المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص قصيرة -السيد زرد



طارق شفيق حقي
29/10/2006, 05:31 PM
وصلتني الرسالة التالية للمشاركة في المسابقة الأدبية للمربد
للأسف لكن المسابقة قد انتهت


قصص قصيرةبقلم : السيد زردالاسم : السيد أحمد زردالعنوان : مصر – بورسعيد – ش أدهم و الغازي مختارالبريد الالكتروني : said2ahmed2@msn.com (said2ahmed2@msn.com)

يكتب القصة القصيرة و أدب الأطفال صدر له
:** من أزمنة العشق و الارتعاب – مجموعة قصصية – دار الغد – القاهرة 1991** حكايات كراكيبو و زعرب – حكايات للأطفال – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1993** مساك العصا – مجموعة قصصية – سلسلة أصوات أدبية – القاهرة 1994** التعليق علي مواد الافلاس في قانون التجارة الجديد – دراسة قانونية – 2000** الأصابع السحرية – حكاية للأطفال – المركز القومي لثقافة الطفل – القاهرة 2005

قصص قصيرة السيد زرد

لا أحـــــــد

لا تدري كيف يواتيك الإحساس بأنك مراقب ، فتلتفت – فجأة –فتتأكد من تلك الحقيقة . تماما ، مثلما تكون سائرا في الطريق فيواتيك هذا الإحساس ، فترفع عينيك لتجد أن شخصا ما ينظر نحو من شرفة الطابق العلوي بمبني ما قائم هنالك . كنت سائرا أنا الآخر أحمل الحقيبة بيد ، و باليد الأخرى أجفف ما سال من عرقي .. فجأة ، دهمني الإحساس بالمراقبة .. انزعجت .. التوت الرأس مني – دون إرادة – و مسحت عيناي الطريق .. لم أتيقن . عرجت إلي شارع ضيق ، ثم آخر .. التفت هذه المرة ممنيا النفس باليقين .. دهمني اليقين مروعا .. كان يتبعني بإصرار و دون مواربة . زاد العرق غزارة ، غلالة من اللزوجة أحاطت بي ، و العينان النافذتان تتربصان .. تخترق النظرة ظهري ، تصليني .. الخطر يأتي من الخلف ، فالحذر الحذر . تلبستني حالة الطراد .. غير مستطيع التوقف أو التلفت ، و غير مدرك – علي الاطلاق – لما عساه يدور برأس السائر في الخلف .. أي دافع يحث العينين علي الترصد؟ ما الذي يرضي العينين ؟ بما تديناني ؟ تراودني ألف فكرة حمقاء : ماذا لو التفت و مددت يدي و تأبطت ذراع العينين ، و رحنا نجلس في هذا المقهى القريب نحتسي الشاي ، و ربما أضحكتنا ملحة عابرة ؟ماذا لو أفلتُ الحقيبة ، و رحت أعدو بكل ما أملك من وة ؟أي شيء ، و كل شيء يفضل عندي الآن هذا السير الأحمق . حط بقلبي اليأس و التعب ، فقررت مواجهته .. سأفتح له الحقيبة و أريه كيف أنها لا تحوي سوي ثيابي الباليات .. سأفرغ جيوبي لأحصي أمامه قطع النقود الصغيرة و تذكرة القطار .. سأشق رأسي ليتأكد من أن ليس به غير الصداع .. بآخر ما بقي لدي من قوة ، التفت .. لم يكن ثمة أحد .. لم يكن ثمة أحد .هـــــــــــوانإذ يقول لمرأته ، و ما ينصتان لأصوات المارة التي تأتيهما عبر النافذة مشوشة و غامضة :- " لا تحزني ، غدا سأجد مخرجا " .و امتدت يده تربت كتفها في حنان . ابتسمت له بانكسار و مواساة . قام ، أطل من النافذة . طالعته حياة مسائية لأناس لا يعانون مثل حالته . بصق ، و استدار .- " غدا ، سأحاول في أماكن أخري ، ربما ... " .تشاغلت بالصغير النائم بحجرها ، و اختنقت بالبكاء . رغب بالتياع في أن يدخن ، و أن يدفع عن صدره وطأة الليل الرازح بلا انقضاء .تمدد جوارها علي المرتبة المفرودة علي الأرض . تحاضن و المذلة متكورا علي نفسه ، بينما الجوع ينهش آخر قواه . أدار وجهه تجاه الحائط . قال :- " رأيته هذا الصباح " .أنصت ، لم تأته سوي أصوات الشارع . أكمل :- " كان يحمل أكياسا معبأة بالفاكهة و الطعام "تحلب ريقه . وقف . نظر نحو الصغير و نحوها . بدت ملامحها جامدة و الصغير ساكنا . فكر أن يسألها عن مبلغ جوعها . مشي إلي النافذة .- " لم يكلمني ، لم يبد عليه أنه رآني " .حدق في السماء المعتمة . انسحقت روحه تماما ، و هو يشهد عود ثقاب يشعل به أحد المارة سيجارته . زفر . خبط إفريز النافذة . تنبه إلي أنها لم تسأله عمن رآه في الصباح . استدار . كانت ملامحها مازالت جامدة ، بينما الدموع تهمي من عينيها . مال فوقها ، تتناهشه قلة الحيلة و الرغبة في التلاشي . مس رأسها بشفتيه الجافتين ، و تناهي إلي سمعه صوت أقدام تصعد السلم .تصالب بقامته العجفاء . تململ الصغير ، و انقطعت دموع أمه . كان أمل ما يرتقي السلم نحوهم .توقفت الأقدام في الطابق الأخير أسفلهم .أحس – دفعة واحدة – بكل الإعياء و الهوان . ارتمي علي المرتبة . اندلع في داخله التساؤل " " أين الله " ، و استغفر في همهمة لا تبين ، و راح يرقب الصرصور الذي يتسلق الجدار . تساءل في همود :- " هل لم يرني هذا الصباح ؟ " .خفتت أصوات الشارع ، و الجوع في الغرفة توحش . تهاوي علي الفراش . طالعه فخذها المنثني عاريا و حيا . نظر إلي ساقيه العجفاوين . تحسس بأسي عضوه المنكمش . توجع – تماما – كامرأة . ابتهل أن تحدث معجزة . ماعت نفسه . غامت الأشياء أمام بصره . تساند علي الجدار . غادر الغرفة . لم يكن شاهرا سيفا ، بل حاملا هوان رجل فقير .ســــــــــــــــفر كنت كمن هو خارج لتوه من تجربة حب فاشلة . تحمل سحنتك سيماء الأسى ، و تتأبط تذكارات حبك المهيض . تقودك قدماك إلي أطراف المدينة ، أو ربما إلي حيث النهر ينحدر خانعا معتكرا . تنظر نحو فلول العاشقين ، التي راحت تلوذ بالخلاء ، بدهشة و ربما باستهجان . و إذ تعبث بقطع النقود الصغيرة بجيب بنطالك ، تتعثر يدك في تذكرة القطار ، فتخرجها لتطالع الموعد المدون بها ، لكأنك نسيت ! .. باق من الزمن ساعتان . تبسط الدقائق ، و تروح تخطو عليها ببطء .********

أي حزن تحمله محطات القطارات للمفرد الغريب ! و أي وحشة تبثها القطارات إذ تُصفّر مزمعة الرحيل ! ها أنت تتأهب للرحيل ، بلا مودعين أو حقائب . تتلكأ قرب الحاجز تفتش في الوجوه ، علك تعثر علي من يتعرفك ، فيؤنسك أو يحاول إثناؤك عن المغادرة . هو الرحيل ، فانزع عن القلب الرجاء ، و تبوأ مقعدك من القطار المسافر ، و تلفع بأي وجه ترضاه ، حتي و لو كان وجه الخارج لتوه من تجربة حلم مهيض .*********


لست نائما و لا متيقظا ، إنما أنت مسافر ، في قبضة القطار و عوائه المكلوم الذي يفتت منك الروح ، فتتشظي علي مقعدك ، و تسقط عنك كل الوجوه ، لتمكث شائها بلا ملامح أو أفكار ، فقط متشبثا بمقعدك المسافر مناوئا الرحيل .. كم من الوقت انقضي و القطار يسير بك ؟ هل يمكن أن تكون محطتك قد فاتت و لم تتبينها ؟ ليتك أخبرت أحدا من الراكبين بوجهتك . لكن – حقا – ما هي وجهتك ؟!********* ليل ، و مطر منهمر ، و قطط تموء بوهن ، و لمبات صوديوم ممضة .. أي استقبال يليق بوصولك . سرعان ما تبدد النفر القليل من المسافرين الذين حطوا رحالهم معك ، و تبقت الشوارع خالية ، تومض فيها أعين عربات تولول إطاراتها في المنعطفات .. تري كم يحتاج جسدك من الوقت كي ينفض عنه ارتجاجات القطار ، و يأتلف مع برودة الجو خارج المحطة ؟******** الآن ، و قد استعدت بعضا من قواك ، تجهد في التعرف علي المدينة . يفجأك أنك تعرفها ، و يداخلك الظن بأنها ذات المدينة التي غادرتها . و يلتبس عليك الأمر تماما إذ تتعثر يدك – بجيب بنطالك – في تذكرة القطار .امتثالتُري كم لبثنا في وقفتنا الذليلة الخانعة أمامه ؟لم يعد إليّ انتباهي إلا بعد ما تحركت يده البضة المزدانة بالذهب تهشنا و تصرفنا . استدرنا بآلية و خنوع . انتعلنا أحذيتنا و ما تبقي لنا من إنسانية مهيضة . قبل أن نغيب تماما عن بصره ، كانت قاماتنا المهزولة تبذل غاية جهدها في الانحناء .بعدما ابتعدت ، ظلت قامتي يشوبها الانحناء لفترة ، و لم تنمح تماما الابتسامة المرتعشة المتزلفة من علي شفتي .مازلت حتي الآن لا أدرك سببا لاستدعائنا الدوري للمثول بين يديه ، بيد أن نتائج ذلك الاستدعاء تجلت في قامتي التي فقدت – مع مرور الوقت – قدرتها علي الاستقامة ، و في الابتسامة المرتعشة التي صارت من معالم وجهي الثابتة .كانت عيناه تختبئان خلف عدسات قاتمة . لم نطالعه أبدا إلا و هو مسترخ في مقعده الوثير وراء مكتبه المهيب . لا يذكر أحد منا أنه – مرة – سمع له صوتا ، أو {أي فيه شيئا يتحرك سوي يده البضة المترعة بالترف .رغم الضوء الباهر الذي يكشف أدق خلجاتنا و نحن وقوف – في حجرته – بين يديه ، فان ظلالا و عتامة ما تحف بشخصه ، و دوما ثمة رائحة غامضة تحوم في المكان ، تجعل بطوننا الخاوية ينهشها بضراوة سعار الجوع .و نحن في حضرته ، كان يتراءى لنا دنيا جدا ، نستشعر لفح أنفاسه علي وجوهنا ، و نجزم بأنه يسمع منا خفقات القلوب . في حين أن المسافة التي تفصلنا عنه تتبدي – في ذات الوقت – شاسعة تستعصي علي الاجتياز .في كل مرة نغادر فيها حجرته ، كانت التساؤلات تجابهنا : تُري كم لبثنا عنده ؟ مذا دار بيننا و بينه ؟ .. و في كل مرة لم يكن لدي أي منا إجابة . فقط كنا نحمل في كل مرة مزيدا من انحناءات الظهور ، و تنز شفاهنا المزيد من الابتسامات الذليلة .مع الوقت ، انطوينا علي أنفسنا . أصبحنا منطوين حقيقة لا مجازا ، حتي أنّا عندما دخلنا عليه ، لم نستطع أن ننصرف ، لأنّا حُرمنا نعمة أن نري يده البضة تهشنا .. و مازلنا في حضرته .طلب حضورببطء و رفق ، دفع الباب ، فانفتح ، دون مقاومة أو صوت .لم يسفر تحديقه عن رؤية شيئ : كانت الظلمة سابغة . حاول جاهدا أن يكظم اضطرابه . تقدم خطوة للداخل . تلاشت بضع طبقات من الظلمة ، لكن ظل التحديق لا يسفر عن رؤية .تسمّع . لم يكن ثمة سوي طنين خافت ، لا يدري مصدره : أهو داخله أم ركن من أركان الغرفة التي اجتاز توا – لأول مرة – عتبتها . استنفر كل الحواس . فقط قشعريرة ما خفية ألمت بظاهر جلده ، أنبأته بوجود حياة أخري تتنفس و إياه هواء ذات الغرفة .كان قد استوثق جملة مرات من صحة العنوان الذي حفظه عن ظهر قلب لكثرة ما طالعه ، في الأيام السابقة ، في الإعلان المنشور بالصحف . كان الإعلان يطارده ، يضغط عليه بإلحاح طالبا منه سرعة التوجه إلي عنوان محدد . لم يُذكر في الإعلان اسمه ، لكن كل البيانات المنشورة تقطع بأنه هو الوحيد المقصود دون أي التباس أو احتمال للخطأ .. تاريخ الميلاد ، محل الإقامة ، المهنة ، طول القامة ، الوزن ، لون البشرة ، العادات اليومية ، الجراحة التي أجراها في صغره .لم يحدد الإعلان اسم المعلن أو السبب وراء طلب حضوره ، كما لم يذكر – علي خلاف العادة – رقم تليفون يمكن الاتصال به .في ابتداء الأمر ، حاول التجاهل ، رغم الدهشة التي اعترته ، و الفضول الذى احتواه .لكن مع التكرار ، أخذ الإعلان يستلفت أنظار الآخرين ، و كان المقربون منهم – بدورهم – يستلفتون نظره إليه . كان لابد من وضع حد للقلق الذي أخذ يتناهشه و يتفاقم إزاء تكرار الإعلان و إلحاحه .تقدم للأمام خطوة أخري واجفة . حاول أن يتنحنح أو يسعل . لم يسمع سوي طنين . همّ بأن يخطو ، فانزلق ، ليجد نفسه – فجأة – منطرحا علي الأرض ، و قد حدقوا به و شلوا حركته ، و شرعوا يجردونه من الثياب .