المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كارثة إنسانية .... والحكام العرب في سكرتهم يعمهون



بنت الشهباء
23/07/2006, 11:51 AM
كارثة إنسانية‏..‏ عشرات الآلاف من النازحين اللبنانيين

يفتقدون الأغذية والأدوية والمياه

مخاوف من نفاد مخزون المواد الأساسية بسبب الحصار

وبيروت تعود إلي عصر الشموع


http://www2.f900f.com/pic/f900f.com_06071900273556277.jpg

رسالة بيروت : فتحى محمود

‏'‏ عدنا‏20‏ عاما الي الوراء‏'‏ هي العبارة التي يرددها اغلبية القاطنين في بيروت ورغم ان اصوات الطائرات الحربية المعادية واصداء الانفجارات وومضات المضادات الارضية هي ما يصلهم الا انهم يعيشون في حالة من الخوف والرعب تتجدد مع كل استهداف جديد‏.‏

الشوارع تكاد تخلو من السيارات وحركة الباصات التي اعتاد المواطنون علي التنقل فيها تكاد تكون معدومة بعد ان تم توقيفها ويكاد يصبح الانتقال من منطقة الي اخري في غاية الصعوبة ويستلزم انتظارا الي حين مرور سيارة تاكسي بالصدفة وهي نادرة‏,‏ المؤسسات الخاصة اقفلت ابوابها وكذلك الجامعات والاسواق التجارية المقاهي المنتشرة خلت من روادها الذين يقصدونها ومعظمهم فضل اغلاق ابوابه‏.‏

وحدها محطات الوقود والافران والمحال التجارية الكبري شهدت زحمة خانقة فضاقت بقاصديها الذين توقعوا ازمة محتمة بعد استهداف المطارات والمرافئ تباعا ما يعني استمرار الحصار طويلا فسارعوا الي تأمين ما يمكن من المعلبات والمواد الغذائية والارز والخبز والطحين وقوارير الغاز والشموع تحسبا للايام المقبلة‏.‏

اصوات المولدات الكهربائية صدحت في الاحياء لتي ازدحمت بالسيارات المتوقفة علي جانبيها ومن لم يسبق له ان اشترك فيها سعي الي استقدام خط الي منزله حتي أن بعضهم بادر الي شراء مولد كهربائي بعد شراء ما يكفي من المازوت أو اللجوء الي الشموع‏.‏

لم يدمر القصف الاسرائيلي الوحشي علي لبنان الجسور والطرق والبني التحتية فقط وانما خلق كارثة انسانية كبري تتعلق بعشرات الآلاف من النازحين من مختلف المناطق المستهدفة وخاصة من الضاحية الجنوبية والجنوب لتقيم في العراء أو في باحات وفصول المدارس في بيروت‏.‏

وما زالت العائلات القادمة من الضاحية الجنوبية لبيروت ومن استطاعت منها الخروج من الجنوب عبر طرق فرعية وعرة تتكاثف علي ابواب المدارس في العاصمة بيروت وتحديدا في المدارس البعيدة عن المناطق التي تستهدفها البوارج والطائرات الحربية الاسرائيلية وتزايد عدد العائلات التي تطلب الدخول الي المدارس بدلا من الاقامة في العراء مع تصاعد القصف الاسرائيلي في ظل نقص اشكال المساعدة من قبل المؤسسات لهؤلاء النازحين‏.‏

ويقول رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيي رعد ان هناك أعدادا كبيرة نزحت من الجنوب أيضا وليس من الضاحية فقط‏,‏ ووفق رعد لا يقتصر النزوح علي مناطق بيروت فهناك نزوح ضمن الجنوب نفسه وآخر من الجنوب إلي بيروت ومن الضاحية إلي بيروت وعمشيت وجبيل وجونية شمالا‏.‏

ويشيررئيس الهيئة العليا للإغاثة إلي أن الهيئة اتفقت مع مديري المدارس في تلك المناطق علي فتح أبوابها واستقبال الناس تمهيدا لتأمين مستلزماتهم من الفرش والمواد الغذائية‏.‏

ووفق رئيس الهيئة العليا للإغاثة فإن أعداد الوافدين من الجنوب والضاحية لا تستقر علي رقم محدد ونهائي في كل ساعة ترتفع الأعداد كثيرا وتتوسع دائرة المناطق التي يقصدها الناس‏.‏

لكن الوضع داخل هذه المدارس التي اصبحت اشبه بمخيمات اللاجئين وصلت الي حد مأساوي ففي احدي المدارس اجتمع فيها ما يزيد علي‏500‏ فرد جلهم من الاطفال والنساء لم تصل حتي الآن المياه الصالحة للشرب التي وعدهم بها الدفاع المدني ويقول حسان زيتون الناشط في الحزب الشيوعي الذي يقدم المساعدة لنازحي تلك المدرسة بالتعاون مع متطوعين من اتحاد الشباب الديمقراطي ان ضباطا في قوي الأمن يأتون الي المدرسة ويسألون عن حاجات النازلين فيها ثم يذهبون ولا تأتي المواد المطلوبة من الاغذية والادوية والفرش والاغطية والحليب للاطفال والاهم مياه الشرب‏.‏


في هذه المدرسة لا يوجد سوي‏150‏ فرشة اسفنجية ينام عليها الاطفال جنبا الي جنب بينما تنام امهاتهم واباؤهم علي مقاعد الدراسة‏.‏ ابو علي من حي السلم المشهور بأنه من الاحياء الفقيرة جدا قال ضاحكا تركنا المدارس بارادتنا صغارا وارجعونا اليها رغما عنا كبارا تضحك زوجته ثم بجدية مفاجئة تشير الي الغطاء الذي قدمته وزارة الشئون الاجتماعية للعائلة وبالطبع كان غير صالح للاستعمال بسبب كمية العطن التي تغطيه في الغرفة الواحدة تسكن اربع او خمس عائلات ومتوسط عدد القاطنين في الغرفة الواحدة في تلك المدرسة يبلغ‏20‏ شخصا في حالة الحرب يبدو هذا العدد طبيعيا ولكن جميع هؤلاء لم يأكلوا منذ ايام الا من يملك بعض المال منهم والمال القليل الذي حمله اغلبهم معه يوفرونه لشراء الماء والحليب وبعض الحاجات الاساسية للاطفال‏.‏

في مدرسة اخري بلغ عدد النازلين فيها ما يزيد علي‏800‏ فرد وجميعهم قادمون من احياء بجنوب بيروت ولايوجد سوي مائة فرشة اسفنجية‏4‏ حمامات‏25‏ غرفة لا ماء لا طعام

في مدرسة اخري الطقس الحار والزحمة اختلاط عائلات لم تلتق من قبل في غرفة واحدة عدم القدرة علي الاستحمام والتنظيف فراغ الادوية الانتظار‏...‏ كلها امور تظهر بسرعة عند الدخول الي هذه المدرسة احد المسنين قال ان احد الوزراء تفقد احوالهم في المدرسة وحين قالوا له انهم جائعون لانهم لم يتناولوا الطعام منذ خروجهم من قريتهم البازورية في جنوب لبنان وعدهم بتأمين كل مطالبهم باسرع وقت بعد سبع ساعات علي الزيارة لم يكن قد وصلهم اي شيء‏.‏ وحدها مجموعة من الناشطين المتطوعين كانوا يقدمون الادوية لمحتاجيها‏.‏

الاطفال الذين لا يعرفون ما يدور حولهم يشبهون في حالهم هذه حال اهلهم ممن عايشوا الحروب والاجتياحات الكثيرة التي تعرض لها لبنان‏.‏ وحده الشقاء يبدو اكثر قساوة من الخوف الشقاء العاري وغير المنتظر‏.‏

اما النازحون الذين لديهم بعض المال القليل فلجأوا الي استئجار غرف في منطقة الحمرا وغيرها من مناطق وسط بيروت‏.‏وقد امتلأت الشقق المفروشة والفنادق الصغري في بيروت ولم يعد هناك موطئ قدم المشهد في بعضها معبر فالغرف التي تتسع لخمسة أو ستة أشخاص في الأيام العادية يقطنها اليوم أكثر من‏15‏ شخصا‏.‏

احد هؤلاء هرب من الضاحية الجنوبية بأقل أمتعة ممكنة موضحا ان الثياب تكفينا ليومين‏,‏ وقد اشترينا الصحون والملاعق لأنه لا يمكننا العودة الي المنزل لإحضارها عائلة اخري مكونة من‏20‏ شخصا يقطنون في غرفة واحدة لكن معنوياتها بدت مرتفعة‏.‏ السبب الرئيسي لتركهم المنزل هو الأطفال وضرورة إبعادهم عن القصف‏,‏ المقومات المادية للعائلة قد تكفي لأسبوع وبعد ذلك الله بيفرجها حسب تعبيرهم‏.‏

كما شكلت منطقة الشوف بجبل لبنان مقصدا حيويا للنازحين الهاربين من القصف بعدما بات خطها الرئيسي المنفذ الوحيد بين بيروت والجنوب الذين اقاموا في المدارس وعدد من البيوت وتشكلت لجنة من الحزب التقدمي الاشتراكي والاهالي من اجل توفير المستلزمات الرئيسية للنازحين من مؤن غذائية ومياه والضرورات الاساسية‏.‏

عائلات ونماذج من المواطنين اللبنانيين الذين حولهم العدوان الاسرائيلي بين ليلة وضحاها الي نازحين في وطنهم من سكان يملكون منازل وحاجات الي مجموعات محشورة في غرف صغيرة بانتظار الفرج‏.‏

ويمثل البحث عن الاحتياجات الغذائية وجها آخر من وجوه المأساة فأمام احد الافران في منطقة كورنيش المزرعة ببيروت تتسابق الايدي لتمسك بأكبر عدد ممكن من أربطة الخبز و يشير صاحب الفرن الي ان الطلب علي الخبز ارتفع من‏3‏ الي اربعة أضعاف الوضع السابق والسبب خوف الناس من جهة وتوقف بعض الافران الصغيرة عن العمل من جهة أخري ويضيف سابقا كان يلزمنا‏18‏ الف لتر مازوت اسبوعيا‏,‏ اما حاليا فقد زادت الكمية نظرا لضعف الطلب علي المنتجات الاخري الا ان المشكلة هي في ارتفاع سعر المازوت‏.‏

رئيس اتحاد نقابات الافران في لبنان كاظم ابراهيم اشار الي ان الافران تشهد زحمة كبيرة ناتجة عن تهافت للمواطنين الذين ناشدهم التحلي بالمسئولية وعدم شراء اكثر من حاجتهم اليومية دون تخزين كميات قد ترمي بعد يوم او يومين واعتبر ان ذلك يسهم في زيادة الازمة‏.‏

واكد ابراهيم ان حاجة الافران من المحروقات والمواد الاولية لصناعة الرغيف متوافرة بكميات كبيرة ولا خوف من انقطاع اي منها وكان تجمع أصحاب المطاحن قد اعلن أن مخزون مادة القمح يؤمن حاجة السوق لمدة تزيد علي ثلاثة أشهر‏.‏

وفي داخل محال السوبر ماركت الكبري التي لاتزال تعمل يمتد الطابور بين صندوق المحاسبة وحتي عمق المحل التجاري بعد ان دفع الخوف من الحرب عددا كبيرا من المواطنين الي اجتياح المحال التجارية لشراء أكبر كمية من المواد الغذائية تهافت علي الشراء والبيع‏,‏ توتر‏,‏ رفوف خالية‏.‏

ويشير مصدر يعمل في إحدي الشركات التي تستورد المواد الغذائية الي تزايد متطلبات المخازن التجارية الكبري‏(‏ سوبر ماركت‏)‏ خمسة اضعاف‏,‏ وعزا الأسباب الي تهافت الناس للتموين خشية امتداد الحرب‏.‏

رغم ذلك اكد عدم ارتفاع اسعار البضائع إلا أنه أعرب عن تخوفه من احتمال نفاد المخزون خلال فترة قصيرة لا سيما مع اشتداد الحصار علي لبنان والذي يستورد كل شيء‏.‏ وأشار المصدر إلي إمكانية نفاد المواد الغذائية من المستودعات قبل المواد الاستهلاكية لانها تملك صلاحيات انتهاء ولم يخزن عدد كبير منها‏.‏

بدوره أشار احد مدراء المحلات التجارية الي تأمين ما يعادل نسبة‏50‏ في المائة من الاحتياجات مع فقدان الخضار والفواكه بسبب تعذر وصولها من الجبال‏.‏ واكد ان المخزون في المستودع لن يلبي حاجات الزبائن إذا لم يزود بالبضائع من مصادرها‏.‏

إلي ذلك شهدت المخازن الكبري في العاصمة حالات من التذمر واليأس ظهرت علي وجوه أرباب المنازل لا أحد يسأل عن الاسعار همهم الوحيد تلبية متطلباتهم وحاجات أطفالهم من حليب وغيرها‏.‏ حملوا سلالاهم التموينية الغاصة بالمعلبات والحبوب وانتظروا دورهم لساعات امام صندوق المحاسبة‏.‏

في الوقت نفسه لم تعرف بيروت منذ أكثر من ثلاث سنوات انقطاعا للتيار الكهربائي أو تقنينا حادا كما هي الحال بدءا من صباح يوم الجمعة الماضي الكهرباء مقطوعة في مناطق لبنان كافة وفي بيروت عدد كبير من الأبنية تمتلك مولدات كهربائية خاصة إلا أن الأمر لا ينطبق علي الجميع‏.‏ أضف أن الأحوال المادية لأهالي الأحياء الفقيرة لا تسمح لهم بشراء مولد صغير للشقة وما يزيد الطين بلة بالنسبة إليهم هو أن انقطاع الكهرباء يأتي في أجواء حرب لا نتيجة أعطال تقنية ما يحرمهم من متابعة الأخبار بالصوت والصورة‏.‏

ويقول محمد عيتاني أحد سكان هذه الاحياء‏:‏ لقد عايشنا الحرب في السابق من دون كهرباء لذا نستطيع تدبير أمرنا والبركة في الشموع التي عادت تحتل اركان المنزل للمرة الأولي منذ عدة سنوات‏,‏ ويعتبر أن الاذاعات يمكن أن تحل بدل التليفزيون لمتابعة الأخبار‏.‏ اما بالنسبة لشراء مولد فيؤكد أنه حتي لو أراد ذلك فلا يعرف أين يتوجه كون الكثير من المحال مغلقة وبعض الطرقات غير آمنة‏.‏ لكن جاره الرقيب ربيع صبرا لا يجد حلا إلا بشراء مولد خاص لشقته أو استخدام الشمع للإضاءة خصوصا أن الوضع المادي لسكان البناية التي يقطنها شبه معدوم لذا يستحيل التفكير بشراء مولد كهربائي مشترك فيما بينهم وعن متابعة الأخبار يمكن اللجوء للراديو أو استخدام بطارية السيارة لمشاهدة التليفزيون‏.‏

علي صعيد آخر لم تكن زحمة المواطنين علي محطات الوقود سوي نتيجة للهلع العام من فكرة الحصار المشدد علي لبنان من قبل اسرائيل فوضع المخزون لدي شركات النفط جيد حتي الآن ويكفي لمدة ثلاثة أسابيع إلا أن الوضع قد يختلف بعد‏20‏ يوما‏,‏ واشار صاحب احدي المحطات إلي ان الشركات تحاول توزيع أكبر قدر ممكن من المحروقات للمحطات خوفا من أي اعتداء علي خزانات الاحتياط أو قطع الطرقات ما يمنع الصهاريج من الوصول إلي المحطات وكان تجمع أصحاب الشركات المستوردة للنفط قد عقد اجتماعا لتقييم وضع مخزون المحروقات لديها‏.‏ وأكد رئيس التجمع بهيج أبو حمزة أن الكمية الموجودة لدي الشركات تكفي حاجة السوق لثلاثة أسابيع اما المشكلة فتتمثل بنقل الصهاريج حيث هناك حذر في التوجه نحو بيروت والجنوب في حين تبقي الحركة عادية اتجاه الشمال وخط الساحل‏.‏

وجوه عديدة لكارثة انسانية واحدة قد تتحول الي مأساة تاريخية اذا استمر العدوان الاسرائيلي الوحشي علي الشعب اللبناني وتدخل موسوعة مآسينا الكثيرة من دير ياسين الي صبرا وشاتيلا‏,‏ واخيرا لبنان المسحوق تحت وابل الصواريخ الاسرائيلية والعجز العربي‏.‏



الاهرام