المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما تؤدي السياسات الى عكسها



رزاق الجزائري
16/08/2006, 08:08 PM
احيانا يتسائل المرء في هاته الحياة عن المعقول و اللامعقول بين الدعوة الى القيم ونكرانها و لربما ان اكثر تعبير يوظف الحال هو تحليل المفكر فريدريك نيتشه *عن انهيار القيم باسم القيم* فالملاحظ ان ما حدث في لبنان من تقتيل و تشريد ليس بمعزل عن سياسة هدفها ترسيخ قاعدة جديدة في العلاقة بين اسرائيل وبين المحيط العربي، مضمونها أنها قوة إقليمية كبرى مرهوبة الجانب، وأن كلفة أي عملية ضد مصالحها وأمنها ستكون كبيرة ليس على الجهة المنفّذة فحسب، بل على المجتمع الذي يحتضن هذه الجهة، ويوفر لها العمق الإستراتيجي أو الملاذ الآمن.ثم ما حدث قبلا في العراق و غزة
ما تريد إسرائيل، وأميركا، ترسيخه أنّ قواعد اللعبة الإقليمية قد تغيّرت، بعد الأحداث المفصلية التي شهدتها المنطقة منذ احتلال بغداد، وانهيار ما تبقّى من هياكل النظام الرسمي العربي- وعلى العرب أن يقتنعوا بذلك، وألاّ يقفوا في مواجهة أهداف إسرائيل الإستراتيجية و هو ما حاول السيد حسن نصر الله توضيحه في كل خطاباته و اعاده الرئيس السوري امس.
هذه "القناعة الإستراتيجية"، التي تريد إسرائيل ترسيخها، لها بعد ثقافي ونفسي لا يمكن تجاهله، بل ثمة دراسات وتوصيات من بعض مراكز الدراسات في واشنطن، تؤكد على أهمية تكييف الثقافة العربية مع المعطيات الإستراتيجية الجديدة وقمع ثقافة "التمرد" لدى الشعوب العربية. وفقاً لهذا المنطق؛ ليس مهماً أن يقتنع العرب أن الولايات المتحدة أو إسرائيل "قوة محبوبة"، وليس مطلوباً أن تعمل أمريكا على استرضاء الشعوب العربية، بل المهم ترسيخ قناعة عربيّة مجتمعية بأنّ أميركا "قوة مدمّرة" لا يمكن الوقوف في وجهها.و هو ما ساهمت به دول اشار اليها الرئيس السوري امس منذ كامب دافيد و ترسيخ ما يسميه هيكل بثقافة الهزيمة.
نظرية"تطويع الثقافة العربية" نخبوياً وشعبياً تتبناها بعض روافد مدرسة الاستشراق الجديد في الغرب، ذات الروابط الصهيونية، وقد نادوا بتطبيقها على العراق، ما انعكس على سلوك الجيش الأميركي، وعملية التعبئة النفسية لجنوده، وتعاملهم مع المجتمع العراقي، سواء في معتقل أبو غريب أو العمليات العسكرية والفظائع التي تستهدف المدنيين وانتهاك حرمات الناس و كرامتهم.و هذا مثال عن بعض افكارهم و تنظيراتهم.
http://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/m_mutabaat-d-t.htm (http://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/m_mutabaat-d-t.htm)
و المنظرون لهاته النظريات يتجاهلون حتميات تاريخية و ثقافية فتطويع الثقافة العربية تتصادم، بامتياز، مع طبيعة "النفسية العربية" وموقفها الحاسم من الاحتلال والهيمنة. فعلى النقيض من دعاوى أصحاب هذه النظرية فإنّ السياسات الأميركية والإسرائيلية تساهم، باطراد مستمر، بتنمية مناخ خيبة الأمل والسخط والغضب الشعبي العارم، الذي يمثل القوة الرئيسة الرافضة للهيمنة الأمريكية اليوم.
في المقابل فإنّ أحد المخرجات الرئيسة لسياسات الهيمنة والاحتلال، والحروب التي تُشنّ في هذا السياق، يتمثل بإضعاف النظم الحليفة للولايات المتحدة، واستنزاف ما تبقّى من مشروعيتها أمام مجتمعاتها، بل والتأكيد على قناعة شعبية أخرى وهي انتهاء صلاحية النظام الرسمي العربي، الذي لا يبدو أن له بديلاً اليوم إلا حركات الإسلام السياسي، سواء استطاعت هذه الحركات الوصول عن طريق العملية الديموقراطية أم العمل المسلح، أو حتى في حالات الفوضى والانقسام كما هو الحال اليوم في العراق.و ما تتصور كوندليزا رايس انه فوضى خلاقة تنجب لها كرازايات جديدة في الدول العربية و نقراه نحن باتجاهين اما فوضى خلاقة تنجب لها امثال حماس في فلسطين او فوضى هدامة تنجب كرازايات مثلما هو حال العراق و افغانستانو تستغلها جماعات متطرفة تكفيرية تستغل الدين و تهدم اواصر المجتمعات.
و ما ينكره ايضا مروجو هاته النظريات ان الحضارات والثقافات تختلف. وإذا كان الصرب استسلموا لمخططات أمريكا وحلف الناتو، بعد ضربات جوية مكثفة(إذ يدعو أمريكيون وإسرائيليون إلى تطبيق سيناريو كوسوفا على الحرب الحالية في لبنان)، وإذا كانت اليابان استسلمت بعد الحرب العالمية الثانية، وحوّلت جهدها ونشاطها إلى الاقتصاد، وكذلك الحال في ألمانيا الغربية؛ فإنّ الميراث الثقافي والحضاري والتكوين النفسي للمجتمعات والشعوب العربية مختلف تماماَ، فهي عصية على التطويع السياسي والتاريخي، وترفض منطق الاحتلال والهيمنة، بل يتصاعد تمردها بتصاعد سياسات الإكراه الخارجي.
ففي العراق مثلا لا يمكن ان نجزم على العلاقة السلمية بين الاسلاميين الشيعو و الامريكيين الا بالهدنة الهشة المؤقتة، وفي أفغانستان عادت طالبان تسيطر على كثير من الأراضي الأفغانية بالتحالف مع حكمتيار وابن لادن، وفي الصومال تسيطر المحاكم الإسلامية. لكن ما هو أخطر من هذا وذاك أن تتراكم حالة الغضب والإحباط المتصاعد، التي ترفد الإسلاميين بالدعم المجتمعي، لتحدث تحوّلاً سياسياً نوعياً في بعض الدول، سواء من خلال انقلابات أو ثورات.
و التجربة الاخيرة في لبنان اثبثت أنّ الإنجاز الحقيقي لسياسات التدمير والإرهاب والقتل الأمريكية والإسرائيلية ليس تطويع الثقافة العربية وإخضاعها لمنطق القوة وسياساتها، كما يرى المستشرقون الجدد ومراكز الخبرة الصهيونية، بل على النقيض من ذلك فإن هذه السياسات تدفع إلى"تثوير الثقافة العربية" ودفعها إلى أقصى درجات المواجهة مع المشروع الأمريكي والإسرائيلي.و التحرر من هزيمة الذات التي رافقت المجتمعات العربية منذ نكسة 73 و مشاريع التطبيع الاستسلامية.
تراهن هاته النظريات على هزيمة الذات فينا نحن العرب و هزيمة الذات هي أكبر من أي هزيمة عسكرية وحين تترسخ ثقافة الهزيمة، لا ينتج عنها إلا الانصياع والاذعان والخضوع والاستسلام، وحينئذ تتلاشى أية جذوة عزم قد تخرج من تحت رماد فتوقد الأرض تحت العربدة الأمريكية والعربدة الصهيونية. وحين تتلاشى جذوة العزم يتلاشى الأمل في مستقبل واعد بالعزة والكرامة، وحين يتلاشى مثل هذا الأمل، فإن الوجود العربي، يصبح لا قيمة له، والحاضر العربي، تجثم عليه ثقافة الهزيمة فلا تترك بصيصا للمستقبل.
و اثبث حزب الله ان العرب قادرون على أن يفعلوا الكثير متى مما ملكوا الإرادة، وشحذوا العزيمة وانتصروا على ثقافة الهزيمة، وعرفوا أعداءهم وواجهوهم بما ملكوا، فما ضاع حق وراءه مطالب. وفي التاريخ دروس وعبر لا تحصى. أما إذا بقى العالم العربي، مشاهدا لجرائم العربدة الأمريكية، والعربدة الصهيونية، مستسلما لها، راضيا بها قدرا، فعلى العالم العربي السلام لان الامر هو قضية و ليس شعارا قومجيا مثلما يزايد عليه الانهزاميون.
فشكرا لاسرائيل و شكرا لامريكا فالازمة اولدت همة و حطم الواقع الاسطورة رغم افواه الافاكين و المزايدين .