المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحاجز



رزاق الجزائري
07/09/2006, 07:10 PM
2004 بيروت ـ جهاد فاضل
عندما يتبادر الى الذهن اسم عزمي بشارة تقفز الى الذاكرة صورته كمناضل فلسطيني، وتاليا كمفكر فهو نائب في الكنيست الاسرائىلي من الأقلية العربية في اسرائىل. ولكن هذا النائب ليس فيه من «الاسرائىلية» شيء فهو الى جانب أكثر زملائه العرب في الكنيست، من أفضل النواب العرب في كل البرلمانات العربية، ولكن هذا النائب لا يكتفي بمواجهة الاسرائيليين في «كنيسهم» بل يواجههم في كل مكان، خاصة في التظاهرات وفي الفضائيات العربية وغير العربية.

وهو الى جانب ذلك استاذ جامعي ومفكر وباحث هو في الاساس يحمل دكتوراه في الفلسفة من احدى جامعات برلين. وانطلاقا من هذه الشهادة الجامعية يحاضر في مواد الفلسفة والدراسات الثقافية بجامعة بيرزيت، وقد صدرت له في السابق عدة دراسات من ضمن اهتماماته السياسية والقومية منها دراسة عن الأقلية العربية في اسرائيل، ودراسة عن الانتفاضة والمجتمع الفلسطيني، ولأنه يعرف العبرية جيدا، فقد صدرت له عدة دراسات بالعبرية منها دراسة عن «الهوية وصناعة الهوية في المجتمع الاسرائىلي».

ولكن عزمي بشارة يفاجئ قارئه العربي هذه المرة بصدور رواية جديدة له عن دار رياض نجيب الريس في بيروت اسماها: «الحاجز» وترجمتها في العبرية «المحثوم» وهو ما يمر عليه عرب فلسطين يوميا ويجدون عليه من الاذلال والعذاب ما لا يجهله احد، ولأن عزمي بشارة قادم من السياسة ومعاركها وهمومها، فمن الطبيعي ان تكون حوادث روايته سياسية، وان يدور قسم كبير منها على الحاجز نفسه.

يحكي عزمي في هذه الرواية تفاصيل عذابات شعب يتعرض يوميا للاذلال الاسرائىلي على الحاجز، وكذلك صعوبة انتاج حياة طبيعية وسط أجواء الحصار والقتل والتدمير، حيث الطفولة مسلوبة والذاكرة منهوبة، وكل شيء يتعرض لأنواع من الاستنفار والتحدي، وهو ما لا تطيقه الحياة البشرية بحدودها ومستوياتها المعروفة. فالعذاب والموت والحياة مفارقات مذهلة هي يوميات الفلسطيني في الأرض المحتلة.

وهي تحكي الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني على الحواجز الإسرائيلية التي تقطع المدن والقرى الفلسطينية وتقف حائلا دون ممارسة هذا الشعب لحقه الطبيعي والإنساني في الحياة ويحكي بشارة قصة الحاجز من خلال قصة امرأة" لم يعد بامكانها ان تفعل شيئا، أي شيء "سوى ان تكمل حياتها بشكل يجعل من الحياة نفسها عبئا ثقيلا ليس من الحاجز وحسب ولكن من زوجها العاطل عن العمل فهي (يجب أن تجتاز الحاجز يوميا من أجل العمل في بيوت الناس لأن زوجها يرفض العمل على حد قولها، ويمنن عليها، "محملها جميلة" لأنه يسمح لها أصلا بإعالته لأنها لم تلد له سوى بنات، ومنهن أجملهن وجد المريضة. مسؤوليتها الكاملة اعالتهن واعالتها" والرواية بهذا المعنى تحكي ليس فقط قصة القمع الإسرائيلي الذي تعاني منه المرأة الفلسطينية ولكن قمع المجتمع الذكوري لها الذي يحرمها من التمتع بالحياة السوية بين أطفالها وأيضا تعكس واقع الرجل أو الشاب الفلسطيني غير القادر عمليا على العمل والمصاب بسبب الاحباطات الدائمة والكبرى بالعديد من المشاكل النفسية والعصبية التي تنعكس سلبا على حياته الخاصة والعائلية وعلى طريقة تعامله مع محيطه البسيط. إلا ان الحاجز الذي هو بطل الرواية الفعلي بالاضافة إلى المرأة يبقى هو الحدث الفعلي والتقريري داخل النص حيث يتغلب الحاجز أو "المحتوم" باللغة العبرية على كل ما عداه إذ ان الحاجز "عطل كل شيء لأنها مضطرة لاجتيازه نحو المدينة من دون إذن وضمن عملية استعطاف يومي للجنود ومن دون أي رغبة بأي مواجهة وبقرار مسبق لتمرير أية إهانة من دون ملاحظة" فعلى الحاجز لا مكان لأي شيء غير فكرة المرور منه والتخلص بأقل قدر من الخسائر فهي "ليس لديها وقت للكرامة الشخصية، ووطنيتها الوحيدة التي تعرفها هي الوصول إلى الموضوع إلى وسائل اعالتهن" وأكثر من ذلك فهي بسبب الخبرة في التعامل مع الحاجز ومن يقف عليه باتت تمر"الاهانة مع ابتسامة بلهاء أصبحت ترافقها في البيوت" تحولت المرأة إلى كائن مختل العقل، فالعادة في تحمل الاهانة قد تجعل من الفرد الذي يتلقاها من دون أن يشعر بأن تحول ما قد طرأ على حياته الداخلية.
تقع الرواية في 344صفحة من القطع الوسط، ويخبرنا بشارة في بدايتها ان الجزء الثاني منها سيصدر قريبا بعنوان "ظل الحاجز" وهو تتمة لما لم يقله في الجزء الأول أو ان سيرة هذه المرأة وسيرة الحاجز تحولا إلى سيرة شعب كامل أكبر هموم حياته العبور من حاجز إلى آخر.

هي قصة امرأة فلسطينية تمر يوميا على هذا الحاجز الاسرائيلي:** «لم يعد بامكانها ان تفعل شيئا يجب ان تجتاز الحاجز يوميا من أجل العمل في بيوت الناس لأن زوجها يرفض العمل على حد قولها، ويمنن عليها، «تحملها جميلة» لأنه يسمح لها اصلا باعالته لأنها لم تلد له سوى بنات ومنهن اجملهن (وجد) المريضة. مسؤوليتها الكاملة اعالتهن واعالته، ولكن الحاجز عطل كل شيء لأنها مضطرة لاجتيازه نحو المدينة من دون اذن وضمن عملية استعطاف يومي للجنود، ومن دون أي رغبة بالمواجهة وبقرار مسبق لتمرير أي اهانة من دون ملاحظة. ليس لديها وقت للكرامة الشخصية ووطنيتها الوحيدة التي تعرفها هي الوصول الى الموضوع: الى وسائل اعالتهن بل وتمرر الاهانة مع ابتسامة بلهاء اصبحت ترافقها في البيوت.**

واضح ان رواية عزمي بشارة رواية سياسية. رواية من أجل السياسة لا رواية من أجل الرواية، كما يفعل الروائيون المتحررون من الالتزام السياسي والايديولوجي. كما هي رواية قابلة عندما تترجم بخاصة الى اللغات الأجنبية لأن تنقل للقارئ غير العربي صورة عن معاناة الفلسطيني وعن «حضارة» الجندي الاسرائىلي الذي لا يقل استهتارا بالقيم الانسانية عن «النازي»، وعن هذا النازي يقول الاسرائىليون ان آباءهم كانوا من ضحاياه. ثم ان رواية عزمي بشارة مفيدة للباحث السوسيولوجي والمؤرخ ايضا لأنها تنقل لقطات حية من واقع مأساوي يُعتبر المؤلف احد شهوده اليوميين.

ولعل اهمية رواية عزمي بشارة تكمن في ان سياسيا عربيا كتب رواية أو ادبا. فهذا السياسي يلج عادة باب التنظير أو باب الفكر تبعا لاهتماماته الفكرية أو القومية. ولكنه نادرا ما كتب القصة أو الرواية أو المسرحية أو الشعر. ونادرا، على الخصوص ما أجاد في هذه الفنون لأنها تتطلب التفرغ. ولكن يبدو ان عزمي بشارة، القادم أصلا الى السياسة والنضال، من المدرسة والكلية والجامعة، والابحاث والدراسات الأكاديمية يشعر بأن الثقافة في المرتبة والتقييم، أعلى من السياسة، وبأن الرواية بالذات، تجعل المرء يدخل النادي الأدبي من بوابته الأمامية. فالنادي الأدبي، على الرغم من ظاهر فقره وعدم التفات الكثيرين اليه، هو الأهم، وليس ذاك النادي الذي افقدته الهزائم والخيبات والانكسارات ألقه وبريقه وسحره. لذلك يستحق عزمي بشارة الاشادة بروايته الجديدة التي ستعقبها رواية أخرى، كما ذكر في المقدمة تؤلف الجزء الثاني من هذه الرواية على أمل ان تتحرر فلسطين بكاملها في يوم قريب باذن الله، بعده يُتاح لعزمي بشارة ان يكتب أدبا محضا.

الحاجز.شظايا رواية صدرت عن دار رياض الريس للكتب والنشر - بيروت، 2004