المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شهداء طنجة – وقرطاج – وسوق أهراس



عبدالسلام زيان
08/12/2006, 01:58 PM
شهداء طنجة – وقرطاج – وسوق أهراس

بنو جلدتكم تفشّى فيهم العمى حيث إنهم يرون كل شيء بعيون الغربي .

بعد قرائتي لملفات المحاكم والتهم الموجهة ضدكم إستنتجت أنكم كلكم رفضتم عبادة الفرد والعنصرية الغربية.

سأبدأ بأشهركم وهو سبري شهيد قرطاج :

ناضلت الى آخر لحظة في حياتك من أجل كرامة الإنسان , وقفت فوق المنصة وسط سهل sexti بضواحي قرطاج ورفضت أن تسمح للسفاح أن يضع العصابة فوق عيناك وخلعت معطفك بنفسك , لم تتمكن من تقييد يديك بنفسك فطلبت من كاتبك جوليان أن يقوم بذلك .

آخر مشهد في حياتك كان الآلاف من البشر , وآخر صوت سمعته كان صياحهم اقطعوا رؤوسنا معه .

كنت تقول إن الموت تاج سماوي والشهيد يتطهر بدمائه , وتركت الكون ودخلت عالم المجهول حسب فهمك له .

في يوم 30 أغسطس 257 م قام Paterne باستدعائك بمقر مكتب المستعمر بقرطاج ليقول لك إن القيصران المقدسان Vallerien و Gallien قررا ملاحقة كل من لا يعترف بآلهة الرومان , وقد أخبرتهم عنك فما هو جوابك ؟

وكان ردك قصيرا : لا أعترف بآلهة غير الله الواحد الحقيقي الذي خلق الأرض والسموات ... إننا نعبده ليل نهار ... إله كل البشر بما فيهم القياصرة .

طلب منك أن تمده بأسماء المعارضين لروما فرفضت ذلك وقلت له "لا يمكن لي كشف هويتهم وخيانتهم" وختمت كلامك بـ "قم بواجبك" .

قرّر نفيك الى بمدينة Curube وهي مقرّ ولادتك وأرض أجدادك ( إن لم تخني الذاكرة هناك مدينة إسمها قربة أو قربه بوسط أو شمال تونس ).

زارك أعيان العالم بمنفاك عندما سمعوا الخبروحاولوا إقناعك بالهروب ورفضت انت ذلك .

ترك المراقب العام Paterne قرطاج وحل مكانه Galere Maxime وأول ما قام به هو استدعاؤك الى قرطاج يوم 13 سبتمبر 258 م .

أخذوك الى مكتب المراقب العام الروماني بحي saturne بين شارعي venus و salutaire , علِمت العامة بقدومك وتجمعوا بالآلاف أمام المكتب , طلبت منهم أن لا يتركوا الأطفال بينهم لأنك تعرف مسبقا ماذا سيكون الحكم .

حاولت روما أن تتخلص من دمائك وأعطتك فرصة أخيرة .

بلقائك مع Galleri Maxim الذي دام بضع دقائق ,

- قال لك حرفيا "الامبراطوران المقدسان طلبا منك أن تقدم القربان لآلهة الرومان" .

- وكان جوابك : لا أفعل ذلك .

- فكّر مليا ..

- إفعل ما أمروك به في هذه القضية العادلة , ليس هناك شيء يستحق التفكير.

بعد المشاورات مع أعضائه بدأ Galleri في قراءة الحكم :

"لقد عشت طويلا وأنت تدنّس المقدسات , جمّعت حولك الكثيرين الذين ساعدوك في ارتكاب هذه الجرائم , جعلت من نفسك عدوا للآلهة الرومانية وقوانينها المقدسة , قياصرنا الأنقياء والمقدسون , Valerien و Gallien و Augustes و Valerien والنبيل الكبير Cesar .... لتكون مثلا للآخرين , دمائك ستكون عقوبة القوانين" .

وبعدها قرأ قرار المحكمة وهو الحكم عليك بقطع الرأس بالسيف .

فكان ردك : رحمتك يا رب

قامت مظاهرة عارمة وانتشر الشغب بقرطاج وصاحت الناس "إقطعوا رؤوسنا معه" .

إقتادوك الى سهل sexti بضواحي قرطاج وهناك قطع المستعمر رأسك وغادرت هذا العالم .

مع هبوط الليل أخذك أنصارك الى مقبرة ماكروبيوس كانديديانوس بشارع les mappales مبّالا بقرطاج وهناك دفنوك , وكانت الناس تحتفل بذكرى موتك قرونا بعد زوالك .

قامت حركة وطنية بعدك إسمها الحركة الدوناتية وحاربَت روما , إعتمدت هذه الحركة على تأويلاتك وتأويلات ترتول للدين , ورفضت التأويلات الغربية وكانت حركة نصرانية شرقية بحته تعاملت مع النصارى الآخرين ببلاد مصر والشام .

بعد موتك بحوالي قرنين صعد إلى الساحة روماني عدو لدود لسكان المنطقة والمشرق ككل إسمه أوغسطين , يتخذه بنو جلدتك الآن كزعيم روحي . لقد وجدت أن هذا الثرثار المتناقض في كتابه الأول بالجزء الأول الذي شن فيه حربا كبقية أكثر كتبه ضد النصارى الوطنيين قال : الدوناتيون أخذوك كمرجع ديني ولا حق لهم في ذلك بل إنك تمثل الكنيسة الغربية , لكنه تكلم عنك بكل إحترام لأنه كان واع بمدى شعبيتك وحب الناس لك بشمال افريقيا , لكن بكتابه الثالث غيّر رأيه وقال في أكثر كتبه إن تأويلاتك كانت خاطئة , وكتب عنك الكثير . في البداية كان يقول القديس سبري , لكن لأسباب غير واضحة حذف كلمة قديس وصار يقول سبري فقط .

قلت إنك يوميا كنت تقرأ لصديقك حكيم قرطاج ترتول لتشعر بالراحة والإطمئنان , ومن لا يشعر بالراحة عندما يرى كيف يحارب ترتول الوطني بلسانه الحاد الأفكار المستوردة والعنصرية والاستعمار ويحارب المتعقربين , الشاذين ..الخ مثلما كان يقول عن الخونة ؟ لكن ترتول كان فيلسوفا ثائرا وعلاقته بالدين غير واضحة وأظن أنه استغل الدين لضرب روما وتحريك العامة وتحريرها من الإستعمار ويقال أنه مات مانويّا .

لقد كنت متواضعا .. رسائلك أراها مرجع هام جدا لمن يريد أن يعرف حال المجتمع في عهدك , وأظن أن رسالتك الثانية تثبت أن مفهومك للإنسان وحريته أسمى من مفهوم كنائس اليوم وإنسان اليوم , فمثلا عندما سألوك عن معلم بمدرسة إبتدائية كان يرتدي لباس نساء ويتصرف مثل النساء ويطلب من الأولاد الصغار أن يفعلوا ذلك كان ردك واضحا :

"ما يقوم به هذا المعلم اللعين وسط الصغار هو عمل إجرامي ومخالف للقوانين المقدسة" , لكنك لم تطلب حرقه أو صلبه مثلما فعلت الكنائس حتى في الأزمنة الأخيرة , بل طلبت من الكنيسة أن تمده بالطعام واللباس طول حياته كبقية الفقراء وأن لا تطرده , وعرضت عليه أن يدرّس مادة أخرى بكنيستك لخدمة الرب ويتخلى عن تدريس الأطفال .

في رسالتك لصديقك لوقيان تسأله فيها عن حاله كنت تقول له إنك صغير ( رسالة 21 )

وفي كتابك ( سيرة العذروات 1 ) تكلمت عن المرأة والإخلاق وقلت : "أنا أصغر وآخر الكهنة , وآخر من سيتكلم عن الإخلاق" .. الخ لكن كنت فعلا تؤمن بالمساواة بين الجنسين .

حاربت تسلط الرجل واستعماله العنف ضد المرأة , وكنت ترى أن المرأة يجب عليها أن ترتدي لباسا محتشما , وأن لا ترى نفسها مخلوقة لإشباع رغبة الرجل .

إنتقدت النساء الثريات اللواتي يتباهين بأموالهن أمام الجميع إنتقادا لاذعا , وقلت إن الأموال والثراء وسخ الدنيا . (ما أعجب له أنه على ما يبدو كان للمرأة نفوذ كبير في ذلك العهد حيث نرى مثلا أن فيلسوف سوق أهراس أبو ليج تزوج بامرأة ثرية جدا , وهناك عدة نساء لعبن دورا كبيرا في الثورة ضد المستعمر .

بكتابك ( vanite des idoles ) حاربت عبادة الفرد والملوك , ولقبت من يعبدهم بفظ وبليد وتكلمت عن روما وقلت إن الحظ الأعمى هو الذي لعب دوره لتصبح قوة عظمى وتضرب قرطاج , وكشفت لنا أسرارا حول الأساطير وكيف صُنعت .

سأرجع لك ولكتبك عدة مرات وسأرجع لرفضكم جميعا للفكر الهلليني الذي دخل على النصرانية .

رغم الإستعمار آمنتم بأن الأفكار لا يمكن استيرادها كما هي , وآمنتم بأن أيا كان يمكن له أن يتحرر من قيود العنصرية والعبودية .

سبري لو كنت على قيد الحياة في زمننا هذا لقطعوا رأسك مليون مرة ليتأكدوا من موتك , لأنك حاربت عبادة الفرد والملك .

سبري لو كنتَ غربيا , سواء كنت وثنيا أو عبدت الشياطين , إني واثق من أنهم كانوا سيعطوا إسمك لشوارع وميادين لتخليد ذكراك , لكن شوارع وميادين بني جلدتك تحمل اليوم أسماء من قام باستعمارنا وإذلالنا .

...........................

يتبع شهداء طنجة بالمغرب وقرطاج وسوق أهراس ومصير بعض الأفراد وكيف كانت حياتهم في أيامهم الأخيرة .



::::::::::::::::::::::::::


يوسف لسمود قام بتصحيح المقال

طارق شفيق حقي
11/12/2006, 06:25 PM
أكتشف معك دائماً ما لا أعرف من أركان المعرفة

زدنا زادك الله