المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمّ الشهداء تسابق شاعرية الشعراء !!...



بنت الشهباء
02/08/2006, 10:19 AM
أمّ الشهداء تسابق شاعرية الشعراء !!

صاحبة شخصية قوية , وروح عالية سامقة , ورأيٌ جريءٌ حصيف .. فاقت على النساء بحسن جمالها , وظريف طلعتها , وقد بلغت من الشهرة ما لم تبلغها امرأة في زمانها..
عزيمتها قويّة ثابتة, لا تخشى وطيس المعركة , وحمم لهيبها وكيد أعدائها ..
الشموخ والكبرياء والعزة والكرامة تنطق من بين جوارحها , وهي تسكب الشكيمة والعزّة والإباء , والصبر على الشدائد والمحن في أرواح فلذة أكبادها...
قلبها كجلمود صخر محتسبٌ عُهٍد إليه أن يعانق العطاء , ويألف المصيبة والابتلاء , وقد تفوقت في سعة نظرها , وعمق وعيها , وصواب عملها, و علمت بحق أنها مطالبة بتحمل المسؤولية والرسالة التي خُلِقت من أجلها ..
إنها الشاعرة المبدعة , والمرأة الصابرة القويّة
( الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة السلمية وهو الشريد بن رباح ابن ثعلبة بن عصمة بن خفاف بن امرئ آلاف بن بهثة بن سليم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستنشدها فيعجبه شعرها , وكانت تنشده وهو يقول :
{هيه يا خـُناس }
أو يومي بيده.
قالوا:
وكانت الخنساء في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة حتى قتل أخوها لأبيها وأمها معاوية بن عمرو قتله هاشم وزيد المريان وصخر أخوها لأبيها وكان أحبهما اليها لأنه كان حليما جوادا محبوبا في العشيرة وكان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي فمرض منها قريبا من حول ثم مات فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر وأجادت فمن قولها في صخر أخيها
أعيني جودا ولا تجمـدا ** ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل** ألا تبكيان الفتى السـيدا
العماد عظيم الرمــاد ** ساد عشـــيرته أمردا

ومن قولها أيضا في صخر أخيها :

أشم أبلج يأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ,ولا بعدها أشعر منها
[الاستيعاب ج4 ص 1798]
ذاع صيتها , وطارت بين الركبان سيرتها , ولم يمنعها من كونها أنثى على أن تسابق شاعرية الشعراء في زمانها ..
قيل لجرير مرة :
من أشعر الناس ؟
فقال :
أنا .. لولا الخنساء
أما
{ نابغة بني ذبيان كان تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء؛ فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره وأنشدته الخنساء قولها:
قذى بعينك أما بالعين عوار
حتى انتهت إلى قولها:
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علمٌ في رأسه نار
وإن صخراً لمولانا وسيدنا ... وإن صخراً إذا نشتو لنحار
فقال: لولا أن أبا بصيرٍ أنشدني قبلك لقلت: إنك أشعر الناس !
أنت والله أشعر من كل ذات مثانة .
قالت: والله ومن كل ذي خصيتين.
فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها.
قال: حيث تقول ماذا؟
قال: حيث أقول:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرقٍ ... فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما
فقال: إنك لشاعر لولا أنك قللت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. وفي رواية أخرى: فقال له: إنك قلت " الجفنات " فقللت العدد ولو قلت " الجفان " لكان أكثر. وقلت " يلمعن في الضحى " ولو قلت " يبرقن بالدجى " . لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً. وقلت: " يقطرن من نجدة دماً " فدللت على قلت القتل ولو قلت " يجرين " لكان أكثر لانصباب الدم. وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.
فقام حسان منكسراً منقطعاً}.
[ الأغاني ج3ص65]

فكيف إذاً لا يشهد لها التاريخ على مرّ الزمان والعصور عظمة سيرتها !!!؟؟...
كانت بحقّ مثال المرأة المسلمة التي أرادت أن تصون حقوقها , وتحفظ واجباتها لترتقي إلى أعالي الدرجات , وقد جمعت من العقل والحزم , والشجاعة والصبر ما لم يجتمع مثلها إلاّ أفذاذ الرجال ..استهانت في سبيل الله كلّ الصعاب , واسترخصت كلّ التضحيات من أجل تربية أبنائها على أسس العقيدة الراسخة القويّة ..فلم تعرف التردد في مبادئها الواضحة , ولا الزيغ في منهج سبل طريقها بل أرادت أن تعطي الإشارة لأبنائها الأربعة في معركة القادسية لتضيء لهم عظمة حقّ الشهادة في سبيل الله..
وقبل يوم واحد من المعركة جمعت أولادها الصناديد الأربع, وألقت على مسامعهم كلمات تكاد تضيء السماء بنورها , وتسعد النجوم لرنّات صوتها , ومن ثم نظرت إليهم نظرة المودّع وهي تناديهم في أولّ الليل :
( يا بني إنكم أسلمتم طائعين ,وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنوا رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت اباكم, ولا فضحت خالكم , ولا هجنت حسبكم ,ولا غبرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران : 200] .
فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارا على أوراقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها ثم احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ) [الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ، ج7]

بكل شجاعة ورباطة جأش خرج أولاد شاعرة الإسلام متقبلين لنُصْح أمهم , ومتوكّلين على الله ربهم وقد نمت في أنفسهم وأرواحهم بذرة الخير والحقّ, وشرف الجهاد في سبيل الله..
تقدّموا إلى ساحة الوغى لينالوا شرف الشهادة في سبيل الله

قال أحدهم قبل أن يدخل ساحة القتال :

يا إخوتي إن العجوز الناصحة ** قد نصــحتنا إذ دعتنا البارحة
مقالة ذات بيان واضــحة ** فباكروا الحرب الضروس الكالحة
وإنما تلقون ثم الصــائحة ** من آل ساسان الكلاب النابحة

وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله ثم حمل الثاني وهو يقول:

إن العجــــوز ذات حزم وجلد ** والنظر الأوفق والرأي الـــدد
وقد أمرتنا بالسداد والرشــــد ** نصـــيحة منها وبرا بالولـد
فباكروا الحرب حماة في العـــدد ** إمـــا لفوز بارد على الكـبد
أو ميتة تورثكم عز الأبـــــد ** في جنة الفردوس والعيش الرغـد
فقاتل حتى استشهد رحمه الله ثم حمل الثالث وهو يقول :

والله لا نعصي العجوز حرفا ** قد أمرتنا حدبا وعطــــفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا ** فبادروا الحرب الضــروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفا ** أو تكشفوهم عن حماكم كـشفا
إنا نرى التقصير منكم ضعفا ** نجـــــــدة وزلـفى

فقاتل حتى استشهد رحمه الله ثم حمل الرابع وهو يقول

لست لخنســـاء ولا للأخـرم ** ولا لعمر وذي الســــناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم ** ماض على الهول خضــــم خضرم
إما لفوز عاجـــــل ومغنم ** أو لوفاة في الســــــبيل الأكرم

فقاتل حتى قتل - رضي الله عنه- وعن إخوته
فبلغها الخبر فقالت:
(الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته )
[الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ، ج7]

كانت تريد أن تهنأ بشهادة أولادها الأربع , وكان لها ما أرادت ...
الخنساء عادت يا أمة الإسلام...

الخنساء بلغت من عمق إيمانها , وثبات أعصابها , ورجاحة عقلها , والتغلب على عاطفتها أن تدفع بأبنائها في العراق الجريح , وفلسطين الحبيبة للذود والدفاع عن حرمة دينها , وأرضها ..
الخنساء تعود وتصرخ على مسامع أبنائها من جديد بصوت يكاد يرجّ في الآفاق :
لن نرضى الذلّ والهوان , إمّا أن نعيش أعزاء أو نموت شهداء !!؟؟...



بقلم : ابنة الشهباء