البشير الأزمي
19/11/2006, 03:57 PM
في مكتبه الكائن بالشارع الرئيسي للمدينة، في الطابق الرابع، جلس الضابط إلى مكتبه، و إلى جانبه وقف مساعده، فتح درج المكتب و أخرج المحفظة التي حفظ فيها الملف.. قام و اتجه نحو المشجب، في الركن الأيمن للمكتب، أخرج علبة سجائر من جيب بدلته الرمادية، بحث عن الولاعة، لم يعثر على أثر لها، تقدم منه مساعده، أخرج علبة عود الثقاب، ولَّع للضابط سيجارته،عاد الضابط إلى مقعده،
بدأ يقلب الأوراق و يفرزها، أخذ المذكرات اليومية ، وضعها في ملف جديد وكتب عليه، بخطه الرديء الذي طالما عاقبه معلمه عليه،يوم كان تلميذاً في الصف الثالث، كتب عليه"مدكرات"، انتبه المساعد إلى إهمال الضابط وضع النقطة على حرف الدال، وقال بتهكم: الآن عرفت لماذا كان أستاذ مادة اللغة العربية يعاقبك بالضرب عند كل حصة...لم يجبه الضابط،، نظر إليه نظرة استصغار، و تابع جمع الأوراق وتصنيفها و وضع كل صنف في ملف خاص..
ضغط على زر الجرس، طلب فنجان قهوة، رتب المذكرات حسب تاريخ كتابتها، أخذ المذكرة الأولى وقرأ...
*****
الثلاثاء 13/03/........
العاشرة و أربعون دقيقة
.......شروق الشمس في هذا المكان وفي مثل هذا الوقت يختلف عنه في أنحاء أخرى...لم تعد الشمس مضيئة كما عهدها قبل سفره، يبدو له ضوءها أقل سطوعاً بل باهتاً ... أحس بحرارتها و كأنها خمدت عما كانت عليه يوم كان يلهو مع صبيان الحي طول الوقت إلى أن تطل أمه من نافذة الطابق العلوي للبيت تدعوه للدخول إلى المنزل، أو على الأقل وضع قبعة على رأسه تقيهمن ضربة شمس ....حاول أن يفتح عينيه وينظر إلى الشمس، وجاهد لتظل نظرته مسافة زمنية أطول، كما كان يفعل و أصدقاؤه في صباه..عدل عن فكرته تلك و هو يتذكر العصا التي هوت على ظهره عندما تحدى أباه بالنظر إلى الشمس بالعين المجردة، رغم تحذيره من ذلك، و تركت آثاراً بادية في أعلى كتفه الأيمن، ظل يحاول إخفاءها لمدة طويلة، حتى و هو على الشاطئ كان يرتدي قميصاً داخلياً ...
لم تعد للزقاق رائحته المعهودة، تلك الرائحة التي تمتزج فيها روائح عديدة .. رائحة المأكولات وهي تطهى ممزوجة برائحة الحطب المستعمل من طرف بعض الباعة للطهي و التدفئة..بل الرائحة الوحيدة التي أصبحت تشغل سكان الحي تلك التي تنبعث من مصاريف المياه العديمة، و التي طالما قدم سكان الحي شكايات للمسؤولين في قصر البلدية و لممثلي السكان بالجماعة...
......عبر الزقاق بخطى وئيدة، خطى العليل الذي نهض لتوه من مرض طويل، يقدم رجلاً تلو الأخرى بشكل يوهم الرائي أنه يخشى وطء قنبلة فتنفجر ....يلتفت يمنة و يسرة ينظر إلى الجدران و الشرفات كأنه يراها لأول مرة، بدت له مختلفة عما كانت عليه من قبل....
كان يردد دائماً: علاقة الإنسان بالمكان علاقة حميمية ، يبتسم بتهكم، ويقول لنفسه، و بصوت عال، أية حميمية بمكان رائحته تزكم الأنفس... علاقة حميمية .. مياه عديمة.. إنه الجنون..
*****
(يتبع)
البشير الأزمي
بدأ يقلب الأوراق و يفرزها، أخذ المذكرات اليومية ، وضعها في ملف جديد وكتب عليه، بخطه الرديء الذي طالما عاقبه معلمه عليه،يوم كان تلميذاً في الصف الثالث، كتب عليه"مدكرات"، انتبه المساعد إلى إهمال الضابط وضع النقطة على حرف الدال، وقال بتهكم: الآن عرفت لماذا كان أستاذ مادة اللغة العربية يعاقبك بالضرب عند كل حصة...لم يجبه الضابط،، نظر إليه نظرة استصغار، و تابع جمع الأوراق وتصنيفها و وضع كل صنف في ملف خاص..
ضغط على زر الجرس، طلب فنجان قهوة، رتب المذكرات حسب تاريخ كتابتها، أخذ المذكرة الأولى وقرأ...
*****
الثلاثاء 13/03/........
العاشرة و أربعون دقيقة
.......شروق الشمس في هذا المكان وفي مثل هذا الوقت يختلف عنه في أنحاء أخرى...لم تعد الشمس مضيئة كما عهدها قبل سفره، يبدو له ضوءها أقل سطوعاً بل باهتاً ... أحس بحرارتها و كأنها خمدت عما كانت عليه يوم كان يلهو مع صبيان الحي طول الوقت إلى أن تطل أمه من نافذة الطابق العلوي للبيت تدعوه للدخول إلى المنزل، أو على الأقل وضع قبعة على رأسه تقيهمن ضربة شمس ....حاول أن يفتح عينيه وينظر إلى الشمس، وجاهد لتظل نظرته مسافة زمنية أطول، كما كان يفعل و أصدقاؤه في صباه..عدل عن فكرته تلك و هو يتذكر العصا التي هوت على ظهره عندما تحدى أباه بالنظر إلى الشمس بالعين المجردة، رغم تحذيره من ذلك، و تركت آثاراً بادية في أعلى كتفه الأيمن، ظل يحاول إخفاءها لمدة طويلة، حتى و هو على الشاطئ كان يرتدي قميصاً داخلياً ...
لم تعد للزقاق رائحته المعهودة، تلك الرائحة التي تمتزج فيها روائح عديدة .. رائحة المأكولات وهي تطهى ممزوجة برائحة الحطب المستعمل من طرف بعض الباعة للطهي و التدفئة..بل الرائحة الوحيدة التي أصبحت تشغل سكان الحي تلك التي تنبعث من مصاريف المياه العديمة، و التي طالما قدم سكان الحي شكايات للمسؤولين في قصر البلدية و لممثلي السكان بالجماعة...
......عبر الزقاق بخطى وئيدة، خطى العليل الذي نهض لتوه من مرض طويل، يقدم رجلاً تلو الأخرى بشكل يوهم الرائي أنه يخشى وطء قنبلة فتنفجر ....يلتفت يمنة و يسرة ينظر إلى الجدران و الشرفات كأنه يراها لأول مرة، بدت له مختلفة عما كانت عليه من قبل....
كان يردد دائماً: علاقة الإنسان بالمكان علاقة حميمية ، يبتسم بتهكم، ويقول لنفسه، و بصوت عال، أية حميمية بمكان رائحته تزكم الأنفس... علاقة حميمية .. مياه عديمة.. إنه الجنون..
*****
(يتبع)
البشير الأزمي