، بما يتوافق مع خصائص الغين الإيمائية في الاهتزاز والبعثرة. منها، مع بيان الرابطة بين معاني بعضها وبين خصائص الغين الإيمائية.
بثغ الجسد (ظهر فيه لون الدم، للبعثرة). بزغت الشمس (بدا طلوعها، لبعثرة اشعتها). بغبغ الكلام (خلّط). بغَّ الدم، وتبوغ ، وباغ بيغا ( هاج وثار، للاضطراب). ثمغ الألوان (خلطها). ريّغ الطعام (دسّمه ، لظاهرة تخليط الطعام بالدسم). دغدغ الصبيَّ (حكّه في موضع حساس يحدث انفعالا ، لظاهرة الذبذبة في الحكِّ والارتعاش في موضع الحدث). نشغ الشيء (انتشر). نضِّغ الشيء (لوّنه بسواد وحمرة وبياض مخلوطة غير متبينة ). الوزغ ( الارتعاش والرعدة).
وكان منها مصدران اثنان للخفاء . هما:
دمغ فلانا (غلبه وعلاه، والحقُّ الباطلَ ، محاه)، زغزغ الشيء (خبّأه وأخفاه).
وكان منها عشرة مصادر لغيبوبة نفسية أو وجدانية أو عقلية . هي:
راغ (ذهب يمنة ويسرة في سرعة وخديعة). زاغ زوغاً وزيغا (مال عن القصد أو الحق) تليَّغ (تحمَّق). مذغ (كذب وادَّعى). ملغ في كلامه (تحمَّق). نزغ فلانا (طعنه برمح، أو اغتابه وذكره بالقبيح). الهِبيَّغ (المرأة الحمقاء والفاجرة لا تردُّ يد لامس).
ولا شيءَ للظلام ولا للأصوات والمشاعر الإنسانية.
لتبلغ نسبة تأثر معاني هذه المصادر بخصائص الغين الإيمائية والإيحائية (42%) . فقط. ومما يلفت الانتباه ، في المصادر التي تنتهي بالغين عدم وجود أيٍّ منها يدل معناه على ظلام الليل والسواد ، واقتصار معاني الخفاء المادي على مصدرين اثنين فقط. بينما كان في المصادر التي تبدأ بالغين خمسة وخمسون لمعاني الظلام والسواد والخفاء المادي.
فما تعليل هذه الظاهرة؟.
إذا كان العربي يشدُّ بصوته أصلاً على أصوات الحروف التي تقع في مقدمة الألفاظ، ويخفت بها في نهايتها ، كما مرَّ معنا، فانه لابد أن يكون ثمَّة رابطة أصيلة بين الظلام والسواد، وبين الشدِّ على صوت الغين.
وهذه الرابطة ، ما أحسبها تخرج عن واقعة التماثل بين ظاهرة التخريب في صوت الغين، وبين واقعة حك الخطوط والألوان بشدَّة من على الجدران أو الصخور أو الألواح، أووجه الأرض وما إليها. حتى إذا خُفِت بصوت الغين قليلا في نهاية اللفظة، كان أكثر تمثيلاً لوقائع الاضطراب والبعثرة المارة الذكر، من واقعة حك الخطوط والألوان.
فهل للقارئ تعليل آخر؟.
وقبل أن أنتهي من حديثي عن حرف الغين ، أرى من المفيد أن أقوم بتحليل معاني بعض المصادر التي تبدأ بالغين أو تنتهي به، للكشف عن العلاقة الفطرية بين معانيها وبين الخصائص الصوتية لهذا الحرف.
وإنَّها لفرصة طيبة مع حرف الغين لفهم طبيعة الذهن العربي بمعرض انتقاله من المعاني الحسية إلى المعاني المجردة، للكشف عن المضامين الاجتماعية والفنية والفلسفية في اللفظة العربية بالرجوع إلى خصائص حروفها، ولتصحيح شروح معانيها في المعاجم اللغوية عند الاقتضاء


الأمثلة :


1- غشم فلانا: (ظلمه أشد الظلم).
جاءءت من غشم الحاطب (احتطب ليلا فقطع كلما يقدر عليه بلا نظر ولا فكر).
واذن فالغشم (بفتح الغين وتسكين الشين)، ليسس مجرد اعتداء على حقٍّ معين من الحقوق، وانما هو اعتداء على ما يقدر الغاشم عليه من حقوق مادية ومعنوية لغيبوبة في الوجدان.ويقال حرب غشوم وحاكم غشوم. ولقد جعل العربي الغين (للظلام والسواد والخفاء) في مقدمة غشم مضاهاة لبداية حدث الاحتطاب (ليلا). ثم أتبعه بالشين (للتفشي والانتشار)، مضاهاة لواقعة الاحتطاب وعشوائياً من هنا وهاهنا. ثم جعل الميم (للانجماع والانضمام) في نهاية اللفظة، مضاهاة لنهاية الحدث بجمع الأحطاب ووضعها في حزم. وذلك (سوقا) للحروف على سمت المعنى المراد والغرض المقصود)، كما قال ابن جني.

2- غبنه في البيع.
جاءت من الغبن (بفتح الغين والباء) ، ومعناه ( الموضع الذي يُخفى فيه الشيء). وإذن فالغبن (بفتح الغين وتسكين الباء). في البيع والشراء ، لايحصل أصلا إلا لِخفاء أمر يتعلق بالمبيع ، إما لجهل في سعره أو في أوصافه. والغَبْن قانونا، لايكون موجبا للابطال أو التعويض إلا إذا تجاوز خمس قيمة المبيع مع فاقد الأهلية ، لعلة الجهل (المادة 393 من القانون المدني السوري )، أو للغلط (المادة 121) أو للغش والتدليس.وهذه الأسباب الثلاثة تبدأ بحرف الغين، لعلة الجهل والخفاء، قد جعلت الغين في المقدمة مضاهاة لجهل الشاري ابتداء ثم تلتها الباء (للحفر) مضاهاة لموضع الخفاء في المبيع. ثم جعلت النون في نهاية اللفظة (للاستكانة، كما سوف نرى) مضاهاة لواقعة القبول بالصفقة الخاسرة.

3- في لفظة الغرام.
جعل الغين في المقدمة ، مضاهاة لبداية هذه الحالة من غيبوبة نفسية. فكانت الغين للتعبير عن وجهة نظر العربي في إدانة هذه الحالة وصاحبها. ثم أتبعها بالراء (للتحرك والاضطراب) . مضاهاة لاضطراب المشاعر. ثم جعل الميم في نهايتها (للانجماع والانضمام) مضاهاة لنهاية هذه الحالة من تعلق / شامل مكتوم لاخلاص للنفس منه.

4- في لفظة غطرس.
جاءت الغين في المقدمة للغيبوبة النفسية التي تعتري المعجب بنفسه.وادانة لصاحب هذه الحالة.

5- وفي لفظة غنِجت المرأة.
لبيان أن المرأة تخفي في تدللها على زوجها أمرا غير الذي أظهرته .

6- ومما يلفت الانتباه أن لفظة (الدماغ)، بمعنى (حشو الرأس من أعصاب ونحوها) ، قد جاءت من مصدر (دمغ)، بمعنى الغلبة والمحو، مما لا رابطة حسية أو معنوية تجمع بين المعنيين. وأرى ان العربي قد عمد إلى تصوير الدماغ بأصوات الحروف. فالدال (للقساوة) ، تضاهي قساوة عظم الجمجمة، والميم تضاهي انجماع الأعصاب في غلافه داخلها، والغين تضاهي واقعة خفاء هذه المجموعة العصبية عن النظر داخل الجمجمة

7- وفي لفظة راغ، الراء (للتحرك والتكرار) تضاهي ما في هذا الحدث من ذهاب يمنة ويسرة بسرعة ، والغين تضاهي مافي هذا التحرك من خدعة خفية.

استطراد لابد منه،
ونظراً لكثرة المصادر التي يشارك حرف (الغين) في تركيبها مما يدل على الغيبوبة (الوجدانية والنفسية والعقلية) فقد صنفته في (الاطلالة ص73) في زمرة الأحرف (اللاشعورية) مع حرفي (الخاء والهاء) للمعاني الرديئة.