المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هنا و هناك



البشير الأزمي
15/12/2006, 02:00 PM
وضع يده على الكتف اليمنى لابنه، عبرا مدخل الحديقة من الجهة الغربية، ربت على رأسه وهو يقول:

اسمع يا بني، ها قد أصبحت رجلاً، أتذكر يوم كنت في مثل سنك، عندما انتقلت أسرتي للاستقرار بهذا الحي، كانت هذه الحديقة مزبلة كبيرة، كنا نسميها "أم المزابل"، كانت رائحتها تهاجمنا ليل نهار، لم تكن جدتك تستطيع فتح نوافذ البيت رغم الحرارة التي كانت تجعلنا نتصبب عرقاً داخله ؛البيت الذي كان يحلو لجدك أن يسميه "قصر الكوخ"، في حين كانت عمتك تنعته بالحمام التركي..لكن بفضل مجهودات المنتخبين، ممثلي المجلس البلدي، تحولت المزبلة إلى حديقة.. لم يعترض أحد على الاقتراح الذي قدم لتحويلها إلى حديقة، بل اقترح الجميع أن يساهم و يضحي .. هذه يا بني صورة صادقة للوطنية الحقة، لم ينبس الابن بكلمة بل اكتفى بهز رأسه دلالة على الموافقة على رأي الأب، وتابعا سيرهما وهما يستمتعان بجمال الطبيعة..

انظر، يا بني، تلك العمارات الشاهقة، بل هذا الحي بأكمله، كان، عندما كنت في مثل سنك، فراغاً، اقترح ممثل المدينة في البرلمان أن تعمل الحكومة على إنشاء مكتبة ومسبح وملاعب رياضية، فتمت الموافقة على ذلك بالاجماع في أول جلسة برلمانية، و لم تمر أيام معدودات حتى بدأنا نشاهد شاحنات كبيرة تفرغ المعدات، وبدا العمل، فكانت النتيجة ما تراه الآن وتستمتع به أنت و أقرانك. جمعيات الحي و جمعيات المجتمع المدني بدورها ساهمت في هذا البناء.. فالكل يعتبر أن النهضة و التقدم مسؤولية الجميع و ليس قصراً على الحكومة.. لم يكن، يا بني، يجد الأطفال مكاناً لهم في المدارس، فالحرب العالمية دمرت كل شيء.. و لكن رغبة الجميع في محاربة القهر و الفقر و الجهل، جعلت الجميع يساهم كل حسب تخصصه و قدراته، فأنشئت المدارس و الكليات و الأحياء الجامعية، و استفدت أنت منها، و حققت ما حققت من نجاح يا بني، فحمداً لله و شكراً له...

نظر الابن إلى وجه أبيه و حذق فيه ملياً وقال : ماذا لو كنا بقينا في بلدنا أو أي بلد عربي آخر... صمت الأب صمتاً رهيباً و لم يربت على كتف ابنه....


البشير الأزمي

تطوان/ المغرب

15/12/2006

خليد خريبش
15/12/2006, 03:02 PM
نصوص قصصية محكمة لغويا أسلوبيا وفنيا ،أمتعتنا بهذه النصوص الهادفة ،شكرا أخي أبو كمال بالتوفيق إن شاء الله.

البشير الأزمي
15/12/2006, 03:56 PM
مرورك يشجعني، شكراً أخي رغم أنك "مهلوس"

تحياتي

طارق شفيق حقي
17/12/2006, 10:34 PM
... صمت الأب صمتاً رهيباً و لم يربت على كتف ابنه

تململت لا أعرف رداً

لكن ذبت خجلاً من نفسي فوطني أكبر مني أكبر حتى من خذلاني

جميلة بحق

البشير الأزمي
17/12/2006, 11:42 PM
وطني يبقى وطني .. وصمت الأب بلاغة..
دمت بليغاً اخي طارق..
لك تحياتي

طارق شفيق حقي
18/12/2006, 09:02 PM
وطني يبقى وطني .. وصمت الأب بلاغة..
دمت بليغاً اخي طارق..
لك تحياتي



هناك بيت رائع أذكر بعضه ساعدني...( وطني لو شغلت بالخلد....

وأخر يقول
بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام

البشير الأزمي
18/12/2006, 10:55 PM
البيت، أخي طارق ، من قصيدة للشاعر العربي أمير الشعراء، و قد كان العقاد، يلقبه شاعر الأمراء و ينفي عند الشاعرية، وهذا موضوع آخر، يحتاج إلى وقفة متأنية..أقول البيت لشوقي، و هو من نتاج مرحلة النفي في الأندلس، و هو وارد في أرجوزته " دول العرب و عظماء الإسلام" المكونة من أربعمائة و ألف بيتاً (1400) شكلت أربعاً وعشرين قصيدة، تطرق فيها إلى تاريخ الأمة الإسلامية، يصنفها النقاد في ما اصطلح عليه بالشعر التعليمي.

و هو متواجد في منفاه اشتد به الحنين و طال به الشوق إلى وطنه، أنشد قصيدته " الرحلة إلى الأندلس" يعارض فيها قصيدة للبحتري القصيدة التي يصف قيها إيوان كسرى، و التي مطلعها:

صنت نفسي عما يدنس نفسي
و ترفعت عن جدا كل جبس

و فيها يقول:

أحرام على بلابله الـــــدوح
حلال للطير من كل جنـــــس

وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن عيوني
شخصه ساعة و لم يخل حسي

و لك أطيب التحيات

طارق شفيق حقي
19/12/2006, 03:44 PM
البيت، أخي طارق ، من قصيدة للشاعر العربي أمير الشعراء، و قد كان العقاد، يلقبه شاعر الأمراء و ينفي عند الشاعرية، وهذا موضوع آخر، يحتاج إلى وقفة متأنية..أقول البيت لشوقي، و هو من نتاج مرحلة النفي في الأندلس، و هو وارد في أرجوزته " دول العرب و عظماء الإسلام" المكونة من أربعمائة و ألف بيتاً (1400) شكلت أربعاً وعشرين قصيدة، تطرق فيها إلى تاريخ الأمة الإسلامية، يصنفها النقاد في ما اصطلح عليه بالشعر التعليمي.



و هو متواجد في منفاه اشتد به الحنين و طال به الشوق إلى وطنه، أنشد قصيدته " الرحلة إلى الأندلس" يعارض فيها قصيدة للبحتري القصيدة التي يصف قيها إيوان كسرى، و التي مطلعها:

صنت نفسي عما يدنس نفسي
و ترفعت عن جدا كل جبس

و فيها يقول:

أحرام على بلابله الـــــدوح
حلال للطير من كل جنـــــس

وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن عيوني
شخصه ساعة و لم يخل حسي

و لك أطيب التحيات


يزيد تصفيقي

رائع

البشير الأزمي
19/12/2006, 06:03 PM
شكراً أخي طارق، وهاك المزيد؛


أخي طارق، مفهوم الوطن مفهوم حديث، لا أظن أنه كان له نفس الدلالة في عصور سابقة مثل الدلالة التي يحملها اليوم، فقد نعثر عبر ثنايا قصيدة/قصائد على لفظ الوطن / الأوطان، في الشعر العباسي مثلاً، إلا انه، في الغالب، كان يقصد به البيت.

فقد عاتب ابن الرومي سليمان بن عبد الله بن طاهر الذي باع داره وهاجرها بسبب الضغط المادي، عاتبه بقطعة شعرية جميلة يقول فيها:

وحبب أوطان الرجال اليهم ****** مآرب قضاها الشباب هنالكا

اذا ذكروا أوطانهم ذكرتهموا ****** عهود الصبا شوقاً فحنوا لذلكا

ولي وطن آليت ان لا ابيعه ***** وان لا ارى غيري له الدهر مالكا

فلم يكن الوطن عنده عير البيت
هات تصفيقة ثانية !!!!

تحياتي