المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إهداء شعري إلى المرابدة الأزاهر



أبو شامة المغربي
18/07/2006, 10:39 AM
إهداء إلى المرابدة الأزاهر

***

مصرع النسر

***

لبستْ بعدكَ السوادَ العواصمْ

واستقلّتْ لكَ الدموعَ المآتمْ

ودّ لو يفتديكَ صقرُ قريشٍ

بالخوافي، من الردى، والقوادم

دارَ هولُ المصابِ حتى احتوى الكو

نَ، كما دار بالأصابع خاتم

فإذا البحرُ مثقلُ الصدْرِ بالأَحْـ

زانِ، والأفقُ شاحبُ الوجهِ ساهم

وإذا أنتَ، لا ترى غيرَ رأسٍ

مُطرِقٍ وارمِ المحاجرِ واجم

أسْنِدوا «البيتَ» بالصدور، فقد ما

دَ، وخانتْ جدرانهنَّ الدَّعائم

وامنعوا «القبرَ» أن يلمَّ به النا

عي، فينعى إلى «الرسول» «القاسم»

عرفتْ قدركَ العيونُ فأغضتْ

واستعارتْ لها عيونَ الفواطم

فطغى مصرعُ «الحسينِ» على الشَّرْ

قِ، وشُدّتْ على الرماح العمائم

واكتسى مفرقُ الجهادِ جمالاً

بالأكاليل من ذؤابة هاشم

****

«فيصلَ» العُرْبِ، ما هززناكَ إلا

بالجفونِ المقرَّحات السواجم

بالمنى الذابلاتِ، بالأمل الدا

مي، بثُكل الهوى، بفقد المراهم

فهززنا، لما هززناكَ، دنيا

من جمالٍ وجنَّةٍ من مَراحم

قل لتلك العهودِ في رَهَج الحَرْ

بِ، وفي سكرة القنا والغلاصم

قد لمحناكَ في عيون الثعالي

ولمسناكَ في جلود الأراقم

حَدَّثونا عن الحقوق فلمّا

كبَّر النصرُ، أعوزتْنا التراجم

نفحتْنا بها الحروبُ سلاماً

ورمانا بها السلامُ أداهم

قُلْ - وقُيتَ العِثارَ - في ندوة القَوْ

مِ، متى أصبح الحليفُ مُخاصِم؟

أين ذاك الهيامُ في أول الحبْ

بِ، وتلك الموشّحاتُ النواعم؟

كدتُ أخشى عليكمُ تلفَ النفْـ

سِ ببان اللِّوى وظبْي الصرائم

علِّمونا كيف الشفاءُ من الحبْ

بِ، فما يستوي جهولٌ وعالمْ

واذكروا عهدَنا القديم، فقِدماً

بخل الدهرُ بالصديق الملائمْ..

إنَّ تحت الصدورِ جذوةَ مَوْتو

رٍ، وخلف الحدودِ زأْرَة ناقم

ليس في الدهر أوَّلٌ وأخيرٌ

فالبداياتُ كنَّ قبلاً خواتم

لو أفاد العتابُ، ملنا على النفْـ

سِ بما لا تطيقهُ نفسُ نادم

أخذتنا الدنيا بما زيّنتْهُ

من أمانٍ، ونحن بعدُ براعمْ

وعلِقْتم من عهدهم بسرابٍ

كمْ سُمومٍ تحت الشفاهِ البواسم

هفوةٌ، جرَّها الزمانُ علينا

لا ملومٌ أنا، ولا أنا لائم

ذلك الليلُ في السنين الخوالي

سوف يغدو فجرَ السنين القوادم

للتجاريب في الأمور يداها

رُبَّ بانٍ ما كان بالأمس هادم

****

يا قصورَ المنى على شفق الأَحْـ

ـلامِ، كم مُشفقٍ عليكِ وحائم

أطْلَعَتْ شمسُ «فيصلٍ» منكِ للعُرْ

بِ مصابيحَ من شقوق الغمائم

فلمحنا في أفقها وجهَ «هارو

نَ»، وعصراً مخضَّباً بالعظائم

وَقَفَتْ عنده الطوارئُ حَسْرى

من مُكِبٍّ على البساط ولاثم

وتغنّى «الفراتُ» بالسؤدد الفَخْـ

مِ، وحلَّى أجيادَه والمعاصم

وتهادى الزمانُ عن جانبيهِ

أزليَّ الشبابِ، نضرَ الكمائم

أملٌ طاف بالجزيرة ريَّا

نُ طليقُ الهوى، طليقُ الشكائم

حشد العُرْبَ تحت رايته السَّمْـ

حاءِ والعدلَ والعُلا والمكارم

واستردّ الأجيالَ، من مُضَرَ الحَمْـ

ـراءِ والشعرَ والحِجا والمواسم

أملٌ كالسماء في بسمة الفَجْـ

ـرِ، وفي موكب الرياض الفواغم

فرَّ مذ مُدَّتِ الأكفُّ إليهِ

كفرار النعيمِ منْ كفِّ حالم

****

ذلك النسرُ، كيف حلّق وانقضْ

ضَ مهيضَ الجناحِ، دامي القوائم

رجَّةٌ، أجفلَ الكواسرُ منها

ورمى الذُّعرُ في العرين الضراغم

واشرأبّ الوجودُ، ينظر للنَّسْـ

ـرِ على ذروة العروبة جاثم

مدَّ فوق الثرى جناحاً وألقى

شامخاً ما له من الموت عاصم

حاملاً ملء ثوبه من جراحا

تِ الليالي، ومنْ غبار الملاحم

يُطبق الناظِرَيْن، إلا بقايا

من شعاعٍ حول المحاجر هائم

هكذا مصرعُ النسورِ: وِسادٌ

من جلالٍ وقبةٌ من طلاسم

****

قد حملنا الشآمَ من طرفيهِ

فوق بحرٍ من الأسى مُتلاطِم

وسفحنا في «دجلةٍ» قلبَ «لبنا

نَ»، وأجفانَه الهوامي الهوائم

خذْ بهمس القلوبِ في أذن الحُبْ

ـبِ، ودعْ عنكَ كاذباتِ المزاعمْ..

نَسِيَتْ نوحَها الحمائمُ في الدَّوْ

حِ، فجاءت تُصغي إليَّ الحمائم

ومن النَّوْح ما يهزّكَ للعَطْـ

ـفِ، ومنه المدمدِماتُ الهوادم

بشارة بن عبد الله بن الخوري

الأخطل الصغير

*****

د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)