المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قــــــال أبو الفاتـــــك ...



أبو شامة المغربي
17/06/2006, 09:39 AM
قــــــال أبو الفاتـــــك

*****

مما جاء في كتاب البخلاء لأبي عثمان بن بحر الجاحظ:



"... قالوا: ومن أبو الفاتك؟

قال: قاضي الفتيان، وإني لم آكل مع أحد قط إلا رأيت منه بعض ما ذمه، وبعض ما شنعه وقبحه، فشيء يقبح بالشطار، فما ظنك به إذا كان في أصحاب المروءات وأهل البيوتات؟

قال: فما قال أبو الفاتك؟

قال: قال أبو الفاتك: الفتى لا يكون نشافا ولا نشالا، ولا مرسالا، ولا لكاما، ولا مصاصا، ولا نفاضا، ولا دلاكا، ولا مقورا، ولا مغربلا، ولا محلقا، ولا مسوغا، ولا مبلغا، ولا مخضرا.

فكيف لو رأى أبو الفاتك اللطاع، والقطاع، والنهاش، والمداد، والدفاع، والمحول؟

أنا والله أحتمل الضيف والضيفين، ولا أحتمل اللعموظ، ولا الجردبيل، والواغل أهون علي من الراشن، ومن يشك أن الوحدة خير من جليس السوء، وأن جليس السوء خير من أكيل السوء، لأن كل أكيل جليس، وليس كل جليس أكيل.

...

أما قوله: الفتى لا يكون نشالا: فالنشال عنده الذي يتناول من القدر، ويأكل قبل النضج، وقبل أن تنزل القدر ويتتام القوم، والنشال الذي يأخذ حرف الجرذفة فيفتحه، ثم يغمسه في رأس القدر، ويشربه الدسم، ويستأثر بذلك دون أصحابه.

والمرسال رجلان: أحدهما إذا وضع في فمه لقمة هريسة أو ثريدة أو حيسة أو أرزة، أرسلها في جوف حلقه إرسالا، والوجه الآخر، هو الذي إذا مشى في أشب من فسيل أو شجر، قبض على رأس السعفة، أو على رأس الغصن لينتحيها عن وجهه، وإذا قضى على وطره أرسلها من يده، فهي لا محالة تصك وجه صاحبه الذي يتلوه، لا يحفل بذلك، ولا يعرف ما فيه.

وأما اللكام فالذي في فيه اللقمة، ثم يلكمها بأخرى قبل إجادة مضغها أو ابتلاعها.

والمصاص الذي يمص جوف قصبة العظم، بعد أن استخرج مخه، واستأثر به دون أصحابه.

وأما النغاض فالذي إذا فرغ من غسل يده في الطشت نفض يديه من الماء، فنضح على أصحابه.

وأما الدلاك فالذي لا يجيد تنقية يديه بالأشنان، ويجيد دلكهما بالمنديل...

والمقور الذي يقور الجراذق، ويستأثر بالأوساط، ويدع لأصحابه الحروف.

والمغربل الذي يأخذ وعاء الملح فيديره إدارة الغربال، يستأثر ليجمع أبازيره به دون أصحابه، لا يبالي أن يدع ملحهم بلا إبزار.

والمحلقم الذي يتكلم واللقمة قد بلغت حلقومه، نقول لهذا: قبيح، دع الكلام إلى وقت إمكانه.

والمسوغ الذي يعظم اللقم، فلا يزال قد غص، ولا يزال يسيغه بالماء.

والمبلعم الذي أخذ حروف الرغيف، أو يغمز ظهر التمرة بإبهامه، ليحملان له من الزبد والسمن، ومن اللباء واللبن، ومن البيض ..أكثر.

والمخضر الذي يلك يده بالأشنان من الغمز والودك حتى إذا اخضر واسود من الدرن، دلك به شفته.

هذا تفسير ما ذكر الحارثي من كلام أبي فاتك، فأما ما ذكره هو، فإن اللطاع معروف، وهو الذي يلطع أصبعه، ثم يعيدها في مرق القوم أو لبنهم أو سويقهم، وما أشبه ذلك.

والقطاع الذي يعض على اللقمة فيقطع نصفها، ثم يغمس النصف الآخر في الصباغ.

والنهاش وهو معروف، وهو الذي ينهش اللحم كما ينهش السبع.

والمداد الذي ربما عض على العصب التي لم تنضج، وهو يمدها بفمه، ويده توترها له، فربما قطعها بنتره، فيكون لها انتضاح على ثوب المآكل، وهو الذي إذا أكل مع أصحابه الرطب أو التمر أو الهريسة أو الأرزة، فأتى على ما بين يديه، مد ما بين أيديهم إليه.

والدفاع الذي إذا وقع في القصعة عظم فصار مما يليه، نحاه بلقمته من الخبز حتى تصير مكانه قطعة من لحم، وهو في ذلك كأنه يطلب بلقمته تشريب المرق دون إراغة اللحم.

المحول هو الذي إذا رأى كثرة النوى بين يديه، احتال له حتى يخلصه بنوى صاحبه.

وأما ما ذكره من الضيف والضيفين، فإن الضيفين: ضيف الضيف...

وأما قوله الواغل أهون علي من الراشن فإنه يزعم أن طفيلي الشراب أهون علي من طفيلي الطعام، وقول الناس: فلان طفيلي، ليس له من أصول كلام العرب، ليس كالراشن، واللعموط، وأهل مكة يسمونه البرقي..."

*******

د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)