PDA

View Full Version : ليـــــس الغريـــــب



أبو شامة المغربي
29/04/2006, 07:19 PM
ليس الغريب




***************************************

لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِِ//
إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ
إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتِهِ//

على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ
لا تَنْهَرنَّ غريباً حَالَ غُربتهِ//

الدَّهْرُيَنْهْرُه بالذُّلِ والمِحَنِ
ِسَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني//

وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها//
الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني//

وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ ساعاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَم//

ولا بُكاءٍ، وَلا خَـوْفٍ، ولا حـَزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً//

عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ//

يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُها//
وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ
دَعْ عَنْكَ عَذْلي يَا مَنْ كان يَعْذِلُني//

لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا بي كُنْت تَعْذُرُني
دَعْني أَسِحُّ دُمُوعاً لا انْقِطَاعَ لَهَا//
فَهَلْ عَسَى عَبْرَةٌ مِنْهَا تُخَلِّصُني
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحَاً//
عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني

كَأَنَني وَحَوْلي مَنْ يَنُوحُ ومَنْ//
يَبْكِي عَلَيَّ ويَنْعَاني وَيَنْدُبُني
وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني//

وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُني
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها//

مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها//
وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا//
بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا فيشِرَا الكَفَنِ
وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ النّاسِ في عَجَلٍ//

نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنــي
وَقالَ: يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً//

حُراً أَرِيباً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِنِ
فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني//

مِنَ الثِّيــابِ، وَأَعْرَاني، وأَفْرَدَني
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً//

وَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني//

غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ
وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لهـا//

وَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً//

عَلى رَحِيـلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُنـي
وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَةٌ//

مِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهـا//

ولا سُجـودَ، لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُني
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا//
خَلْفَ الإِمـَامِ، فَصَلَّى ثـمّ وَدَّعَني
وَأَنْزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍ//

وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني//
وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني
فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً//
وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفـارَقَني
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِمواِ//

حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا//

َأبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ//
مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني
وَهَالَني صُورَةْ في العَين إذ نَظَرَتْ//
فَرِيدٌ.. وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفـاً//

عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُنـي
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لهم//

قَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهـِمُ//

مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَليِ//

فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهــَنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا//

وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلي//

وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَـنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَهــا//

وَصَارَ مَـالي لهم حـِلاً بِلا ثَمَنِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها//

وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها//

هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ
خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها//

لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
يَـازَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً//

يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي//

فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً//

عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـا//

مَا وَضّـأ البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ
والحمدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَا//

بِالخَيْرِوالعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ.
(علي زين العابدين بن علي)












د. أبو شامة المغربي
kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)

مرود المجذوب
18/05/2008, 07:55 PM
فعلا..
الغريب غريب اللحد والكفن..