المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغز الغرام



د.أسد محمد
15/04/2006, 10:35 PM
هل استطاع أن يختار شمسه ويرتبها على هواه ؟

لا جواب ، لكن الجو سيكون رومانسيا ، حسب ساعة القلق المنتظرة ،

أو على هنيهة الشفق ، سيطل هلال القرار مشعا دون هالة للعتمة المحيطة في فضاء الرغبة الخاصة جدا.

على سجية القلب الذي انتظر موعدا آخر للخفقان وفق فعل شعار الحرية المستعار من رتابة مضى عليها رمية نظرة ، مضى عليها لحظة انغماس في الانتظار .

هكذا تحول الوقت إلى كائن تم استئجاره على عجل ، وقت سقفه معلق إلى عواطف ملأى بالجذب، وجدرانه ترقب فضفاض ، وسؤال حائر كطائر خارج السرب : هل حان أن أبرهن إن العشق لا يحتاج إلى امتحان ؟

فأنا لست الهدف ، وإن كنت الموطن الأصلي لكل فروع الغرام ، ولست بوابة السلام بما أنني مستعد للبوح بالسر ، ولست بقايا آثر ما دمت قابلا للتهديم ، ولست عقارب الهوا الذي استظل بي على حين غفلة ورماني بثماره الطازجة .

لمن أشتكي ؟ ذاك الذي لم يأت بعد ، وانتظرته طويلا ، كان أنا ، جئت ولم ألق نفسي في المكان ، حضرت ولم تحضر عواطفي ، توقفت بالقرب من ظلي الممطوط كابتسامة ، وافتعلت ضحكة ، كان صداها في داخلي مثل قشعريرة لا تذيبها القبل الدافئة ولا الباردة ، ولا لمسة الذكرى ، ولا شهوة عرجاء ، كنت مثل مرق يغلي دون رائحة ولا نار .

في المكان ، تحت ظلي ، نطقتني كلمة ، جعلتني أروح وأجيء ، وأسخر ، وأكتمل كائنا هلاميا يتمثل ضده ، يعرف كيف يجعل الموعد يأتي إلى الموقد ويتأجج ، ويحترق ، وأحاكم رماده .

فجأة توقفت أحاسيسي عن إطلاق الريح في وجهي ، حامت حولي مثل فراشة ، تأبي أن تقترب مني ، وخجلت أن أركض وراءها ، حسبت أنني آلة للحب لا تعطب ، آلة للهوى أديرها كما أشاء ، أتداول معها شأن فقري ونشوتي وحاجتي للأنثى - بوهمي وحق أطراف عينيها ، بوهمي أنتظر عند رأس ظنوني - كأنني أسير في عكس ذاتي ولا أفهم أين أروح ، وقفت قدمي عند قدمي ، ونزلت قامتي عن استغرابي ، وظلت تدفع بي للمس أصابعي التي برتها مبراة العبور إلى حب صافٍ مثل شكوكي .

يا حبيبي ، من أنت ؟ هل هذا صحيح ؟ سؤال من خلف أضراس المعنى المصاب بالتسوس .

لا حبيب سوى الذي لن تلتقيه ، أنا والهوى صنوان ، دعه بعيدا وامض إلى ذاتك ، تعلم أن شيفرة الأنثى التي تلتقيها في لحظة شغب هي التي تودعك وأنت تشاغب مع اللامرئي من الزمن الذي يلد منك ، ويهرب ، زمن تصنعه بجسدك ، بمجيئك ، بروحك ، وفي النهاية ، لا تجده عندما تستغيث.

الموعد ، الوقت المستقطع من حياة كانت لك لتصبح موعدا يولد منه اليوم، هذا اليوم مثل القلب- دودة قز- انتهى من حياكة شرنقته وحريره ناعم أبيض وناصع يليق أن يرتديه بعد حمام بسائل الفقد، أنا مثل قشرة خارجية بيضاء للنجوم التي قررت الاحتفال بي وقت الظهيرة .

أعرف جيدا أنني لا أعرف ، ومثواي مقتلي بزمرة الطاعة لشيء عظيم ، هكذا علمني أن أحبه وأكرهه في آن ، حيث أنا رمز لكل من يريد أن يعيش، حتى الحب المسكين ، ينتظر مني المجيء كي أمنحه قطعة من تيه يشتري بها وجوده من دكاكيني المفتوحة لكل الباحثين عن لذة ، والموصدة في وجه طائر فرّ مني إليها .

أدعوك يا " أنا " للإقامة الطيبة في بهوي الواسع ، من فضلك أقم ما شئت ، ولا تسألني أي سؤال يخص الضيافة ، سأبقى الملتمس الأبدي لمعرفة الدرب إليك ، وكل مناجاتي لا تتعدى رجائي العجوز : أرجوك ، لا تثق بي ، فأنا ناقص حب ، ناقص غريزة ، وناقص أمل ، وأقبل أن أداس بالحفاة من أقدام ورق التوت الذي سيسقط ، ولا أرجو أن تقبل مثلي بنزول السماء إلى قلبي ، وتدخل معه في خطوط حمر لتجعله أنقى ، لكن ، قبل الخاتمة الممهورة ببصمة صوت ببغاء ، أرجوك أن تقبل أشياء كثيرة باستثناء الاعتراف .

لست بالعزيز ، يا " أنا " تعالي ، اجلسي خارج ثوبي ، خارج دعوتي ، ارتدي كوني المملوك للغشاء المطاطي من لحائي الهارب مع عجزي ، إلى الفضاء الذي يتسع لكل شيء بما فيه رائحة القهوة والثرثرة والفوازير وحوار الآتي مع الأتي مني .

لا تسكن ، لا تتعلم كيف تولد الشهوة ، لا تسأل ، لا تحمل هوية ، لا تستوطن ، فبعد كل هذا ستصبح هدفا سهلا ، ستحمل خنجرا تصنعه من كرياتك الحمراء وتفتك بنفسك ، يا وطن ، يا لهذه الكلمة من جرح يجرحك، تدافع عنه ولا يدافع عنك ، تماما أقل حيلة من الموعد ، ومن الحب ، لأنه موطئ القدم الذي لا تستطيع الحفاظ عليه ، يدعوك لحبه و لا يحبك ، يدعوك للموت ، ولا يموت من أجلك ، تسامحه كلما صافحت نفسك ولا يسامحك ، هل تعرف معنى المشيمة التي تقطع بمقص تكرهه ؟

الأفضل ألا تسأل ، فمغارة الأجوبة تيه يلعب بالريح وبالأنفس .

عفوا ، أيها القادم إلي ، خذني ، أقدم دمي قاربا للرحيل ، أقدم التراب ماء للغرق فيه ، فهذا الدرب الضيق مثل سماء واسعة لا تحتمل إلا معنى واحدا ، كيف يبتلع النجم النجم ويشكل ثقبا أسودَ، من أجل أن أحتار ، أن أكتشف في الموعد أن للموعد نار .

لم تأتي ، لكنني جئت وشراع الحماس يحملني ، التقيت بنفسي ، جعلتني يتيما مثل صفار البيض وسط المحاح ، مثل شعاع تائه يستهدف ذاته بالسقوط على ذاته وينتحر ، الموعد شكل الغرام الذي يضمر معناه ، سلة مني فيها ما تشتهي سوى "أنا" .

كلّم نفسك حتى تتعب ، كلمها حتى النهاية ، اسهر معها كطفل لايزال في رحم البراءة ، أنت بطل لأنك جئت للموعد وسط صرخة خرجت منك دون أن تدرك ، لأنك جئت كي تلتقي مع نفسك ، وتقول لها أشياء بلغة الصمت لا يسمعها أحد سواك .