المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجشع



مروان قدري عثمان مكانسي
28/10/2006, 09:11 PM
الجشع
قال أحد الحكماء : إنَّ الواحد منا يفني صحته وعافيته في جمع المال ، حتى إذا جمعه بدَّده في استرداد بعض صحته ...
إنَّ نظرةً متفحِّصَةً لشريحةٍ واسعةٍ في مجتمعاتنا لتشرح وتظهر ما عناه هذا الحكيم ،
فالمرء يواصل ليله بنهاره طمعاً في تنمية ثروته ، يجري في دنياه وكأنه في حلبة سباق ، يهمل بيته وأسرته ، يقصِّرُ في تربية أبنائه ، يقطع وشائج رَحِمه ، والأدهى والأمرّ أنه ينسى ربَّه وتعاليم دينه ، وإن صلى وصام فليس له من صلاته إلا القيام والقعود ، وليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، فعبادته أفعال مجرَّدةٌ من الروح .
أحد الأثرياء من الشريحة المذكورة ، أصابته نوبة قلبية نقل على أثرها إلى المشفى ، وتجمَّع الأهل والأصحاب على باب حجرته ينتظرون فوقته من غيبوبته ، فلما أفاق وجد أحد المسنين فوق رأسه يذكر الله ويرقيه بآيات الكتاب الحكيم ، وفي زاوية الغرفة شريكه يتابع العمل بهاتفه النقَّال ، فناداه متجاهلاً الشيخ الوقور : يا ظافر : هل ارتفع سعر الدولار في السوق ؟ ما هي آخر أخبار البورصة ؟ وقبل أن يجيبه كانت هذه آخر لحظاته في الدنيا .
أنا لا أدعو في مقالي هذا إلى الزهد ـ وإنْ كان الزهد جميلاً ـ وإنما أدعو إلى تفهم الآية الكريمة : (( وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا )) فالأمر يحتاج إلى موازنة دقيقة ، وترتيب الأولويات .. هل يُعقل أن يأتيني رجل إلى المدرسة ليصحب ابنه في إحدى سفراته ولا يعرف في أي سنة دراسية هو ؟
هل يجوز لأبٍ ألا يلتقي بأبنائه إلا لماماً ؟
هل حاجة الأبناء في الحياة تقتصر على توفير المسكن الهني والمأكل والمشرب ؟
عوداً حميداً إلى رشدكم أيها الآباء ، اطرحوا الجشع جانباً ، والتفتوا إلى أبنائكم فهم ثروة لا تفنى ، وثمرة الفؤاد ، والله سائلكم عنهم ، فهل أعددتم جواباً للسؤال ؟