المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حــــــوار ليــس كــأي حـــــوار



أبو شامة المغربي
07/06/2006, 04:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

*****

حـــوار ليس كــأي حـــوار

*****

قال الحجاج لسعيد بن جبير: ما اسمك؟

أجابه سعيد: سعيد بن جبير.

الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.

سعيد: بل كانت أمي أعلم باسمي منك.

الحجاج: شقيت أمك وشقيت أنت.

سعيد: الغيب يعلمه غيرك.

الحجاج: لا بد لك بالدنيا نارا تلظى.

سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها.

الحجاج: فما قولك في محمد؟

سعيد: نبي الرحمة وإمام الهدى.

الحجاج: فما قولك في علي أهو في الجنة أم هو في النار؟

سعيد: لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها.

الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟

سعيد: لست عليهم بوكيل.

الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟

سعيد: أرضاهم لخالقي.

الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟

سعيد: علم ذلك الذي يعلم سرهم ونجواهم.

الحجاج: أحب أن تصدقني.

سعيد: إن لم أحبك لن أكذبك.

الحجاج: فما بالك لم تضحك؟

سعيد: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار.

الحجاج: فما بالنا نضحك؟

سعيد: لم تستو القلوب.

ثم بعدها أمر الحجاج باللؤلؤ والمرجان والزبرجد والياقوت فجمعه بين يديه.

فقال سعيد:

إن كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء في الدنيا إلا ما طاب وزكا.

ثم دعا الحجاج بالعود والناي، فلما ضرب بالعود ونفخ بالناي بكى سعيد.

فقال الحجاج: ما يبكيك؟ أهو اللعب؟

أجاب سعيد: هو الحزن، أما النفخ فذكرني يوما عظيما يوم ينفخ في الصور وأما العود فشجرة قطعت من غير حق، وأما الأوتار فمن الشاة تبعث يوم القيامة.

وهنا اشتدت المحنة وغضب الحجاج وكاد ينهي هذه المحنة ولكنه تريث.

قال الحجاج: ويلك يا سعيد.

فقال سعيد: لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة.

قال الحجاج: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك؟

فأجابه سعيد: اختر أنت لنفسك، فو الله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.

فقال الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟

أجاب سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر.

عند ذلك ضاق الحجاج ذرعا بسعيد ولم يطق صبرا عليه فأمر بإنهاء المحنة.

قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه.

فلما خرج ضحك، فأخبر الحجاج بذلك فردوه إليه، وسأله: ما أضحكك؟

أجاب سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك.

فأمر الحجاج بالنطع فبسط، وقال: اقتلوه.

فقال سعيد: ﴿إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين﴾.

قال الحجاج: وجهوه لغير القبلة.

قال سعيد: ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾.

قال الحجاج: كبوه على وجهه.

فقال سعيد: ﴿منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى﴾.

قال الحجاج: اذبحوه.

قال سعيد: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة، اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.

فذبح من الوريد إلى الوريد ولسانه رطب بذكر الله، وبهذا انتهت محنة سعيد بن جبير رحمه الله.

وبعد مقتل سعيد بن جبير اغتم الحجاج غما كبيرا وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي.

ويقال: إنه رئي الحجاج في النوم بعد موته.

فقيل له: ما فعل الله بك؟

فقال: قتلني بكل قتيل قتلة، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة.

*******


د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)

طارق شفيق حقي
07/06/2006, 10:18 PM
استمتعت أيما متعة بفطنة سعيد
وجزنت بقبج الحجاج وما فعله

نسخة للمجلة