المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طوق النار واحتلال بغداد



محمد البغدادى
10/08/2006, 11:09 AM
طوق النار واحتلال بغداد

شبكة البصرة
الصارم

يظل لغزا احتلال بغداد بمثل تلك السرعة وبدون مقاومة مثل تلك التي حدثت بأسطورة أم قصر.هل كان طوق النار عند أسوار بغداد وهما ؟أم إنها كانت إيهاما لعدو يملك من قوة لا يملكها المقاوم عن بغداد.

الإدارة الأمريكية ربما كانت لها إستراتيجية واضحة لغزو واحتلال العراق(احتلال وتنصيب حكومة شكلها ديمقراطي ومضمونها موالية للمحتل لتعطي صورة براقة لشعوب العالم على شرعية الغزو ) لكنها كما يبدو لم تكن تملك إستراتيجية واضحة للإدارة لما بعد الاحتلال.ربما الإدارة الأمريكية راهنت على المتغيرات التي تطرأ في حينها على مجمل الوضع في العراق, أو ربما كانت متورطة أساسا بتقارير استخبارية مغلوطة (من عدة جهات) عن شكل وحجم المقاومة و طريقة الترحيب ( بالقوات المحررة), وربما راهنت بان الانهيار السريع للدولة سيشكل عامل حاسم في جعل الموقف العراقي يجري تماما لصالحها مما جعلها تبادر أيضا وبشكل متسرع ومتهور إلى التعجيل أكثر بحل كامل المؤسسات العراقية القديمة بظمنها الموسسة الأمنية والعسكرية خوفا من أن تعيد تشكيلاتها وإعادة تنظيمها , أملا في إحداث التغير بشكل نهائي يخدم إستراتيجيتها في بناء دولة موالية لها بعد أن تيقنت تماما من الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة العراقية .

الوقائع التي نراها ونلمسها يوميا تشير إلى إن الإدارة الأمريكية قد أخطئت بهذا التقييم ففقدت معظم خياراتها في الحل الأمثل لإدارة الأزمة التي تمر بها .

وهذا يدعونا إلى التساؤل حول ما هية الاحتلال السريع لبغداد؟ وألأنهيار المفاجئ للمقاومة في الدفاع عن بغداد حتى بدا إن تسليمها بهذه السهولة كأنه أمرا متعمدا (اقرب إلى الخيانة), استغلته ألإدارة الأمريكية بالإعلان عن أسماء لضباط عراقيين قد جرى الاتصال بهم ورشوتهم مقابل إيقاف المقاومة والدفاع عن بغداد ,فكل (وليس معظم) المحللين العسكريين (وحتى القادة) الأمريكان كانوا قد رسموا صور عن مدى عنف المعارك التي سوف تحصل على حدود بغداد وضواحيها, فكيف يكون الأمر عند الاقتراب من بغداد (قياسا بمدى عنف المقاومة التي حدثت في أم قصر والناصرية والنجف وكربلاء والتوقفات العدة التي اجبر الجيش الأمريكي عليها بسبب المقاومة العنيفة والشديدة لوقف تقدمهم, والدليل على ذلك إشراك الفرقة الرابعة الاحتياط ((30000 جندي مشاة لزيادة زخم الاندفاع نحو بغداد) .

تقارير استخبارية عدة كانت قد سربت عن أطواق النار حول بغداد والتصريحات المستمرة لمسؤليين عراقيين عن (انتحار الجيش الأمريكي على أسوار بغداد) ومن ثم اكتشف لاحقا إنها أطواق وهمية للتشويش على مجريات المعركة وتأخير وصول القوات الغازية إلى بغداد وإعاقتها .ليتضح بعدها وكأن لا خطة للدفاع عن بغداد, وإنها احتلت بسهولة وبسرعة فاقت حتى حدود التصور للقيادة العسكرية الأمريكية. وان المقاومة العراقية قد انهارت بشكل سريع ومفاجئ استغرب له الكثيرون رغم انه لا وجود لدليل أو شواهد على الأرض تدل على هذا الانهيار المفاجئ والسريع.

إن الانهيار لأي وحدات عسكرية الذي لا بد أن يكون مصحوبا بفوضى شاملة في المؤسسة الأمنية والعسكرية (حدثت هنا وهناك ولكن ليس بحجم يتلاءم مع حجم الجيش المهيأ للدفاع عن بغداد) ,ومصحوبا باستسلام لوحدات بكاملها مع تجهيزاتها , لكن الأمر قد تم بشكل هادئ ومنظم وسريع, حيث اختفت كل الوحدات الفعالة بكامل أسلحتها (وبالأخص الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ذات الاستخدام الفردي), فواحدة من الألغاز التي حيرت الاستخبارات الأمريكية هو اختفاء الفيلق الرابع الذي كان يتضمن الفرقة 14 والفرقة 18 مشاة تعدادها يصل إلى 30000 جندي وضابط, أشبه ما يكون بخطة متفق عليها محددة سلفا بتوقيت مسبق (ساعة الصفر) ربما كان هذا ألأمر قد تم لاحتواء ضخامة الهجوم الشرس وامتصاص شدة الهجوم منعا لإلحاق قدر كبير من الخسائر بالبنية التنظيمية والعسكرية للقيادة السابقة (تشبه موجة بحر عارمة تقترب من ساحل صخري ,أو نفس الموجة الضخمة تضرب ساحلا رمليا فارغا, فكيف ستكون قوة الصد في كلتا الحالتين). امتصاص زخم الهجوم ومن ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة من الصراع, يأخذ إبعادا أخرى غير المواجهة التقليدية الشاملة.واعتقد بان الوضع قد تلخص أمام القيادة العراقية بعدم عدالة المواجهة بين أسلحة المحتل الفتاكة والحديثة ذات طابع تدميري شامل, والسلاح العراقي الذي يتجاوز عمره في أحسن الحالات 15 سنة بدون صيانة أو قطع غيار, أو الانجرار بمعركة يختار العدو المحتل زمانها ومكانها, فكان أن لا بد من جر الجيوش المعادية إلى (معارك) وليس (معركة) وفق شروط تختارها المقاومة وبتوقيت ومكان يحدد سلفا ,الهدف الرئيسي الفوز بالحرب وليس الفوز بمعركة أو معارك, معارك تمتاز بمواجهات قصير وفعالة (ضمن مديات السلاح المتاح) بدلا من المواجهات المباشرة والطويلة .سياسة اضرب واهرب استخدام ماهو متوفر من سلاح (على الأقل بالمراحل الأولى من المعارك) لإيقاع اكبر قدر من الخسائر البشرية وبإستراتيجية إرباك العدو وإشغاله على كل ارض العراق بدلا من مكان واحد أو اثنين, وضرب مفاصل اقتصادية لمنع العدو من الاستفادة منها استنزاف مستمر للأفراد والمعدات. هذا الصراع سيؤدي حتما الى إرهاق القوات المحتلة في الوقت الذي تحافظ المقاومة على لياقتها, والإرهاق يؤدي الى أخطاء والأخطاء يمكن استغلالها لإيقاع قدر اكبر من الخسائر, واستمرارها بهذا الشكل سيقرب موعد الانهيار الكامل للمحتل. وهذا يتطلب توزيع مخابئ للأسلحة بكل مكان لكي يكون متاحا بسهولة ويسر لكل مقاتل وربما هذا ما كان قد خططت له مسبقا القيادة في العراق ونجحت بتنفيذه. وبصورة أخرى تحويل العراق ليس الى محرقة واحدة واسعة وإنما محارق للعدو في كل مكان وزمان وجعل الجندي الأمريكي يشعر بأن لا مكان غير قابل للاختراق, لا مكان امن لقوات الاحتلال ومساندوه ,لا مكان بعيد عن تأثير نيران المقاومة, ودائما طرقا جديدة للمقاومة, متغيرة, تتجدد بين الحين والأخر حسب متطلبات الوضع الآني. إن سقوط قذيفة واحدة على معسكر ثابت غير ذات تأثير على مجريات عمل عسكري (وينظر إليها بسخرية من الموالين للاحتلال )ولكن هذه القذيفة تعطي ثمارا بعيدة المدى على نفسية الجندي وتجعله بحالة من التوتر المستمر.وطلقة قناصة تصيب جندي بمقتل وبدقة متناهية لا تدمر وجدة عسكرية لكنها تنزع الثقة عن رفاقه الجنود ويجعلهم مشوشي الذهن باستمرار ومرعوبين من كل زاوية في كل شارع يمرون به .(

إن احتلال بغداد بهذا الشكل السريع والمفاجئ جعل القيادة الأمريكية والجندي الأمريكي مبهوتا ومغرورا بانتصاره السريع وجعله منتشيا مسرورا لهذا الانجاز حتى بان ذلك على تعبير وجه الرئيس الأمريكي. هذا الانتشاء والتراخي كان بداية الوقوع بالفخ العراقي (المستنقع العراقي) ربما المواطن العادي أو المحلل لا يشعر بذلك ولكن من المحتم أن يعرف القادة العسكريون الأمريكيون فداحة الخسائر التي يمنون بها يوميا, والمأزق الذي يمرون به من الناحية العسكرية. حيث التشكيلات مشتتة إلى وحدات صغيرة وظيفتها مطاردة (أشباح) أو (مقاتلون غير مرئيون) حسب وصف بعض جنودهم ومؤخرا قيام مجموعة من كبار الضباط المتقاعدون بتوجيه اللوم الى وزير الدفاع باعتباره المسؤول الأول عن الحالة المزرية التي وصل إليها الجيش الأمريكي وتحول قطعات الجيش النظامية من وحدات فعالة إلى وحدات اقرب ما تكون لشرطة محلية ولكن بقوة نارية كبيرة .ولامتناعه الأخذ بالدراسات والتوصيات التي اقترحها قادة التشكيلات لتقليل تأثير هذا المأزق الخطير وللتقليل من تأثير هجمات المقاومة الوطنية المسلحة المستمرة بالتصاعد والنمو . مما يدلل حقا إن أزمة الجيش الأمريكي تحت هذه الضر وف غير قابلة للحل وان الوضع مستمر بالتأزم والخيارات العسكرية أصبحت محدودة للغاية فقد جربت كل الخيارات ضد المقاومة الوطنية (قصف مكثف بالطائرات , قصف مدفعي, استخدام أسلحة محرمة دوليا , اسر وقتل الأقارب والأهل واستخدام النساء والأطفال كوسيلة ضغط , التعذيب النفسي والجسدي) ورغم ذلك كانت روح المقاومة بتصاعد وتنامي ولا يبدو عليها أنها قد أرهقت أو استنزفت.وبدل طوق النار حول بغداد الذي أوهموا به خلقت المقاومة الوطنية العراقية أطواقا من نار تحيط به في كل مكان من ارض العراق....

بغداد في 8 اب 2006