المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فرص العرب الضائعةوالمستقبل



د.أسد محمد
02/06/2006, 07:28 PM
فرص العرب الضائعة
والمستقبل
لقد ضيع العرب فرصا كثيرة ، خلال القرن الماضي ، هي ليست فرصا عادية ، بل أزمات عميقة أصابت المجتمع العربي في مفاصله الفقرية ، بدءا من عدم تمكن و تميكن المجتمع العربي من التصنيع ، وكان الهدف من ذلك بقاء هذا المجتمع تحت سطوة سلطة إقطاعية من الأسهل عليها ضبط المجتمع ،والتحكم بنوازعه نحو الحرية وبناء شخصيته الإنسانية بين خلق الله ، ضاعت الفرصة وكانت ممكنة على غرار ماليزيا التي مرت بظروف مماثلة للعرب من احتلال وتحرر ثم نهضة ،على غرار المكسيك أو جنوب أفريقيا أو كوريا الجنوبية ..
ضاعت فرصة التصنيع ، كما ضيعنا فرصة التخلص من دولة إسرائيل التي ابتلينا بها ، وكان الإشكال معها قابلا للحل لو تم الصراع على النحو التالي : مجتمع عربي – ضد سلطة صهيونية ، على غرار الصراع في جنوب لبنان ، مجتمع لبناني – ضد سلطة صهيونية ، فالحسم الاجتماعي هو الأقدر على دحر أية سلطة مهما كانت جبارة ، ولم يُسمح للمجتمع العربي أن يوجه سلطة إسرائيل المتوحشة ، فالمجتمع اللبناني تمكن من دحرها في أيار من عام 2000م دحرا مروعا ، ولأن السلطة العربية لا يروق لها أن يتحرك المجتمع العربي لأن حراكه سيكون مزدوجا ضد السلطتين : الصهيونية والعربية ، وكان سينجح، رغم ما يعانيه من إرث ثقيل جراء أزمات متتالية كأنها سلالات من أشباح ضبابية ما تبرح أن تفارق هذا المجتمع المبتلي بشرورها ، تمكنت السلطات المحلية وبسبب ضعف مناعة المجتمع ، وقدرته على الفاعلية من ولادة سلطات مركبة : سلطة سياسية ، سلطة دنية ، سلطة عسكرية ، و كلها تشتغل بشكل باشر أو غير مباشر لصالح سلطة خارجية ( السلطة المحلية مأجورة لصالح السلطة الخارجية ) ..
بشكل مباشر : السلطة الداخلية تدفع مالا من حق ومن جهد المجتمع لقوة عسكرية خارجية ( واشنطن ) أو غيرها مقابل أن تحميها من انتقام المجتمع ، تتحكم بالمجتمع وتنهبه وهي وسيط ن مجرد وسيط أشبه بخراطيم تنقل للسلطة العسكرية الخارجية ما تحتاج مقابل أن تبقى قابضة على المجتمع .
بشكل غير مباشر : أن تبقى السلطة جاثمة على المجتمع وتنهبه وتمنعه من النمو والتطور وتسلبه حريته تحت مزاعم مختلفة فتفقدته المناعة والقدرة على مواجهة أية سلطة داخلية أو خارجية ، وبالتالي يبقى ضعيفا ، منتهكا ، خانعا ..
فكلتا السلطتين الحاكمتين في الوطن العربي تتبادلان الدور في قمع المجتمع ونهب خياراته ( النفطية ، وثرواته المختلفة ، الحرية ، الازدهار ، التنمية ..) وأحالته إلى أسواق استهلاكية مرتهنة لصالح الخارج ، فلم يتمكن ولم يقو على هزيمة أي منهما ، فمر من تحت ضعف المجتمع العربي المشروع الصهيوني ( الذي لم ينجح حتى الآن ولن ينجح وعند أول مواجهة بينه وبين المجتمع العربي سينهار ) ، ثم مشروع السلطة الشمولية ، التي تمكنت من الاستمرار في منطقة وكأنها جزيرة من الاستبداد وسط عالم حر يتجدد ، وكأنه قدر علينا ألا نكون كبقية البشر ، بالتأكيد وُضع المجتمع برمته رهينة الضعف لكي تتمكن السلطة من تمرير مشاريعها دون مقاومة منه ، وضاعت منه فرصة أخرى ، ولم يُسمح له باستثمارها ، هي الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي ، وبدل أن يستغلوا الناتج النفطي للتنمية والتطوير وحل مشاكل البطالة والشباب والإسكان والتصنيع والتعليم والصحة ، بددت السلطة الثروة في الحروب ، وفي أزمات جانبية وفي تصدير الظلام، ودفع المجتمع ما دفع من أرواح وأموال ثمنا لضعفه ، وكانت طريقة سرقته : القتل عبر حروب أهلية وبينية ، ثم نهبه ببيع أسلحة وتفريغ مستودعات السلاح ، وكأننا حقل تجارب أو فرصة كلما امتلأت مستودعات السلاح في العالم ندفع ثمنها لنقتل بعضنا البعض ( حرب أهلية لبنانية ، حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة ، الحرب الأهلية في الجزائر ، الحرب الأهلية في الصومال ، الحرب الأهلية في السودان ...) ، والآن ننتظر أن تمتلئ تلك المستودعات لتفرغ من جديد بفعل أزمة تركب لنا في كواليس الاستخبارات الغربية ، كي نقتتل من جديد. والفرصة الضائعة ، والأهم هي عدم التنمية الاجتماعية ، التي استثمر فيها أقل من القليل ، وتكشف الأرقام عن حجم التخلف في البنية الاجتماعية العربية من أمية وبطالة ، و.. مع الإشارة أن العالم تغير خلال عقدين من الزمن بطريقة غير عادية : ثورة معرفية كونية هائلة ، تحولات الاجتماعية كبيرة ، تقدم اجتماعي يقابله انحسار في دور السلطات بطريقة لم يشهد لها التاريخ مثيلا من حيث السرعة ووضوح الأهداف ، وهنا عند هذه النقطة أتوقف ، وأقول عفا الله عما مضى ، خسرنا ما خسرناه ، لكن هل نسمح بأن نخسر هذا الاختبار الجديد ؟ أقصد الدخول في الثورة المعرفية ، لا استهلاكا كما هو حاصل وكما بدأنا غير موفقين في هذا المجال :
- نعم ضاعت فلسطين .
- نعم تقاتلنا بعنف ووحشية .
- نعم لم ننجز المشروع الاجتماعي التنموي .
- نعم لم ننتج الآلة .
- نعم لم نخرج من نظام السلطة الإقطاعية حتى الآن .
ولكن ، هل نفشل مرة أخرى ؟ ولا نستثمر الثورة المعرفية الحاصلة ، هذه الثورة المتاحة لنا ، بل وتدعونا للدخول فيها ، كما أنه متاح لنا، و ممكن جدا ، وأستنهض المجتمع العربي ، وأدعوه للعمل بفاعلية وبكل أطيافه ألا يتهاون في تمرير هذا المشرع ، والتعامل معه جزافا ، وأن يعمل لدفع السلطات نحو تفعيل الاقتصاد المعرفي ، وكل يوم يمر دون العمل في هذا المجال سيكلفنا لاحقا سنوات من الجهد لكي نلحق بالركب العالمي .
نحن مدعوون كمجتمع للضغط على السلطة غير الراغبة في دخولنا إلى العالم المعرفي ، لأنها من غير علم وتقنية وصناعة ، ومن غير تقدم مرتاحة ، وغير منزعجة : مجتمع خامل ، منضبط ، مدار بسهولة ، خائر القوى ، محطم ، مشهم ، خامل ، إدارته أسهل من مجتمع نشيط، فاعل ، و حيوي ، ولكن يجب ألا تمر فرصة الدخول في المجتمع المعرفي : صناعة ، واستهلاكا ، وتجارة ، كما تفعل الهند ، وفنلندا ، وكوريا الجنوبية ، وماليزيا ... نحن لا نريد شراء سلاحا من أحد ، ولا نريد حروبا أهلية ، والمجتمع الفلسطيني سيتكفل بإسرائيل وسيقيم دولته عاجلا أم آجلا ، وأن نبني مصانع للطائرات والمركبات الفضائية وسفن الشحن ، احتمال غير وارد ، لكن أن نبني مصانع لإنتاج أجهزة الكمبيوتر والهاتف ، وتقنية الاتصال ، وتقنية الخدمات ، فهذا متاح وممكن ، نعم فلا نضيع فرصة مع بداية هذا القرن ، لأن الثورة المعرفية متاحة ، و شروط الدخول فيها ممكنة ومحقق لدينا :
1- عقول .
2- مواد أولية.
3- أسواق استهلاك .
4- الطفرة النفطية الجديدة.
كلها متوفرة لدينا ، ويمكن الاستعانة بالشركات المتعددة الجنسيات لنقل التقنية إلى أية مدينة عربية ، وإنشاء مصانع إنتاج هذه السلع المعرفية الضرورية ، والملحة ، وألا نضيع فرصة أخرى من فرص التاريخ ، وعلى مجتمعاتنا التحرك للضغط على السلطات من أجل تنفيذ مطلب التصنيع المعرفي ، والإنتاج المعرفي ، والتسويق المعرفي ، ومن دون ذلك سنخسر المستقبل لألف عام قادم كما خسرنا ألف عام سابق .
فنحن كعرب إذ كنا ولا نزال نعاني من ثلاث أميات :
1- أمية إنتاج الآلة : لم ننتج الآلة ، وبقينا ضمن سيطرة رهيبة لسلطة مركبة داخلية محلية وخارجية استعمارية تنهب خيراتنا ، ولا تزال .
2- أمية الحرية : لم ندخل مواجهة من أجل التحكم والضبط بحريتنا كخيار اجتماعي ، ولازمة وضرورة ، ولا نزال نعاني من استبداد سلطوي لا مثيل له في تاريخ البشرية ، يمنعنا من ممارسة حريتنا كبشر .
3- أمية في القدرة على وعي الذات : فنحن أكثر شعوب العالم لم نتمكن من وعي ذاتنا ، ولم يسمح لنا باستثمار طاقة العقل والانتقال من عمل جسدي وضيع إلى عمل ذهني معرفي .
أما وقد بدأ المجتمع البشري بالدخول إلى استهلاك وإنتاج وتسويق الطاقة المعرفية ( تقنية اتصال ، تقنية خدمات ، تقنية إعلام ، تقنية طباعة ونشر وتثقيف ، تقنية أبحاث ، رجل آلي ..) نحن كمجتمع عربي ، ممنوع علينا من قبل سلطاتنا المحلية أن ندخل هذا الميدان لأن ذلك يضعف مركزيتها لصالح اللامركزية الاجتماعية ، ويضعف من دورها في التحكم بالمجتمع – الأفقي لصالح هرميتها ، وبالتالي أخشى ، أو ربما هذا ما سيحصل ، فكما لم نع ذاتنا ، ولم نحقق الحرية حتى الآن ، ولم ندخل في مرحلة إنتاج الآلة ، فنحن لن ندخل في مرحلة المجتمع العالمي الجديد – المجتمع الرقمي ، وأمامنا مهمة في غاية الخطورة ، إذا لم ننتج ونستهلك ونسوق التقنية الرقمية فسنضيع فرصة ثمنها ألف سنة من التخلف القادم وأمامنا جميعا مهمة في غاية الخطورة ، مهمة العمل والتحريض والجد لكي ندخل المجتمع الصناعي المعرفي( صناعة وإنتاجا واستهلاكا ) علما أن : الموارد الأولية متوافرة لدينا وبكثرة ، والعقول ، والأسواق ، وليس أمامنا سوى الدخول في إنتاج كل ما هو رقمي ، والاستثمار في إنتاجه وتصنيعه.
لا بد من العمل سوية نحو تطوير وتكريس وتنشيط وتوسيع ونشر ثقافة الإنتاج المعرفي بكل أشكاله ، و بكل ما لدينا من وسائل توعية وتوجيه وتثقيف وضغط .
والعمل على التخلص من الأمية المعرفية : إنتاج واستهلاك ونشر وتسويق ، فإنتاج التقنية المعرفية هو خيارنا الأوحد لألف سنة قادمة ، ولا خيار أمامنا سوى التخلص من الثقافة الجسدية – الميكانيكية التي تستند على ثقافة العبودية – الرق - الإقطاع ، والانتقال إلى الوعي المعرفي – ونشر الثقافية المعرفية وهي نتاج خارق وهام ومفيد ويحقق ما يلي :
- الوفرة ، التوازن ، الأمن الاجتماعي ، الكفاية ، الازدهار...
- صيغة موت العمل ...
- صيغة الكل للكل الاجتماعي .
ونحو مجتمع لا مركزي ، لا سلطوي ، حر ، تتحقق فيه الوفرة والكفاية ، ومستجيب للتحولات الاجتماعية الكبيرة في العالم .


د.أسد محمد