أبو شامة المغربي
02/07/2006, 11:18 AM
بين المعري ودانتي
*****
قرأت بالأمس تقريرا مطولا بثته إحدى وكالات الأنباء عن صدور ترجمة عربية جديدة لــ"الكوميديا الإلهية" لدانتي في أكثر من ألف صفحة، وصدرها المترجم بدراسة مطولة تحدث فيها عن تأثير "الكوميديا الإلهية" الكبير طوال القرون الماضية، وعن اعتقاده بأن إعادة نشرها بالعربية سوف "ينعش التجارب الشعرية العربية الجديدة"، والمؤكد بالطبع ان "الكوميديا الإلهية" هي واحدة من روائع الأدب العالمي، وتأثيرها لاشك فيه.
لكن العجيب في أي دراسة عربية عن دانتي و"الكوميديا الإلهية"، ألا تتضمن حديثا عن "الأصل العربي" الذي استقى منه دانتي مباشرة "الكوميديا الإلهية" مع ان هذه القضية قد حسمت منذ زمن طويل.
فالثابت أن دانتي استقى فكرة، "الكوميديا الإلهية" بل ومضمونها الى حد كبير من "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، والذي اثبت ذلك ليس مؤرخون عرب وانما المستشرقون الغربيون، ولهذا قصة معروفة.
لم يكن معروفا عن "رسالة الغفران" الشيء الكثير حتى اكتشف المستشرق الإنجليزي نيكلسون مخطوطها، ونشر ملخصا للجزء الأول منها في عام 1900 وملخصا للجزء الثاني في عام 1902 وفي عام 1919، أثار المستشرق الأسباني بلاسيوس ضجة كبرى عندما نشر دراسة بعنوان "الإسلام والكوميديا الإلهية" اثبت فيها ان "الكوميديا الإلهية" مقتبسة من "رسالة الغفران".
وأثار ما ذكره غضبا عارما في أوساط الإيطاليين واعتراضهم. وانصب اعتراضهم على أنه لا يوجد أي دليل على أنه قد أتيح لدانتي ان يقرأ "رسالة الغفران" باللغة التي يفهمها.
ولم يأت هذا الدليل إلا عام 1949، عندما نشر المستشرق الإيطالي تشيروللي دراسة ذكر فيها تفصيلا كيف وصلت "رسالة الغفران" إلى دانتي.
ذكر أن الفونسو العاشر ملك قشتالة بأسبانيا أمر بترجمة "رسالة الغفران" إلى القشتالية في عام 1264 أي قبل مولد دانتي بعام واحد.
وفي نفس العام طلب من مترجم إيطالي ترجمتها من القشتالية إلى اللاتينية والفرنسية القديمة لنشرها فيما وراء الحدود الاسبانية، والعامل الحاسم الذي جعل المستشرقين الغربيين يجزمون باقتباس دانتي "الكوميديا الإلهية" من "رسالة الغفران" هو التشابه الكبير جدا بين العملين، مع العلم بالطبع أن المعري كتب رسالته قبل دانتي بقرون.
"رسالة الغفران" هي رحلة خيالية مدهشة إلى الدار الآخرة، الى الجنة ثم الى الجحيم، و"الكوميديا الإلهية" هي نفس الشيء، لكنها تبدأ بالجحيم، والمعري اتخذ له رفيقا في الرحلة يحاوره هو "ابن القارح" ودانتي اتخذ الشاعر الروماني فرجيل رفيقا.
ورحلة المعري تقوم على حوارات مع شعراء وأدباء، ورحلة دانتي كذلك تقوم على حوارات مع فلاسفة وأدباء، وهكذا، بل ان المستشرقين الغربيين اوردوا نصوصا من "الكوميديا" تكاد تكون منقولة بالنص من رسالة المعري.
إثارة مثل هذه القضية اليوم مهم، ليس فقط لأنها من الحقائق التاريخية، ولكن من المهم ان نبرز، في ظل الحملة التي نتعرض لها، فضل العرب والمسلمين على الحضارة الغربية.
نعم، المعري هو الأصل، ودانتي هو الفرع.. في ميزان الحضارة، نحن الأصل ونحن الأساتذة.
(السيد زهرة)
http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=298 (http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=298)
*****
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)
*****
قرأت بالأمس تقريرا مطولا بثته إحدى وكالات الأنباء عن صدور ترجمة عربية جديدة لــ"الكوميديا الإلهية" لدانتي في أكثر من ألف صفحة، وصدرها المترجم بدراسة مطولة تحدث فيها عن تأثير "الكوميديا الإلهية" الكبير طوال القرون الماضية، وعن اعتقاده بأن إعادة نشرها بالعربية سوف "ينعش التجارب الشعرية العربية الجديدة"، والمؤكد بالطبع ان "الكوميديا الإلهية" هي واحدة من روائع الأدب العالمي، وتأثيرها لاشك فيه.
لكن العجيب في أي دراسة عربية عن دانتي و"الكوميديا الإلهية"، ألا تتضمن حديثا عن "الأصل العربي" الذي استقى منه دانتي مباشرة "الكوميديا الإلهية" مع ان هذه القضية قد حسمت منذ زمن طويل.
فالثابت أن دانتي استقى فكرة، "الكوميديا الإلهية" بل ومضمونها الى حد كبير من "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، والذي اثبت ذلك ليس مؤرخون عرب وانما المستشرقون الغربيون، ولهذا قصة معروفة.
لم يكن معروفا عن "رسالة الغفران" الشيء الكثير حتى اكتشف المستشرق الإنجليزي نيكلسون مخطوطها، ونشر ملخصا للجزء الأول منها في عام 1900 وملخصا للجزء الثاني في عام 1902 وفي عام 1919، أثار المستشرق الأسباني بلاسيوس ضجة كبرى عندما نشر دراسة بعنوان "الإسلام والكوميديا الإلهية" اثبت فيها ان "الكوميديا الإلهية" مقتبسة من "رسالة الغفران".
وأثار ما ذكره غضبا عارما في أوساط الإيطاليين واعتراضهم. وانصب اعتراضهم على أنه لا يوجد أي دليل على أنه قد أتيح لدانتي ان يقرأ "رسالة الغفران" باللغة التي يفهمها.
ولم يأت هذا الدليل إلا عام 1949، عندما نشر المستشرق الإيطالي تشيروللي دراسة ذكر فيها تفصيلا كيف وصلت "رسالة الغفران" إلى دانتي.
ذكر أن الفونسو العاشر ملك قشتالة بأسبانيا أمر بترجمة "رسالة الغفران" إلى القشتالية في عام 1264 أي قبل مولد دانتي بعام واحد.
وفي نفس العام طلب من مترجم إيطالي ترجمتها من القشتالية إلى اللاتينية والفرنسية القديمة لنشرها فيما وراء الحدود الاسبانية، والعامل الحاسم الذي جعل المستشرقين الغربيين يجزمون باقتباس دانتي "الكوميديا الإلهية" من "رسالة الغفران" هو التشابه الكبير جدا بين العملين، مع العلم بالطبع أن المعري كتب رسالته قبل دانتي بقرون.
"رسالة الغفران" هي رحلة خيالية مدهشة إلى الدار الآخرة، الى الجنة ثم الى الجحيم، و"الكوميديا الإلهية" هي نفس الشيء، لكنها تبدأ بالجحيم، والمعري اتخذ له رفيقا في الرحلة يحاوره هو "ابن القارح" ودانتي اتخذ الشاعر الروماني فرجيل رفيقا.
ورحلة المعري تقوم على حوارات مع شعراء وأدباء، ورحلة دانتي كذلك تقوم على حوارات مع فلاسفة وأدباء، وهكذا، بل ان المستشرقين الغربيين اوردوا نصوصا من "الكوميديا" تكاد تكون منقولة بالنص من رسالة المعري.
إثارة مثل هذه القضية اليوم مهم، ليس فقط لأنها من الحقائق التاريخية، ولكن من المهم ان نبرز، في ظل الحملة التي نتعرض لها، فضل العرب والمسلمين على الحضارة الغربية.
نعم، المعري هو الأصل، ودانتي هو الفرع.. في ميزان الحضارة، نحن الأصل ونحن الأساتذة.
(السيد زهرة)
http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=298 (http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=298)
*****
د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)