المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حادثة



البشير الأزمي
20/12/2006, 12:09 PM
حادثة




إلى الأخ المبدع "السي" محمد اللغافي.
الذي جعل شخوصه واعين حتى بعد موتهم





غاظني ما سمعته منه هذا الصباح، ما كنت أتوقع أن يمطرني شتائماً، ويسقيني بأوضار تلعثمه القولي و يغرقني بأدران فهاهته الكلامية، و هو الذي عهدته هادئاً في غضبه، حليماً في شدته.لم أقو على تحمل ما سجله في حقي من عبارات نابية تخرج من فيه كشظايا قنبلة انفجرت و تشتتت لتصل إلى جميع مواقع خارطة جسدي و تتعداه لتغوص إلى أعماق نفسي وتحدث فيها شرخاً عميقاً..

أشار إلي بسبابته التي قربها من عيني اليسرى حتى بدت لي أكبر من رأسي، حجبت الرؤية بين عيني و وجهه،و رعد في أذني : أنت مطرود، و دوى الصدى: مطرود..مطرود..تصببت عرقاً و بحثُّ عن لساني أستعين به للاستفسار عن السبب،لم أعثر له على أثر، أدخلت سبابتي إلى الثقب الأسفل في وجهي باحثاً عن لساني لأخرجه في وجهه كناية عن عدم اكتراثي بما يقول، فلم أجد إلا ثقباً فارغاً..التفت حولي فبدا لي بقية الموظفين يسترقون النظر إلي من وراء شاشات حواسبهم و يَزْوُون بين حواجبهم في إيقاع واحد، كأنهم يستجيبون لرئيس فرقة موسيقية...طأطأت رأسي و غادرت المكتب..هممت باجتياز الشارع العريض و المليء بالحركة في مثل هذا الوقت من اليوم..صدمتني سيارة فاخرة، تقودها امرأة، وقعت أرضاً.. انتشر ضوء أبيض حولي عم المكان برمته.. بدا لي الناس حولي في أشكال غريبة غير متناسقة. و أصوات تنأى و تقترب في حركات ارتدادية..اقترب مني أحدهم.. أخذ بيدي و كأنه يعد حسابا، مستعيناً بأصابعي يضم بعضها إلى بعض، أخد سبابتي و عزلها عن باقي الأصابع، و هو يقول موجهاً الكلام إلي: ردد معي : "لا إله إلا الله محمد رسول الله "، سمعت امرأة تقول: مسكين لا زال في مقتبل العمر، و التفَتَتْ إلى من كان جانبها تسأل: هل ترك أيتاماً. قلت، و لا أدري إن سمعني أحد لأن لا قوة لي على الكلام: لعنة الله عليك، أنا لازلت حياً..من بين الجمع خِلْتُ أني أعرف أحد الواقفين، إنه جاري في الحي القديم، حاولت رفع يدي و الإشارة إليه فخانتني قواي..أحس بالدم يُبلل ملابسي..بارتعاشة تسري في جسدي..اقتربَتْ مني فتاة في مقتبل العمر ،انحنت و وضعت أذنها على الجهة اليمنى من صدري، لمسَتْ بثديها يدي اليسرى..سَرَت ارتعاشة في بدني، و قلت: آه لو كنت أستطيع أن أضمك إلى صدري و أنا أودع الدنيا.. لكان موتي موت الشهداء..صاحت: هاتفوا الإسعاف...هاتفوا الإسعاف...

حضر رجال الإسعاف، حملوني فوق النقالة..و بقوة أدخلوني إلى سيارة الإسعاف..جلس الممرضان إلى جانبي..قال الذي كان على يميني..لم يجد وقتاً للموت إلا وقت تناول وجبة الغداء..ابن الزانية.. دوى صفير السيارة..عرجت بقوة على اليمين.. اصطدم رأسي بالنقالة.. وضعوني في مستودع الأموات..أقفلوا باب المستودع..في ظلمة الصندوق..بدا بصيص من النور يبدو قرب رجلي.. يتقدم إلى ساقي.. ويعبر الجسد صاعداً إلى أعلى..اقترب مني و بدا لي كوحش ضار يفتح فاه ليبتلعني.. اتسعت دائرته بحجم رأسي، حاولت التراجع إلى الخلف خشية أن يقضمني..لم أقدر فابتلعني..


البشير الأزمي

تطوان 20/12/2006

خليد خريبش
21/12/2006, 07:59 PM
ينال الكاتب من ذاته في بعض الأحيان،
يتصور نفسه تتعذب،
تتمزق،
تموت....
عبارات قصيرة فقط حول القصة ،شكرا على هذه المشاركة

البشير الأزمي
22/12/2006, 09:06 PM
لا داعي للشكر أخي العزيز،

لكن هلاَّ وضعنا فاصلاً و لو منهجياً بين الكاتب و الفاعل الأساسي في النص، فإلى متى سنظل جاعلين تطابق ذات المبدع بذات الفاعل، فأنا الذي كتبت النص.. و لا أدري كيف أنال من ذاتي، و لا أتصور إطلاقاً نفسي تتعذب أو تتمزق أو تموت..كما أشرت أخي العزيز.. أضع مسافة بيني و بين شخوصي، فهي، أي الشخصيات، كما أشار إلى ذلك "Alain Robe-Grillet"في كتابه "من أجل رواية جديدة" Pour un nouveau roman, Éd. de Minuit, 1963 شخصيات ورقية، لا تجد لها سجلاً حياتياً.. و هي مرحة أحياناً بئيسة يائسة أخرى..سعيدة تارة و شقية أخرى.. فهل معنى هذا أنها مرآة لذات المبدع، أو أني احمل في ذاتي بذرة التناقض..

المنهج النفسي، أخي العزيز،واحد من بين المناهج التي تساعد على فتح آفاق لقراءة النص/ النصوص..و ليس الوحيد الأوحد..لكن داخل حقل المنهج النفسي نجد اتجاهات متعددة و لا تلتقي جميعها على جميع الأصعدة ..و أتذكر أن الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد حين كتب عبقرياته، اعتمد المنهج النفسي عند تحليل شخصياته.. إلا انه المنهج كما وظفه العالم النفسي الإيطالي " لومبوزو" و قد كان "لومبوزو" متخصصاً في علم النفس الإجرامي.. فحدد صفات دقيقة و محددة يعرف بها المجرم.. و لما طبق الأستاذ هذا المنهج في عبقرياته، أسقط المفاهيم على شخصيات " عبقرية" كعمر بن الخطاب و أبي بكر الصديق و غيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً.. مع عدم مراعاة الفارق بين المقيس و المقيس عليه، حسب تعبير الأصوليين. سقت كل ذلك لأشير و بأحرف بارزة أن الذوات في النص تتحول إلى موضوعات بل إلى مؤشرات يتغيى من خلالها الكاتب طرح أو مقاربة موضوعة محددة. و وضع الكاتب و شخوصه في خانة واحدة قمين بأن يشوش على النص من خلال عملية الإسقاط الغيرالبريء. و أحترم رأيك و إن لم يكن قراءة بل كان مجرد انطباع أو كما سميتها أخي العزيز" عبارات قصيرة فقط حول القصة"

و لك أخي العزيز تحياتي. و لا تبخل علي بملاحظاتك فهي تشجعني و تقويني.

البشير الأزمي

نطوان 22/12/2006

خليد خريبش
22/12/2006, 09:53 PM
تحية إلى الأخ أبو الكمال التطواني


صحيح ما علقت به،هذا ما كتبته بالضبط حينما دارت مناظرة بيننا أنا،أنت والأخ المدير العام،حول نصك "موت"
أماالعبارات التي علقت بها ،فهي ليست إسقاطا،فأنا قلت بالحرف :أن الكاتب يتصور نفسه، قلت :يتصور بمعنى أن الكاتب يستطيع أن يعبر عن عواطف مختلفة ويتقمص مواقف متعددة وهذه صفة مشتركة بين المبدعين،وقلت ينال من ذاته فهذا شعور طبيعي مشترك بين جميع الناس،يناوبهم في بعض اللخظات .وقلت الكاتب،كلمة الكاتب عبارة تدل على جميع الكتاب وليست شخصية كاتب هذا النص بالضبط،أما تناول النصوص من خلال مقاربة أحادية الجانب يعني منهج واحد فذلك يؤدي إلى حكم غير صائب،صحيح
وقد أشرت إلى ذلك في تعليقي على قصتك موت.
وأنا أتقبل كل انتقاد وتعليق بصدر رحب، تحية مرة أخرى.