المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وحشية الأقوياء وإرهاب الضعفاء



رزاق الجزائري
21/12/2006, 04:09 PM
تشومسكي والإرهاب في عمق الثقافة الأمريكية.. وحشية الأقوياء وإرهاب الضعفاء!

صحيفة تشرين - نعوم تشومسكي‏

صدر كتاب (نعوم تشومسكي) الجديد _ -القوة والإرهاب_- جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية_- في نيسان الماضي بعد سقوط بغداد، إلا أن تحرير الكتاب قد تم أواخر العام الماضي ومطلع هذا العام، ورغم ذلك فإن تشومسكي المفكر الأمريكي المعارض العنيف لسياسة إدارة الرئيس جورج بوش، اعتبر غزو العراق واحتلاله قضية منتهية، فهي مسألة فنية من الناحية العسكرية ولذلك فهي مهمة سهلة إزاء بلد ضعيف محاصر، ونظام حكم استبدادي، إلا أن مسألة إعادة بناء العراق سياسياً قضية معقدة وصعبة كما يرى، وهو يشرح تعقيد هذا الأمر بالقول: إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تجد قاعدة اجتماعية للاحتلال في العراق بالسهولة المفترضة.

يبحث كتاب تشومسكي وهو عبارة عن عدد من المقابلات والمقالات وجلسات الحوار طائفة واسعة من القضايا بهدف التوصل إلى اكتشاف جذور العنف في عمق الثقافة الأمريكية، وانعكاسات ذلك في سياسات الإدارات المتعاقبة، ويخصص مساحة كبيرة من كتابه للبحث في جذور الإرهاب والحرب عليه بدءاً من فييتنام، والتجليات الجديدة لهذه الحرب في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وينطلق تشومسكي من مسألة أخلاقية بسيطة تقول أن الولايات المتحدة ترفض تطبيق المعايير ذاتها على نفسها والشعوب في كل مكان من العالم، والكتاب من هذه الزاوية هو رحلة طويلة في كشف كم هائل من التناقضات في الفكر الأمريكي والسلوك السياسي لواشنطن، يقول تشومسكي إننا نعرف كل جندي أمريكي قتل في فييتنام وكل تفصيل يخص ماجرى للجيش الأمريكي في هذه الحرب، إلا أننا لا نعرف شيئاً عما حدث للفييتناميين، فلا أحد يهتم في الولايات المتحدة بمعرفة أرقام الضحايا، أو الآثار البعيدة الأمد لاستخدام الأسلحة الكيماوية في فييتنام الجنوبية، ولا الكثير من البشاعات وأعمال القتل الجماعي، يتكرر الأمر في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، فمتى بدأت الحرب الأمريكية ضد ما يسمى الإرهاب؟ يسأل تشومسكي ويجيب: إنها بدأت مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وكانت ساحتها أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، في أمريكا اللاتينية، ثم قتل مئات الألوف من الفلاحين، ونظمت الولايات المتحدة مذابح جماعية، عرف منها العالم القليل. في الشرق الأوسط يقول تشومسكي: (هذا شرح لكتاب مدرسي حول الإرهاب الدولي، فلو أخذنا بتعريف الحكومة الأمريكية الرسمي للإرهاب _التهديد أو استخدام العنف لتحقيق غايات سياسية أو دينية.. يكون الغزو الإسرائيلي للبنان مثالاً توضيحياً لهذا التعريف، فلا يمكن الحصول على مثال أوضح من ذلك، إرهاب دولي يتم بفضل دور الولايات المتحدة الحاسم فيه (ص66 _ 67) يقول تشومسكي: إن غزو لبنان عام 1982 أدى إلى مقتل عشرين ألفاً من الفلسطينيين واللبنانيين ووقعت مجازر رهيبة بعد خروج منظمة التحرير، إلا أن أحداً لم يهتم في الولايات المتحدة. ويحدد تشومسكي عام 1985 عاماً للإرهاب في الشرق الأوسط، ويرشح ثلاثة أعمال لنيل الجوائز الأولى، أولها سيارة مفخخة في بيروت تم تفجيرها في وقت خروج المصلين من أحد المساجد، قتل الحادث الإرهابي ثمانين وجرح مئتين وخمسين من بينهم أطفال في منازل قرب مكان الحادث، وأثبتت التحقيقات ضلوع وكالة المخابرات المركزية في هذه الجريمة، الحادث الثاني كان قصف تونس بالطائرات الإسرائيلية وقتل وجرح العشرات من التونسيين والفلسطينيين، والمرشح الثالث كما يقول المؤلف هو أول عملية حديدية قام بها شمعون بيريز في آذار 1985 حيث هاجم الجيش الإسرائيلي ما سماه القرى الإرهابية في جنوب لبنان (فوقعت مذابح كبيرة وأعمال وحشية هائلة ص70)، يقول تشومسكي لا أحد يعرف حجم الجرائم الإسرائيلية في لبنان بسبب مبدأ تتبعه الصحافة وذوو الاختصاص في الولايات المتحدة، ينص على عدم إجراء تحقيق فيما ترتكبه «إسرائيل» من أعمال وحشية، أو ما تقوم الولايات المتحدة بارتكابه، وعن سياسة الولايات المتحدة إزاء «إسرائيل» وفلسطين يقول تشومسكي: لقد استمر الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية 35 عاماً، وكان احتلالاً قاسياً وحشياً قمعياً منذ البداية، إضافة إلى سرقة الأراضي والموارد الطبيعية _ ص120)، ويؤكد تشومسكي أنه عندما يشير إلى «إسرائيل» في أية قضية فإنه يعني الولايات المتحدة، لأن ما من عمل تقوم به تل أبيب إلا ضمن الحدود التي تسمح بها الولايات المتحدة.‏ ‏

وعن أحداث الحادي عشر من أيلول يقول: لقد خسرت الولايات المتحدة و«إسرائيل» احتكار العنف بصورة تامة، ومازالتا مهيمنتين في هذا المجال، ولكن لم يعد العنف حكراً عليهما فقط، ذلك أمر مروع إذ كانت أحداث 11 أيلول من النوع ذاته تماماً، ولكن على نطاق عالمي، كان 11 أيلول عملاً وحشياً مروعاً، ولكنه لم يكن جديداً، فهناك الكثير من الأعمال الوحشية المماثلة، والفرق هو أنها حدثت في مكان آخر (ص121)، يقول تشومسكي في تفسير جذور العنف في العقلية الأمريكية، أن هذه العقلية تنطلق من عدم اعتبار ما تفعله أنت بالآخرين مهماً: فمثلاً لو أجريت استفتاء بين المفكرين الأمريكيين حول قصف أفغانستان سيكون التأييد للقصف شاملاً (ص38)، ولكن لا أحد من المثقفين والمفكرين والإعلاميين الأمريكيين يستطيع أن يفهم أن قصف مركز التجارة العالمي قد جاء رداً على حروب وبشاعات أمريكية كثيرة في الكثير من بقاع العالم إنهم في الولايات المتحدة لا يفهمون أن علينا أن نطبق على أنفسنا المعايير التي نطبقها على غيرنا، ومن يقول ذلك يرى فيه المحيطون به معتوهاً أو موالياً لأسامة بن لادن، أو من أنصار الأعمال الاستشهادية في فلسطين، يقول تشومسكي بوجود التزام أمريكي عام باستخدام العنف للسيطرة على العالم، ففي أيار 2002 قام ولي العهد في العربية السعودية بزيارة نيويورك، وقال للمسؤولين أن انتفاضة على وشك الانفجار في الوطن العربي وعلى الولايات المتحدة تلطيف دعمها للعنف الإسرائيلي، يسأل تشومسكي بماذا أجاب رجال الإدارة؟.. جاء الرد في صحيفة (نيويورك تايمز): انظر ما فعلناه في العراق أثناء عاصفة الصحراء، نحن اليوم أقوى عشر مرات مما كنا عليه حينذاك، وإن كنت تريد معرفة مدى قوتنا فانظر في ما فعلناه في أفغانستان، وكعالم في اللسانيات يقول تشومسكي: (يوجد في صلب المقدرة اللغوية هذه المعترف بها منذ قرون، ما يسمى الجانب الإبداعي، القدرة الطليقة للقيام بما نقوم به أنا وأنت _ أي التعبير عن أفكارنا دون حدود.. هذه المقدرة جزء من الطبيعة البشرية (ص52) والاستنتاج هو أن البشر متماثلون في الجوانب الأساسية في طبيعتهم، ولذلك فإن أي قرار أو فعل في السياسة وسواها يفترض أن يراعي ذلك، أي أن يتصرف على أساس مفهوم أخلاقي بالحد الأدنى، وذلك ما تفتقر إليه الثقافة الأمريكية، التي تنهل من ينابيعها سياسة الإدارة الأمريكية الحالية والإدارات السابقة، والفرق يوجد في شدة الميل لاستخدام العنف المفرط أو المتقن بين إدارة وأخرى.‏
منقول ‏

المؤلف: نعوم تشومسكي‏ ‏

الناشر: دار الفكر دمشق _2003‏ ‏

ترجمة:ابراهيم يحيى الشهابي ‏ ‏