المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقـــ ــــــــــــ ــــــع



محمد شمخ
28/04/2006, 07:57 AM
وقع -------------------------



فى شارع( النقراشى) وفى طريقى الى منزلى، الواقع خلف المصباح الحكومى فى حارة( على السقا )، كنت أمشى،..أدفع ساقىّ دفعا..أقاوم دغدغة النوم التى تسرى فى جسدى..

كان ميلى للنعاس شديدا، وكان الشارع خاليا..

الدكاكين والورش والمعارض ومتاجر الأدوات النسائية والكماليات والمقهى والكبابجى يوحى منظرها جميعا بأنها أغلقت منذ وقت طويل..

أغرانى خلو الشارع وهدوءه النادر بالتثاؤب، وأن ألوى فمى عن آخره ثم أُضمه، كما لوكنت أبتلع قطعة حلوى..

فى تلك اللحظة - ولا أدرى لماذا تلك اللحظة بالذات - شعرتُ بأنى لستُ بمفردى، وبخلاف بضع قطط وفئران عند أكوام القمامة،
هناك من يمشى فى الشارع غيرى.

خجلتُ من طريقة وصوت تثاؤبى ..أسرعتُ مشيتى، دون أن أحاول الالتفات رغم رغبتى فى ذلك.
السكون يطبق على النقراشى، عدا بعض الموؤات والخرفشات ، والأسفلت يتمدد متعرجا لامعا، والأضواء من فوقه تختنق ببعضها، وحذائى يصدر صوتا خفيفا من عند نعله الذى جددته حديثا،
ومع كل خطوة كنتُ أسمع وقعاً يأتى من خلفى:
- وقع أقدام ؟

- وقع أقدام

- من الخلف؟

- من الخلف

ترددتُ..لكنى واصلتُ السير . حاولتُ إختلاس نظرة الى الخلف. رأيت قطا يحك ظهره فى الحائط ،ويرفع ذيله الى أعلى . وقعت عيناه فى عينىّ ، توقفْ ، أحسستُ بنظرته تثقب وجهى ..
بسملتُ، وأعدتُ وجهى الى الأمام. وجدتُ الوقع يزداد ويقترب ..استبطأت خطْوى ..،دستُ على أطراف حذائى ،حتى حسبتُ أنى أسير الى الخلف،وانتظرتُ كعادتى لما أنتظر فى الأيام تمر- المائع منها أوالمر- إنتظرتُ أحدا يمر..
لكنى سمعتُ وقع الأقدام خلفى يتلاشى شيئا فشيئا ،حتى توقف.

شعرتُ باضطراب فى معدتى ،وبرهبة تخض صدرى. إستعذت ،

استجمعتُ كل بأسى، ولويتُ عنقى فى حركة سريعة الى الشارع من خلفى ..فرّت فئران من أكوام القمامة، وقوّس قط ظهره .


كررتُ إلتفاتتى الى الخلف، وحددتُ عينى فى الزوايا والأركان ،تابعتْ الفئران فرارها والقط شخر،
ولم أر أحدا يظهرفى الشارع غيرى:

- من أين إذن ياتى هذا الوقع؟
- من هنا أكيد..

- من يكون ؟

- أحد أهالى الشارع؟

- ربما ..ولكن لماذا لايظهر نفسه؟ أو ظله على الأقل؟

- من قبيل المداعبة..

- أو يعرفنى !؟ وأية مداعبة هذه التى توقف القلب !؟

- أحد الضالين ؟

- هل يوحى منظرى بشىء يستحق منه مطاردتى!؟

- يكون...؟

- .........

- يكون..؟

- ....



أحسستُ بالتساؤلات فى رأسى كالنار ،وبالعرق يخرج منى ساخنا لزجا..

فكرتُ فى قراءةآية الكرسى ..إختلط أولها بآخرها .
رفعتُ يدى واعتصرتُ أنفى بقوة.. تمنيتُ أن أجرى، بينما ساقىّ لاتقويان حتى على الوقوف . سمعتُ وقع الأقدام يعود خلفى من جديد .
حاولتُ التشاغل عنه بأن أعد أعمدة الكهرباء التى أمر بها... الفكرة راقت لى ، بعد عمود واحد سئمتها ،بل وتخيلتُ كل عمود يرمى بسلاسل صفراء يكبلنى بها ، ثم يجذبنى الى المصباح ويتركنى ، فأسقط فى سواد الأسفلت ليتسلمنى عمود آخر...


اقتربتُ من حارة ضيقة ، تؤدى الى سوق الخضار، فلمّا حاذيتها لمحتُ سيارة زرقاء واقفة فيها ..فى غمقة زجاجها أحسستُ بعيون ووجوه داكنة، تنظر الىّ، تتابعنى:

- يرون؟

- يرون...

- والأقدام؟

- لأحدهم..

- أحدهم .؟.

- أحدهم

- مطاردة..؟

- لم؟

- إقترفتُ شيئا؟

- ماهو؟

- تأخرت؟

- لم أره منذ زمن طويل..وطال الحديث بيننا، وخجلتُ أن أقاطعه..

- وماذا لمّا تأخرت ؟

- إشتباه ؟

- ربما..

- ربما !؟.. ما وجه الاشتباه فى رجل مثلى !؟..لايعشق مثلما يعشق ( الفيشار) ورائحة البن المحمّص..؟! عيناه من التومباك تدمعان ،
ومن عيون القطط يرتعب..؟! يشعر فى الأماكن العليا وأمام صفحة الحوادث بدوار..!؟ يقرأ اللافتات المضيئة بصوت مرتفع ، وليس فى صدره سوى أوراقه وقصار السور...!؟


رغم ألم شديد من مسمار فى نعل حذائى ، كنت أمشى بخطوات سريعة واسعة، وكنت أحس بآلاف من العيون فى الجدران وأبواب الدكاكين ومداخل البيوت والنوافذ المواربة والمغلقة تتابع ما يحدث .

وحين ظهر المصباح الحكومى ومن خلفه منزلى ، رغبتُ فى الجرى توقعتُ أن يلحقوا بى ، فاقتربتُ واقتربتُ ولم أستطع أن أمنع نفسى قفزات سريعة متشنجة فوق درجات المدخل ،

ولاأذكر هل كان الباب مفتوحا.. ؟ أم مواربا ..؟ أم مغلقا..؟

لاأذكر سوى أننى أغلقته بقوة، وألصقتُ ظهرى به ، فشعرتُ بدبابيس حارة تنغز فيه، وبأنفاسى تضرب صعودا وهبوطا فى الهواء الراكد من حولى ، ووقع الأقدام يقترب من الباب .

إنحنيتُ .. جحظتُ فى ثقب الباب، مرة تلو الأخرى ، والوقع يقترب قويا كأنه يأتى من مكبر للصوت، يدوّى فى المكان ، يهز الجدران والأرائك والصور المعلقة وفجأة توقف..

سكنتْ كل الأشياء ، وخيم صمت ثقيل ، فرك عروقى واحدا واحدا ،
وأنا أمطُ سمعى الى كل ما حولى فى الداخل والخارج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد شمخ

طارق شفيق حقي
28/04/2006, 07:19 PM
سلام الله عليك


أولا نرحب بك أجمل ترحيب في المربد

ثم والله اسلوب مدهش رشيق في القص شدني فعلاً وسأعود إليه


نرحب بك مرة أخرى في المربد

أهلا بك