المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحولات النقد الأدبي



طارق شفيق حقي
01/10/2004, 10:57 PM
تحولات النقد الأدبي 1/2
د. حسن بن فهد الهويمل


1/1 كلمة «نقد» مصطلح مشاكس، ذو أبعاد متعددة: تاريخية، وفنية ووظيفية، ومنهجية، وآلية، ومجالية. لا يستقر شيء منها على قرار، و«الثبات» و«التحول» حين يفهمان على غير ما يجب أن يكونا عليه، تختفي القضايا، وتتضخم الإشكاليات. ولما كان التحول المطلق المعول على الانقطاع المعرفي والتفجير المتواصل لكل ماهو متداول هما الشغل الشاغل عند رموز الحداثة الفكرية المنحرفة، أصبح من الضروري معرفة المرجعية لتحديد المرجعية والمتعلق، ذلك أن الحضارة الإسلامية ذات مرجعية ربانية ملزمة، لها ثوابتها ومتغيراتها.
وكل حضارة لا يعرف مفكروها ثوابتها، ولا يحترمون خصوصيتها حضارة مستباحة. والنقد مع الأزمنة والأمكنة واللغات والحضارات ذو خصوصيات مختلفة، وأحكام وضوابط لمبدأ التحول، لما يضع لها مستهلكو فيوض الحضارات المهيمنة الاعتبار المناسب. والنقد الذي نتوقع منه حسم الخلاف حول النص والقدرة على التوسط بين المبدع والمتلقي لم يحسم الخلاف حول ذاته، وارتداده إلى الداخل عطَّل فعاليته. وإذ يكون الفعل النقدي مراوحاً بين:
التنظير.
والتطبيق.
فإنه بارتداده يقع في احتباس ذاتي، يفوِّت على المشهد مباشرة الفعل الوظيفي، والذين يحصرونه في ضيق الرؤى الذاتية، ممارسين نفي الرؤى الأخرى يضيقون على أنفسهم وعلى الآخرين، وذلك مؤشر ضعف في الملكة التصورية للظواهر والقضايا والمذاهب النقدية. وضيق العطن والاستقطاب حول الذات تولدت منهما دعوى «الوفيات» للظواهر والقضايا، وظهر ما يعرف ب «النقد الجنائزي».
والمتابع الحصيف للتحولات يتعامل بحذر شديد، ولا يتعمد إيقاف التدفق ليكون ك «المصور» الذي يحبس بالتقاط الصورة جزءاً من اللحظة، ثم يتوقف عندها. والمشاهد النقدية يمر بها فئام من القراء، متصورين القدرة على التحبيس كما المصور، يقع في مثل هذا المحذور المتعصبون والمتسطحون، فالموت لا يكون إلا للجانب المادي المحسوس، أما سائر الظواهر فتقع تحت طائلة التمدد والانكماش والغياب والحضور. وحين نرى مشروعية المذهبية، نقف بها دون التعصب، لنتيح الفرصة لقبول التحول المستمر، وإمكانية تبادل المواقع.
وكلمة «نقد» في الجاهلية والإسلام مفهوم عام، ومعهود ذهني، ولم تكن مصطلحاً معرفياً، نقل عن «الشعبي» في القرن الأول قوله: «ما شهدت مثلهم أشد تناقداً»، وفي القرن الثاني أخذت الكلمة بعداً أقرب إلى المصطلحية يقول «المفضل الضبي»: «ولا يتميز الصحيح منها أي الأشعار إلا عند عالم ناقد».
واتخذت الكلمة أوفى مدلولها المصطلحي، عند «قدامة بن جعفر» حين اتخذها عنواناً لكتابين: «نقد الشعر» و«نقد النثر». ذلك فيما يتعلق ببروز الكلمة وتطورها الدلالي، وتحولها المصطلحي، أما من حيث التطبيق والنقد، فهو قائم منذ الجاهلية الأولى، ومقاصده: إما توصيلية، أو تفسيرية، أو تقويمية. وفي العصر الحديث تحول النقد إلى معادل إبداعي، وعُرِّف بأنه: فكرة على فكرة، أو أنه: ضمير الضمير، وعند بارت «قول على قول»، والراصدون لتحولاته تعقبوه: مفهوماً ووظيفةً ومجالاً.
2/1 في صدر الإسلام تحول النقد إلى القيم الأخلاقية، وكان ابن الخطاب أكثر الخلفاء اهتماماً بالشعر، وسعياً وراء استقامة الشعراء. وفي العصر الأموي تجاذب النقادَ والشعراءَ همُّ «الأسواق» و«القصور» و«المنتديات»، فغلَّب نقاد القصور ومجالس الخلفاء والأمراء شعرَ المديح. فيما جنح نقاد الأسواق الأدبية إلى الفخر والحماسة والهجاء المقذع. واستقر ذوو المجالس والمنتديات الخاصة على الغزل والنسيب. وفي هذين العصرين تبدى «التحول» من خلال محورين رئيسين تمثلا في «المفاضلات» و«السرقات» وقد استدعيا التقصي اللغوي والمعنوي والقولَ في الطبع والصنعة والبواعث، ومهاد النقد الأهم إضافة إلى المجالس والمنتديات أسواق العرب ك «سوق عكاظ» في الجاهلية والإسلام، و«المربد» في أواخر القرن الأول، وهي كثيرة استوفاها «الأعشى» في «صبحه»، وخصت فيما بعد بكتاب.
ولما جاء الإسلام أخذ «المسجد» دوره في مطارحة الشعر نقده، حتى لقد وضع «لحسان بن ثابت» منبر للإنشاد. وعند الأمويين جاءت «القصور» رافداً أقوى وأشمل، وفيها برز النقاد اللغويون والنحويون وبدت الخصومة بين الشعراء والنحاة، وطرحت قضايا جديدة كالمبالغات والضرورات والوحشيات والمفضليات، ومن مجالس القصور نسلت المجالس والمنتديات، كمجلس «ابن عتيق» و«سكينة بنت الحسين» و«عائشة بنت طلحة». والراصد لتلك المجالس يتقرى تحولات كثيرة، لم تكن معهودة من قبل، وهي تحولات استدعتها المتغيرات السياسية والاجتماعية والدينية.
والرصد المعرفي الحيادي للنقد يرى أنه في بدايته اتسم بالأحكام العامة والجزئية، واعتمد على الذائقة والانطباع، وركز على القيم الدلالية، وفي صدر الإسلام تجلت المواقف من الفن عامة، وهي مواقف تتراوح بين الحل والحرمة والإباحة المنضبطة. كانت البدايات الأولى على يد «أبي عمرو بن العلاء ت 154» الذي قال فيه الفرزدق:
«ما زلت أغلق أبواباً وأفتحها.. حتى أتيت أبا عمرو بن عمار».
وجاءت أكثر وعياً عند «الأصمعي» و«ابن عتيق»، ولما يبدأ التأصيل النقدي إلا عند «الجمحي» و«بشر بن المعتمر» و«الجاحظ» و«ابن قتيبة» و«ابن المعتز»، ومن التأصيل إلى المنهجية عند «الآمدي» و«الجرجاني»، وفيما بين هؤلاء وأولئك مئات النقاد والعلماء والرواة والموسوعيين والمؤرخين والمترجمين، وآلاف الكتب المشتملة على الدراسة والنقد والشرح والمختارات والرواية والتراجم، وهي في مجملها مرجعيات نقدية ومصادر لدراسة الأدب، والمتعقبون للحركة النقدية تناولوها من خلال ظواهر النقد الإجرائية، تناولوها: قضايا، وشخصيات، وكتب، وتحولات تاريخية. والمثيرون منهم من قعروا رؤيتهم في تأثير «النقد اليوناني»، وفي مباحث الإعجاز البياني للنص القرآني وانعكاسه على الحركة النقدية وفي الموقف من شعر المحدثين.
3/1 لقد كانت حواضر النقد في بداياته الأولى ثلاثاً: الحجاز، والعراق، والشام. وأزمنته الأولى ثلاثة: الجاهلي، والإسلامي، والأموي.
ولاشك أن لكل مكان وزمان تحولاته الساذجة أو الواعية، تجلت فعالية النقد الواعي في محورين رئيسين:
الموازنة بين الشعراء.
والسرقات الشعرية.
ولكل محور مقاييسه العلمية، ففي «الموازنة» نظر النقد إلى مرونة الموهبة واقتدارها المتكافئ في الأغراض، وفي النسيج الشعري المتناسق، وفي مغالبة الأنموذج الشعري، كما نظر إلى مقياس السيرورة وعمق المعاني، ولما يطلق النقاد الموازنة، بل قيدوها بعدد من الوحدات: الزمانية والموضوعية والنوعية، وأقام النقد موازينه على الابتكار والصدق والأخلاق والتلازم، ولعبت الثنائيات دوراً هاماً: ك«الغموض والوضوح»، و«الصدق والكذب» و«القصر والطول».
وألمح النقد إلى قضايا فنية تتعلق بالوزن والقافية والصورة، وقضايا نحوية ولغوية، ولما تكن نظرة النقد إلى قضية «السرقات» بأقل من نظرته إلى «الموازنات». جاء بعض هذا في القرن الأول ومستهل القرن الثاني. ومستجدات قضايا الموازنات والسرقات تعد تحولات عربية خالصة العروبة، إذ لم يكن الإسلام قد انتشر، ولما يتمكن الأدباء والنقاد من استيعاب ما عند الحضارات التي امتدت إليها الفتوحات الإسلامية، وهي تحولات تنبئ عن استعداد ذاتي للإنتاج والتفاعل والاستيعاب والندية، ولا يستبين الراصد مدى القدرة المتميزة عند الناقد العربي إلا إذا نظر إلى أبعاد النقد في الجاهلية ومنجزاته في القرن الأول ومستهل القرن الثاني، وهي تحولات واعية، أخذت بأطراف الفن ومكوناته، وكل فترة زمنية كرست متطلباتها الذوقية والموضوعية، ولم تسبق الطاقة الاستيعابية، ولا القدرة الإبداعية، ولم تكن عند النقاد خلاف ما هي عليه عند الشعراء، فالشعر الحقيقي هو المستجيب لحاجة الأمة.
4/1 استهل القرن الثالث بصحيفة «بشر بن المعتمر ت 210» التي تحدث فيها عن تصوره للأدب واستعداد الأديب وأحوال المخاطبة والأصول التي تجب مراعاتها، والصحيفة أميل إلى البلاغة منها إلى النقد. يليه «الأصمعي ت 216» الذي جنح إلى النقد اللغوي، وإذا كان الأصمعي قد طرح مصطلح «الفحولة» فإن ابن سلام طرح مصطلح «الطبقات» فيما طرح «الجاحظ 255» مصطلح «اللفظ والمعنى» ويأتي «ابن قتيبة ت 276» رافضاً المقياس الزمني المسيطر، ملخصاً رؤى النقاد من قبله، مرتبطاً بالنص من حيث حدوثه، لا من حيث انتماؤه: زماناً أو مكاناً أو ذاتاً، ومنشأ الخلاف ما استجد من شعر المحدثين ك«أبي نواس» و«بشار»، وفي هذا القرن بدأ الطرح المصطلحي الذي واكب القرون اللاحقة.
5/1 وفي القرن الرابع بدت التحولات الواعية في كتاب «الزينة» للرازي، و«التشبيهات» لابن أبي عون و«البرهان» لابن وهب و«الموازنة» للآمدي و«المصون» لأبي أحمد العسكري و«الصناعتين» لأبي هلال العسكري و«الوساطة» للجرجاني و«نقد الشعر» لقدامة، فيما اكتشف أن «نقد النثر» مستل من «البرهان» لابن وهب و«عيار الشعر» لابن طباطبا و«الموشح» للمرزباني و«الأشباه والنظائر» للخالديين. إضافة إلى كتب الإعجاز البياني للقرآن عند الأشاعرة والمعتزلة، وترجمات كتاب الشعر لأرسطو، والموسوعات كالأغاني، وكتب اللغة والفلسفة، وبخاصة إخوان الصفاء، وكتب النحو والصرف، وشراح الدواوين على اختلاف اهتماماتهم، وكتب السرقات والمثالب. وهذه الدراسات والموسوعات أسست لحركة نقدية واعية، ف«الجرجاني» في وساطته تقمص شخصية القاضي لفض المنازعات الفنية والدلالية، و«الخالديان» جليا نظرية التناص تطبيقاً، و«قدامة» مثل الرؤية المقارنة والتأثر الواعي، وهي مرتبطة بتحولات الإبداع الشعري، كما هو عند «أبي تمام» الذي نشأت في ظل تحولاته مذاهب نقدية، حتى لقد فجر شعره مواهب النقاد، ولا يقل «البحتري» عنه في استثارتهم.
6/1 أما في القرن الخامس فقد أسهمت تحولات الشعر وتحيزات النقاد في تفجير أزمات حادة في النقد، تولى كبر ذلك شعر «المتنبي» ولربما كان للفجوة بين تحولات الذائقة الشعبية وثبات المعيارية النقدية سبب أكبر في تأزيم حركة النقد، والشعراء الذين وعوا التحولات العامة، واستجابوا لرغباتها، حفزوا الحركة النقدية على ممارسة العنف النقدي، فظهرت كتب السرقات والمساوئ والرسائل الموضحة، ولقد وجد النقاد أنفسهم بين تحولات الذوائق وثبات المعايير، الأمر الذي حدا بالأكثرين منهم إلى سرعة التغيير، واحتدمت المعارك النقدية حول «القديم والجديد» وكان «المتنبي» محور التنازع، والمعارك بلا شك امتداد لما دار من جدل حول «أبي تمام» و«البحتري» ومن قبلهما «أبي نواس» و«بشار بن برد» ولكنها جاءت مع المتنبي بشكل لم يعهد له نظير، لا في الماضي ولا في الحاضر، ولمَّا يزل المتنبي مجالاً خصباً للتحولات النقدية.
وجاء شعره أكثر شيء جدلاً، إذ لم يكن المتجادلون توصيليين وحسب بقدر ما كانوا مؤصلين لتحولات المتنبي اللفظية والمعنوية. والتمحور حول شعر المتنبي أفرز ثلاث فئات من النقاد: أنصاراً وخصوماً وموازنين بينهما، وظهرت قضية نقدية، تمثلت في الموقف الإسلامي من التجاوزات الدلالية، وتحرر في أثنائها مصطلح «النقد الأخلاقي».
فالقاضي الجرجاني يرى «أن الديانة ليست عياراً على الشعراء» فيما يرى «الثعالبي» أن «للإسلام حقه» ولم يتقيد بهذا المفهوم في الاختيار «لليتيمة»، وفيما مضى تداول النقاد مقولة: «الشعر بمعزل عن الدين»، وقد تأزمت بسبب فهم المقولة على غير مراد القائل.
وظاهرة أخرى تناولها النقاد، وهي «البداوة» و«التحضر» في الأداء والشرح، وعند أصحاب المختارات، وأحسبها وليدة التخوف من شعر المحدثين.
و«شعر المتنبي» و«قضية الإعجاز» من أهم مضامير اللزز النقدي، لقد وضع شعر المتنبي، ومن قبله أبو تمام والبحتري حداً فاصلاً لمفهوم التحول، ولكن كل صيد النقد وعته الخصومة حول شعر المتنبي، والمتعقبون لها لما يتأملوا الرؤى والتصورات، ولم يربطوا ما وصلوا إليه بما هو قائم من قضايا النقد، ولما يزل المتنبي يتمتع بفيوض من القضايا والظواهر التي لو أخذت من أطرافها بوعي لأعادت المعركة جذعة، وربطت النقد بالجذور النقدية العربية التي استدبرها النقاد المعاصرون، تحت وطأة الطوارئ غير العربية. ولن يفوتنا ونحن بصدد تحولات النقد في القرن الخامس اكتمال نظرية «عمود الشعر» على يد المرزوقي، ولا شك أنه محصلة واعية لمنجزات من سبقه من النقاد، كابن قتيبة، وابن طباطبا، وقدامة، والجرجاني والآمدي، وابن فارس، ودقة منهجه مكنته من الاستفادة الحذرة، حيث حصر عمودية الشعر «بالشرف، والجزالة، والإصابة، والمقاربة، والالتحام، والمناسبة، والمشاكلة» وفوق ذلك أشار إلى معايير العمودية. ولن نغفل تحولات أخرى لعل من أهمها «فلسفة النقد» على يد «ابن سيناء». ففي مقدمة «فن الشعر» وفي «الشفاء» تنظير نقدي أقرب إلى المنطق.
فمن تحرير الفن «بعمودية الشعر» عند المرزوقي إلى «فلسفة النقد» عند ابن سينا، ومنهما إلى الذروة عند «الجرجاني» ونظرية «النظم» ثم إلى خلط الأوراق عند «القرطاجني» بدرت تحولات جذرية، غيرت مفاهيم النقد، وإذا كان «البنائيون» اهتموا بالعلامة والعلاقة فإن الجرجاني سبق أولئك، حين نفى أن يكون «للفظة» في ذاتها وانفرادها من تفاضل، والحكم عليها حين تدخل في السياق. ومع أنني أعي كم هو الفرق بين «البنيوية» و«نظرية النظم» إلا أن رؤية «الجرجاني» تحول في الحركة النقدية، لم يُلتفت إليها بالقدر المناسب لها، كمبادرة عبقرية، أقامت وزناً للعلاقات والأنساق، وهي التي تداولها النصوصيون والبنيويون والألسنيون، ومع التوافق
الإجرائي فإن هناك تفاوتاً في الجذور والمآلات، فالبنيوية عبر رحلتها من حقلها الفلسفي بوصفه الأصل إلى الحقل اللغوي، ثم إلى سائر الحقول النقدية والاجتماعية منيت بتحولات في المفهومية والمقتضى، ليس لنظرية النظم شيء منها. ولا شك أن القرن الخامس من أخصب القرون وأحفلها بالتحولات: اللغوية، والدلالية، والفنية، والشكلية، والنفسية.
والناقد الحداثي «جابر عصفور» تناول التحولات في النقد التراثي من خلال ثلاثة أعلام «ابن طباطبا» و«قدامة بن جعفر» و«حازم القرطاجني» حيث تشكل المفهوم الشعري عند ابن طباطبا، وتحدد علم الشعر عند قدامة، وتكامل المفهوم عند القرطاجني، وتمثل هذه المواقف تحولات واعية وجذرية، وقراءة عصفور للتراث عبر ثلاثة كتب قراءة واعية وعميقة، وليست بأوعى من قراءة «محمد مندور».
وعصفور في مجمل استعراضه للتحولات النقدية التراثية يرى الترابط الوثيق بين مجمل النصوص النقدية «فالتراث النقدي عنده لا يمكن أن نقرأه في عزلة عن غيره من النصوص» لأن التراث «وحدة سياقية واحدة» داخل وحدة سياقية أوسع هي التراث. وفيما حررت قراءة «مندور» منهجية النقد العربي، اتجهت قراءة «عصفور» صوب الوعي النقدي التراثي لخصوصية الفن، وقد تناولت من قبل «ملامح الموروث في الظواهر النقدية المعاصرة» في مجال اللغة وفي مصطلح، «الشكل»، وفي مجال «الصورة الشعرية»، وفي مجال «التفسير النفسي» ووقفت على مبادرات تراثية، لا يستهان بها، وإن عدلت فيما بعد عن بعض ما قررت من نتائج.
7/1 وبعد القرن الخامس دخلت أقاليم جديدة في حركة التحولات النقدية تمثلت في «القيروان» و«الأندلس» بعد أن كانت متألقة «في الشام» و«العراق» و«مصر» وليس من شك أن الحركة النقدية في الأقاليم امتداد للحركة النقدية الأم، وإن كانت هناك تحولات عند «ابن خفاجة ت 533» في مقدمة ديوانه، وعند «ابن بسام ت 542» في الذخيرة، وعند «الكلاعي»، وإذا كان «ابن سينا» و«الفارابي» قد توليا طرفاً من التحول الفلسفي للنقد في المشرق العربي، فإن «ابن رشد ت 595» قد عرف الأندلسيين بكتاب «الشعر» لأرسطو، وأعطى النقد بعداً فلسفياً لا أحسبه يماثل ما توصل إليه المشارقة، وقد لوحظ عليه سوء الفهم للمصطلحات الواردة في الكتاب، ولكنه استطاع أن يسهم في تحولات كثيرة.
وفيما بين القرن السابع وعصر النهضة لم تكن هناك تحولات، وإنما هي مراوحة بين الثبات والارتداد والإغراق في المعيارية البلاغية، ويجب أن نلمح إلى أن النقد سار جنباً إلى جنب مع البلاغة، ولما يستحضر العلماء والنقاد أن النحو والصرف والبلاغة وعلم اللغة آليات نقدية، وليست غاية في نفسها ، ولو أتيح الدمج بين الآلية والمنهج لكان للحركة النقدية شأن خطير. هذه إلماحات لا تحرض على الارتداد للماضي، ولكنها تود استصحابه وتلقي فيوض المستجدات لإثراء الحركة النقدية.

صلاح الحسن
21/05/2005, 10:42 AM
الأدب صدى االواقع

والنقد مواكب له

ولطالما داخل الأدب في باب

طذلك النقد

ولاتوجد نظرية نقدية
شاملة
صالحة لكل العصور

أما نحن علينا ان نبتعد عن الاستهلاك النقدي لما ينتجه الغرب

وأيضا أن ببتعد عن نقد المجاملات واطلاق القيم وتدجين الادب

ولنحاول الاستفادة من نقد الغرب ونقدنا المعاصر وتراثنا النقدي القديم

ولاسيما عبد القاهر الجرجاني

ونواجه ابداعنا بصدق أكثر

ومنطقية

وإلغاء الضمائر التي تدخل بيننا وبين النص

ولنكن أحراراص

مصطفى معروفي
05/10/2005, 10:49 PM
أرى أن المقال اعلاه يتحدث بإسهاب وفي نفس الوقت بإيجاز! عن التحولات التي شهدها النقد العربي على امتداد الحقب والقرون،ويبدو في نظري أن السؤال المركزي في هذه المسألة هو:ماهي دواعي هذه التحولات؟هل هي ناتجة عن التحديات التي تطرحها النصوص الأدبية في كل عصر وبالتالي تعتبر التحولات إياها استجابة؟أم أن النقد كان يطرح التصورات والنظريات من أجل إنتاج نص أدبي بمواصفات جديدة؟
لقد كان النقد القديم -أو في جله- نقدا معياريا،بمعنى أنه كان يرى المثال في النموذج السابق ،ومن ثم كان يعتبر أن أي خروج على النموذج هو خروج عن "الكمال"والسقوط في الإسفاف ،اي خروج على الشرعية ،إن صح التعبير.ولقد رأينا كيف عومل أبو تمام وأبو نواس عندما حاولا الخروج على النموذج وفتح آفاق جديدة للقصيدة الشعرية،حتى قال أحدهم في أبي تمام:"إن كان مايقوله هذا الرجل صحيح فكلام العرب باطل" .
وأما أن النقد كان يفتح تصورات جديدة على ما ينبغي أن يكون عليه النص الأدبي ويطرح النظريات في ذلك ،فأرى أن ذلك كان منعدما ،ربما لأن الارتكان إلى السائد والمألوف فيه إحساس بالأمن والطمأنينة.
أما النقد الحديث فيطرح عدة إشكاليات في علاقته بالنص الأدبي العربي ،فالناقد أصبح يمتح ويستورد أدواته ومفاهيمه من مصادر متعددة ،ومن الغرب بالخصوص،وكثير من النقاد لا يتمثلون جيدا المفاهيم النقدية التي يستوردونها،ولا يستوعبونها الاستيعاب اللازم ،لذا تأتي مقارباتهم النقدية للنصوص الأدبية فيها من التعسف والقسر الشيء الكثير.
أخي طارق أشكرك على إتاحتك الفرصة لأبدي هذه الملاحظات.
طايت أوقاتك.
أخوك:مصطفى