المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذاكرةالحياة... النفس الجديد



خالد ساحلي
12/11/2006, 07:16 PM
أنت الباحث عن الطفولة الهاربة تنفض غبار الذاكرة عن صندوق الذكريات، ذاك الكنز الغالي الثمين ، تركض وراء الأشباح و الصور لؤلئك الأصدقاء العابثين بالحياة كانوا يعبثون بها حقيقة ، لاهية قلوبهم كما عقولهم ، الوقت يتلاشى منهم يلاحقهم يمرح معهم ، أتراك تجُب ما قبل هذا العمر ، بين مراحل الألم و مرارة الوخز المعذب للإحساس ، تلك الأشياء تتشكل صورا تستحيل ومضات على شريط الآني ، تتكون الأحداث مشاهدا تتجمع تجتمع في أعماق التخيل ، للتخيل عمق ساحله لا يضاهيه عمق حين يلملم جرح الأيام ، يغسله برحيق العمر المبتور من قدر السنين ، يلّم الجرح كما الحنين بعضه بعضا قطعا ، يجبر كسر الماضي من حلو و شغب ، لا نتذكر المرارة إلا في رشدنا ، للطفولة التي رفرفت عصافيرها
و أطيارها على أفنان التعلق بأماني زمن الأحاجي التي تنسجها الجدة كما الزرابي ، تداوي بها أنت جرح الزمن اللاسع و الاحتياج ، بالقلب الصغير يحيا الحب الكبير، يراه شجرة فارهة تمد حياتها ثمرا للآكلين كما الناظرين ، من يحميها لا لمن يحطبها ، بالقلب الصغير يحيا الحب الصغير المتوحد في سذاجة الفهم و التفكير و معرفة قصد الحق بالحق ، هو لا يزال لا يعرف ماهية هؤلاء الحافين من حوله ، لكنه يكاد يرى العالم كله متساوي يشبه بعضه برغم صفعات الفقر و القهر ، يحرم من الكتب الصغيرة الملونة رسومات بألوان زاهية قصص تحكي عن الأميرة و الساحر ، كان يحب ملامسة لون الورق يشم رائحته ، يحب القصص الملونة للأبطال كما يحب قداسة المصحف الشريف ، يشم رائحته كلما عاد إلى المنزل يقبّله يضعه على رأسه يلامس ناصيته يحضّنه ، يأخذ فنجان القهوة من يد أمه دائما ، يصبه من أبريق عتيق ، ينزع حينها سرواله الممزق لا يملك غيره ليخاط ، يلبس الجبة حينها ، الفرحة تملأ ذاك المحيّ ذاك القلب الصغير يحيا به الحب الصغير ، أتراك الباحث في شرايين البارحة ، يمد لك نبض الحياة كما الآن ، ربما يلزمك البحث ساعات في زمن تصنعه جهة ما من ذاتك ، ابو حيان كان رفيقك و أنت كنت جليسه و أنيسه ، تطبق أحيانا كثيرة ما أملاه جلال الدين و إقبال ، الإبراهيمي يحملك بين تعريجاته، تسير إلى أن تصل للجمع الذي قرأ عليهم تباشير الحرف الخالد على مجمع البربر و الأتراك ، هو بشير الخير حمل لهم الحلم الأخضر في عباءة الرؤيا و النبؤة ، يحمل ذاك الشاعر في عنفوان البراءة يصبح بشعره صداحا و ليس في كف يده غير خبز و كسيرة يابسة ، قصاصة الورق و قلم الرصاص المهترأ الداخل يقضمه بأسنانه ليلقى العقاب من معلمة تكره أبناء الفقراء ، تحب التودد لمن يرمي لها هدية، تعطى لها من أولاد يجلسون في الصف الأول و على كراسي جديدة كما الطاولات ، تذكر أن الطاولة التي كانت لكما أنت و ذاك الصبي التلميذ كانت مهترأة قديمة فاسدة ترتفع لمجرد وضع مرفقيك لتحدث فوضى و صوت النشاز ليلقى الشتم و اللعنة عليك ، تذكر ذاك المعلم الحنون ، كان يقسو عليك أنت بالتحديد لتحفظ الدرس و المتن ، تلقى على التلاميذ أشعار المنفلوطي " لقيتها ليتني ما كنت ألقاها " أولئك الأطفال تراهم من حين لآخر يفتتون خبزا يابسا يخرجونه من محفظاتهم ، ذاك غدائهم ، حينما يجوعون فهم فقراء ، و فطور صباحهم ليس غير فنجان حليب ، كنت حينها تذكر أشياء عن الثورة الاشتراكية و الزراعية ، الخبز الذي يأكله الأطفال في القسم خلسة خوفا من المعلم لكنه يلحظهم ، يؤدبهم لكنه الجوع و الاحتياج ، أنت الباحث عن باب السؤال لتدخل دار الجواب ، عن الفناء الحتمي ، عن الفناء المؤقت و الدائم ، عن رحيل الأجساد و الأرواح و بقاء ما يتعلق بحبل الذاكرة ، أنت تذكر يوم موت أخيك ربما حينها كانت الأم لا تملك حتى لباس شتوي يحميه من برد الشتاء ، أتذكر الآن بدخولك شوارع و أزقة الذاكرة و رجوع شريطك للوراء كم كنت حينها تسأل و لا تجهر بسؤالك : عن ماهية الحياة ، القدر المانح الرفاهة كما الشقاء ، كم طرحت من أسئلة : ماذا لو صرت أنت هم و هم أنت ؟ لا شك أنهم يقاسمونك نفس التفكير
لا شك ! التعاسة تصنع الفرح كما الفرح يصير بحزن قرين الحقيقة ، ما الذي يصنع راحة الضمير ؟ للمساكين و الأيتام و المشردين حق تحقيق الذات ، تصير أمانيهم ربما حقيقة تسمعها أنت يوم ذاك من أفواههم ، قد يصير الواحد منهم قائد حرب أو آمرا للزبانية ؟ حينها لا ينفع الندم لقاطع السنابل و آكل غلة الضعفاء ، تذكر كلمات عمك محمد الإمام حين كنت تدخل المقصورة ، " في لمسة اليد و همسة الكلمة الطيبة بني الآخر خلاص العالم " ، أنت الباحث في تلا فيف الحنين تذكر العروس التي كنت تشتري ودها بلعب الطين كنت تصنع من الطين هيئة تماثيل صغيرة ، كنت تشتري ودها بأزهار الفل ، كنت تسرقها من بستان حاكم الدائرة السمين و تهديها إياها ، كانت هي تتزين بألوان الدبلات ، تتدلل عليك ، تحضر لها أحجارا بألوان شتى ، تريد في الوقت نفسه أن لا تتذكر بمجرد اصطدامك بحقيقة الآن ، عروس الأمس صارت تحب لون الأوراق النقدية و العملة الصعبة و اللون الباهر للسيارات هي كسلفاتها ، أنت كنت تشبه في تنبؤاتك مالك بن نبي ، كنت تعرف أن وفائها للأشكال
و الصور ، أنت أيها الباحث في أرض الحلم القديم ، تريد أن تحيي ما مات و الذي مات لا يحيا إلى هناك ، إنه السراب ، للظامئ جرعة ماء يساويها بالحياة ، كما السلطان يساوي ملكه شربة ماء حين يصير الملك لا ينفع ، كما أنت جرعة من ماء الذاكرة الحلوى و المرّة معا يضاهيها النفس الجديد ...الذاكرة هي الحياة.

خليد خريبش
19/11/2006, 01:01 PM
رائع ولي عودة لهذا النص إن شاء الله أحييك