المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجــــــــــــود والكــــــــــــــرم



أبو شامة المغربي
12/05/2006, 06:59 PM
الجـــــود والكــــــرم
*******
"...إن الله جواد لا يبخل، وصدوق لا يكذب، ووفي لا يغدر، وحليم لا يعجل، وعدل لا يظلم، وقد أمرنا بالجود، ونهانا عن البخل، وأمرنا بالصدق، ونهانا عن الكذب، وأمرنا بالحلم، ونهانا عن العجلة، وأمرنا بالعدل، ونهانا عن الظلم، وأمرنا بالوفاء، ونهانا عن الغدر.
فلم يأمرنا إلا بما اختار لنفسه، ولم يزجرنا إلا عما لم يرضه لنفسه، وقد قالوا بأجمعهم: إن الله أجود الأجودين، وأمجد الأمجدين، كما قالوا: أرحم الراحمين، وأحسن الخالقين، وقالوا في التأديب لسائليهم، والتعليم لأجوادهم: لا تجاودوا الله جل ذكره، أجود وأمجد، وذكر نفسه جل جلاله، وتقدست أسماؤه، فقال:" ذو الفضل العظيم "، و" ذي الطول، لا إله إلا هو "، وقال: " ذو الجلال والإكرام ".
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لم يضع درهما على درهم، ولا لبنة على لبنة، وملك جزيرة العرب، فقبض الصدقات، وجبيت له الأموال ما بين غدران العراق إلى شجر عمان، إلى أقصى مخاليف اليمن.
ثم توفي وعليه دين، ودرعه مرهونة، ولم يسأل حاجة قط فقال: لا، وكان إذا سئل أعطى، وإذا وعد أو أطمع، كان وعده كالعيان، وإطماعه كالإنجاز، ومدحته الشعراء بالجود، وذكرته الخطباء بالسماح، ولقد كان يهب للرجل الواحد الضاجعة من الشاة، والعرج من الإبل، وكان أكثر ما يهب الملك من العرب مائة بعير، فيقال: وهب هنيدة، وإنما يقال ذلك، إذا أريد بالقول غاية المدح، ولقد وهب لرجل ألف بعير، فلما رآها تزدحم في الهوادي، قال: أشهد أنك نبي، وما هذا مما تجود به الأنفس.
وفخرت هاشم على سائر قريش، فقالوا: نحن أطعم للطعام، وأضرب للهام، وذكرها بعض العلماء، فقالوا: أجواد أمجاد، ذوو ألسنة حداد، وأجمعت الأمم كلها بخيلها، وسخيها، وممزوجها على ذم البخل، وحمد الجود، كما أجمعوا على ذم الكذب، وحمد الصدق، وقالوا: أفضل الجود، الجود بالموجود، وحتى قالوا في جهد المقل، وفيمن أخرج الجهد وأعطى الكل، وحتى جعلوا لمن جاد بنفسه فضيلة على من جاد بماله ..."
أبو عثمان بن بحر الجاحظ
كتاب البخلاء





د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)