المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصّة من التّراث ... حديث البدويّة وابن ميّاح ..



الدكتور مروان الظفيري
05/06/2006, 04:29 AM
قصّة من التّراث ...
حديث البدويّة وابن ميّاح :




جاء في كتاب المواعظ والاعتبار ، للمقريزيّ :


قال ابن سعيد في كتاب المحلّى بالأشعار عن تاريخ القرطبيّ: قد أكثر الناس في حديث البدوية وابن مياح من بني عمها وما يتعلق بذلك من ذكر الخليفة الآمر بأحكام الله، حتى صارت رواياتهم في هذا الشأن كأحاديث البطال وألف ليلة وليلة وما أشبه ذلك، والإختصار منه أن يقال أنّ الخليفة الآمر كان قد ابتلى بعشق الجواري العربيات، وصارت له عيون في البوادي، فبلغه أن بالصعيد جارية من أكمل العرب وأظرف نسائهم، شاعرة جميلة، فيقال أنه تزيا بزيّ بداة الأعراب وصار يجول في الأحياء إلى أن انتهى إلى حيها، وبات هناك في ضائفة، وتحيل حتى عايناه، فما ملك صبره، ورجعإلى مقرّ مُلكه وسرير خلافته، فأرسل إلى أهلها يخطبها فأجابوه إلى ذلك وزوّجوها منه، فلما صارت إلى القصور صعب عليها مفارقة ما اعتادت، وأحبت أن تسرّج طرفها في الفضاء ولا تقبض نفسها تحت حيطان المدينة، فبنى لها البناء المشهور في جزيرة الفسطاط المعروف بالهودج، وكان على شاطيء النيل في شكل غريب، وكان بالإسكندرية القاضي مكين الدولة أبو طالب أحمد بن عبد المجيد بن أحمد بن الحسن بن حديد، قد استولى على أمورها وصار قاضيها وناظرها، ولم يبق لأحد معه كلام، وضمن أموالها بحملة يحملها، وكان ذا مروءة عظيمة يحتذي أفعال البرامكة، وللشعراء فيه مدائح كثيرة، وممن مدحه ظافر الحدّاد، وأمية بن أبي الصلت، وجماعة، وكان الأفضل بن أمير الجيوش إذا أراد الاعتناء بأحد كتب معه كتاباً إلى بن حديد هذا، فيغنيه بكثرة عطائه، وكان له بستان يتفرّج فيه، به جرن كبير من رخام قطعة واحدة، ينحدر فيه الماء فيبقى كالبركة من سعته، وكان يجد في نفسه برؤية هذا الجرن زيادة على أهل النعم، ويباهي به أهل عصره، فوشي به للبدوية محبوبة الخليفة، فطلبته من الخليفة، فأنفذ في الحل بإحضاره، فلم يسع ابن حديد إلاّ أن قلعه من مكانه وبعث به وفي نفسه حزازة من أخذه منه، وخدم البدوية وخدم جميع من يلوذ بها، حتى قالت: هذا الرجل أخجلنا بكثرة هداياه وتحفه، ولم يكلفنا قط أمراً نقدر عليه عند الخليفة مولانا، فلما بلغه ذلك عنها قال: ما لي حاجة بعد الدعاء لله تعالى بحفظ مكانها وطول حياتها، غير ردّ الجرن الذي أُخذ من داري التي بنيتها في أيامهم من نعمهم إلى مكانه، فلما سمعت هذا عنه تعجبت منه وأمرت بردّ الجرن إليه، فقيل له قد وصلت إلى حدّ أن خيرتك البدوية في جميع المطالب، فنزلت همتك إلى قطعة حجر. فقال: أنا أعَرف بنفسي، ما كان لها أمل سوى أن لا تُغلب في أخذ ذلك الجرن من مكانه، وقد بلغها الله أملها، وبقيت البدوية متعلقة الخاطر بابن عمّ لها ربيت معه يُعرف بابن ميّاح، فكتبت إليه وهي بقصر الخليفة الآمر:
يا ابن ميّاح إليكَ المشتكى//مالِكُ من بعدكم قد ملـككنتُ في حيى مرأ مطلقاً//نائلاً ما شئتُ منكم مدركاً فأنا الآن بقصرِ مؤصـدِ//لا أرى إلاّ حبيساً ممسكاوتلاعبنا برملاتِ الحمـى//حيثما شاءَ طليقٌ سلكـا
فأجابها:
بنتُ عمي والتي غـذيتـهـا//بالهوى حتّى علا واحتنـكـابُحتِ بالشكوى وعندي ضعفها //لو غدا ينفع منها المشتكـىما لك الأمر إليه يُشـتـكـى//هالكٌ وهو الذي قد هلـكـاشأن داود غدا في عصـرنـا//مبدياً بالتيه ما قد مـلـكـا
فبلغت الآمر فقال: لولا أنه أساء الأدب في البيت الرابع لرددتها إلى حيه وزوّجتها به.
قال القرطبيّ وللناس في طلب ابن ميّاح واختفائه أخبار تطور، وكان من عرب طيء في عصر الخليفة الآمر طراد بن مهلهل، فلما بلغه قضية الآمر مع العالية البدوية قال:
ألا أبلغوا الآمر المصطفـى //مقالَ طرادٍ ونِعمَ المـقـالقطعتَ الأليفين عـن إلـفةٍ//بها سمر الحيّ بين الرجـالِكذا كان آباؤك الأقـدمـون//سألتُ فقل لي جواب السؤالِ

فلما بلغ الآمر شعره قال: جواب السؤال قطع لسانه على فضوله، وأمر بطلبه في أحياء العرب ففرّ ولم يقدر علي، فقالت العرب: ما أخسر صفقة طراد، باع أبيات الحيّ بثلاثة أبيات، ولم يزل الآمر يتردّد إلى الهودج بالروضة للنزهة فيه، إلى أن ركب من القصر بالقاهرة يريد الهودج في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، فلما كان برأس الجسر وثب عليه قوم من النزارية قد كمنوا له في فرن تجاه رأس الجسر بالروضة، وضربوه بالسكاكين حتى أثخنوه وجرحوا جماعة من خدّمه، فحمل إلى منظرة اللؤلؤة بشاطيء الخليج وقد مات.

طارق شفيق حقي
09/06/2006, 02:57 PM
هذه القصص تحتل مركز تركيزي

لكن شغلت عنها سنعود باذن الله
الف تحية دكتور مراون