المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرجال معادن



مروان قدري عثمان مكانسي
05/01/2007, 02:19 AM
الرجال معادن
مات والده – يرحمه الله – وهو في السنة الثانية من كلية الهندسة ، فمن لأسرته البالغ عددها سبعة سوى الله سبحانه وتعالى ؟ جمعتُ الأصحاب وقمنا بزيارته بعد انقضاء فترة العزاء ، وقلنا له : نحن لا نقبل أي تبرير لغيابك عن الجامعة .
أطرق ( سليم ) لحظات طوال ، ثم رفع رأسه فبدت عيناه المحمرتان ، ثم وزَّع نظراته التائهة علينا ، ثم ضرب كفَّاً بكف ، وخرجت من حنجرته آهاتٌ وأناتٌ ، وهزَّ رأسه وكأنه يريد أن يقول : الأمر اختلف تماماً ، والمعيشة دونها خرط القتاد ، والعائل غاب وأنا كبير الأسرة فلا بدَّ أن أحُلَّ مكانه ، وإلا متنا جميعاً من لظى الجوع ولهيب الحرمان
ولم ندع له فرصة ليقول ، وتقدم أحدنا وقال : يا سليم ، نحن ما جئناك إلا ومعنا حلٌّ لوضعك ، يريحك ويرجعك إلى دراستك .
- أي حلٍّ جئتموني به ؟
- ( قال صاحبنا ) أنت تعرف خالي عبد السلام .
- صاحب المكتبة الإسلامية العملاقة ؟
- أجل ، لقد حدثته عنك ، وهو يعرض عليك عملاً لا يشغلك عن دراستك البتة ، ويمكن أن تقوم به هنا ، داخل البيت ، أو يقوم به أي فرد من أفراد أسرتك ، وبذلك تستأنف دراستك إلى أن تتخرج مهندساً يُشار إليه بالبنان
- عملٌ أقوم به في البيت ؟
- نعم ، تقوم بشراء أجهزة للتسجيل السريع ، وأحضر لك من المكتبة النسخ الأصلية لمشاهير القرَّاء ، فتنسخها على أشرطة ، وكلما أتممت ختما وضعته في حقيبة مخصوصة سأحضرها لك مع الأغلفة ، ثم أوردتها إلى المكتبة وأخذت المبلغ الذي ستتفقان عليه . هل هذا صعب المنال ؟
- لا ، ولكن من أين لي بثمن الأجهزة ، وقد قضت مراسيم العزاء على كل المدخرات ، وألزمتنا بديون لا أعلم كيف سأوفيها ؟
- ( نظر بعضنا إلى بعض ، وبلغة العيون اتفقنا ، فقال متحدثنا) نحن نؤمن لك اليوم جهازاً واحداً ، هيا بنا إلى السوق لنشتريه ، ثم نعرِّج على المكتبة ، لتتفق مع صاحبها على جزئيات الأمور .
ومضت شهور وأعوام ، وغدت أسرة سليم كلها تتعاقب على العمل ، حتى أصبح البيت كخلايا النحل الدؤوبة ، أما الأجهزة ، فأصبحت ثلاثة أو أكثر ، وأما المكتبات الإسلامية البائعة لنتاج الأشرطة ، فقد تزايدت ونمت ، وأصبحت الحالة المعيشية للأسرة تزدهر طوراً بعد طور ، وتخرّج سليم من الجامعة وأصبح صاحب شركة لها وزنها في السوق ، وتبدلت حالة الرجل ، فقد أخذته المؤسسة الجديدة من الوسط الذي نشأ وترعرع فيه ، فبدأت صِلاته برفاق الصبا تذوي شيئاً فشيئاً حتى تلاشت . وتنكَّر لكل ماضٍ جميل ، وكشفت له الدنيا عن مفاتنها ، حتى صار منافساً عنيداً في عالم البناء ، تُهابُ طلعته ، ويُرعِبُ اسمه ، ويُخشى بأسه ...
ويدخل عليه صاحبنا الذي ذلَّلَ له سُبُل المعيشة قبل سنوات ، ليقترض منه مبلغاً من المال يبدأ به مشروعاً خاصاً ، فيستقبله المهندس بوجه كالحٍ ، ويردُّ على طلبه بردٍّ فاضحٍ : أنا لا أنسى وقفتك معي أنت والأصحاب ، ولا بدَّ من ردِّ جميلكم ، ثم يمدُّ يده ويتناول قصاصةً ورقيةً ، ويكتب فيها شيئاً.. ويقول : اذهب إلى أمين الصندوق ، وهو يصرف لك المبلغ ..
خرج صاحبنا بعدما تملَّكتْه الدهشة ، من هذه الاستجابة السريعة على الرغم من الاستقبال الباهت ، فسليم لم يسأله عن المبلغ ، ولا عن نوع المشروع ، وقبل أن يفوق من دهشته ، نظر إلى الورقة في أثناء توجهه إلى هدفه ، فقرأ : ادفع لحامل هذه الورقة ( دريهمات ) ثمن جهاز تسجيل كان ديناً عليَّ .

خليد خريبش
10/01/2007, 01:45 PM
أعجبتني هذه القصة :أولا بحرص الأخ مروان على الكتابة بلسان عربي فصيح ويظهر ذلك في استعماله مفردات أصيلة من تراثنا اللغوي الغني عن التعريف.
ثانيا :أقول أن هذه القصة تعليمية .
تحية إبداعية إليك

مروان قدري عثمان مكانسي
10/01/2007, 02:50 PM
وأنا ـ عزيزي ـ خليد أحييك من الأعماق على مرورك اللطيف بصفحتي المتواضعة ، شاكراً لك ومقدِّراًً هذا التقريظ